- الشيطان هو رمز الحرية في الإنسان.
- الفلسفة هي حكمة شخص بعينه، أما الدين فهو حكمة شعب بأكمله.
- الأديان كلها تقف على قدم المساواة، ولا وجود لأديان حقيقية وأخرى زائفة
الفلسفة /الدين
الدين والفلسفة صنوان، من حيث إثارتهما للأسئلة الأساسية وادعاؤهما تقديم أجوبة نهائية عليها. ولكن ما يميز الدين عن الفلسفة هو أن الفلسفة حكمة شخص بعينه، تحكم نظرته شروط ذاتية خاصة، من تكوين نفسي فردي وتربية ومحيط اجتماعي ووسط فكري وما إلى ذلك.
أما الدين فهو حكمة شعب وثقافة بكاملها، تعاونت على صياغتها مغامرات فكرية وتجارب روحية لعدد كبير من الأفراد والأجيال والمتتابعة. فالدين من حيث نشأته وأصله لا ينطلق من أفكار شخص بعينه في زمان أو مكان محدد، وديانات العالم القديم (مصرية وسورية ورافدية ويونانية) لا مُؤسس لها.
وسؤالك لشخص مّا من ذلك العصر عن البدايات الأولى لديانته أو عهد مُؤسس تلك الديانة، يبدو بلا معنى، لأن ديانته موجودة منذ البدايات الأولى لظهور الإنسان. وينطبق هذا على العديد من الديانات القديمة التي ما زالت قائمة حتى اليوم، مثل الهندوسية في الهند والشنتوية في اليابان. فالهندوسي اليوم، مهما أعمل تفكيره وتأمّل في الماضي، لا يستطيع أن يُحدد تاريخا ما لظهور الهندوسية كديانة تامة التكوين، أو أن يعزو تأسيسها إلى شخص بعينه.
إن ظاهرة الأديان التي أسس لها أفراد مميزون طبعوها بطابعهم، هي ظاهرة حديثة نسبيا في تاريخ الدين الإنساني، ولا تعود بتاريخها إلى ما قبل أواسط الألف الأول قبل الميلاد عندما ظهر زرادشت في فارس وبوذا في الهند. ومع ذلك فإن بوذا أو زرادشت لو بُعث حيّا اليوم لما استطاع التعرف على تعاليمه الأولى في الديانة المنسوبة إليه، فلقد تعاونت بعدهما عقول أتباعهما على إغناء الموروث القديم وتطويره والإضافة إليه.
وتبدو حركية الدين بشكل أوضح عندما ينتقل خارج بيئته الأصلية التي وُلد فيها، فبوذية سيريلانكا اليوم هي غير بوذية الصين وغيرها في اليابان وكوريا.
هذه الخاصية الحركية للدين تنسحب أيضا على ما اصطُلح على تسميته بأديان الوحي أو الأديان السماوية. فكتاب التوراة يشفّ عن مستويات متراكبة من التجربة الدينية، بحيث نرى أن دين إبراهيم هو غير دين موسى، ودين عصر القضاة مختلف عن عصر المملوكية، وهذا ينطبق على دين ما قبل السبي وما بعده.
وفي النهاية نجد أن يهودية اليوم لا تقوم على أُسس توراتية بقدر قيامها على أسس تلمودية. فإذا انتقلنا إلى المسيحية وجدنا أنها مدينة لتعاليم بولس الرسول أكثر منها لتعاليم يسوع الأصلية. كما عبر الدين الإسلامي عن حركية لا تقل عن غيره، وذلك من خلال المذاهب الفقهية وعلم الكلام والصيغ المتنوعة للطوائف والمذاهب الإسلامية والطُرق الصوفية.
وهذا يقودني إلى القول إن النص المقدس لا يتحكّم بمسيرة الفكر اللاحق عليه، بقدر ما يقع هو نفسه تحت سُلطة ذلك الفكر، من خلال تفسيره وتأويله وفرض معان جديدة عليه نابعة من سياق التطور التاريخي. وبينما يبقى النص قابعا وراء ستارة من القداسة السُكونية، فإن الواقع يتجاوزه من خلال فكر دينامي يُعلن الإذعان له.
ما الفرق بين الأسطورة والدين؟ وأيهما سبق الآخر؟ وكيف يتبادلان التأثير؟
إن النظرة الفاحصة إلى تاريخ أديان الإنسان، تكشف لنا بنية موحدة لدين أنى وأين التقينا به كظاهرة ثقافية رائدة. وهذه البنية تقوم على عدد من المكونات الأساسية التي لا نستطيع التعرف على هذه البنية بدونها، وهي المعتقد والطقس والأسطورة.
يتألف المعتقد من عدد من الأفكار الواضحة والمباشرة، تعمل على رسم صورة ذهنية لعالم المقدسات، وتوضح الصلة بينه وبين عالم الإنسان. وغالبا ما تصاغ هذه المعتقدات في شكل صلوات وتراتيل. ولكن الأفكار وحدها لا تصنع دينا إلا عندما تدفعنا إلى سلوك وفعل، فننتقل من التأمل إلى الحركة، ومن التفكير في العوالم القدسية إلى اتخاذ مواقف عملية منها، فنقترب منها أو نسترضيها أو نسخّر قواها لمصلحتنا أو نكفّ غضبها عنا.وهذا هو الطقس. فإذا كان المعتقد حالة ذهنية فإن الطقس هو حالة فعل من شأنها إحداث رابطة. فمن خلال الطقس نحن نقتحم على المقدس ونفتح قنوات اتصال معه.
أما الأسطورة فهي من حيث الشكل قصة تحكمها مبادئ السرد القصصي من حبكة وعقدة وشخصيات وما إليها، وغالبا ما تجري صياغتها في قالب شعري يساعد على ترتيلها في المناسبات الطقسية، وتداولها شفاهة.أما من حيث مضمونها، فإن الأسطورة تُعني برسم صورة للآلهة وتوضح شخصياتها ووظائفها ومهامها وعلائقها مع بعضها ومع عالم الإنسان والطبيعة. فالأسطورة والحالة هذه تعمل في خدمة الدين وتعمل على توضيح عقائده عن طريق السرد القصصي.
الرحمن والشيطان
يقوم الوجود على تناقض وتعاون الأضداد. كل شيء يُنتج نقيضه ويتعاون معه على إنتاج حالة استقرار. فالنور يقابل الظلام والجاف يقابل الرطب والحرارة تقابل البرودة والحركة تقابل السكون والسماء تقابل الأرض والذكر يقابل الأُنثى وهكذا إلى ما لا نهاية.
وعلى المستوى الأخلاقي فإن الخير يقابل الشر، وكما هو الحال في جميع المتعارضات فإنه لا خير بلا شر والعكس صحيح، لأن كل منهما يعمل على إظهار الآخر. وقد قام الفكر الديني الثنوي الذي تمثله الغنوصية والزرادشتية والمانوية بتجسيد النوازع الخيرة والنوازع الشريرة في النفس الإنسانية، في إلهين واحد يحضّ على الخير وآخر يحضّ على الشر. وعلى الإنسان أن يستخدم حريته من أجل الاختيار في سلوكه بين الطريقين، فهو الكائن الحر الوحيد الذي لا توجهه الغرائز الطبيعية، وإنما ضمير يعي وجود الخير والشر في العالم.
وقد سارت الديانات التوحيدية بعد ذلك على النهج نفسه، ولكنها استبدلت شخصية إله الشر بشخصية الشيطان أو إبليس. وهذا معنى قولي إن الشيطان هو رمز لحرية الإنسان. لأنه بدون الشيطان لا يوجد خيار، وبدون الخيار لا توجد حرية، وبدون الحرية يتحول الإنسان إلى كائن "طبيعاني" غير عاقل شأنه شأن بقية كائنات الأرض.
فراس السواح
http://www.alawan.org/?page=articles&o...article_id=2060