بقلم / فارس اللواء
أزمة عربية في مقابل أزمة غربية
فكرة عدم تعايش المسلمين مع غيرهم في مجتمعاتهم ليست مطلقة ، فكما نري نماذج سيئة هناك أيضا نماذج حسنة وفي المحصلة يتسم الإنسان العربي بالسماحة، ولكن هناك فارق بين السماحة وقبول الآخر فالسماحة تأتي من فكرة التنازل أو الصفح والعفو، أما فكرة قبول الآخر تأتي من فكرة الحقوق وهناك فارق بين الفعل بخلفية حقوقية وبين فعل آخر به نوع من الوصاية...
وهذه القسمة العقلية بين السماحة وقبول الآخر كثيرا ما تجد خلطا من الإسلاميين وبالتالي من العوام وهذا سبب من أسباب الصدامات الفكرية وأحيانا البدنية التي تشهدها الساحة العربية...
هناك قِيم إنسانية مشتركة تجمع بين الناس وهي الحد الذي تستهدفه دعاوي التقريب والتعايش، ومن أهم هذه القيم الإنسانية هي العدل والمساواه ،ومن سبل الحصول عليها هي عملية الإندماج بين العاملين الروحي والثقافي وقيادة الشعوب وهويتهم، بالإضافة إلي ترسيخ فكرة قبول الآخر بجميع مقوماتها لدي الأجيال حاضرا ومستقبلا...لأنه ولا شك فالإضطرابات مع الآخر في العالم العربي تنتج في العادة من فكرة الوصاية التي تعد أكبر عامل لنزع الحقوق وتَخيل العداء..
بالتأكيد إن من أبرز الشواهد التي أثرت علي الوعي العربي والإسلامي في الغرب هو طبيعة تلك المجتمعات التي رضيت بالتعايش وقبول الآخر منذ زمن بعيد، أي قبل عصر ما يسمي لدينا "بصدمة الحداثة" وبالتالي فليس من المستغرب أن نجد أقواما راحلة تأتي علي تلك المجتمعات وتتصف بما يوصفون به، إذا المشكلة هي ثقافية بامتياز والأهم من ذلك أن تلك الصفات التي يوصف بها الإنسان الغربي هي بالأصل مكتسبة هذا لأن تاريخ أوربا في الحروب المذهبية والسياسية ثابت...
علي جانب آخر فكثيرا ما يعزو أصحاب فكرة الفصل الكامل بين الدين والدولة تلك الأزمة العربية إلي صحة أفكارهم التي تقضي بضرورة الفصل لرفاهية الشعوب وعيشها بسلام، فهم يرون كما يبدو بأن الوصاية الدينية علي المواطن ستُنتج مواطنين منافقين يعملون في السر ما يخافون إعلانه وبالتالي نزع القيم الحضارية منه وبدلا من إنتاج أفكار تدعو إلي المواجهة والصراحة أنتجت بدلا منها أفكار تدعو إلي الخوف والرهبة...ربما تكون الفكرة ناقصة بعد ولكن هذا حسب استقرائي لبعض أفكارهم في هذا الصدد..
ومناقشة ذلك تتطلب نوع من الجرأة والصراحة فحقيقة الفصل الكامل بين الدين والدولة كمفاهيم واستراتيجيات هي عملية معقدة للغاية ربما تضر المجتمعات المتدينة-كالمجتمع المصري علي سبيل المثال-هذا لأن القيم العلمانية لم تصل بمفهومها الرخو كما وصلت بمفهومها الصلب المعادي للدين، وهذا يعود بالأصل إلي نزعة الغلو والتشدد التي اجتاحت المنطقة العربية في العقود الخمسة الأخيرة، الأمر الذي أنتج لدينا أفكارا معادية للحداثة وللعلمانية بإطلاق، وتناسي المعادون بأن فكرة تنظيم الشعائر الإسلامية في بلاد الغرب دون الاصطدام مع القيم العلمانية هو الذي أنتج هذا التعايش، فكان من الطبيعي جدا أن تصطدم تلك الشعائر مع بعضها داخل مجتمعات تعادي العلمانية بشكل مطلق رغم أنها تؤمن بكثير من القيم التي بُنيت عليها تلك العلمانية دون أن تفهم مصادرها كنتيجة طبيعية لنزعة التشوية والاستعداء..
ومن تأتي ضرورة التعريف الصحيح بالعلمانية ومفاهيمها في محاولة لفهم واقع غاب عنا نتيجة اختلاف ثقافي معرفي ،وبهذه المناسبة أحيل القارئ الكريم إلي كتاب"العلمانية" للدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله، فهو من أفضل من تحدث في هذا الشأن بتوسع عقلاني يتسم بالاستدلال والمنطقية، وفيه سنقف علي حل هذه المعضلة والتي اختصرها فضيلة الدكتور في تقسيم العلمانية إلي علمانية جزئية وهي من صميم الثقافة الإسلامية، والأخري علمانية شاملة وهي ليست فقط ضد الدين بل أيضا ضد البشرية..
الخلاصة في هذا الشأن أن وجود مجموعة متشددة من المسلمين لا تقبل الآخر ولا تدعو للتعايش معه ليست حجة إنما هي حالة لا يٌقاس عليها في ظل مجتمع يتصف بالسماحة والقيم الأخلاقية أكثر من غيره، وإن كانت القضية بها نوع من طلب الفهم والعلم فهما وإن تأخرا قليلا ولكنهما حتما سيظهران بعد طول غيبة....
المصدر/
مدونتي ميدان الحرية والعدالة