وادي خالد... الهروب من الموت في سوريا إلى الحياة البائسة في لبنان
عندما تهبط نزولا باتجاه قرى منطقة وادي خالد تترآى لك محافظة حمص من الشمال. وتعرف انك دخلت منطقة كانت منذ زمن منطقة مهملة من قبل السلطات الرسمية نتيجة تعرج طرقاتها.
موضوعات ذات صلة
سورية
والمنظر المألوف للنقل فيها هو دراجات نارية اعتمدها اهل هذه المنطقة للتنقل داخلها وللانتقال الى سوريا عبر حدود متداخلة الى حد ان زيارات متبادلة كانت تتم بشكل يومي بين بيوت في الاراضي اللبنانية وأخرى في الاراضي السورية لا تبعد عن بعضها سوى دقائق سيرا على الأقدام . ويمكن أحيانا مناداة الجار على الضفة الاخرى .
اما ما يباع في متاجرها الصغيرة فغالبيته مصدره سوريا لانها اقرب للوادي من اي مدينة او قرية في الجهة اللبنانية ، ولانها ارخص ثمنا .
لكن توقف تهريب البضاعة عبر الحدود جعل هؤلاء يعتمدون البضاعة اللبنانية ما زاد من حالة التذمر لدى أهالي الوادي، فتوقف التهريب نتيجة الأوضاع في سوريا والقرى المتاخمة للحدود، ما انعكس سلبا على اهالي الوادي.
لكن تلك الوقائع الجغرافية جعلت من منطقة وادي خالد اكثر المناطق التى شهدت نزوحا من سوريا في الأشهر الاولى للأحداث ولاسيما عندما انضمت محافظة حمص الى الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري. لكن هذا النزوح توقف او اصبح شبه معدوم منذ ما يقال عن زرع القوات السورية الالغام عند الحدود ، ما عقد الانتقال الى لبنان من دون ان يحول دونه بالكامل.
مآساة الأيام الأخيرة
في احد المنازل المنشأة حديثاً وغير المكتمل والبعيدة نسبيا عن الحدود، تقيم ثلاث عائلات أتت أخيرا من حي باب عمرو في حمص . انتقل هؤلاء الى بساتين قريبة من الحي الذي يعيشون فيه بعد ان عمدوا الى الخروج منه عبر تحطيم جدران المنازل المتقاربة لتجنب الخروج الى الشوارع التى تتعرض للقصف والقنص.
تحدث هؤلاء عن مآساة ايامهم الاخيرة في بابا عمرو مع أطفالهم وفقدان الماء والمواد الغذائية.
بابا عمرو يتعرض لقصف مكثف منذ أيام.
قالوا انهم كانوا يجمعون مياه الامطار لاستخدامها في الطهي والشرب . وعندما نفذت المياه والمواد الغذائية قرروا الرحيل باي ثمن والمغامرة بالخروج مع الأولاد تحت القصف والقنص .
رحلة الوصول إلى وادي خالد استغرقت ثلاثة ايام ، لانهم عندما استقروا في احد البساتين بعد خروجهم من الحي، قرروا التوجه الى لبنان بشكل تدريجي. فغادرت واحدة من العائلات بداية ، والثانية في اليوم التالي، والثالثة في اليوم الثالث .
و يقيم هؤلاء الان في منزل واحد وقد تركوا وراءهم كل شيء بعد ان خرجوا بالثياب التى ارتدوها فقط.
وفي مدرسة بمنطقة مشتى حسن في وادي خالد تجمع العشرات من العائلات النازحة من منطقة تل كلخ في حمص . احدهم عبر للعمل في لبنان قبل ايام قليلة لإعالة عائلته بعد ان ضاقت سبل العيش هناك بفعل غلاء الأسعار وفقدان الكثير من المواد الطبية والغذائية .
وقد قرر ترك عائلته في تل كلخ الى حين و انضم الى عائلة اخيه الذي نزح الى لبنان قبل اشهر بعد اعتقاله لأسابيع حيث تعرض ، كما قال، للتعذيب كي يقول انه كان مسلحا وان التظاهرات ليست سلمية . فوافق تحت التعذيب رغم ان تل كلخ لم تخرج الا بتظاهرات سليمة كما قال . وهو اليوم واطفاله يعيشون في غرفة مدرسة أحالوها الى منزل ، فحددت زاوية من الغرفة لتكون مطبخا ووضع سخان الغاز على الارض وحوله ادوات مطبخية وبعض المعلبات التى اخرجت من صناديق كتب عليها اسم المانح .
حياة قاسية
الأسر تواجه مشاكل كبيرة في تدبير سبل الحياة اليومية.
اما الحمام فحددت زاوية اخرى له في المنزل عبر رفع ستارتين من القماش السميك لحجب الرؤية عن الخارج عند الاستحمام . اما ادوات الاستحمام فهي وعاء ماء يعبىء من باحة المدرسة الخارجية ووعاء لغرف المياه . اما المراحيض فهي مشتركة .
وتفتقد المساعدات التى توزع على النازحين في اماكن تجمعهم الى ادوات التنظيف ، ما جعل انتشار الأوبئة مسألة مألوفة .
ولدى زيارتنا للمدرسة أخبرنا بانتشار مرض جلدي يسبب الحكة بين غالبية المقيمين في المدرسة ولاسيما بين الاطفال، وبان طبيبا لم يزرهم بعد ، كما ان أي دواء لم يوزع عليهم ما يؤدي إلى زيادة تفشي المرض الجلدي.
اما النقطة الاقرب للحدود والتى تعتبر الاكثر تداخلا في الاراضي السورية فهي بمحاذاه المعبر الرسمي حيث تمر العربة على طريق مستقيم لأكثر من كيلومترين، الاراضي السورية على يمينه واللبنانية على يساره.
ويمكن في نهاية هذا الطريق الوصول الى محاذاة جسر قديم مهدم يتجمع حوله عدد من الجنود السوريين يعملون على إشعال نار للتدفئة غير مكترثين بحركة السيارات في الجهة اللبنانية وهي حركة خفيفة في تلك الجهة من الحدود التى كانت تعرف بخط البترول القديم.
ومن تلك النقطة يمكن رؤية الجسر السريع الذي يربط محافظة حمص بطرطوس. كما ان هدوء المكان يجعل سماع هدير السيارات على هذا الجسر ممكنا.
وقد اخبرنا الشاب الذي رافقنا الى هذه الجهة من الحدود ان معركة طاحنة سجلت هنا نهاية العام الماضي بين "الجيش السوري الحر" والجيش النظامي وان حوالي مئة عنصر من الجيش الحر تراجع باتجاه لا يبعد كثيرا عن الحدود اللبنانية بعد ان انفكوا او بعد ان جرى تضييق الخناق عليهم .
لكن الهدوء الظاهر على هذه الحدود هذه الايام لا يعكس سخونة الوضع في الداخل . وحركة التهريب الوحيدة حاليا هي تلك التى تتعلق بنقل وحدات دم لمعالجة الجرحى داخل حمص وأدوية حيوية مفقودة حاليا. وقد بترت ساق احد الشباب السوريين الاسبوع الماضي عندما كان يحاول نقل دم الى الداخل بعد ان انفجر فيه لغم ادى أيضاً الى مقتل شخص كان معه ولم يستطع سحب جثته.
ندى عبد الصمد
بي بي سي ـ وادي خالد- الحدود السورية اللبنانية