(08-27-2011, 09:06 PM)طنطاوي كتب: انا مصدوم من راي العلماني في النص : فصحيح انه مكتوب بلغة تلقائية معتادة ، الا ان صدق مشاعر الكاتب ودقته في وصف تفاصيل ما يحكيه هي ممتازة جدا ، كما ان التشبيهات قوية كما يشبه حبيبته الخارجة من الحمام بالزهرة او يشبه ماء الاستحمام بالكطر الدافئ . دعك بالطبع من ان فكرة النص هي من بنات افكار الكاتب ويجب ان تضاف في تقييم النص.
يعني اعتقد هو يمكننا ان نحكم بانه نص جيد (بكثير من التحامل) .
أهلين طنطاوي، كيفك؟
صدق المشاعر يا صاحبي لا ينتج لك أدباً، فالطفل في ضحكه وبكائه يكون صادق المشاعر دون أن يبدع جملة أدبية واحدة، بل ان الحيوان نفسه يتألم ويحزن ويغضب ويسعد، ولكن نباح الكلب لملقى صاحبه بعد غياب يبقى نباحاً، والصوت الذي يند عن هرّ يهجع فوق فراش وثير يبقى تعبيراً أخرساً عن السعادة ليس إلا.
صدق المشاعر مطلوب في الأدب لأنه "وسيلة" تتيح للكاتب إنتاج نص ذو زخم يقنع السامع و"يملأ عين القاريء". بل ان صدق المشاعر ليس مهماً بتاتاً ان استطاع الكاتب أن يجد لكلماته صدى في نفوس القراء فيتماهون مع نصه ويستشعرون ما يريد تمريره من مشاعر وأحاسيس. لذلك، فما يهمني في حضرة النص الأدبي ليس مقدار الصدق في مشاعر الكاتب ولكن مقدار ما يفعل النص الأدبي في نفس قارئه؛ فالأدب، والفن عامة، ليس "انفعالاً" بحد ذاته ولكنه صيغة معينة للتعبير عن هذا الانفعال الذي يجيش في نفس الفنان.
------
ما يهمنا إذاً هو "الصيغة " أو قل القالب الفني الذي اختاره المبدع للتعبير عن نفسه، وهنا دعني أعود إلى كلمات صديقنا "كوكو" الذي أصاب في مقوله ما جعلني أعلن امتعاضي من النص؛ أعني "الفجاجة" أولاً.
النص الأدبي يا صاحبي ليس "سيناريو لفيلم بورنو"، وعليه أن يكون – عندي – مرتدياً حلة "التلميح" أكثر من التصريح.. إنه بالضبط في الجهة المقابلة "للنصوص العلمية" التي تهتم بدراسة التفاصيل والنفاذ إلى ذرات العناصر وفهمها ودراستها ورصدها وإدراكها إدراكاً تاماً يتسم بالمباشرة والوضوح. النص الأدبي، على العكس من هذا كله إذاً، عليه أن يكون "حيياً خفراً، ينظر إلى الكون بعين حالمة و"يكفيه من القلادة ما يحيط بالعنق"، فإذا ما تجاوز هذا فإنه يقع في هوة "البلادة" و"الفجاجة" و"الابتذال".
النص الأدبي المبدع – عندي – يفترض بأن القاريء ذكي عاقل مرهف الأحاسيس، يكفي أن تعطيه "طرف الخيط" ثم تترك خياله يقوده نحو ما تريد أن تقول. هكذا يفعل "أبو نواس" – مثلاً – عندما يقول عن إحداهن:
تسقيكَ من كفّها خمراً ومن يدها
خمراً، فما لك من سُكرينِ من بدِّ
لي نشوتان وللندمان واحدة
شيءٌ خُصصتُ به من دونهم وحدي
"الحسن بن هانيء" لا يحدثنا شيئاً عن "النشوة" الثانية، ولكنه يترك لنا أن ندرك معناها دون أن يخدش أسماعنا بألفاظ غير مناسبة من ناحية، ولأنه يعلم، من ناحية أخرى، بأن جاذبية النص الأدبي – شعراً كان أم نثر – يزيد أضعافاً مضاعفة عندما تترك للقاريء لثاماً عليه أن يميطه، و"بابا موارباً" عليه أن يكتشف ما وراءه، وصدراً ناهداً عليه مشاشة من ثوب خفيف شفاف يبوح لك أكثر مما يخفي عنك.
نستطيع أن نقول إذاً أن النص الأدبي الذي يغرق في التصريح يدخل حيّز "الفجاجة"، ويهوي بصاحبه عن جواده، حتى لو كان هذا الأخير مبدعاً بحجم "المتنبي". "فأبو الطيب" نفسه عندما هجا "ضبّة الأسدي" دخل "حيز الفجاجة" هذا الذي نتحدث عنه وهوى عن ظهر جواده إلى الأرض رغم علو قدره وسمو منزلته في فنه.
-------
بعد هذه المقدمة – الطويلة العريضة – فإنني أريد أن أعرب عن استيائي من هذه "الفجاجة" التي نجدها في بعض تعابير النص أعلاه. هذه "الفجاجة" التي تجدها في مثل: "وقضيبي منتصب كالمدفع" أو "وقضيبي ينفجر بماء الحياة" أو "يتسلل قضيبي المتأهب لإطلاق قذيفته في عمق أحشائها الدافئة الرطيبة".
هناك في النص أيضاً تعابير تدعو إلى "التقزز" وتسير بعكس سير الموضوع؛ فالكاتب يريد أن يشرك القاريء في لذته بالجنس الصباحي عبر نقل هذا الأخير إلى عالم ساهم حالم دافيء لذيذ، يزيد من متعة الدنيا ومباهجها. ولكننا نجده يبدأ ممارسته للحب عبر جملة " أُلقي في فمي بعلكةِ النعناع؛ و أدسُّ بين شفتيها الرقيقتين واحدةً أخرى"!!! "طيّب يخرب بيتك، والبيوت اللي جنب بيتك"
فالقاريء بدأ يشم بخر فمك وبخر فمها على مبعدة عشرات الكيلومترات، فكيف تستطيع أن ترغبه "بالجنس الصباحي" بعد هذا؟
الغريب هو أن قضية "خلوف رائحة فم النائم" أمر تعرّض له الأدب العربي في مهده منذ الجاهلية، ولكن الشاعر الجاهلي كان أكثر حنكة وأكثر حذقاً من صاحبنا كاتب النص أعلاه، فامرؤ القيس عندما يتحدث عن "ريق محبوبته" في الصباح فإنه ينعته "بريا القرنفل" و"فتيت المسك" ولا حاجة له للنعناع ولا للجوز ولا للسفرجل كي يطيبّه.
الجملة الثانية التي لفتت انتباهي وتركتني "أقرف من نفسي" ذاك المنظر الفريد الذي يصفه كاتب النص بقوله: "فتغسل هي أسنانها بينما أنا أتبوّل"!!! .... (ويا عيني يا ليلي يا ليلي يا عين
) ... أتبوّل؟ يخرب بيت أهلك، هل أنت محتاج إلى إقحام هذا المشهد في "نص أدبي"؟ وماذا لو ندّت عنك "ضرطة" خلال "تبوّلك" هل تريد أيضاً أن تفصح لنا عنها؟ هل هذا معقول؟
-------
هناك، في النص، بالإضافة للفجاجة والتصريح الداعي إلى القرف والاشمئزاز، بعض الكلمات والعبارات الخاطئة أو التي استوقفتني ملياً، مثل "جميعاً" في آخر الفقرة الثانية (أعتقد أن الكاتب أراد "جميعها" عطفاً على "الحياة"). أو "اعتليتها" التي لم أستطع "هضمها" في النص أو "أنا فوقها، وهي تحتي"
، لا يا شيخ؟ يعني هل تحسب أنك عندما تكون فوقها أنها لا تكون تحتك، أم تحسب أنها عندما تكون تحتك فأنت لا تكون فوقها؟
.
--------
هناك في النص – أيضاً – مع الجمل الأولى "تشويش ذهني للقاريء" ناتج عن بناء لغوي ملتو لا حاجة له، بل أزعم بأن الكاتب غفل عن الحرف "لا" عندما قال: أدرك بيقين أنه بجواري، حتى أمسه ببطء. فهو إما يريد أن يقول "لا أدرك بيقين أنه بجواري حتى أمسه ببطء"، أو أنه يريد أن يقول: أدرك بيقين أنه بجواري، عندما أمسه ببطء". عموماً، بداية الموضوع ملتوية، لا يكاد كاتب النص يعلن مع الكلمة الأولى أنه يريد الحديث عن حبيبته، حتى يتركها ويتحدث عن "ظهرها" بجملتين قبل أن يعود كي يحاول إيقاظها.
-------
هناك في النص – كملاحظة نقدية أخيرة - جملتان تعبت كي أفهمهما: فالكاتب يقول بداية "، و قد حَفِظَ كلانا جسدَ الآخر منذ زمنٍ لستُ أعي مداهُ جيداً"، ثم يعود كي يقول في بداية الفقرة الثانية: " بالأمس استذكرتُ جسدَ حبيبتي أحسنَ استذكار، ففهمته؛ و حفظته؛"!! يا سبحان الله! "أنت حافظ ولا مش حافظ"؟
، يعني إذا كنت قد حفظت جسد حبيبتك منذ زمن لا تعي مداه فلماذا تقول أنك حفظته أمس عندما استذكرته؟ "ما ترسالك على بر يا أخونا".
-------
أخيراً، وكما قلت في مداخلتي التقييمية القصيرة أعلاه، هذا موضوع جميل يدغدغ المشاعر ويلهب العواطف ويثير الأحاسيس لارتباطه بالغرائز وباللحظات الحميمة. ومسحة الجمال التي قد تخدع القاريء في هذا النص الأدبي مكانها "الجنس الصباحي" نفسه وليس النص الفج أعلاه الذي لم يستطع أن يرتقي بجمله ولا بتعابيره ولا بأخيلته إلى مستوى الموضوع.
واسلم لي
العلماني