هل تتخلى أمريكا عن عنصريتها ؟
حقق السيناتور باراك أوباما, وهو من أصول أفريقية، إنجازات تاريخية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، كمرشح للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة، بعد فوزه على المرشحة هيلاري كلينتون، وهو أمر لم يحدث من قبل قط.
فهل يعني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تأسست أصلا على إبادة الهنود الحمر ثم استرقاق السود, قد تخلت عن عنصريتها تجاه السود؟ أم أنه سيكون أمرًا استثنائيًا سرعان ما تطويه الأحداث، إذا قرر الأمريكيون حرمان هذا المرشح الأسود من الوصول إلى البيت الأبيض؟
وبالرغم من أن المرشح أوباما هو الأكثر حَظًّا الآن في الوصول إلى البيت الأبيض؛ نتيجة تمتعه بكاريزما شخصية, وقدرة على حشد الشباب، ووعود بالتغيير يتوق إليها الأمريكيون بعد سنوات من الفشل الذي تسببت فيه إدارة الجمهوريين التي سيطرت على البيت الأبيض منذ ثمان سنوات.
يضاف إلى ذلك طبيعة الخصم المنافس (جون ماكين)، والذي يبدو شخصًا باهتًا، لا يمتلك قدرات شخصية مؤثرة مثل أوباما, مع ما يعانيه عامة من تدهور شعبية الجمهوريين الذين ينتمي إليهم, وما يعانيه في خاصة نفسه من تدهور صحته وعلو سِنِّه (72) عاما، بينما يبلغ أوباما ( 47) عاما موفور الصحة والعافية.
ورغم أن ماكين فهم أن الشعب الأمريكي يتوق إلى التغيير، فراهن بدوره على شعار التغيير قائلا: إنه أيًّا كان الفائز في الانتخابات، فإن الولايات المتحدة ستمضي في اتجاه مختلف، واصفًا التغيير الذي يبشر به أوباما بالتغيير "السيئ", وأما هو فيعد بالتغيير الجيد!
وهكذا، فإن السبب الأساسي الذي حشد أوباما الناخبين على أساسه وهو (التغيير) أصبح شعارًا فرض نفسه على ماكين أيضا، الذي وصفه بعض المراقبين بأنه مجرد تكرار لجورج بوش؛ لأنه أيده في 95% من قراراته في السنة الأخيرة بصفته عضوًا جمهوريا بارزًا في الكونجرس.
رغم كل هذه الظروف المواتية لأوباما, فإن المسألة ستتوقف فقط على قدرة الأمريكيين على تجاوز وجدانهم العنصري، وإذا عمل هذا العامل بنده فإن فرص أوباما في الفوز ربما تتراجع, رغم أن باراك أوباما من أصول كينية, ومن أب مسلم، إلا انه اعتنق "البروتستانتية"، وعَمَّد أولاده على أساس هذه العقيدة, كما أن تربيته كانت في أحضان أمه الأمريكية البيضاء التي رَبَّتْهُ على القِيَمِ الأمريكية, وأصبح يعكسُ ثقافةَ وقِيَمَ الولايات المتحدة أكثر من انعكاس أصوله السوداء والإسلامية عليه، بل لقد تخرج في جامعة الصفوة في الولايات المتحدة الأمريكية (جامعة هارفارد) ومن ثَمَّ فهو لا يُمَثِّل تحديا للمؤسسة الأمريكية الحاكمة، ولا للقِيَمِ الأمريكية التقليدية.
وإذا أدركنا أن المؤسسة الأمريكية الحاكمة, وهي جماعات الضغط , والمجمع الصناعي العسكري, والصفوة الأنجلوسكسونية البروتستانتية هي من يحدد السياسة والاستراتيجية الأمريكية في النهاية، وليس شخص الرئيس، لأمكننا أن نضع تصورا و"سيناريو" لما يمكن أن يكون الهدف من إتاحة هذه الفرصة لباراك أوباما, وكذا نصيبه من الفوز والخسارة في الانتخابات القادمة . السيناتور أوباما المرشح الأسود للرئاسة بدوره فهم هذا ولم يتجاهله، فأعلن أمام اللوبي الصهيوني (الإيباك ) أنه يضمن تفوق "إسرائيل" العسكري على جيرانها, وأنّه يريد القدس عاصمة موحدة لإسرائيل, وأنه لن يسمح لإيران بتهديد أمن إسرائيل...وغيرها من التصريحات التي تصب في خانة الاستراتيجية الأمريكية التقليدية, ولكنه من جانبٍ آخر وعد بانسحاب أمريكي سريع من العراق، معتبرًا أنّ قرار الحرب في العراق كان حماقةً كبيرة.
وهكذا، فإنه- حسب تصوري –إذا كانت المؤسسة الأمريكية راغبةً في الانسحاب من العراق, وقررت إنهاء هذا المشروع الفاشل, فسوف تسمح لأوباما بالفوز، ولن تحرك ضده المشاعر العنصرية، خاصةً وأن هذا الفوز يُحَقِّق لها عددا من الأهداف الهامة, فهو أولًا يعطي بريقًا ولمعانا للنموذج الأمريكي، ومن ثَمّ يُحَسِّن صورة أمريكا في العالم عموما، وفي العالم الإسلامي خصوصا، بعد تدهور هذا النموذج بشدة.
وهذا الفوز أيضا يساعد في تقوية الموقف الأمريكي في الحرب على الإرهاب الإسلامي؛ لأن الإرهاب الإسلامي يستمد قوته وجمهوره من كون الولايات المتحدة دولةً عنصرية تعادي العرب والمسلمين, وانتخاب أوباما ذي الأصل المسلم والأسود، يُقَوِّض هذا المفهوم، ويُحَسِّن من أوراق الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب الإسلامي، الذي ترى دوائر أمريكية بحثيةٌ واستخباراتية أنها معركة ثقافية وإعلانية ودعائية، قبل أن تكون معركة عسكرية.
على أي حال، فإن مجرد فوز المرشح أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي قد حقق جزءًا من هذا الهدف، خاصةً وأنه فاز على مرشحة لها اعتبار في الوسط الأمريكي؛ لأنها زوجة الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون)، وهو رئيس يتمتع بشعبية كبيرة، ومن ثَمَّ فقد تفوق أوباما على شخصيةٍ من أهم شخصيات الحزب الديمقراطي، ومن أهم سيدات المجتمع الأمريكي، وهذا يغير تاريخ أمريكا العنصري إلى حد كبير .
أما إذا كانت المؤسسة الأمريكية المسيطرة والحاكمة لم تصل بعد إلى قرار تصفية المشروع الإمبراطوري الأمريكي المرتبط باليمين المحافظ، والذي كان غزو العراق أحد أهم تجلياته, فإنها سوف تحرك المشاعر العنصرية، وتمنع أوباما من الوصول إلى البيت الأبيض، ومن ثم يفوز جون ماكين، فيكون هذا بمثابة مدة رئاسية ثالثةٍ لجورج بوش في البيت الأبيض!
د. محمد مورو 4/6/1429
08/06/2008
|