نعيش في زمن التناقضات الكبرى. زمن الخدع الكبرى والرياء الكبير .. زمن خمول العقل الكبير. لم تعد الحقيقة سوى آخر تقليعة إعلامية تبيعها الصحافة للجموع الجاهلة خفايا الأمور ،التي هي نحن. ولم تعد الأخلاق سوى ما قيل لنا أنه الأخلاق، والوطنية سوى ما قبل لنا أنه الوطنية، والإرهاب والعدالة وكل شيء أصبح مصلا معلقا بأنبوب وماكينة يطعموننا إياه في العضل أحيانا، وفي الشرج أحيانا أكثر. حتى الله لم نعد نعرف عنه سوى ما يقال.

حتى ولو كنا قادرين على التفكير فهل نستطيع التفكير في زمن التشويش الإعلامي الهائل الموجه ضدنا. وإن أردنا الحركة فهل نحن قادرين على الإتيان بها ونحن مكبلون بقيود فوق قيود فوق قيود فوق قيود؟

حريتنا ليست أكثر من وهم ، وحضارتنا أهشّ من قشرة بيضة عصفور.

هل يذكر أحد تلك الصورة الخالدة .. صورة الطفل الأفريقي الذي كان يعاني من المجاعة وسوء الغذاء؛ يزحف مرهقا نحو القرية ليجد لقمة يسدّ بها شبح الموت. ذاك النسر الذي يقتات على الجيف الذي كان يتبعه منتظرا موته، هل وجد وليمته يومها؟

تبا كم تضايقت اليوم عندما توقفت ساعتي الـ Kenneth Cole عن العمل. أظنها تحتاج بطارية جديدة!

في تجربة علمية تم وضع خمسة قرود في قفص كبير، وتم وضع قرط من الموز في مكان مرتفع في وسط القفص. وكان كلّما حاول أحد القرود الوصول الى الى الموز للحصول عليه يتّم رشّه بواسطة مدفع مائي مستخدمين ماءا تقارب درجة حرارته الصفر فيحصل القرد على صدمة أولى بسبب قوة المياه، وأثر متبقي بسبب برودتها. وكان القائمون على التجربة يعالجون بهذه الطريقة ليس فقط القرد الذي كان يحاول الحصول على الموز، ولكن كل القرود الخمسة في القفص. حتى بعد فترة لم يعد يجروء قرد على التطاول على الموز.

وعندما أيقن العلماء أن القرود كلها تعلّمت الدرس، أخرجوا أحد القرود من القفص واستبدلوه بقرد جديد. هذا القادم الجديد لم يكن يعرف شيئا عن عقاب محاولة الحصول على الموز لذلك حاول الحصول عليه. لكن القرود البقية الأربعة هاجموه وأبرحوه ضربا كي لا يتسبب لهم بالرشّ بالماء البارد. وعندما حاول هذا القرد الجديد مرّة ثانية وثالثة أشبعه بقية القرود ضربا حتى تعلّم درسه.

بعد أن تعلّم القرد الجديد درس الموز، أخرج العلماء قردا ثانيا من القرود القدماء واستبدلوه بقرد جديد. هذا القرد الجديد حاول بدوره الوصول الى الموز لكن القرود الثلاثة القدماء هاجموه واشبعوه ضربا لمنعه من أن يتسبب لهم بالعقاب جماعي. لكن الغريب هو أن القرد الرابع الذي لم يكن يعرف شيئا عن عقاب الرش بالمياه شارك الثلاثة الآخرين في ضرب الوافد الجديد. واستمر الأمر هكذا حتى تعلّم القرد الجديد الدرس.

وهكذا، ظل العلماء يستبدلون القرود القدامى بقرود جديدة حتى لم يعد في القفص أي من القرود الأصلية التي كانت تعرف العقاب الأساسي. ومع ذلك، فقد وجدوا أنهم كلما أدخلوا قردا جديدا الى القفص فإن كلّ القرود كانت تهاجمه إذا حاول الحصول على الموز دون أن يعلم أيّ منهم لماذا يفعلون ذلك.

ماذا لو أن كلّ ما نراه، ونعتقده ونفعله لا معنى له بتاتا في الحقيقة؟