بعد الرغي التخويني وعند أول كوع
تاريخ النشر: السبت 14/1/2012م



عدلي صادق
عدلي صادق/ عيب علينا، أن نزعج 'الإخوان المسلمين' المصريين بأية كلمة تتعلق بما تعهدوا به للأمريكيين قبل يومين. فمن واجبنا أن نتفهم ظروفهم، ولكن أن نذكّرهم بأن الذي رمانا على المُر، وعلى اتفاقيات 'أوسلو' وعلى بروتوول باريس، هو المطاردة الشاملة التي جرت لنا ولشعبنا، بقسوة وبلا رحمة، بعد حرب الخليج الثانية الناجمة عن الاحتلال العراقي للكويت.

الإخوان المسلمون المصريون، أبلغوا الأمريكيين التزامهم باتفاقية QIZ مع واشنطن وتل أبيب. وهذه الكلمة التي يُختصر بها اسم الاتفاقية، هي الحروف الأولى من ثلاث كلمات معناها تأهيل المناطق الصناعية Qualifying Industrial Zone . وتفرض هذه الاتفاقية، على مصر، كشرط للسماح لبضائعها، بالدخول الى السوق الأمريكية دون تعرفة جمركية أو حصص؛ أن يكون 10.5% من مكوّنات الصناعة، منتجاً إسرائيلياً. كانت النسبة 11.7% ثم جرى تقليصها، وبات الآن نحو 60 من إجمالي المنشآت الصناعية المصرية، مشمولاً في هذه الاتفاقية. بل إن إطار هذه الاتفاقية يستوعب 63% من مجمل العمالة المصرية في القطاع الصناعي، ويشتغل المصريون (منطقة القاهرة الكبرى، الإسكندرية وبرج العرب والعامرية، ومنطقة بورسعيد الصناعية) بـ 58% من حجم الاستثمار الصناعي المتاح لهم، بالتركيز على المنسوجات والملابس والأغذية والصناعات الهندسية والمعدنية، والصناعات الغذائية والأثاث والقطن، ويجري استقطاب القطاع العام للوضع الإسرائيلي، بفتح المجال كذلك لمصانع هذا القطاع.

معنى هذا الكلام، بطريقة الرغي الإخونجي، إن كنا لا سمح الله سنقلده، أن 'الجماعة' بلّت حزامها قبل أن تشرب من كأس الحكم والمسؤولية، لذا نرجو الله أن يسترنا من الآتي. وباللغة الهكسوسية، يمكن أن نقول إن 'الجماعة' وافقت على أن تشتغل مصر في إسرائيل بدون تصاريح دخول. وعلى الرغم من ذلك لن نتعتت 'الإخوان' ولن نعايرهم، فهم طلاب تصريح بالحكم الذي حلموا به دهوراً، ونقول إن وضع مصر صعب، ونأمل أن تحقق المحروسة خلاصها الشافي، بتسارع عملية التنمية الحقيقية، التي تعفيها من استجداء التصدير المعفى من الجمارك، الى أمريكا، بوساطة إسرائيل وبشرط ضمان ربحيتها!

* * *

ولكي يكون الكلام مفيداً أكثر، ينبغي التنويه الى أن فكرة اتفاقيات 'الكويز' مع إسرائيل، للدخول الى الأسواق الأمريكية بشرط أن تحقق هي ربحاً كذلك؛ كانت من بنات أفكار رجل أعمال أردني تطبيعي هو عمر صلاح، الذي استبق 'معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية' (مستأنساً بأوسلو معنا) بتأسيس مشروعات مشتركة مع الإسرائيليين، وخاصة شركة 'دلتا غاليلي' في ضوء الاتفاق التجاري لثماني سنوات بين إسرائيل وأمريكا. واختار الرجل منطقة إربد الأردنية، مقراً للعمليات الصناعية التي تستفيد من الأيدي العاملة الرخيصة وجلها من الفتيات الفقيرات، بنسبة لتدني الرواتب تبلغ 50% وأكثر. معنى ذلك كانت هناك عملية استغلال لفقر الطبقة الأردنية العاملة، لتحقيق ربحية عالية للشركاء، عندما يستفيدون كذلك من تسهيلات ضريبية أمريكية. ومن المفارقات أن قطر 'الثورية' كانت عرابة اللقاءات، وجرى الاتفاق الحاسم والتفصيلي في الدوحة. قبلها كان مع إبرام اتفاقية 'وادي عربة' تنفست QIZ الصعداء، لأن 'أوسلو' الزعراء لم تكن تكفي، والمجتمع في الأردن، قاوم توجهات عمر صلاح بشدة. فبعد الاتفاقية الأردنية، بات الأمر سهلاً ومتوائماً مع 'الروح' في المنطقة، وهي روح قوامها تسخير كل شيء لصالح المستفيدين، على أن يأكل الناس الهواء ويشتغلون ـ إن اشتغلوا ـ بقوت يومهم، ويصبحون أداة تنمية للفقر ووسيلته ووقوده!

في العام 2004 أي في ذروة الأزمة وترهل الحكم في مصر، جرى إدخال المصريين. وكان المدخل من ثغرة التهديدات التي تتعرض لها صناعة النسيج، بفعل منافسات الصين والهند، ومخاطر فقدان العمالة في هذا القطاع لوظائفها. ولم يكن هناك إمكانية لإجراءات حمائية في ظل سطوة رجال الأعمال وفوضى الموانىء، التي أحدثتها أوساط رجال الأعمال المرتبطين بأمريكا وإسرائيل. دُعي المصريون من الأردن لتوقيع بروتوكول 'كويز' في القاهرة، في كانون الثاني ديسمبر 2004 وبدأ العمل في العام التالي، وضمنت إسرائيل ربحها من خلال المشاركة في التمويل، وفي فرض منتوجات تدخل في الصناعة، واشترى أردنيون نحو 20% من الشركات.

الآن العنصر الإسرائيلي هو عماد QIZ وكان الدور القطري معمقاً لهذا المنهج في الأردن ومصر، أثناء مؤتمر في الدوحة (1997) على قاعدة الدعم والمشاركة، ولم يتبقى إلا اللمسات الأخيرة للقرضاوي. وفي السياق، كانت مداخلة القطريين على خط الثورة المصرية، ولم تتريث قطر ولا أمريكا، إذ تم التوافق العاجل، مع جماعة 'الإخوان' دون غيرهم، على اعتماد اتفاقية 'كويز' والحفاظ عليها وتعميمها، وليس هذا من قبيل صدفة.

العبرة التي نريد التركيز عليها، هي أن الرغي سهل، والتخوين أسهل. كان المحتلون يهدمون جدران المقاطعة في رام الله بدباباتهم، والشهيد القائد المناضل ياسر عرفات يرى هدم الجدار تلو الآخر بأم عينه ويتحدى. كان الأسديون أثناء تلك الأوقات يزاودون عليه ويخوّنونه وعهم الإخونجيون القرضاويون. وكان كل صحبهم في كل مكان، يفعل الشىء نفسه. هؤلاء الرعديديون كانوا يزاودون علينا، وهم لو رأوا دبابة تقترب منهم لرفعوا أرجلهم قبل أيديهم. كان الرغي وما يزال سهلاً، وكانت المزاودات وطق الحنك أسهل. فمع أول 'كوع' وافقت 'الجماعة' المزلزلة، على 'كويز'، ومع ذلك لا اعتراض ولا تعيير!

الإخوان المسلمون'.. انعطاف سياسي حاد!!
تاريخ النشر: السبت 14/1/2012م

بقلم : عبد الناصر النجار

تصريحات الدكتور رفيق حبيب، نائب رئيس حزب 'الحرية والعدالة' الإخواني، بأن الحزب نقل رسالةً إلى الإدارة الأميركية مفادها الالتزام الكامل باتفاقيات الدولة.. وخاصةً اتفاقية السلام مع إسرائيل.. ربما لم نتفاجأ بها، فقد سبقتها لقاءات سرية مع مسؤولين أميركيين، أعلن عنها فيما بعد.

هذا ليس موقف الحركة في مصر فقط، وإنما ينسحب على كل الجماعات الإخوانية في المحيط العربي.. حتى إن تصريحات مماثلة لراشد الغنوشي قد لاقت ردود فعل متباينة، ولكنها لم ترتق إلى حالة الصدمة عندما نشرتها وسائل الإعلام قبل أكثر من أسبوعين.

أدبيات الحركة الإسلامية، خاصة عندنا نحن الفلسطينيين، دسّت في أجيال متتالية أفكاراً كانت ترتقي إلى حدّ التقديس، لتصبح في لحظة من اللحظات، وكأنها ليست لها علاقة بالمقدّس.. وهذه هي المفاجأة!!.

أدبيات الحركة الإسلامية، منذ طفولتنا، كانت تقوم على أسس: (لا مصالحة، لا مهادنة، لا تنازل..) هي مجموعة لاءات كبيرة ارتقت إلى حدّ أن الإنسان سيخون نفسه إذا فكّر بعكس هذه الثوابت!!.

أدبيات الحركة الإسلامية، أيضاً، قامت على أساس أن السبيل الوحيد لاسترجاع فلسطين هو الجهاد.. حتى تحرير كل التراب.. ولكن لنتفاجأ بأن الدولة السياسية.. بمعنى آخر، السلطة.. لها أساسيات محددة لا يمكن تجاوزها، وأن لغة المعارضة تختلف بشكل قاطع عن لغة مَن يحكم!! ومن هنا بدأت التحولات السياسية في فكر الإخوان بزاوية انحراف مقدارها 180 درجة!!.

هذا الأمر ينطبق وينسحب على الجماعات السلفية.. التي لم تخالف ردودها ردود الإخوان المسلمين، فهي لن تعارض اتفاقية السلام مع إسرائيل، ولن تقوم بحرب ضدها!.

إذاً، هي السياسة وليس الدين، وهناك فرق شاسع بين السياسة والدين، وأن كل الأفكار التي ترعرعنا عليها سابقاً تثبت بالوجه القاطع عدم صحتها أو المبالغة فيها، وأن الهدف من ذلك هو تسهيل الطريق للوصول إلى السلطة!!.

ولعلّ هذا ما واجهته حركة حماس أيضاً.. ونظرة ثاقبة إلى حجم التعبيرات السياسية فيها، ابتداءً من العام 87 وحتى اليوم، نجد الكثير.. فما كان يُسمى مقاومة مقدسة.. أصبح اليوم خروجاً عن الصف، ومحاول لضرب استقرار المجتمع، وبالتالي يرتقي الفعل إلى حدّ الخيانة، إذا خرج عن أوامر أولِي الأمر!!.

ليس هذا فحسب، بل إن الإخوان المسلمين، اليوم، بدؤوا التفاوض مع البنك الدولي لطلب إمكانية منح مصر قرضاً لتحسين الأوضاع الاقتصادية.. وبصرف النظر عن محاولة البعض تبرير ذلك بأنه لن يتم اللجوء إلى البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، إلاّ في حال عدم توافر بديل آخر.. فإن هذا هو الواقع المرّ!!.

وللعلم، فإن البنك الدولي لا يعطي قروضاً لوجه الله، بل هي مرتبطة بأمرين؛ الأول موافقة الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.. وثانياً أن هناك فائدة على هذا القرض، يعني (رِبا).. إلاّ إذا كان هناك تفسير آخر لذلك!!!.

ورحم الله الماضي القريب، عندما كان يتم تحريم القروض البنكية، وحتى العمل في البنوك.. وأكثر من ذلك، هناك مّن أفتى بأنه لا يجوز الجلوس في فيء البنوك!!.

نعود إلى نقطة البداية، وهي أن الدين شيء، والحياة السياسية شيء آخر.. وأن محاولة الإخوان زج الدين بالسياسة أوصلتهم فقط إلى الحكم، ولكن الإدارة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ستكون خارج هذا الإطار!!.

فلسطينياً، الوضع لا يختلف كثيراً.. فشعار 'الإسلام هو الحل'، في الأصل، هو شعار سياسي؛ لأنه كان الطريق الأساسية للوصول إلى السلطة.. على الرغم من أن كثيراً من الإسلاميين أو الحركات الإسلامية الجهادية، طالبت بعدم رفع هذا الشعار لخطورته المزدوجة.. بمعنى؛ أن النظام السياسي الذي رفع هذا الشعار، إن أخفق.. فإن وِزْر إخفاقه سيرتد على الدين، وليس على الحزب أو الحركة السياسية!!.

لا شك في أن الإخوان المسلمين، خلال العقود الماضية، استوعبوا التغييرات العالمية وعرفوا حجمهم، ومكامن قوتهم وضعفهم.. وبالمطلق، لن يواجهوا العالم بأدبياتهم القديمة، ولن يحكموا المجتمع بمفاهيمهم السابقة.. ولكن بما يحافظ على سلطتهم لأطول فترة زمنية ممكنة!.

السؤال الحقيقي: هل ستعي 'حماس' الدرس الإخواني، أم أنها ستظل متمسكةً بمواقفها تجاه كثير من القضايا الداخلية أو الخارجية.. المستقبل القريب سيحمل الجواب!!.

abnajjarbzu@gmail.com

شكرا على المقال المعبر عن حقيقة هذه الحركات ذات الصوت العالي