في البحرين، يضطهدون السنة أيضا -
الموضوع منقول عن عرب تايمز
مملكة البحرين تشكل حالة فريدة في الحكم وفي نظام الدولة، فالبلاد مكونة من أقلية سنية ذات اصول عربية في الغالب، يقابلها أغلبية شيعية ذات اصول عربية وبعض الأصول الإيرانية. إضافة إلى بعض الاقليات الأخرى كاليهود وغيرهم، نموذج الحكم في البحرين هو ايضا فريد، فالأسرة الحاكمة، آل خليفة ، هي أسرة سنة ارتبط اسمها بحكم البحرين منذ زمن بعيد، هذه الاسرة ثبتت حكمها للبحرين في القرن الماضي، وخرجت فعلا كدولة متقدمة في نظامها التعليمي والمصرفي مقارنة مع مواردها الشحيحة بالمعاير الخليجية.
بالطبع واجهت البحرين وضعا معقدا في كونها بلد تحكمه الاقلية السنية، مقابل الاكثرية الشيعية، ورغم ان صلاحيات رأس الدولة واسعة إلا انه لا يجد من السهل أن يعين ابناء الاكثرية الشيعية في المناصب الحساسة، هذا الامر تفاقم بعد قيام الثورة الخمينية في ايران عام 1978 وتأسيس دولة ولاية الفقيه الشيعي والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإيران دولة عظمى في المنطقة لها مصالح ومطامع لا تخفيها، وهي تجد نفسها على محك منافسة مباشر مع اقوى دولة سنية قريبة منها، السعودية، خاصة وأن العراق، الدولة السنية الاكبر على خط مواجهة إيران قد زالت بسقوط صدام حسين الذين ايد أغلب العرب سقوطه شغفا، وندموا عليه وجدا بعد ان زال ما قد كان يوما خط الممانعة الأول أمام توسع إيران الذي تخشاه الأنظمة العربية والشعوب على حد سواء.
من هذا المنطلق، أخذت البحرين كنظام وكمؤسسات في تأسيس النقاء السني في مؤسساتها الحساسة سواء كان ديوان الملك او الاجهزة الأمنية او وزارة الداخلية واسعة الصلاحيات، فاصبحت تلك المؤسسات تكاد تكون حكرا على اهل السنة في البحرين، والمبرر كان واضحا للعيان، خوف الدولة من الإبتلاع الإيراني، حي صرح قادة إيران منذ زمن غير بعيد بأن البحرين كانت جزءا من الأراضي الايرانية.
لمواجهة ذلك، إتخذت البحرين خطوات إصلاحية بارزة في النواحي التشريعية، فتم إصدار نظام برلماني متقدم بالمعايير العربية، وفعلا أخذت الأغلبية الشيعية تمثيلا جيدا في البرلمان عام 2010 ، ولكنه لم يتطور إلى اي ممارسة حقيقية على الأرض وفي أجهزة الدولة التنفيذية، ومن جهة أخرى، سبق ذلك بسنوات توسعة التعددية في المناصب الظاهرة للعالم والمراقبين، ومنها مجلس الملك الإستشاري، بل وكذلك تعين سيدة يهودية سفيرة لمملكة البحرين في الولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن لوم البحرين لوحدها على مثل هذه التركيية لن يكون منصفا، فالبحرين بها جهاز دولة مبني على المحاصصة الطائفية والإقصاء الممنهج للأغلبية، لكن البحرين ليست وحيدة في ذلك، فغيرها من الدول العربية مارس ذلك لعقود، فالأردن مثلا، 98 بالمائة من سكانه من المسلمين السنة، إلا أن النظام الأردني الحاكم يمارس التفرقة والاقصاء للأغلبية الفلسطينية مقابل كافة الإثنيات الأخرى بما فيهم اخوتهم واقربائهم وانسبائهم من الشرق اردنين، والغريب ان أحد اقرب الانظمة العربية لمملكة البحرين هو النظام الاردني، بل أن عددا كبيرا من رجال الامن الاردنين --وتحديدا في الاجهزة الاستخبارية --تركوا الاردن للعمل مع الحكومة البحرينية وحصل العديد منهم على الجنسية البحرينية بسهولة وباتوا مؤثرين في الحكومة البحرينية ولكن من وراء الستار.كذلك فإن كثير من دول المغرب العربي تعيش عقدة التفرقة بين مواطنيها خاصة من هم أمازيغ مقابل من يصنفون أنهم عرب رغم وحدة الدين، مقارنة بهؤلاء فإن مملكة البحرين لتبدو متسامحة جدا وهي على فم التنين الإيراني بقدرات اقتصادية وجغرافية وعسكرية متواضعة جدا.
إلا ان البحرين تبعت درب كل بلد عاش بظروف استثنائية مصطنعة، فقد تسرب القمع والاقصاء وتهميش الأغلبية إلى الاقلية التي كانت تظن انها في مأمن، حيث لم يعد الإقصاء حصرا على مواطنين دون غيرهم، بل اصبح عموموا لأجهزة الدولة وطبعا حاصلا تطبقه على مواطنيها.
من الأمثلة على ذلك قصة موظف بحريني سني يعمل في وزارة الداخلية البحرينية، وهي الوزارة الاقوى في البحرين، شأنها شأن مثيلاتها في بقة الدول العربية. لافي جاعد الظفيري هو شاب سني من اسرة عربية عريقة عرفت بولائها التام لأل خليفة وبإلتزامها الشغوف بتايد نظام الحكم، لافي الظفيري شاب موهوب، فهو شاعر رصين شارك في مسابقة شاعر المليون وأوشك ان يفوز، ولعله فاز فعلا لولا كون منافسيه ينتمون لدول تعداد سكانها كبير وكذلك كانت تصويتاتهم على الرسائل النصية. الظفيري شغوف بهويته العربية والسنية البحرينية، فهو ابن وزارة الداخلية البحرينية التي تعتبر "الخطر الشيعي الايراني" هو التحدي الاول لأمن البحرين، وذلك يظهر في كل ما يقوله ويكتبه هذا الشاب ، ففي ظهوراته التلفزيونية المتكررة، كان لا يذكر اسم ملك البحرين إلا بتسميته الرسمية "عظمة الملك" ولم يذكر اسم العاهل السعودي الا بتسمية "خادم الحرمين الشريفين"، ومن فرط حبه وولائه للإنتمائه السني قال الشعر على التلفاز مادحا المملكة العربية السعودية، بإعتبارها الممثل الأقوى للعرب السنة في الخليج، فالشاب هو ما يسميه الامريكان الفتى النموذجي للدولة البحرينية
oster Child
إلا أن ولاء ذلك الشاب للبحرين لم يحل دون ان يقع في مفرمة الظلم دون إرادته، ومن ثم سيطر عليه ولائه فإستحيا أن يتشكي لاحد ليطالب بحقه، ففي حين كانت اجهزة الامن البحرينية تقوم بمواجهة وقمع المتظاهرين البحرينين، كان الظفيري يبتلع الظلم ويطبق علبه معتبرا انه اذا اشتكى لأحد عما فعلته به وزارة الداخلية فسيكون مشهرا بوطنه في وقت عصيب، فاثر الصمت.
كان الظفيري يعمل مساعدا قريبا من محافظ المنامة، وهو من الاسرة الحاكمة، وكان ساعدا ايمنا له وأمينا على سره، ولسبب --قد يعلمه وقد لا يعلمه-- وجد نفسه قد سقط من خانة التفضيل لدى المحافظ في نقطة ما، حتى هذا السطر فإن الأمر يعد طبيعيا في دولنا العربية التي تتحكم فيها الامزجة والأهواء، إلا أن الامر تطور، وفي فترة تعد دقيقة جدا وحساسة في البحرين، فحين طالب الظفيري بنقله إلى مكان أخر إتقاءا لشر المحافظ القوي، غضب المحافظ ووصف طلبه بالنقل "بالوقاحه " ، اتقى الظفيري الشر،على ما يبدو، بأن تقدم بطلب باجازه لمدة شهر ليتسنى للوزارة ايجاد مكان عمل اخر له وبعد مرور الشهر ذهب للعمل فرفضوا ادخاله وقالوا له أن المحافظ لا زال يبحث عن مكان له،وقالوا له ان يبقى متوقفا عن العمل في إجازته وأن يطمئن فالمحافظ هو من امر بذلك. وبعد مرور اسبوع عاود الظفيري السؤال فقالوا له ان المحافظ لا يرغب بالالتقاء به وأن عليه الإنتظار حتى الاتصال به. ابقوه على ذلك الحال ستة اشهر حتى اتصلت به الشئون الادارية بالمحافظة وقالوا له أن يلتحق بالعمل، فالتحق، وبعد شهر تقريبا اخبروه بانه سوف ينقل الى شئون الضباط والافراد بوزارة الداخلية، ففرح بالخبر، وفجأه عند اقتراب نهاية الدوام الرسمي أخبره مسؤول بأن عليه الذهاب إلى مركز شرطة الحورة، وهو غير المكان الذي نزل به الامر من الوزير، فذهب لمركز الشرطة وعمل هناك، وبعد مرور شهر فجأة تم توقيف راتبه، وعندما ذهب للاستفسار قالوا له انه تغيب ستة شهور عن العمل، هامسين في إذنه "أن موضوعك غريب"، وجد الظفيري نفسه مجبرا على العمل بلا راتب حتى يسدد قيمة الرواتب الموقفة مقابل ما ادعوه من اشهر التغيب، ووجد اسرته بلا معيل، ووجد نفس حبيسا في عمل لا يريده وما من جريمة له سوى أنه تجرأ بأن يطلب نقله عن العمل مع أحد أفراد الأسرة الحاكمة التي افنى شبابا في الولاء لها وخدمتها. ووما يزيد من الإجحاف الواقع على الظفيري هو أن مدير مركز شرطة الذي نقل اليه صديق للمحافظ، فلعله أراد بذلك إبقاءه تحت عينه كي لا يفتح فمه. ومما يزيد الأمر سخرية ان الرجل منعوه من اخذ مقتنياته وأوراقة الشخصية بما فيها اوراق خاصة به حين اجبروه على ترك منصبه.
إلا ان المضحك المبكي في قصة الظفيري، أنه تحت وطئة الظلم والإفقار الذي وضعته فيه الحكومة البحرينية، كان مترددا في اللجوء لأي مؤسسة حقوق إنسان دولية أو حتى الإعلام العربي أو الغربي الذي يملك إتصالات واسعة به، وفي اكثر من حديث معه كرر لي أنه شاعر معروف ومحسوب على البحرين شاء أم ابى، "وبأن بلاده في وضع صعب ويتربص بها الصفيون الإيرانيون" حسب قوله، وان ليس له أن يشتكي في مثل هذه الظروف. ورفع الظفيري شكواه لوزير الداخلية البحريني دونما جدوى.
إن ما حدث مع لافي قد يبدو كحادثة شخصية، ولكن الامر يستحق الكثير من القراءة، فلافي شاعر مشهور ولسان ناطق باسم بلده وموال من العيار الثقيل معروف للإعلام الخليجي ومحطات التلفزة الخليحية، كذلك، فإنه موظف في وزارة الداخلية وكان مؤتمنا بها، كأقرانه، على أمن البحرين، ومثل هؤلاء يعتبرون ابناء النظام والمؤسسة الحاكمة نفسها، فهم رجالها، ثم أن الظفيري سني عربي يصنف "من أبناء الحكم" بمعاير البلاد العربية، كذلك فإن مأساة لافي الشخصية تفاقمت في وقت كانت البحرين في وضع حرج جدا بمظاهرات شعبية مستمرة يزعم انها شيعية الطابع.
ان ما حل بالظفيري من ظلم إنما هو دليل على ان تأسيس العدل الشامل في المجتمع إنما هو الاساس الاهم لرفاه المجتمع ككل، بل إن التهاون في حق اي فرد في المجتمع أو أي فئة إنما هو مقدمة للظلم ستتفاقم إلى أن تصل كافة أفراد المجتمع بلا استثناء، لذلك فالدول الناضجة سياسيا والمتقدمة تحرص على العدالة التامة ليس لمواطنيها فقط، بل لكل من يتواجد على ارضها، فلا يوجد شيء اسمه ظلم مجتزأ، فالظلم كبقعة حبر سوداء تقطر في كوب ماء صاف، ستلوثة كله، وفي هيكل المجتمع لن يستثني الظلم اي أحد إن سمح المجتمع بوقوع الظلم على فئة دون أخرى.
إلا أن ما يمكن الخلاص اليه في قصة الظفيري عموما هو اسئلة تحتاج إجابة، فإ ن كان بعض افراد النظام البحريني يعامل اوليائه وداعميه بها الشكل، فكيف يعامل المواطن البحريني البسيط؟ ايضا، هل استمرار الظلم الواقع على الرجل يعني أن مؤسسسة الحكم راضية بما قام به احد افرادها، محافظ المنامة السابق، وبالتالي فهل أن عموم البحرينين مشاع لاي فرد من افراد الأسرة الحاكمة؟ وهل النظام البحريني مدرك لحجم الخطر الذي هو فيه بتواجد ثورة شعبية على ارضه قد تتطور إلى قلاقل متعمدة تمولها وتوجهها إيران وغيرها من الطامعين في البحرين؟ إن كان مدركا لذلك، فلم لا يسترض شعبه ويستوعبه أم أنه لا يملك الأدوات التنفيذية أو الرؤية السياسية لذلك؟ ايضا، إن كانت البحرين تسمح بالإساءة لبوق إعلامي وصوت تلفزيوني مؤيد لها كلافي الظفيري، فماذا يخبرنا هذا عن السياسية الإعلامية البحرينية ، أم أنها غير موجودة أصلا؟
والأدهى من ذلك وامر هو سؤال أكبر وأعمق بكثير يجد المواطن العربي نفسه مجبرا أن يسأله لنفسه، فمن حيث المبدأ يرى معظم العرب في ثورة الشارع البحريني أنها خطر إيراني صفوي ضد دولة عربية سنية تستحق كل الدعم من كل عربي، ولكن حين يسمع العربي قصص الظلم من سنة البحرين من امثال الظفيري، سيجد اي عربي نفسه مجبرا على التسأول: هلي يمكن أن يكون هؤلاء الشيعة البحرينيون الثائرون في الشوارع دعاة حقوق وليسوا طائفين مقيتين؟ لقد شاهد العالم صور بعض المتظاهرين البحرينين يقتلون رجال شرطة بحرينين بسيارتهم، وشاهد ايضا صورا لمتظاهرين بحرينين قتلوا بالرصاص، وضمن هذا الشأن فإن من مصلحة الدولة البحرينية سواء كانت على حق أم باطل أن تتمسك بمواليها.
البحرين في خطر، ولا يوجد عربي ايا كانت طائفته يقبل للعرب أن يخسروا دولة أخرى كالعراق، ولكن على قيادة البحرين أن تتصرف بحصافة وتستوعب الجميع، وان لا تسيء على الاقل لمن يواليها، وإلا فإن النظام يفقأ عينيه بيديه.
ولعل للبحرين درس في دولة تعد الاقرب لها، ففي السعودية يستطيع اي مواطن أن يتقدم بمظلمة على أي شخص ظلمه حتى لو كان من الاسرة الحاكمة، بل أن بعض الامراء السعودين الكبار معروف عنهم بأنهم يتقبلون الشكاوي تحديدا ان كانت على شخص مهم أو فرد من افراد الاسرة الحاكمة، ايضا، فإن السعودية وبذكاء شديد عمدت إلى استيعاب كافة مواطنيها بما فيهم ابن القبيلة النجدي وابن القطيف الشيعي وابن جدة الذي قد يكون من اصول مصرية، بل إن السعودية تسامحت مع اسرة جهيمان الذي حاول الإنقلاب على الحكم واستخدم الحرم المكي لتنفيذ ذلك، بل إن ابن الرجل اصبح ضابطا في الجيش السعودي.
إن من مصلحة البحرين كدولة وكأمة فتح اذرعها للجميع، واستيعابهم، فما من نظام سياسي قد خسر قط من تسامحه، وما من حاكم في التاريخ إلا وإزداد عزا بعفوه.