ماذا فعلت السعودية بـ منصور عبد الرحمن ؟! – ممـدوح رزق
لا أعرف هل أفرجت السلطات السعودية عن ( منصور عبد الرحمن ) أم أنه لا يزال معتقلاً في سجونها .. أصلاً لا أعرف هل لا يزال حياً أم لا .. لكن ما أعرفه أن مأساة هذا الشاب المصري ـ الذي نشرت قضيته للمرة الأولى منذ 14 سنة ـ لا تزال تتكرر .. بعد قضية ( أحمد الجيزاوي ) طلب مني الصديق مجدي عبد الهادي إعادة نشر قصة ( منصور عبد الرحمن ) في جريدة ( التقدم ) ، ورغم مرور كل هذه السنوات إلا أنني إعتبرت إعادة النشر حقاً بديهياً لـ ( منصور ) أياً يكن مصيره الآن .. ليس لـ ( منصور ) فحسب وإنما لكل من هم مثله أيضا .
في عام 1998 أخبرني المحامي بالمنصورة ـ وعضو مجلس الشعب حالياً ـ ( محمد شبانة ) أن لديه ملفاً خطيراً عن مأساة أحد المصريين من أبناء الدقهلية المعتقلين في السعودية دون محاكمة .. كنت أجهّز في ذلك الوقت مع صديقي أحمد صبري لإصدار العدد الأول من جريدة ( الرأي العربي ) ، وحينما طلبت من محمد شبانة ملف القضية لنشرها أخبرني أنه سيعرضها أولاً على ( جمال فهمي ) بجريدة الدستور ، وأنه سيعطيني الملف لو رفض نشره .. بعد أيام قليلة اتصل بي شبانة وطلب مني الحضور إلى مكتبه لأخذ الملف بعد أن صح ما توقعته وأخبروه في الدستور ـ بحسب كلامه ـ بأنه من الممكن نشر الموضوع في بريد القراء على هيئة إستغاثة؛ لأن السعودية ( خط أحمر ) .. خلال عدة أيام متتالية قمت بدراسة القضية بكل ما كان يحويه ملفها من خطابات ورسوم ووثائق ثم أعددت الموضوع صحفياً لينشر ـ بعد أكثر من معركة مع مكاتب الكومبيوتر والمطابع ـ في يوليو 1998 بالعدد الأول من جريدة الرأي العربي .
على المستوى الحكومي لم يكن هناك أي رد فعل، لكنني تلقيت العديد من الاتصالات الغاضبة والمتعاطفة من مصريين داخل وخارج السعودية، أبلغوني خلالها باستعدادهم لتقديم أي مساعدة لإنقاذ ( منصور ) .. لكن بكل تأكيد كان رد الفعل الأقوى من جانب أقارب منصور عبد الرحمن ، وخاصة عمه ( قيل أنه عمدة منشأة عبد الرحمن في ذلك الوقت ) والذي حاول بمساعدة أتباعه الاعتداء عليّ وعلى أحمد صبري وعلى زينهم بائع الجرائد، وأيضا على سائق عربة التوزيع، حينما ذهبنا بالجريدة لبيعها في قرية منصور ، ولكن ضابط الشرطة في منشأة عبد الرحمن أدى واجبه وقام بحمايتنا وضمان سلامتنا حتى خرجنا من القرية .
بعد فترة قصيرة من نشر القصة في ( الرأي العربي ) إقترح عليّ الصحفي ( فريد الفالوجي ) إعادة نشرها بصحيفة ( اللواء العربي ) التي كان يعمل بها في ذلك الوقت .. تحمست إدارة الصحيفة جداً للأمر ، ولكن تم إيقاف طبع العدد الذي يحمل الموضوع بأمر رقابي ، وتم حذفه وتوجيه التحذير بعدم نشره .. أتذكر أنني حضرت بعد ذلك بعدة أيام حفلاً أقامته جريدة ( اللواء العربي ) ، وكانت قضية ( منصور ) مطروحة بقوة في أحاديث ومناقشات صحفيي الجريدة الذين ظلوا يسألونني بذهول : هل هذه قصة حقيقية ؟!
* * *
المنصورة .. البداية
حصل منصور محمد محمد عبد الرحمن على شهادة الثانوية الصناعية شعبة ميكانيكا السيارات ستة 1983 من مدرسة المنصورة الصناعية بنين ، وقد وردت هذه البيانات بالمستخرج الرسمي المراد تقديمه إلى السفارة السعودية وصادر من مديرية التربية والتعليم ( إدارة شئون الطلاب ) .
خطابات لوصف المهزلة
لم يتوقف منصور عبد الرحمن منذ بداية سجنه قبل أكثر من سبع سنوات بمكة المكرمة عن إرسال كم هائل من الخطابات إلى جميع المسئولين في مصر والعالم العربي للتدخل لإنقاذه ، فضلاً عن الخطابات التي تناشد أقاربه وإخوته بمنشأة عبد الرحمن ـ مركز دكرنس للوقوف بجانبه في هذه المحنة المؤلمة ، وقد أرسل منصور خطابات إلى :
1 ـ البرنامج المفتوح بإذاعة الـ BBC
2 ـ مجلة المشاهد السياسي
3 ـ جريدة العرب
4 ـ د. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة السابق ووزير التعليم العالي حالياً
5 ـ سمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر
6 ـ مصطفى بكري رئيس تحرير جريدة الأحرار السابق ورئيس تحرير جريدة الأسبوع حاليا
7 ـ مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار
8 ـ أحمد رشدي وزير الداخلية السابق
9 ـ عدد كبير جدا من المحامين بالمنصورة والقاهرة
10 ـ منظمة حقوق الإنسان بالقاهرة
حديث صاحب المأساة
أنا منصور عبد الرحمن من منشأة عبد الرحمن ـ مركز دكرنس ـ بالدقهلية .. موجود في سجن مكة بدون حكم والتهمة الموجهة لي هي أنني ضابط مخابرات مصري أعمل جاسوساً على السعودية، أما التهمة التي وضعت لي هي سرقة منازل، وقد فرحت بها، وللأسف هي موضوعة لي لغرض في نفسهم .. ما هو ؟ لا أدري .
تقرر ترحيلي إلى بلادي مرة منذ 5 سنوات ومرة منذ 4 سنوات ومرة منذ سنتين، وللأسف لم ينفذ حكم المحكمة، وللآن موقوف بدون حكم داخل السجن .
أما الجهات التي حققت معي فهي المباحث العامة بمكة ووزارة الداخلية بالرياض، وقد جاء لي المدعي العام داخل السجن 6 مرات، وهي بعد ذهابي إلى المحكمة لكي يغير ما هو مدعي عليّ به، من أجل إدانتي في المحكمة؛ كي يحكم عليّ من جديد وأعود إلى السجن ، أما الإجراءات الجنائية التي تمت معي فهي :
كسر اليد اليسرى ثلاث شهور
خلع كتفي الأيمن مما جعلني معاقاً إعاقة تامة
تعليقي على شباك من الحديد بطرق بشعة مما أدى إلى تمزق أربطة مفاصل قدمي مما جعلني معاقا في ساقي
خلع أظافر قدمي
تخليع شعر رأسي
تشويه جسدي بالضرب المبرح
صلبي على شباك من الحديد مما أدى إلى امتلاء خصيتي بالدوالي فقد تم صلبي بهذه الطريقة البشعة لمدة لا تقل عن 6 أيام
وضعي على أجهزة الكهرباء مرات عديدة
تنويمي مغناطيسيا لكي أتكلم بغير إرادتي
برمجة عقلي كي أدين نفسي خطيا وفي شاشة التليفزيون وأمام القاضي في المحكمة ولكن كشف الله أمرهم ولم تتم البرمجة كما أرادوا
تنويمي مكتف بالحديد 18 شهرا عاري الجسد على البلاط في عز البرد القارص والحر الشديد
وضعي في أماكن غير صحية مما أدى لإصابتي بأمراض عديدة لعدم وجود علاج طبي
إجباري على التوقيع على محضر انتحار لكي لو مت أكون أنا المنتحر وهم خالين من المسؤلية
يقومون بفك أي أربطة لاصقة يقوم بها أي طبيب لكتفي المخلوع
إنه فجر وإجرام مواصلة التعذيب لي بهذه الطريقة البشعة، ووجودي أساسا في السجن بدون حكم .. هل الحرامي يعمل معه هذه الأعمال الجنائية والأعمال المحرمة دولياً شرعاً وقانوناً ؟! وهل عندهم ما يثبت بأني ضابط مخابرات ؟! وهل الحرامي يظل بالسجن كل هذه السنوات ؟! وهل ليس من حقي أن أوجه نداء إلى خادم الحرمين الشريفين بعمل لجنة تخاف الله ؟ وإن كنت مدان أعدم في الحال وإن لم أكن مدان يخلى سبيلي وأعود لبلادي .
وللعلم الأكيد هنا المصريون كلهم وليس أنا وحدي مضطهدين، حيث أن غير المصري يحكم عليه ثلاث شهور والمصري في القضية المماثلة يحاكم بثلاث سنوات وعشرة سنوات، أما في التعذيب فيكون شديداً وقاسياً، فالمصري يعامل معاملة قذرة وغير شرعية، ويُسبون من العساكر السعوديين الذين يدوسون على رقابهم بالأحذية، بينما السجين الآخر لا يعامل بهذه الوحشية التي يعامل بها المصري .. أسأل نفسي وأسألكم : هل بعد هذا الظلم الوقح .. البربري .. الغير إنساني هل أكون أنا المذنب وهم مثل الأنبياء معصومين من الخطأ .. وللعلم أهلي قدموا شكوى إلى الخارجية المصرية والسفارة السعودية وكافة المسؤلين، وتخيلوا ماذا كان رد السعوديين الوقح ؟! لقد قالوا أنني مشاغب داخل السجن .. هل البيضة تضرب الحجر ؟ّ! هل أشاغب حباً للضرب والعذاب ؟ّ! هل يقول أحد للغولة إن عينك حمراء ؟!
إنني أتعرض لتعذيب واضطهاد وظلم بربري غير شرعي ولا يعكس سوى حقد هؤلاء وكراهيتهم لمصر وشعبها !!! .
( من أحد الخطابات التي أرسلها منصور لشرح تفاصيل الكابوس الذي يعيشه )
التهم القذرة
اُتهم منصور عبد الرحمن بأنه ضابط مخابرات مصري يعمل لحساب منظمات سرية، ويعمل في نقل الأسلحة المحرمة دولياً مثل اليورانيوم والبلاتنيوم التي تستعمل في الأسلحة النووية !!.. وكلها تهم باطلة بلا دليل واحد أو إثبات، فقط تم وضعها كي يبقى ( منصور ) في السجن أطول فترة ممكنة لغرض غير معلوم .
إخوة منصور عبد الرحمن
إخوتي موقفهم مخزي تجاهي ويدينونني بسكاتهم، ولا يفعلون شيئاً من أجلي، وللعلم الأكيد فإن لهم مصلحة كبيرة من وجودي بالسجن وعدم خروجي، وللعلم أيضا لم يكن لي إلا أخ واحد واقف معي ولكن على حسب مقدرته وإسمه المهندس ( شمس الدين محمد محمد عبد الرحمن ) وهو الوحيد الذي يتمنى خروجي وفك أسري
( فقرة من خطاب منصور إلى أحد المحامين المصريين )
جاسوس للنظام العراقي
قيل أيضا أن منصور متهم بالتخابر لحساب النظام العراقي، وأنه عميل لصدام حسين، وهذه التهمة تضم لكافة الاختراعات الأخرى كي لا يتم الافراج عنه
كيفية تهريب الرسائل
ذكر منصور عبد الرحمن في خطاباته التي أرسلها إلى كل الجهات أن الذي ساعده في تهريب الرسائل هو الأستاذ صادق الباحث الاجتماعي بالسجن، وذكر أيضا أن جميع السجناء متعاطفين معه وبعض العساكر أيضاً، رغم أنهم من يقومون بتعذيبه، ولكنهم يقولون لمنصور أنهم يعلمون أنه مظلوم ولكنهم مضطرون إجراء هذا التعذيب معه طبقا لأوامر قادتهم، وأنهم إن لم ينفذوا ذلك سوف يلاقون ما هو أسوأ من هذا العذاب .
ويقول منصور في أحد خطاباته : ( لقد أمضيت 4 شهور في المباحث العامة و25 يوم في وزارة الداخلية وأماكن أخرى لا أعرفها، ونفذت معي جميع الإجراءات الجنائية التي لا ترضي الله ولا البشر، فأنا أعامل معاملة قذرة ووحشية حتى الأكل والشرب وحتى الهواء وعدم رؤية الشمس؛ مما سبب لي الروماتيزم الذي إنتشر في جميع أجزاء جسدي، وكذلك ظهرت عليّ جميع أعراض مرض الصدر ووصل الروماتيزم إلى قلبي وصارت حالتي الصحية يرثى لها .
الرأي العربي
العدد الأول
يوليو 1998
http://al-takadom.com/%D9%85%D8%A7%D8%B0...%85%D9%86/