{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
رحمة العاملي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,790
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #1
حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
تحذيــر مـن أعرابــي أضـــاع عقلـــه

كتب أعرابي من مملكة الرمال يقول: “في اليمن الحوثيون سيطروا على مناطق كثيرة وطردوا أهل صعدة والقرى المجاورة.. في العراق حرب طائفية لسحق الطائفة السنية واخضاعها للمد الفارسي.. سوريا تحارب بكل ثقلها للسيطرة على اﻻغلبية السنية.. البحرين بين مد وجزر.. القطيف تغلي.. وﻻ ندري متى يأتي اﻻعصار فيغرق الخليج العربي.. واعتقد أن إيران هي من تحدد هذا الزمن”.

ثم تسائل: “إلى أين نذهب نحن أهل السنة؟.. أين أهل السنة والعروبة من هذا الاحتلال؟.. أين السعودية ووقفتها مع إخوتها؟.. أﻻ تخاف السعودية وهي الآن داخل كماشة فارسية؟”.

فأجاب: “بلا تحليل ولا نصائح، أنذركم أيها العرب من الشر الذي اقترب ..
ﻻ حل لكم اليوم الا بالمواجهة أو الخضوع و الإستسلام”.

عــزف نشــاج علـى وثــر الفتنــة المذهبيــة
هذه بذور شيطانية لبداية فوضى في التفكير، تستغلُّ جهل الناس بوقائع التاريخ، ومعطيات الديموغرافية، وشروط الإجتماع الإنساني، وحقيقة الدين، لتشوش على وعيهم، وتعزف على وثر الإختلاف الذي جعله الله رحمة بين المسلمين، فتحوله إلى خلاف من شأنه أن يسهم في إفتعال فتنة مذهبية خبيثة هدفها الأساس تخريب الدين من جذوره، من خلال دق إسفين الفرقة بين المؤمنين، خدمة لمصالح الغرب الإمبريالي وسيادة “إسرائيل” في المنطقة.

ما من شك أننا هنا أمام صورة نمطية لمنطق تضليلي خطير، لا يرى من المشهد سوى جزء من الزمن السياسي الظاهر، ويتعمّد عن قصد وسبق إصرار تجاهل حقيقة المعنى من خلال العزف على الوثر الطائفي والمذهبي الحساس، وتلبيس الواقع لبوسا خادعا ليس منه، وكأن المسألة الشيعية قضية طارئة في المنطقة ولا تمتد عميقا في جذور التاريخ الإنساني والسياسي والديني للمنطقة العربية.

الهــدف مـن إثــارة القضيــة الشيعيــة اليــوم

بداية القصة كانت مع التصريح المضلل للملك الأردني ‘عبد الله الثاني’ حين حذَّر قبل فترة بوقاحة وبصريح العبارة، من تكتل مذهبي أسماه بـ “الهلال الشيعي”، وقال أنه يمتد من إيران عبر العراق مروراً بسوريا و إنتهاءا بلبنان.

وفي موقف مشبوه ينم عن أن تصريح ملك الأردن لم يكن عفويا، بل جاء في إطار خطة سياسية تم التنسيق بشأنها بين واشنطن وتل أبيب والسعودية، فتجاوبَ معه (أي التحذير)، بعض الملوك والرؤساء الأعراب، ليأخذ الموضوع بسرعة البرق بعدا سياسيا ودينيا، وموقفا سجاليا حادا بين الكتاب والمحللين والصحفيين والمعلقين والمراسلين العرب والأجانب، إلى أن انتهى الأمر اليوم بتداوله على نطاق واسع من قبل الدهماء والظلماء وسواد الأمة (بتعبير الفقهاء)، بعد أن تحولت إيران “الشيعية” بقدرة قادر إلى العدو الإستراتيجي الأول للأمة بدل “إسرائيل” التي أصبحت حليفة للسعودية وصديقة للملوك والرؤساء العرب (إلا من رحم الله).

ولم يقتصر الأمر على التداول الإعلامي فحسب، بل زاد الأمر خطورة عندما صب فقهاء منافقون الزيت على النار ليشتد لهيب الفتنة فيحرق الأخضر واليابس وينهي التاريخ والحضارة والإنسان.. ولعل أبرز من دخلوا على خط الفتنة بتحريض من حكام مشيخة قطر مفتي الناتو، الشيخ الدجال المدعو ‘يوسف القرضاوي’ الأمين العام للاتحاد العالمي للمتأسلمين، حيث أدلى بمجموعة تصريحات حذر فيها مما وصفه بالغزو الشيعي للمجتمعات السنية، وانتقد مرجعين شيعيين بارزين هما ‘محمد حسين فضل الله’ و ‘محمد علي تسخيري’، ووصل به الحد نعت حزب الله المجاهد بـ”حزب الشيطان”.

وتبعه بعد ذلك فقيه “السيكسولوجي” المغربي المتخصص في قضايا الجنس ودم الحيض والنفاس، الذي سبق أن أفتى بجواز نكاح الرجل لجوزته وهي جثة هامدة، وأجاز للمرأة العادة السيرية بالإستعانة بالجزر والموز وبعض الأدوات المنزلية الخشبية كيد “المهراز”. حيث حذر بدوره إقتداءا بسنة شيخه ‘القرضاوي’ من ما وصفه بـ “مخاطر” انتشار التشيع في المغرب، ودعا في حديث أجرته معه جريدة الشرق الأوسط المسؤولين المغاربة، وخاصة العلماء إلى “التصدي للمد الشيعي قبل استفحاله”.

فكان أن رد على ‘القرضاوي العلامة ‘محمد حسين فضل الله’ الذي قال في تصريح أدلى به لوكالة انباء فارس في حينه: “إنني فوجئت بتلك التصريحات، فأولاً إنني لم أسمع عن الشيخ القرضاوي أي موقف ضد التبشير الذي يراد منه إخراج المسلمين من دينهم وربطهم بدين آخر، لم نسمع منه أي حديث سلبي في هذا الاختراق، أو في اختراق العلمانيين أو الملحدين للواقع الإسلامي”.

وفي المقابل، انتقد عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية بمصر الشيخ ‘محمد علاء ‌الدين أبو العزائم’ تصريحات القرضاوي حول الشيعة. وأكد: أنها “تسبب الفرقة الطائفية بين المسلمين”. مؤكدا أن تصريحات القرضاوي كادت تتسبب في “ضياع الأمة الإسلامية وتساعد أعداء‌ها وتفتح لهم باب التدخل في شؤون المجتمعات الإسلامية بحجه الدفاع عن الأقليات”.

ويذكر في هذا السياق، ومن باب إحقاق الحق، ما قاله المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر ‘محمد مهدي عاكف’ حول موقف الجماعة من المذهب الشيعي، حيث قال: “هم مسلمون لهم مذهبهم، وأنهم يعبدون الله عز وجل ويتبعون النبي، وقبلتهم هي الكعبة، ويتبعون تعاليم القرآن”. ومن باب تجنب الإحراج رفض التعقيب على تصريحات القرضاوي.

ومنذئذ وقضية “الشيعة” تتداول في الإعلام على لسان كل فقيه مدعي وداعية مفتري، لنفاجأ اليوم بحملة شرشة يقودها شباب وهابي يتملك الجهل عقولهم المتكلسة، ويستبد الضياع بأرواحهم الهائمة على غير هدى من الله، فيشتمون “الشيعة” بغير خلق على مواقع التواصل الإجتماعي، من دون أن يدركوا أنهم يساهمون من حيث يعلمون أو لا يعلمون في تخريب العلاقة مع إخوان لهم في الدين وشركاء لهم في الوطن والمصير.

أما على الميتوى السياسي، فلعل أول من تنبه لخطورة تصريح الملك الأردني وابعاد ذلك على وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها هو رئيس البرلمان اللبناني الأستاذ ‘نبيه بري’ الذي سارع بفطنته، وذكائه، وأسلوبه الديبلوماسي الرفيع، للرد على ملك الأردن بالقول: “نعم هلال شيعي ولكن في قمر سني”، في إشارة معبرة بليغة إلى الحجم الديمغرافي للشيعة مقارنة مع السنة في المنطقة باعتبارهم مكونا أساسيا من جسم واحد.

والمدقق الموضوعي لكلام الرئيس ‘نبيه بري’ لا يمكن أن يفوته البعد الثقافي الذي يمتد عميقا في الجذر التاريخي والسياسي والديني للمسألة الشيعية، إنطلاقا مما عرف في التاريخ الإسلامي بالفتنة الصغرى التي بدأت بمقتل ‘عثمان بن عفان’ (ر) من قبل الخوارج، ثم الفتنة الكبرى التي فجرها بعد ذلك الخلاف السياسي حول الخلافة بين الداهية ‘معاوية بن سفيان’ و أمير المؤمنين ‘علي بن أبي طالب (ر)، وانتهت بمقتل ‘الحسين بن علي’ (ع) في واقعة كربلاء الشهيرة من قبل الظالم ‘يزيد بن معاوية’.

“الشيعــة” بيـن منهـج التفكيــر ونهـج التكفيــر

“القضية الشيعية” إن صح لنا تسميتها كذلك، ليست بالأمر الجديد الذي برز على سطح الخلافات الدينية كما يعتقد البعض، بل هي بالأساس قضية سياسية بامتياز لبست لبوس الدين لإستغلال مشاعر عامة المسلمين وتجييشهم في معركة غير معركتهم وضد عدو غير عدوهم الحقيقي الذي هو الإستكبار العالمي و”إسرائيل”، لثنيهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة في وقت ثارت فيه الشعوب العربية على حكامها، وبدأ منسوب الوعي يرتفع لدى شبابها المتعطش للحرية والديمقراطية والكرامة، بعد أن خرجوا للشوارع معلنين الحرب على الفساد مطالبين بإسقاط الدكتاتوريات الرجعية المترهلة، ومحاسبة الحكام الخونة خدام الغرب وعملاء الصهيونية والماسونية العالمية الذي عاثوا في البلاد فسادا وفي العباد قمعا وظلما واستبدادا.

وبهذا المعنى، تعتبر القضية “الشيعية” من الخلافات السياسية القديمة قدم التاريخ الإسلامي، لكنها عادت لتطرح من جديد من خلال المنظور السياسي المغلف دينيا، والذي بدأ يبرز في العالم العربي بعد الثورة الإيرانية سنة 1979، حيث ظهر، ولأول مرة، المُكوّن ‘الشيعي’ في المنطقة والعالم كقوةَ سياسية متميزة، ولحمة مجتمعية متجانسة، وجماعة دينية متنورة عقلانية ومسالمة، وقوة مادية فاعلة أثبتت نجاعتها في الحرب الإيرانية العراقية، بعد أن عاش الشيعة كمؤمنين منسجمين مع إخوانهم السنة وغيرهم من الطوائف والمذاهب والملل والنحل التي عرفها التاريخ الإسلامي.

وبالرغم من هذه الحملة الجديدة المشبوهة ضد المكون الشيعي الإسلامي، واستهدافهم من قبل الفكر السلفي التكفيري والوهابي الإرهابي في صراع سياسي لبس لبوس الدين الزائف للتغطية عن خيانة حكام آل سعود والدائرين في فلكهم من ملوك وأمراء ورؤساء رجعيين وعملاء، إلا أن الشيعة ظلوا يعلنون تمسكهم بوحدة المسلمين ويحذرون من المؤامرات الأمريكية والصهيونية الخبيثة التي تستهدف مكامن القوة في الأمة، وقد أثبتوا خلال العقود الثلاثة الماضية بعد الثورة الإيرانية، أنهم ضحية لحملة تشويه ممنهجة، وأنهم دعاة محبة وتعاون وسلام، وأنهم يقفون في نفس خندق أحرار الأمة للدفاع عن دينها وقضياها المركزية وعلى رأسها تحرير فلسطين المغتصبة بقدسها وجميع ترابها، وأن رسالتهم الدنيوية تتلخص في السعي لخير الأمة و وحدتها وقوتها ومناعتها، والدفاع عن تحرر الشعوب المستضعفة في كل مكان لتتحرر من هيمنة الإستكبار العالمي..

هذا هو ما اعتبره الغرب والصهيونية اليهودية والعربية خطرا محدقا بهم، فقرروا محاربته متضامنين، ووجدو لها أصلا شرعيا في السنة التلموذية التي استحضرها فقهاء الوهابية ليبرروا بها تحالفهم مع الغرب وإسرائيل من باب “المصلحة”، استنادا إلى القاعدة الفقهية الشهيرة التي تقول: “أينما كانت المصلحة فتم شرع الله”. وبالتالي يجوز التحالف مع “الشيطان” من أجل مصلحة الحكام الطغاة وليس مع أمريكا وإسرائيل فحسب.

لم نسمع شيعيا يروج لثقافة تكفير المسلمين، ولم نشاهد أن شيعيا تحول إلى إنتحاري فجر نفسه في مسجد أو كنيسة أو جمع من المؤمنين الأبرياء، ولم نقرأ يوما أن إيران هددت أي بلد عربي بالعدوان بالرغم من تكالب العربان عليها في حرب الخليج الأولى زمن ‘صدام’.. لكن ما عشناه وخبرناه من تجربة حزب الله في لبنان ومقاومته للكيان الصهيوني المعتدي، جعلنا نستعيد بعضا من عظمة التاريخ الإسلامي المجيد، وجمال الإسلام الراقي، وروعة الإيمان العميق، وأنموذج الفلسفة النبوية في الصدق والوفاء والتضحية والعطاء، وبعضا من رحابة المحبة وأخلاق التضامن والتسامح واحترام الإختلاف، خصوصا بعد أن ذقنا طعم الإنتصار اللذيذ بعد عقود من الهزائم والذل المرير، جعلت المواطن العربي يشك في عقله وتاريخه ويخجل من دينه وإنتمائه ويصل إلى قناعة مفادها أن التغيير أمر مستحيل، وأن لا حل لهذه الأمة إلا بالموت أو التخلف العقلي.

كما أن ما اكتشفناه فجأة من نهضة فكرية وتقدم علمي أبهر العالم في إيران، جعلنا ندرك معنى أن يكون الإيمان مُحفّزا للعقل والإبداع والعمل، واكشفنا حقيقة روح التحدي الكامنة في الإسلام، والتي قتلها فقهاء الجهل والظلام حراس الهيكل العربي المتداعي وسدنة المعبد الوهابي الظلامي.

حتـى لا نخلـط بيـن إختــلاف المذاهــب وثوابــت الديــن

إن المشكلة في الجوهر لا تكمن في التشيُّع أو التسنُّن، بل في سوء فهم واقع التجربة الإنسانية الدنيوية، وعدم القدرة على تقدير الأمور إنطلاقا من سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول، ما دامت القاعدة الأساس في نظرية الخلق والكون ومجرى التاريخ تقول، أن الثابت الوحيد في سنة الله هو التطور الذي ينتجه الإختلاف والتنوع، لا الجمود الذي تكرسه ثقافة التقليد في بوثقة الجماعة وشرنقة المذهب.. ومن أجل ذلك، جعل الله الناس مختلفين، ولذلك خلقهم، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة، كما يؤكد في كتابه الحكيم.

ولو خصص الأعرابي الذي انطلقنا من تحذيره في بداية هذا المقال بعضا من وقته التافه لتلاوة القرآن وتدبره، لشمله الصمت قُبيل وبُعيد الترتيل، وحلت بروحه الهائمة السكينة، وبعقله المظلم نور الحقيقة، وفهم في النهاية أن الله هو من يصنع الأحداث والتاريخ لا أمراء الزيت خدام واشنطن وعملاء تل أبيب، وأن الله ينصر من يشاء من عباده المخلصين، وأن الإسلام هو غير ما حدثه عنه فقهاء الوهابية الذين حولوه إلى دين حقد وإلغاء وتكفير وقتل على مقاسهم كما فعل اليهود مع التلمود.

هناك فرق واضح بين اليوم والأمس في دنيا الناس.. ففي الجاهلية الأولى كان عدم اليقين يدفع أعراب قريش إلى تفضيل الوفاء لعقيدة أسلافهم مع قناعتهم بزيفها، وبخلاف هؤلاء، كانت ثلة من العرب المتنورين يختارون إتباع القواعد الأخلاقية التي أجمعت على صحتها الكتب السماوية القديمة وأصبحت من القواعد المحكمات التي شرعها الله في قرآنه لكل عباده (راجع الوصايا العشر في القرآن من الآية 151 إلى 153 من سورة الأنعام)، فالتقت الأمم والرسل والرسالات عند ذات المبادىء الأخلاقية السامية التي اعتبرها تعالى من المحكمات في التشريع من موسى إلى عيسى إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، وبقي الخلاف محصورا في بعض المتشابهات التي لا تفسد للود قضية.

زمن الوحي، انصب النقاش على تفنيد حجج أتباع الرسالات السماوية السابقة، وبعد الرسول (ص)، تحول النقاش إلى جدل حول الأصول والفروع في الإسلام استنادا إلى قواعد المذاهب الفلسفية القديمة من خلال ما إصطلح على تسميته بعلم الكلام، فنشأت المدارس والفرق ثم المذاهب والطوائف فالملل والنحل، حتى أصبح كل من يقول بمقولة له جماعته الخاصة به يدعي أنها الجماعة الناجية وما سواها في النار إستنادا إلى حديث مشبوه منسوب للنبي نجد نظيرا له كذلك في تلمود اليهود.. وهنا تحول المشهد من الخلاف الفكري إلى الإختلاف حول من يمتلك الحقيقة، فبدأت مسيرة تكفير التفكير والكلام بلسان الله والإفتاء بقتل المخالف في العقيدة والمذهب، ووصل الجهل مداه فطال التكفير حتى المخالفين في الرأي من أتباع نفس المذهب، فتعمّد التاريخ الإسلامي بالدم والحزن والدموع.

اليوم، لا يختلف المشهد كثيرا، فالجميع يقول أنه يؤمن بالله وقرآنه وسنة نبيه، ولا فرق في ذلك بين “سنة” و “شيعة”.. ويذكر التاريخ أن الشيعة هم أول من آمن بسنة الرسول (ص) كما نقلها عنه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بعد أن طورها فيما أصبح يعرف بـ’الفلسفة النبوية’. في حين أن “أهل الجماعة” تفرقوا إلى أكثر من 70 فريقا كل بما لديهم فرحون، فتفرقوا في الدين شيعا بإسم السنة ووهم الفرقة الناجية التي تمثلها “الجماعة”، وكان معاوية هو أول من أسس لمنطق الجماعة في استغلال فاضح للدين في السياسة بهدف الهيمنة على السلطة وتكريس الإستبداد والفساد.. وورثه على رأس “الجماعة” ابنه البار ‘اليزيد بن معاوية’ الذي دمر الكعبة المشرفة بالمنزنيق وحرقها بالزيت والنار، ومن مآثره التي تقشعر منها الأبدان أنه ذبح أسرة الرسول الكريم (ص) كما تذبح الخراف يوم العيد.. فكانت كربلاء كربا وبلاءا على المسلمين قاطبة، حيث استشهد ‘الحسين’ (ع)، فتحول الإسلام بإسم “السنة” من دين عقل وعدل إلى دين ظلم وإلغاء وقتل وتخلف وظلام.

اليوم ها نحن أما ذات المشهد الذي يكرر نفسه من جديد، حيث نجحت الوهابية بفضل المال الحرام في إلغاء كافة المدارس والمذاهب الإسلامية، بل وألغت سنة الرسول (ص) ودين الإسلام القويم، واستبدلت كل ذلك بعقيدة النبي الدجال ‘محمد بن عبد الوهاب’، وأصبح فقهاء الوهابية التلمودية يجادلون في الدين بغير علم، ويشرعون للناس بخلاف ما أقره الله في قرآنه، ويفتون في شؤونهم بما يخالف سنة النبي الكريم، متناسين أن الإسلام وفق مفهوم القرآن هو دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله منذ نوح (ع) إلى محمد (ص) هبوطا، وأن لا وجود لدين في هذا الوجود غير الإسلام باختلاف الرسالات والرسل، وما سواه مجرد “جهل” سماه تعالى كفر في سورة ‘الكافرين’.

هؤلاء المنافقون المرتشون، يعلمون علم اليقين أن القرآن الكريم حين يتحدث عن الرسول الأعظم (ص)، فإنه يذكره بما هو أسمى من الفقه والسياسة ويركز على المبادىء والقيم والأخلاق.. وأن كل ما قاله الفقهاء والفلاسفة والمتكلمين عن الرسول الكريم (ص) هو مجرد تشويش، لأنهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون حاولوا إختزاله في الزمن القرشي القديم، متجاهلين أن الله بعثه رحمة للعالمين، وأن لا علاقة لسنته بما يدعون من أضاليل وأباطيل.

ولو فهم الأعراب لماذا خلق الله قريش وبعث فيهم الرسول المُخلّص زمن الجاهلية الأولى، لما اجترّوا ثقافة الخيمة والنخلة والبعير، ولدفنوا ماضيهم الكئيب في رمال الصحراء، وطمسوا معه كل بشائر البداوة والجهل والغباوة، وتحرروا من سطوة سنة الفقهاء ومعتقل فكر الجماعة التي تساس بمنطق القطيع.

الوحي لم ينقطع عن الأرض كما يعتقد فقهاء الجهل والضلال، لأن الله معنا في كل زمان ومكان، يوحي للحجر والشجر والنمل والنحل والبشر في كل وقت وحين، وينير درب الصراط المستقيم لكل عباده الذين يعتبرهم خلفاء له في الأرض من دون وسيط، بدليل قوله تعالى (وما من دابة في الأرض إلا وهو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) وحيث أن الله بكل شيىء محيط، فلا وجود في هذا الوجود إلا للصراط المستقيم، حيث يستحيل أن يخرج مخلوق عن صراطه فيتحدى إرادته أو يعاكس مشيئته، وعلى هذا الأساس شملت رحمته كل شيىء دون استثناء.

والكتاب هو عين آيات إعجازه في الكون والخلق، نقرأه نيابة عن الله الذي يتكلف وحده دون سواه ببيانه من خلال إلقاء فيض نور المعنى في الروع، فيتبدد الظلام ليطرد الجهل من فهمنا القديم، ويحل محله نور العرفان الذي يفتح أمامنا أبواب اليقين.. وهذا هو عين معنى تجدد الوحي في كل وقت وحين باختلاف الزمان والمكان. لأنه لو كان بالإمكان فهم القرآن بأدوات اللغة وآليات المنطقة كما اعتقد قديما فقهاء التفسير، لتحول القرآن من وحي دائم متجدد إلى كتاب تاريخ وأخلاق مغلق ينتمي للعصر الذي دُوّن فيه، ولفقد بذلك الإعجاز إن على مستوى المبنى أو المعنى.

رحل الرسول الإنسان إلى رحمة الله وترك فينا حبل الله المتين (القرآن)، ومعه نماذج راقية من أخلاقه السامية، بعد أن شهد له تعالى بالكمال من خلال قوله (وإنك لعلى خلق عظيم)، واتباع سنة الرسول (ص) هي التشبه بأخلاقه الحميدة لا بحياته كإنسان زمن قريش، ولا بتجربته الدنيوية الخاصة التي خلقه الله ليعيشها وفق ظروف زمانه وشروط مجتمعه.

ولو قرأت المأثور من السنة وفق ما يدعي العديد من الفقهاء وقارنتها بسيرة الرسول الأعظم (ص)، لإكتشفت أنها كالحرباء تتلون بلون الأحداث من طور إلى آخر، فتطمس ما قبلها لتتجدّد بشكل مستمر وفق الحاجة التي تعني “المصلحة”، مع الإصرار على إلحاقها بمأثور من قول أو فعل للرسول (ص) حتى لو تطلب الأمر إختراع أحاديث غريبة وتحميلها ما لا يحتمل، كتعارضها مع تعاليم السماء حينا، أو عدم انسجامها مع ظروف العيش وشروط الواقع أحيانا.

قبل القرآن حرّف اليهود التوراة التي جاء بها موسى (ع) باسم السنة تحديدا، فضاعت تعاليم السماء، وبعد الأنجيل زور بولس “الرسول” تعاليم المسيح (ع) ليضع للمسيحيين سنة مكملة للإنجيل، فأصبح للمسيحيين أربعة أناجيل يناقض بعضها بعضا، وعندما سُأل عن سبب لجوئه لإختراع أقاويل وإحالتها إلى عيسى (ع) قال: “إني أخدم دين الله بما ليس فيه”.. هذا ما قاله فقهاء السنة كذلك، خصوصا عندما تحالفوا مع الملوك المستبدين، فقالوا بضرورة اللجوء إلى السنة بدعوى أن القرآن لا يتضمن كل الأحكام ضدا في قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيىء) وقوله كذلك (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وغيرها من الآيات المحكمات التي تكذب إدعائهم أن القرآن لم يأتي بكل الأحكام، وافترائهم على الله بما لا يليق بجلاله وكماله.

لكن المعظلة تجلت حين إكتشفوا أن السنة بدورها لا تسمح لهم بالتشريع وفق أهواء الساسة الفاسدين، فقالوا بضروة إضافة أصل ثالث للقرآن والسنة سموه “إجتهادا”، وأصبح الإجتهاد بالرأي يلغي في أحيان كثيرة المحكم من التشريع كما ورد في القرآن، كحكم قتل المرتد و الكافر و”الشيعي’ و “النصيري” بل وحتى المخالف لهم في الرأي ضدا في قوله تعالى: لا إكراه في الدين من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إن الله غني عن العالمين.. ورجم الزانية بالرغم من عدم ورود حكم الرجم في القرآن فاضطروا لإستنباطه من التلمود على سنة اليهود، وجهاد النكاح الذي هو عين الفاحشة، ونصرة المسلم ضد أخيه المسلم الذي ما أنزل الله به من سلطان، ولا وصية لوارث حيث ألغوا عشرات الآيات التي تتحدث عن الوصية والدين في منظومة “الإرث” بدعوى “الناسخ والمنسوخ” التي لا وجود لها إلا في عقل الأغبياء، لأن المنسوخ الذي يتحدث عنه الله تعالى في القرآن يتعلق بأحكام الأمم السابقة التي وردت في ظروف مخالفة لظروف بعثة الرسول محمد (ص)، ولا علاقة لها بأحكام القرآن، وإلا لتحول الله إلى مشرع لا يدرك ما يقول ويتراجع في كل مرة عما يشرعه، سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا… وغيرها من فتاوى الحكم والسياسة وخاصة حرمة الخروج على الحاكم المستبد وقتل المعارض وغيرها… والأمثلة أكثر من أن تحصى، ولا مجال للإستطراد في توضيحها حتى لا نخرج عن موضوع المقال.

هكذا إذن تحول شرع الله إلى كيمياء مركبة وهجينة أسموها “الشريعة الإسلامية” لتشمل السنة بما فيها بعض المكذوب على الرسول (ص) بالإضافة إلى الإجتهاد الذي يعني الإقتداء بالسلف الذي لم يكن كله صالحا، في إلغاء للفطرة السليمة وبداهة للعقل وقاعدة التمييز المنطقية.

فـي نقــــــد الإديولوجيــــــا

يقول عالم التاريخ والباحث المتخصص في الإديولوجيا، المسلم “السنّي” الدكتور عبد الله العروي في كتابه (السنة والإصلاح، الطبعة الأولى 2008، المركز الثقافي العربي ص: 201): “تتلاشى السنّة اليوم لأنها أخطأت التعريف. التأسّي بالنبي في كل ما يحدث يقود إلى تأسّي الإنسان بنفسه. فهو تعدّ على المرسل (بكسر السين) وتجنّ في حق المرسل (بفتح السين)، جعله لعبة تتقاذفها العوارض (…) وبعبارة أدق، إذا صحّ، كما تُقرّرُّ السنّة، أن عدالة الله ليست عدل البشر، فيجب، بالمقابل، أن لا نجعل من العدالة البشرية عدلا إلهيا. سهت السنّة عن هذا الإستنتاج، فساعدت على إحياء طغيان كسرى وقيصر، كذّبت بتصرُّفها ما تُردّده بلسانها: تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا”.

وهذا ما سنُفصّل القول في شرحه في الجزء الثاني من هذه المقالة حتى لا نستبدّ بوقت القارىء الكريم.
احمد الشرقاوي \ كاتب مصري
01-29-2014, 12:03 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الوطن العربي مبتعد
offline
*****

المشاركات: 818
الانضمام: May 2011
مشاركة: #2
الرد على: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
الشيعه حالياً مثل المتحجبه وطيزها برا

كملي لف الحجاب ياحجه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!
01-29-2014, 06:25 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
على نور الله غير متصل
Banned
*****

المشاركات: 8,439
الانضمام: Apr 2005
مشاركة: #3
RE: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
الوطن الاعرابى
قصدك الوهابية
بس الطائفية عمياكم
لا احد عانى من الشيعة غير الوهابيين و صهاينة اليهود
الذين عانى منهم كل العالم
انظر الى اى بقعة فى العالم ستجدها تعانى من الوهابية و تكره المسلمين بسببكم
الشيعة ليس لهم مشكلة مع اى ديانة و لا اى طائفة الا مع الوهابية اللى مشاكلهم مع كل الناس
حتى هم يعانون من بعضهم البعض
فمثلك لا ينطبق الا عليكم
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 01-29-2014, 08:17 PM بواسطة على نور الله.)
01-29-2014, 08:17 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
رحمة العاملي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,790
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #4
RE: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
حضرة كاره نفسه الوطن العربي
هذا الموضوع ليس للتعليق الاستفزازي السمج وافراغ العقد النفسية ،لاني لست كاتبه
بل كاتبه مسلم (سني) يوّصف الواقع بحسب رؤيته
عندك رؤية مخالفة للكاتب فتفضل بيّنها وافض علينا من بركات عقلك المتنور ، الا اذا فقدته خلال (الثورة)
01-29-2014, 09:23 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Al gadeer غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,723
الانضمام: Jan 2004
مشاركة: #5
RE: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
السلام عليكم

بصراحة قرأت الموضوع لأني كنت اعتقد انه يقدم تحليل مختلف للواقع الشيعي في هذا الخضم السياسي والصراع الانساني، الا ان المقال يناقش المسألة بشكل قد يكون عشوائي قليلاً

كنت اود لو ان الكاتب الاستاذ احمد الشرقاوي حاول ان يحلل سبب تفاعل الرعاع ضدنا، حيث ان من يحيي الصراع هو عامة الشعوب وبالاخص امثال الشخص الذي علق على الموضوع، المسمى "الوطن العربي" حيث ان اسلوبه والفاظه بحد ذاتها كفيلة بإعطائك فكرة جيدة عن الحقد في قلوب الذين يقاتلونا، والحقيقة ان هذا الشخص هو مثال نموذجي جداً لعامة الرعاع التي تصطف خلف فقيه "السيكسولوجي" كما اسماه الكاتب وغيره من الفقهاء، وددت لو ان المقال يعطينا فكرة عن كيفية تكون هذا الحقد في قلوبهم وماهي دوافعهم ولماذا هذه العداوة تشتد في أزمنة معينة. حيث اني اختلف مع الكاتب فهذا الطرح ليس جديداً ولو عدت في التاريخ سوف ترى ان العداوة قديمة ولكنها تختلف حسب الفترات الزمنية وشدتها تختلف من حين لآخر.

يطول الحديث حول هذا الموضوع. شكراً استاذ رحمة لطرح المقال
Rose_rouge
02-06-2014, 09:27 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نوار الربيع مبتعد
سوريا دولة مدنية علمانية
*****

المشاركات: 1,768
الانضمام: May 2011
مشاركة: #6
RE: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
(02-06-2014, 09:27 PM)Al gadeer كتب:  ، المسمى "الوطن العربي" حيث ان اسلوبه والفاظه بحد ذاتها كفيلة بإعطائك فكرة جيدة عن الحقد في قلوب الذين يقاتلونا،

من انتم.؟
02-06-2014, 11:08 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء مبتعد
باحث عن أصل المعارف
*****

المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
مشاركة: #7
RE: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
(01-29-2014, 09:23 PM)رحمة العاملي كتب:  حضرة كاره نفسه الوطن العربي
هذا الموضوع ليس للتعليق الاستفزازي السمج وافراغ العقد النفسية ،لاني لست كاتبه
بل كاتبه مسلم (سني) يوّصف الواقع بحسب رؤيته
عندك رؤية مخالفة للكاتب فتفضل بيّنها وافض علينا من بركات عقلك المتنور ، الا اذا فقدته خلال (الثورة)

هو تعليق استفزازي نعم ولكن أعطى للموضوع شكل وأهمية.

المقال طويل ولكن دسم من الناحية الفكرية...

بانتظار الجزء الثاني
02-07-2014, 01:55 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Al gadeer غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,723
الانضمام: Jan 2004
مشاركة: #8
RE: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
(02-06-2014, 11:08 PM)نوار الربيع كتب:  
(02-06-2014, 09:27 PM)Al gadeer كتب:  ، المسمى "الوطن العربي" حيث ان اسلوبه والفاظه بحد ذاتها كفيلة بإعطائك فكرة جيدة عن الحقد في قلوب الذين يقاتلونا،

من انتم.؟

الشيعة
02-07-2014, 06:03 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نوار الربيع مبتعد
سوريا دولة مدنية علمانية
*****

المشاركات: 1,768
الانضمام: May 2011
مشاركة: #9
الرد على: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
شخصياً؛ لا أكن أي حقد أو عداء للشيعة، أتمنى لهم كل الخير وأتمنى لهم الخلاص من الظلام الاسلاموي وحكم المراجع والعمائم..

مشكلتنا فقط مع كلاب إيران في المنطقة..
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 02-07-2014, 09:38 PM بواسطة نوار الربيع.)
02-07-2014, 09:35 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
رحمة العاملي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,790
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #10
RE: حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
من يراقب تفكك الاسلام السياسي الى مكوناته المذهبية عليه ان يراجع سيرة حياة الاسلام السياسي من ساعة الولادة الى شيخوخته .. فربما بدأ الاسلام السياسي مع محاولات الاخوان المسلمين اعادة احياء فكرة الخلافة في مصر كرد على انهيار الخلافة العثمانية كرمز سياسي أخير للمسلمين ..ولكن كل محاولاتهم فشلت عبر العقود .. الى أن فوجئ الجميع بنجاح نموذج الاسلام السياسي في ايران في التمكن من السلطة عبر وصول صاخب وعبر ثورة شعبية عارمة للامام الخميني حرك بها الجموع بشكل مدهش وأنجز اقامة أول جمهورية اسلامية في العصر الحديث بعد آخر امبراطورية سقطت في استانبول ..

ولكن رغم ان الثورة الايرانية رفعت شعار الاسلام والوحدة الاسلامية لتشمل جميع المسلمين سنة وشيعة وأتبعت اسم جمهوريتها بصفة "الاسلامية" .. ويحسب لقادتها أنهم لم يتورطوا في الخطاب المذهبي في حديثهم العام .. فان التيارات الاسلامية الرئيسية خارج ايران بما فيها الاخوان المسلمين بقيت حذرة في الترحيب بالوافد الجديد وفاترة في توجهها نحو ايران .. والسبب كان عقائديا بحتا .. فالجمهورية الاسلامية الايرانية أسسها ثوار من الشيعة .. وهذا نقيض كاف للتردد بشأن الاندفاع نحوها وعناقها .. بل اكتفى الاسلاميون العرب السنّة بالمجاملات و "التقية" السياسية .. وانصرفوا لاقامة مشروعهم الخاص بهم ..الجمهورية الاسلامية .. بنسخة سنية ..وهذا مايفسر سبب عدم تمدد الثورة الايرانية خارج حدود التواجد الشيعي في المنطقة

وكان أن الحرب العراقية الايرانية قد رسمت أسوارا حول مشروع ايران الثوري في العالم الاسلامي .. فرغم أنها خيضت على شكل صراع عربي فارسي كما حاول الرئيس صدام حسين تصويره الا أن المزاج الباطن للجمهور العربي كان يراها صراعا بين السنة والشيعة في النهاية .. وكان السبب في ذلك الشعور هو تلاعب الاعلام العربي الخليجي والاعلام الغربي الخبيث بمشاعر الناس .. فقد كانت هيئة الاذاعة البريطانية في قسمها العربي في لندن (بي بي سي) تردد دوما أن الرئيس العراقي يضع الجنود الشيعة في مقدمة الجيش العراقي والخطوط الدفاعية العراقية لمواجهة الهجمات الايرانية لكنه يحتفظ بالجنود السنة في الخطوط الخلفية عبر وحدات الحرس الجمهوري التي كانت تطلق النار على القوات العراقية الأمامية التي تتخاذل أو تتراجع في القتال ضد العدو الايراني .. وكان هذا الأمر المنسوب للقادة العراقيين دسا للسم في عسل القومية العربية وذكريات القادسية وجيش رستم التي حاول صدام حسين التشبث بها في حين أن العقل المسلم أخذ عنوة وتم جره من قادسية صدام الى معركة صفين .. وكان من الواضح أن خيار تفعيل الصراع السني الشيعي بدأ يطبخ على نار هادئة ولكنه كان يحتاج الى وقت لينضج والى وسائل لطبخه .. الى أن تم غزو العراق على يد جورج بوش وهناك ظهرت ملامح المشروع ووسائل تصنيع الفوضى المذهبية ..

ومر حادث عابر تم دفنه بسرعة عندما ألقى العراقيون القبض في البصرة على ملثمين بثياب عربية يطلقان النار على الشرطة وجموع مدنية وعندما لوحقا وألقي القبض عليهما تبين أنهما جنديان بريطانيان .. وفي الحال اقتحمت المدرعات البريطانية جدران السجن واستعادتهما حتى قبل التحقيق معهما واختفت القصة من الاعلام كأنها لم تحدث .. وكان ذلك كافيا ليتساءل الناس عن مشروع غربي لتجييش الناس ضد بعضهم .. ولكن الحادثة انزلقت في بلاليع الذاكرة بسرعة وانطوت تحت ركام تفجيرات الكاظمية والأعظمية واختفت تحت دموع الآلاف في الحسينيات والمساجد السنية حيث كانت فرق الموت من بلاك ووتر تنشط في عملية قتل الطرفين من السنة والشيعة .. وتولت فضائية الزوراء الترويج لها بشكل هستيري فكانت تصور ضحايا السنة وتحرض على ماسمته عصابات مقتدى الصدر .. لتقوم الجزيرة بعملية تحريض أوسع وتوزيع أشمل لمنتجات التمذهب بشكل متقن وحرفي للتأثير على العقل العربي والتلذذ بفكرة الانتقام وزرع الشعور بالحاجة الماسة لقيام سلطة دينية سياسية "سنية" تقف في وجه فرق الموت الشيعية والمد السياسي الشيعي الذي قضم الحياة السياسية للجماهير "السنية" .. تماما كما روجت فكرة الهولوكوست للحاجة الى وطن قومي لليهود الذين يتعرضون للابادة على يد النازيين .. وهنا كانت الصورة الرائجة تقول بأن السنة يتعرضون لانتقام رهيب وأن نهجهم يتعرض للغزو الفكري والاجتياح وأن عقيدتهم مهددة بالاستئصال وهم يتعرضون للابادة .. فقد تم تدمير سلطتهم في العراق بعد ألف سنة من تربعهم على السلطة في بلاد الرافدين .. ثم تم تدمير سلطتهم في لبنان عبر اغتيال الحريري آخر بقايا السنية السياسية .. وبذلك كان الهلال الشيعي يتمدد مثل الكابوس على مساحات العقل ..

وفي هذه المرحلة تفجر الخوف السني والعصبية السنية بشكل غريب كنوع من ميكانيزما الدفاع العنيفة في العراق .. دفاع ضد خوف وتوجس من الموت والانحلال والانقراض تجلى ذلك بعنف مفرط ضد المكونات الأخرى الدينية والمذهبية ومغالاة في الرد وقسوة في التعبير عن الخوف من الخصم بقطع رأسه والتمثيل بجثته ..والتفنن في تعذيبه الى حد جنوني تجلى في أقسى صورة في مجزرة عرس الدجيل عام 2006 التي هوجم فيها أحد الأعراس واغتصبت العروس في مسجد بلال الحبشي قبل أن يقطع ثدياها بالمنجل .. أما الأطفال الصغار فقد تم القاؤهم في نهر دجلة بعد ربطهم بالاثقال والحجارة أمام أعين ذويهم .. ثم تم قتل جميع الرجال بوحشية ..

في هذه السنوات ظهر البديل والمنقذ في تركيا ونهض النظير السياسي السني للمشروع الاسلامي الايراني .. وطفا الحلم الرومانسي للاسلاميين وكان نجم الدين اربكان يريد اقامة تجربة تركية مستفيدة من دروس نجاح الثورة الايرانية في اطلاق مشروعها الاسلامي السياسي لكن لقاءات غامضة بين اردوغان والمخابرات الامريكية في سجنه عام 1998 غير من مشروع أربكان الى مشروع اردوغان .. واستجاب الله أخيرا لدعوات المؤمنين المظلومين .. وظهرت تركيا درة الاسلام الجديد ..ونموذج النجاح المذهل .. والأرض الموعودة .. ولكن خلف الاسلام السياسي التركي كان هناك مخلوق جديد يترعرع .. ولم يظهر الى العلن الا في زمن الربيع العربي ..


الاسلام السياسي الذي أفرزته ثورات الربيع ليس الا تعبيرا عن صعود مرسوم للسنية السياسية التي صدمها سقوط الحكم في العراق وصعود الشيعية السياسية التي مهدت لها الطريق الدبابات الامريكية ..وتوجتها بمسرحية اعدام الرئيس صدام حسين المحاط بنداءات شيعية تمجد الشهيد الصدر كرمز للشيعية السياسية المنتصرة .. فقد نظرت الجموع الى هذا الاعدام على أنه اعدام قامت به "الشيعية السياسية" "للسنية السياسية" .. فجن حنونها ..

ولذلك نرى أن رد فعل الثورات العربية كمشروع للاسلام السياسي لم يفكر بالانتقام من الغرب والامريكيين الذين غزوا العراق وأذلوا قادته .. ولم يفكر بالصهيونية المسيحية ومشاريعها الضخمة لابتلاع المنطقة وأديانها ومجتمعاتها وثرواتها .. ولم يكترث بكل ماقيل عن المسجد الأقصى وتهويده وبكل اهانات الرسول والقرآن .. بل كان جل همه هو ابراز الهوية الطائفية للاسلام السياسي الناهض على أنه اسلام سني وصعود للسنية السياسية والالتفات نحو النقيض العقائدي المتمثل بالشيعة .. وهذا واضح جدا في اصرار الحركات الاسلامية الحالية على تثبيت صفة (الاسلام السني) على منطلقاتها النظرية الجديدة والعمل الحثيث على القاء الناس في أتون الحروب المذهبية وانتزاعهم من حضن المشاعر الوطنية للارتماء في أحضان المذهبية السياسية فقد امتصت الثورات العربية مفكرين ومثقفين الى مستنقع المذاهب والولاءات الضيقة .. ويبدو الاصرار على سنية فكر الحركات الاسلامية الحالية وتخصص كتائبها المقاتلة في قتال الأقليات وصبغ الجيش الوطني بصبغة طائفية دليل على أنها ليست موجهة للغرب (المسيحي) بل للنقيض الاسلامي الداخلي .. وتجلى ذلك بالخطاب المذهبي البغيض لمحمد مرسي في زيارته لايران بعد توليه السلطة بأيام .. وكان ظاهرا في محاولة اهانة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد في الازهر والصراخ في وجهه ضد تمدد "الشيعية السياسية" عبر ماسمي التشييع الذي تمارسه ايران للمنطقة .. وهو التعبير الظاهري للمطالبة بايقاف الشيعية السياسية وليس التشيع الذي يدرك الجميع أنه ليس الا مشروعا خياليا .. وهذا كان لاعطاء هوية للاسلام السياسي الناهض وهي "السنية السياسية" .. وقد تجلت أكثر مظاهر الميول المذهبية في اعطاء الثورة السورية البعد المذهبي الأقصى رغم كل براقع الحرية فهناك اصرار على محاولة اقرار طائف سوري وواقع مذهبي يقر بحقوق سنية ثابتة مقدسة لاتقبل النقاش مقابل حرمان بقية الأقليات من هذه الميزات السياسية ليمهد ذلك لصعود السنية السياسية في سورية كتيار متمم "للسنية السياسية" المجاورة في لبنان المتمثلة في تيار المستقبل ولتتكامل مع صعود لموجة السنية السياسية العراقية عبر الأنبار كنوع من التوازن مع الشيعية السياسية التي ثبتت اقدامها في العراق ..

وتركيا ليست استثناء بل هي ربما المحور الرئيسي في كل منظومة بناء السنية السياسية الحديثة ومحركها الرئيسي .. لأن تركيا تبين انها في هذه المرحلة تدير الصراع في أنبار العراق وتستقبل زعماء الأنبار الطائفيين .. وتركيا تدير الصراع في سورية كأمه الرؤوم وتذكي من المشاعر المذهبية وتقدم نفسها حامية للسنة من خلال اثارة الحنين للعهد العثماني الذي كان يمثل النقيض الصرف للصفوية .. وكانت تدعم محمد مرسي في سياق اطلاق الاسلام السياسي الذي سيكشر عن أسنانه المذهبية وينضم لجوقة منشدي المذهبية السنية كلما دعت الضرورة كما حدث في تجنيد محمد مرسي للحرب في سورية في مواقفه الشهيرة ورعايته للخطاب المذهبي ومؤتمرات الجهاد في بلاد الشام ضد الكفار والروافض ..رغم أن الحكمة كانت تقتضي أن ينأى محمد مرسي بنفسه عن التورط المباشر وتركه لتركيا ليتفرغ لحل مشكلات الاخوان في مصر .. لكن أردوغان لم يكن قادرا على الانتظار .. واستدعى الاخوان المسلمين المصريين الى السفربرلك في الجهاد ضد الكفار والروافض ..فوقع محمد مرسي بسرعة ..


لقد فوجئ بعض الناس من فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية وهم كانوا يتوقعون نهاية حقبة العدالة والتنمية نتيجة الاحباطات والتخبطات التي مر بها اردوغان كمسؤول مباشر عن نشاطات الحزب .. بل ان كم الفضائح والفساد في تركيا انبعثت روائحه في كل العالم وانتكست الحريات كثيرا وخاضت المؤسسة الحاكمة صراعا مريرا مع جزء من الشعب التركي .. ولو أنها في اي بلد ديمقراطي عريق لقدمت الحكومة استقالتها على الفور دون تردد ودعت لانتخابات مبكرة .. لكن الانتخابات البلدية أظهرت أن كل هذه الزلازل لم تغير كثيرا في مزاج الناس .. لأن الناس في تركيا صوتوا لما صار يمثله حزب العدالة والتنمية من شكل من أشكال "السنية السياسية" المستهدفة لأنها المعنية بالدفاع عن الهوية السنية الاسلامية عبر الباسها الدرع السياسي الذي يحميها .. فان سقطت السنية السياسية سقط المذهب السني .. والاسلام ..

وتحول أردوغان الى أيقونة للسنية السياسية في عقول الاسلاميين الأتراك والثوار العرب .. فالرجل خلع فجأة لبوس الاسلام السياسي الذي ارتداه عندما كان يقوم بعملية اختراق للمنطقة .. بل وترجل نهائيا من مراكب الاسلام السياسي وصعد الى مركب "السنية السياسية" وذلك عبر ادعائه أنه يدافع عن اهل السنة المظلومين في سورية وغيرها .. وصار يهاجم الشيعة والأقليات غير السنية في تركيا .. ويوجه لها اتهامات لاتخلو من الاحتقار والكراهية .. بل انه صار يجاهر بميوله المذهبية وبرغبته في أن يكون زعيم العالم السني .. وذلك عبر تمجيد السلاطين الذين ارتكبوا مذابح دينية بحق الأقليات والمذاهب الأخرى ..

ومن هنا تبين أن حزب العدالة والتنمية قد تحول بسرعة بسبب انتهازيته من ذراع للاسلام السياسي الى ذراع للسنية السياسية وبالتالي فان عملية اقتلاعه من السلطة في تركيا صارت بمثابة اقتلاع للسنية السياسية بلا مقابل وتدمير لقلعة مذهبية يلجأ اليها المظلومون والخائفون من "الهلال" .. ولذلك ورغم كل الموبقات التي يرتكبها أردوغان ورغم كل فساده فان حزبه لم يهتز لأنه صار حزب المذهب السني الذي تصاعد في تركيا.. وصارت علاقة الناس به في منطقة الأناضول تحديدا علاقة عاطفية وعلاقة نعرة مذهبية .. تماما مثل علاقة السنة في لبنان بسعدو الحريري .. فالحريري ليس فيه أي كاريزما وهو مخجل بكل المقاييس ليتبوأ منصب زعامة دينية لأنه ليس فقيها ولافصيحا ..ولامتحدثا .. وليس راويا للحديث والسنة ولايحفظ القرآن وليس في سلوكه زهد عمر وتواضعه ..ولاهو ناسك في صومعة .. ومع ذلك فانه في عيون كثير من السنة اللبنانيين الزعيم الأوحد .. وقائد السنية السياسية التي تواجه الشيعية السياسية .. وتتناظر مع تجربة المارونية السياسية والدرزية السياسية في لبنان ..

ولكن هذه الانتخابات أظهرت الآن المشكلة الكبرى التي تواجه تركيا وهي أن السنية السياسية التي خلعت الاسلام السياسي لاتستطيع الاستمرار طويلا دون تغذية مذهبية .. وغذاؤها سيكون برفع سقف التهييح المذهبي في الداخل التركي .. ومن يرى تفصيل النسب والأرقام في انتخابات تركيا يعرف مدى الورطة التركية .. فالمجتمع منقسم مذهبيا بشكل واضح .. وحزب العدالة والتنمية يحشد لدى جمهور السنة الأتراك ليحافظ على ولائه له والوفاء له والذود عنه في صناديق الانتخاب .. وهذا يعني اطلاقا في المقابل لحمّى المذاهب في تركيا .. وربما صعودا للعلوية السياسية كون المكون الضحية لهذا السعار المذهبي سيكون حتما الأقليات العلوية التي خاضت صراعا مريرا في الثمانينات في انطاكية ضد مكونات مذهبية مناوئة لها واضطر الجيش التركي للتدخل يومها لايقاف الصراع بعد مئات من الضحايا .. ولكن في الثمانينات كانت الدولة علمانية ويتساوى الجميع لديها .. ولذلك تمكنت من ايقاف التوتر لأنها لاتنتمي الى أي من الطرفين .. أما اليوم فللحكومة جمهورها الذي وعدته بحماية السنية السياسية كهوية جديدة ووعدها هو بالوفاء لها .. وأي توتر قادم سيكون دمويا وقاسيا للغاية سيترك اثره على كل تركيا ويفتح أمامها احتمالات تفكك الجمهورية لأن لاقوة ستكون قادرة على ايقاف الحنون عندما ينطلق .. والناس لم تصوت اليوم لأردوغان لأنه رئيس حكومة فاسد ومتلاعب بالحقائق ولأنه قد يتورط في حرب عبثية في سورية لكنها صوتت ضد اسقاط السنية السياسية في تركيا لأن حزب العدالة والتنمية (وعبر تصريحات لالبس فيها لأردوغان) صار يمارس الابتزاز المذهبي في تركيا نفسها ..

جمهورية اتاتورك العلمانية تتآكل لأن الاسلام السياسي الذي كان يمكن ان يتابع مسيرته دون صدام مع مكوناته ومذاهبه قد انتهى ونهشته السنية السياسية لحزب العدالة والتنمية الذي استغلها بانتهازية وأنانية .. وهذا ثمن ستدفعه كل التيارات الدينية عندما تغالي في شعاراتها الدينية .. هذا هو بالضبط مارفضته الدولة الوطنية السورية دوما .. ورغم كل محاولات الوسطاء بادراج التيارات الدينية والاخوان المسلمين في ترتيبات الحكم بشكل صريح .. لأن صعود التيارات الدينية حتى في بلد علماني يعني صعود المذاهب أيضا في مرحلة لاحقة بشكل حتمي .. ولاأزال أذكر حادثة سمعتها من شاهد عيان عندما كان أحد القياديين السوريين يقدم قائمة مرشحين للقيادات البعثية للرئيس الراحل حافظ الأسد .. وكان كلما قدم اسما نوه الى أنه سيمثل هذه الطائفة او تلك في القيادة .. وهنا بدا الغضب على وجه الرئيس حافظ الأسد الذي سأل ذلك القيادي متهكما: انك قدمت لي في قائمة لقيادة بعثية ممثلين للطوائف .. فهل لك أن تقول لي أين هو ممثل حزب البعث؟؟ الا يحق لحزب البعث أن يكون ممثلا في قيادة بعثية ؟؟ .. ثم أعاد الورقة دون توقيعه وأنهى الاجتماع وقد بدا عليه الاستياء .. وهذا كان يدل على أن الاعتبارات المذهبية وان تمت مراعاتها برفق ودون تشنج الا أنها لم يكن ليسمح لها بأن تحل محل الاعتبارات الوطنية .. ولا أن تتقدم على الهوية العامة الشاملة ..

ولذلك فان فوز العدالة والتنمية ليس فوزا لأردوغان .. بل ان الرجل في حسابات الحزب طار ورقة محترقة ..ووجودها مؤقت ريثما تمر مرحلة الانتخابات .. فالحزب في النهاية يدرك أن أردوغان وأوغلو لايستطيعان اصلاح الخلل الكبير في داخل تركيا وخارجها .. فهناك شرخ كبير بين اردوغان وشريحة كبيرة من الناس في الداخل وصل الى مرحلة العداء الشرس والكراهية المريرة .. وهناك شعور أن الجمهور تغاضى عن فساده لاعتبارات مذهبية ورمزية وحزبية ..وهناك قناعة متعاظمة أن تركيا لاتستطيع أن تعيش معزولة الى عشر سنين أخرى بسبب اردوغان .. فالرجل لم يبق في محيط تركيا من يطيقه في الحوارات الصريحة لقادة المنطقة .. لاسورية ولاايران ولاالعراق ولاروسيا ولاارمينية ولاقبرص ..رغم كل المجاملات والكلمات البروتوكولية .. ومن الأفضل أن يتم تبديله بطريقة انقلاب حزبي على طريقة توني بلير ..قبل أن تنفجر الفنابل الموقوتة ..

قد ينجح حزب العدالة في تمرير التبديل لتسهيل حل المشكلات الداخلية والخارجية .ولكنه لم يعد قادرا على تجنب انهيار جمهورية اتاتورك الا بعودة العلمانيين لاصلاح مرحلة فوضى المذاهب التي أطلقها اردوغان .. لأن انطلاق المذاهب السياسية على محركات وعجلات المذاهب الدينية خطر للغاية .. فقد تحول حزب العدالة والتنمية الى حزب للسنة الأتراك .. وبدأت الأحزاب الاخرى في عملية امتصاص الطوائف والأقليات الغاضبة لتتحول الى أحزاب طائفية بالتدريج .. وسيعلو صوت السعار الديني كلما أحس حزب العدالة والتنمية بأنه مهدد بالخسارة والتراجع .. وهذا الأسلوب هو وصفة دقيقة جدا لنهاية جمهورية علمانية .. ونهوض مشروع فوضى المذاهب .. وهو الترجمة الحرفية للفوضى الخلاقة ..هل هناك فوضى خلاقة أكثر دمارا من فوضى المذاهب؟؟ ..

من مقالة لنارام سرجون
04-04-2014, 08:44 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS