{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
أبو إبراهيم غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
مشاركة: #1
من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
اليوم سننفذ حكم الإعدام بسفاح طالما أقلق بنات مدينتنا وأهاليها. شخص لم تر مثله مدينتنا قط، استطاع خلال بضع سنوات أن يختطف العديد من طالبات الجامعة ويقتلهن بعد أن يقوم باغتصابهن. فروع الجميع حتى أتى هذا اليوم.

ليس هذا هو المهم في الحقيقة. المهم أن في حارتنا مجنوناً. وكل حارة في مدينتنا لديها مجنونها المسجل رسمياً باسمها. أطلق عليه سكان حارتنا الشعبية التي تتوسط المدينة لقب "أبي الريش"، بسبب عادة تعودها منذ صغره. إذ كان يعشق جمع ريش الطيور ليلصقه على ثيابه ومدخل دار أهله القديم ومدخل الحارة وجدرانها وجدار من يشفق عليه بوجبة طعام أو هدية صغيرة، وعلى كل ما خطر بباله أن يزين.

أبو الريش ليس مجنوناً بما للكلمة من معنى. فهو شخص بسيط مسالم. قد تنخفض قدراته العقلية عن غيره، ولكنه أيقونة الحارة ومصدر قصصها اليومية المضحكة أو المحزنة أحياناً. كثيراً ما كان الناس يسألونه أسئلة غارقة في الحكمة، ليجيب بكل براءة وبراعة في الآن نفسه. وكثيراً ما كان الجميع يتبرك به في الموالد والمناسبات، لطيبة ونظافة قلبه.

كان غالباً ما يستوقفني في الشارع وأنا راكب سيارتي، ليقول لي "رحم الله أباك كان كذا وكذا"... كان يتذكر تفاصيل في حياة والدي المتوفى منذ خمسة وعشرين عاماً. وكنت أعطيه وقتها نصيبه مما معي سواءاً أكان نقوداً أم مشتريات، طالباً منه أن يدعو لي ولوالدي وعائلتي. وغالباً ما كنت أوصي سائقي بأن يشتري له كذا وكذا ولا يتركه في حاجة أحد.

لم يكن يغيب عن أعين أهل حارتنا، فإن غاب فهو مع أطفالها يلعب كرة القدم أو البلية، أو مستضاف من أحدهم ليطعمه أو يسقيه.

سأخبركم لاحقاً لم خطر على بالي أبو الريش وأنا هنا في ساحة تنفيذ الحكم بذاك السفاح المجرم. ولكن ما يمر بخاطري أيضاً الآن هو مجمل حياتي المهنية منذ ثلاثين عاماً. منذ بدأت كملازم في أحد المخافر في قرية نائية بعيدة عن مدينتي، مروراً بترقياتي المتعددة والجهات المختلفة التي عملت فيها كإدارة مكافحة المخدرات، حتى انتهيت مديراً للشرطة في مدينتي.

بحكم منصبي في الشرطة، كنت مشرفاً شخصياً على التحقيق في قضية سفاح الجامعة. وكنا نقوم بالاستجواب والتحقيق في كل مرة تحصل فيها الحادثة. ووضعنا مخبرين في نهاية المطاف في كل زاوية من زوايا الجامعة وأركانها. عبث على عبث. إذ كثيراً ما تناقضت الشهادات، وتباعدت الشكوك. ولكن ما اجتمع لدينا من معلومات اعطانا فكرة عن شخصية المجرم. شاب بين العشرين والثلاثين، لديه سيارة فارهة أو أكثر من سيارة واحدة، يقوم باستدراج طالبات الجامعات الجديدات والقادمات حديثاً من قراهن، ثم يقوم بفعلته الشنعاء معهن ليرمي جثتهن في ضواحي المدينة. هل كان لديه شركاء؟ لا أعتقد. فالشريك غالباً ما يؤنبه ضميره سريعاً في حالات كهذه، ويقدم إلينا للإبلاغ عن كل شيئ.

مؤخراً قررنا تطوير طرق التحقيق لدينا، وعقدنا صفقة مع شركة أجنبية متميزة لشراء أجهزة تحليل تعطينا فكرة عن جينات المغتصب، مما قد يؤدي إلى احتمال كبير للقبض عليه في حال اشتباهنا بأحد. كما تجمعت لدينا بعض المعلومات عن المنطقة التقريبية التي يقيم فيها المجرم : ضاحية معروفة بعيدة عن مركز البلد قريبة من الجامعة حيث تمت الجرائم. وحامت الشكوك حول ابن شخص معروف ومرموق في بلدنا، بعد أن توجهت نتائج عدة تحقيقات منفصلة إليه. وقمت بتقديم تقرير رسمي بهذا الأمر إلى الوزير شخصياً وطلبت منه اتخاذ القرار الصائب لما في الأمر من حرج.

المهم أننا كنا قد اقتربنا كل القرب من التقاط المجرم، حين دخل علي سميح ضابط عين مؤخراً في مديرية الشرطة التي أديرها، وأدى التحية ليخبرني أنه وصلته معلومات عن هوية القاتل ومكانه، وأن كل التحقيقات السابقة ملغاة بأمر من السيد الوزير نفسه. أذهلني الخبر. هذه أول مرة تحصل معي في تاريخي المهني. تحقيق كان في طريق مسدود، وصرنا على وشك أن نحله بطرق حديثة وقاب قوسين أو أدنى من الجاني، وفجأة يعين محقق جديد مبتدئ ويلغي كل ما سبق من معلومات. أمرت الضابط بالعودة إلى مكتبه وطلبت منه ألا يأتي إلي مجدداً ولا يتكلم في الموضوع إن لم يشأ إخباري عن مصدر المعلومات وأمانتها. وأخبرته أنني لا أتلقى أوامر من ضباط ذوي رتبة أقل من رتبتي. لسنا نلعب في مديريتنا. ورمي التهم قد يقوم به شرطي صغير في مخفر ناء على سارق مذياع صغير أو جهاز تلفزيون، ولكننا بخبرتنا وطرق عملنا لا نقوم إلا بما تمليه علينا المعلومات الموثقة أو المتحقق بها.

في صباح اليوم التالي، أتاني هاتفان من مسؤول مرموق في الدولة ومن الوزير شخصياً، وسألاني إن مر علي الضابط سميح وأخبرني عن مكان المجرم. إثر جذب ورد بيني وبينهما تبين لي أن بعض المسؤولين الكبار نووا التدخل في القضية وحلها بشكل علني سريع، وبصراحة إلباس التهمة لشخص ما، بحجة ألا يقال بأننا عاجزون عن ضمان الأمن والأمان. حاولت أن أقنعهما... سميت لهما اسم المتهم الحقيقي... وفي النهاية وافقت على مضض. لم أكن راضياً عن هذا ولكنني كنت مجبراً. إن لم أوافق سأخسر منصبي وقد أخسر كل عملي وأجلس في بيتي بتقاعد سابق لأوانه. اتصلت بالضابط سميح، وأمرته أن يأخذ فرقة مداهمة ويلقي القبض على "الجاني" المزعوم، ويقوم بما يلزم من إجراءات، وأنني بدءاً من اليوم خارج الموضوع كله.

نزلت مساءاً لأقابل المتهم في الزنزانة في قبو مديريتنا. وقد سرته رؤيتي، إذ يعرف عني أني رؤوف بالناس وأقل عنفاً وسطوة من بقية الضباط. أمرت له بطعام جيد وسرير أفضل من سريره. كما أمرت بألا يضرب ولا يهان أو يعذب. وأوقفت سائقي الشخصي على باب الزنزانة وأوصيته بأن يحضر له كل ما يلزمه : أغطية من البرد، صابون ومنشفة لينظف نفسه، فواكه، جهاز راديو، كل شيئ يطلبه. قبيل الإعدام بساعات زرته، فقال لي إن الحارس أخبره بالقصة، وأنه فهم ما سيحصل له. أخبرني أنه لا يلومني ولن يدعو علي أو يرجو لي شراً. ولكنه دعا الله أن ينتقم له بما يستحق.

لا تؤاخذوني، فقد شردت بعيداً عما كنا نفعل. فالحزن يقتلني لما نفعل وأنا غير قادر على الكلام. وما الداعي أيضاً لسماع خطاب الوزير يمدح الأمن والأمان الساهرين على بلدنا في ساحة الجامعة حيث تمت الاختطافات ويتغزل بالعدالة التي أخذت مجراها، وما الداعي لكل هذا النفاق والدجل. أكاد أؤكد حتى الجزم، أنه بتنفيذ هذا الحكم، لن تحصل أي جريمة جديدة في الجامعة. وأعلم علم اليقين، أن هناك مجرماً أفلت من العدالة إلى الأبد، كنا سنصل إليه لولا كلمة لولا... اجتمعت الكثير من فتيات الجامعة في الساحة، ووراء النوافذ وعلى الشرفات يشهدن تنفيذ الحكم بقاتل زميلاتهن المزعوم، ويرين العدالة تقع أمام أعينهن. وتحت وطأة تكاثرهن على إحدى الشرفات، وفي لحظة تنفيذ الحكم، وقعت تلك الشرفة فهوى إثرها ما يقرب العشرين فتاة من الطابق الخامس، وهوت معها بضع ريشات من يد المشنوق، كان قد طلبها من سائقي ليلة إعدامه...
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 03-20-2011, 10:10 AM بواسطة أبو إبراهيم.)
03-20-2011, 10:09 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #2
الرد على: من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
إنها الوضاعة والانحطاط فى مجتمعات تدعى الدين وهى لا تعرف العدالة

قصة جميلة يا رفيق Smile أياً كانت حقيقتها، فهى واقعية
03-21-2011, 04:00 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
هاله غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,810
الانضمام: Jun 2006
مشاركة: #3
RE: من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
قصة راااااائعة فكرة و عرضا

214152121415212141521
03-21-2011, 03:34 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
(ذي يزن) غير متصل
عضو فعال
***

المشاركات: 225
الانضمام: Aug 2010
مشاركة: #4
الرد على: من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
رحمة الله عليه


ابداع هذا الكاتب
03-21-2011, 09:50 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
SH4EVER غير متصل
بحراني
*****

المشاركات: 2,057
الانضمام: Mar 2005
مشاركة: #5
الرد على: من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
قصة جميلة و لكن .... لم أعرف موقع المجنون أبو الريش في نهاية القصة .... أحسست أن الكاتب ركز عليه في البداية كشخصية محورية و أهملها تماما .... أنا فهمت المغزى و لكن الخطأ الذي وقع فيه الكاتب و الذي فهمته بعد فترة ... أن الضابط الجديد ألقى التهمة على المجنون أبو الريش ... و الكاتب أغفل هذه المعلومة ... حتى حسبت أن المجنون سيكون له دور لولا المعلومة الأخيرة .. عندما طلب الريش من سجانه .

جميلة
03-23-2011, 01:07 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
هاله غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,810
الانضمام: Jun 2006
مشاركة: #6
RE: من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
زميلنا SH4EVER

اقتباس:أحسست أن الكاتب ركز عليه في البداية كشخصية محورية و أهملها تماما

الكاتب لم يهملها بل على العكس كان يقترب منها (يوم الاعدام) ثم يبتعد (فلاش باك) ثم يعود اليها (في الزنزانة) و يختم بها (تطاير الريش) مثلما بدأ بها.

اقتباس:و لكن الخطأ الذي وقع فيه الكاتب و الذي فهمته بعد فترة ... أن الضابط الجديد ألقى التهمة على المجنون أبو الريش ... و الكاتب أغفل هذه المعلومة ... حتى حسبت أن المجنون سيكون له دور لولا المعلومة الأخيرة .. عندما طلب الريش من سجانه .

الكاتب لم يقع في خطأ بالعكس حبك قصته جيدا جدا فهو سمى اسم الجاني الحقيقي و خضوعا للأوامر العليا أمر بفرقة شرطة للقبض على الجاني المزعوم. لم يخبرنا حتى هذه اللحظة ان هذا المزعوم هو "ابو الريش" حتى يترك هذه المعلومة للحظة التنوير في نهاية القصة.

ليس الضابط الجديد هو من ألقى التهمة على "ابو الريش" بل الهوامير اللي فوق هم الذين اختاروه كبش فداء و ما الضابط الجديد الا مثل المحقق القديم مواطنين و موظفين لا خيار أمامهم الا الانخراط في طوفان الفساد الكبير و الا ...

Emrose






03-29-2011, 01:35 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
أبو إبراهيم غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
مشاركة: #7
RE: من مذكرات الجيل والحمير : سفاح المدينة الجامعية
أشكر لكم تحليلاتكم، نقدكم، أو مدحكم....
وردة لكم جميعاً.

الآن أنا ضابط متقاعد.....

عندما تدور هذه الأحداث ومثيلاتها في مخيلتي يلسعني بعض الندم والمرارة.....

وردة لكل من ذهب ضحية تآمر وقلة ضمير.....
04-01-2011, 10:21 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  لقاء في المدينة تروتسكي 29 4,532 01-02-2014, 03:53 PM
آخر رد: Jerry
  مذكرات مثقف جدا! forat 7 1,328 04-13-2012, 02:52 PM
آخر رد: نظام الملك
  من مذكرات الجيل والحمير : بائع اليانصيب أبو إبراهيم 0 520 11-25-2011, 09:48 PM
آخر رد: أبو إبراهيم
  من مذكرات الجيل والحمير : مؤتمر المغتربين. أبو إبراهيم 6 1,592 10-20-2011, 11:25 AM
آخر رد: أبو إبراهيم
  من مذكرات الجيل والحمير : يوميات مستر سميث.... أبو إبراهيم 8 2,132 10-06-2011, 04:38 AM
آخر رد: نظام الملك

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS