بقلم/ فارس اللواء
دور العقلانية الإسلامية في إعادة صياغة الوعي الثوري
تمر المنطقة العربية والإسلامية بأحداثا جساما تفرض واقعا من التحدي أمام النُخبة لفهم التجارب- قصيرة الإجل- لاستنتاج فكرة تنهض بتلك الاحداث الثورية وتنقلها من الإنفعالية إلي النهضوية ، فالإنفعالية حالة غضب تجتاح الطبقات الدنيا المعرفية والإجتماعية علي حد سواء ،تلك الطبقات تُمثل تقريبا الغالبية العظمي من سكان المنطقة..وبناءا عليه يَنتج رأي عام يؤثر بالتبعية في عقول النُخبة وينقلهم من موقع الدليل الحكيم إلي موقع آخر يرتبط بالمشاهدة أكثر من التأثير...ومنهم وبحُكم الأيدلوجية قد يكون مؤثرا لأثر غير عقلاني وغير أيدلوجي..وهو انتقال عجيب من الأيدلوجيا إلي حالة أقرب إلي البراجماتية تتعثر بخلفيات ووهميات لم تجرؤ تلك النُخبة علي التخلص منها أو مراجعتها..
في ظل هذه الحالة كان التوق لعقلانية إسلامية عربية راشدة تنقل الشعوب من مصاف الإنفعال الفوضوي إلي مصاف الإنفعال النهضوي، فالإنسان كائن عقلي والعقل لديه هو سلطان وجوده كما قال الإمام محمد عبده-رحمه الله..وبدون العقل يفني الإنسان بفنائه لنفسه..فهو ميزانه ودليله..وليس أسلم للإنسان من حِكمة بالغة ووعي راشد خاصة في هذا الوقت..ليس هذا تأليها للعقل..فالعقل مرتبط بمصادره المعرفية التي تضم مصادر أخري كالنقل والوحي..وعليه فبرهان العقل ليس شرطا أن يُحمل علي تصور ذِهني تنظيري غير تجريبي..فكفاية الوحي والنقل تجعله متحد مع نفسه وبالتالي يَخلُص إلي نتائج –في هذه الحالة- هي عبارة عن حلول عملية لمشكلة ظن البعض أن لا ملجأ منها إلا إليها...
المبدأ في هذه الحالة يتطلب الوقوف علي مقدسات لا يَخرقها انفعال أو فِعل أيا كان مصدره..وأري أن أولي واجبات النُخبة هو الوقوف علي ماهية تلك المقدسات وإعادة صياغتها وطرحها علي الشعوب بشكل يتناسب مع طبائع الشعوب وثقافتهم..فعلي سبيل المثال هناك بعض المقدسات كالإصلاح والوسطية وقضيتي فلسطين والمقاومة وقضية التعايش وقضية السلام وقضية الوحدة وما إلي ذلك من قضايا جوهرية لا خِلاف علي قًُدسيتها بين جميع الفُرقاء...فالبراجماتية النفعية والميكافيللية التبريرية قد تقضي علي بعض هذه المقدسات فيما لو تم التعامل مع هذه المقدسات كفكرة جامدة معروفة الأبعاد والثوابت فكان العجز عن مطابقتها مع الواقع والفشل الذريع بتكييفها مع المستجدات..
هذا مُدخل مهم لرصد الواقع العربي والإسلامي بأسلوب أكثر دقة عما تقوم به النُخبة المثقفة في هذه المرحلة..فيبدو أن التجارب -قصيرة الاجل-بَدَت وكأنها نَجما يُهتدي به في ظلمات القهر والتعسف..ولو كان ذلك صحيحا لجاز لنا القول بنهضوية ثورات العرب في القرن العِشرين سواءا كانت تلك التي كانت في النصف الاول أم تلك التي كانت في النصف الثاني..فالواقع العربي والإسلامي لم يشهد تطويرا نهضويا حضاريا بفِعل هذه الثورات سوي بصيص من ثورتي يوليو المصرية والخوميني الإيرانية مع حِفظ الفارق الشاسع-التبادلي- لصالح كلا الطرفين في بعض الأمور..وهو ما يضعنا في مواجهة صريحة مع أنفسنا حول ماهية ثورات العرب تلك الأيام ..خاصة في هذا الواقع الإعلامي التي انصهرت فيه الكينونة الإنسانية في بحر الإعلام فغرقت فيه ولم تعد لها ملا مح تُذكر..
فالثوريّ الوحيد والحقيقي ليس هو ذلك الشعب الذي لم يتحصل علي فرصته في العيش الكريم..بل الثوري الحقيقي هو الإعلام..فهو بطل المرحلة وهو الموجه الأول..وفلسفة هذا الثوري تقوم علي عاملي الحشد والحسم بأدواتهما..في دلالة واضحة صورية علي استعجال للإصلاح..أما الدلالة العملية فهي الشيطان الأكبر الذي يُهدد تلك الشعوب بالفناء الفِكري والحضاري..تلك الدلالة التي تتمثل في انعدام فكري موجه للثورات..وبحسب نظرية الفراغ نجد وقد ملأتها فلسفة الغرب في استغلال لضعف الإمكانيات العقلية العربية في الرصد والإستنتاج..وعليه فليس مُستغربا أن نجد ذلك الفيلسوف الصهيوني برنارد هنري ليفي وكأنه شخصية العام يتنقل بين البلدان رافعا شعارات الحرية والكرامة والعدالة..أرفض تضخيم حجم هذا الرجل..ولكني مُجبر علي الإعتراف بدورة كدليل للثورات العربية وسياسي لا ينفصل عن مراكز صناعة القرار في الغرب-وإن لفظته الشعوب..
الثورة كحدث ليست بجهة واحدة تنشد قيما ومبادئا مُتعارفا عليها..فما يرفعه ذلك المفكر هو مطلب الشعوب ابتداءا وانتهاءا..وبالنظر إلي مواقفه من العدو الصهيوني ومجازر الغرب الأوربي والأمريكي..وازدواجية معاييره في التعامل مع مماثل شعبي كل هذا يفيد بأن الشعارات-لديه-ليست إلا كحصان طروادة لغزو العقل المتحصن أو الأقل تفكيكه وصَهره تمهيدا لإعادة صياغته من جديد..فمن كبري الدلالات التي توضح صدق هذه التصور هو انتقال الرأي العام العربي من حالة إلي حالة في مسافة زمنية قصيرة..تمثلت في رفع صور حكاما عرب كأبطال كانوا في الماضي مثالا علي التخاذل وبيع المقدسات..وظهرت أيضا في الإعتراف بأفضال عدو الأمس والذي كان شيطانا أكبر فأصبح بُقدر قادر مُخلّصا شجاعا ندين له ونحفظ جميله..لم تأتِ هذه العقلية اعتباطا..فالمحرك لو كان عالما حكيما ثاقب الفكر وعظيم الرؤية..لكان سهلا عليه التخيل والإفتراض والعمل للنتائج..
دور العقلانية العربية والإسلامية لا ينحصر في التخيل والتخطيط ..فتقريبا لايوجد لدي العرب من يُترجم الافكار إلي واقع عملي سوي كفاءات هَجَرت مواطنها منذ بداية عصور الإنفتاح التي تسببت في بيع العقل العربي بثمن بخس لا يساوي قيمة الهواء الذي استنشقه..فالعقول العربية أصبح الكاهل عليها عظيما وهي مُطالبة ليست فقط باحتواء الأزمة بل بالتخطيط للمستقبل ورفع أهلية الشعوب لاستقبال الحلول العصرية لمشاكلها، تلك الحلول التي تراعي السُنن الكونية وسِيَر التاريخ وأسباب التقدم والإنحطاط في المجتمعات
المصدر/
مدونتي ميدان الحرية والعدالة