بدأنا في الحلقة الأولى بتفصيل الحوار وفق الرؤية الإنسانية واستعرضنا دوائر الحوار وتوقفنا عند

الرابعة وهي حوار الإنسان مع المجتمع وهذه الدائرة هي الدائرة الأكثر اتساعا وتنوعا ولاشك أنها

تشمل حشدا متنوعا من صور الحوار التي يجريها الإنسان مع أشخاص قد لايرغب في إقامة علاقات

معهم أو تضعهم الظروف في طريقه. فمثلا عندما تسافر في الطائرة تجد نفسك بجوار إنسان لا مفر من

أن تتبادل معه بعض كلمات المجاملة والتي بدورها تنمو لتتحول إلى حوار ينتهي بإنتهاء الرحلة في هذا

الحوار عليك أن تجعل الحديث عذبا وتحافظ على استمراره هنا يتخلل الحوار الكثير من الابتسامات وهز

الرأس موافقة ( وينعدم) الخلاف حتى فيما يعرف بالمقدسات

وأنت حين تضطر لاستدعاء من يصلح لك التليفزيون أو أي غرض فإن عليك أن تجري حوارا من نوع آخر

تماما.

فأنت تريد أن تحقق مصلحتك بأقل مبلغ ممكن ، والطرف الآخر يبالغ في حجم الإصلاح وبالتالي يزيد الأجر

وهنا يدور حوار قد تعلو نبراته وتهبط وتستخدم فيه وسائل متعددة منها التهديد بالتعامل مع عامل آخر

ومنها الإغراء باستمرار التعامل معه في المستقبل ومنها الاستعطاف والاسترضاء حتى يصل الحوار إلى

الهدف المطلوب وهو تحقيق مصلحة كلا الطرفين.

وهكذا فإن دائرة حوار الفرد مع المجتمع تتسع وتتنوع لتشمل أحيانا حوارا مع تلميذة\تلميذ في مدرسة

أو طالبة\ طالب في الجامعة أو فلاح في الحقل أو بائع في محل أو شرطي في مركز الشرطة.

وكما يتضمن حوارا هادئا ومعقولا فإنه قد تشمل حوارا صاخبا ومتهورا. وهنا ينبغي على الإنسان أن يكون

على وعي بمستويات الثقافة الموجودة في المجتمع وأن يجيد التعامل معها دون استعلاء عليها ،

أو تفريط في حقوقه فيها. ولا شك أن إجراء الحوار مع كل هذه الأطراف المتنوعة يتطلب لغة خاصة ،

وأسلوبا في الإقناع يتناسب مع صاحبه وهو يثبت أننا لم نعد أمام ( حوار) واحد وإنما أمام حوارات متعددة

وهذا يقودنا إلى الحديث عن أنواع الحوار في الحلقة الثالثة. شكرا

* الثقافة ليس معناها المعرفة وإنما السلوك بلغة علم النفس فعندما نقول ثقافة كذا فالمراد به سلوك

هذا الشيء المذكور ويدخل مع السلوك طريقة التفكير لتعرف بالثقافة ( ثقافة المجتمع) أي سلوك

وتفكير المجتمع.