في جامعة البعث أصمت أيها الحجر..!!
أمجد درويش - 01/03/2008

شك بأنّ الفن في إيطاليا في القرن السادس عشر كان من أهمّ العوامل التي ساهمت في النهضة الأوروبيّة بشكل عام ، حيث شهدت إيطاليا نهضة فنيّة في النحت ,والرّسم أعاد فيها الفنّانون اكتشاف الفنّ الكلاسيكي لليونان, و الرّومان ،


، ورغب روّاد هذه النّهضة بتصوير الإنسان بدقّة في الفنّ فقاموا بدراسات مفصّلة لجسم الإنسان ليكون بإمكانهم خلق رسومات وتماثيل تكون دقيقة من النّاحية التّشريحيّة ليخلقوا بذلك أكبر تأثير لتماثيلهم ، ومنهم مايكل أنجلو صاحب تمثال شخصيّة (داوود) ,ويبلغ ارتفاع هذا التّمثال أكثر قليلاً من أربع أمتار ، هذا التّمثال الرّخامي العاري يظهر كافّة العضلات ,و الأعصاب والعروق البارزة للشخصيّة التي تمثّله .
إنّ هذا الدّور المهمّ للفنّ لم يغب عن ذهن مسئولي جامعة البعث وممثّليها ، لذا قاموا بإنشاء بعض المنحوتات والتي تجسّد مبدأ الفن ابن بيئته ، وذلك للّحاق بركب الحضارة ,أو للتغلّب عليه إذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ...
ومن أهمّ المنحوتات التي قاموا بتنجيرها :
قضيب حجري ينتصب في منتصف المسافة بين كلّيتي العلوم ,والهندسة المدنية ، ويتوسّط بركة جافة من المياه .
يبلغ ارتفاع هذا القضيب حوالي المترين ، يخلو من أيّ التواء ويرتفع بشكل شاقولي ,وذو طرف مدبّب ,وفي أسفله تتوضّع أربع كرات بيضاء ,وملساء ، ولكنّ المدهش في هذا التّمثال أنّك إذا نظرت إليه من أيّ زاوية لا ترى سوى عامود و في أسفله كرتين ...!!!؟
ولا تستطيع أن ترى الأربع كرات إلا إذا درت حول هذه التّحفة بعكس دوران عقارب السّاعة أو مع دورانها ( لا فرق بين الحالتين ) .
لم يفصح النحّاتين عن سرّ بناء هذا التّمثال وبهذه الطّريقة ، ربّما بني على هذا الشّكل وبهذه الزوايا تبعاً لاعتباراتٍ فلكيّة أو جغرافيّة ، لا أحد يعلم ...!!؟
وإذا أصرّ المهندسون والنحّاتون على التكتّم على هذه الأسرار ، فربّما يصبح بعد فترةٍ من الزّمن من ألغاز الكرة الأرضيّة كما هو الحال مع الأهرامات ..!
اختلف مثقّفو الجامعة وروّاد المعارض الفنيّة على تحليل ,وتفسير رمزّية هذا التّمثال إلى أن جاء ذلك اليوم الخريفيّ ,والذي لن يمحى من ذاكرة طلاب الجامعة الذين شهدوا هذه المأساة ..
حيث قام المسئولون عن هذه التّحفة بتشغيلها ، وكانت المفاجأة المضحكة أنّ خيطاً رفيعاً من المياه اندفع من ثقبٍ صغير في قمة التمثال ... وعلا هذا الخيط ليرسم قوساً من المياه يشبه "بولة " طفلٍ بريءٍ مستلقٍ على ظهره ..!!
عندها أصيب شباب الجامعة بنوباتٍ هستيريّة من الضّحك الممزوج بالهيجان ، أمّا فتيات الجامعة تمنّوا أن يشاركوا في الضحك ولكنّهم اكتفوا بصبغ وجناتهم بحمرة الخجل من مبدأ أن "الشّب ما بيعيبو شي "
وعندها تذكّرنا مقولة انطق أيّها الحجر والتي أصبحت في حالتنا هذه " اسكت أيّها الحجر خجّلتنا و فضحتنا "!!
ولم تهدأ الجامعة حتّى أطفأ التمثال .. ولم يعد تشغيله منذ ذلك الوقت ، وجفاف الحوض الذي يحويه هو أكبر دليلٍ على ذلك ...
نعم لقد كانت هذه الحادثة هي التي قطعت باليقين شكّ الجميع حول ماهيّة هذا التّمثال .
إذا كان الأوروبيون قد أسّسوا لنهضتهم بالتماثيل العارية فنحن أسّسنا لنهضةٍ أكبر.. !
وذلك لأنّنا كنّا تشريحيين بمنحوتاتنا أكثر منهم ... إذ ركّزنا على العضو الواحد ، بغضّ النظر عن شخصيّة حامله !
وفي النّهاية :
إنّ عظماء النّحاتين كانوا يعتقدون أنّهم بحثوا عن شكل التّمثال ضمن الحجر أي أنّه في الأساس موجود داخله ...
وفي حالتنا هذه يجب أن لا نلوم فنّاننا العظيم ، الذي بحث جيّداً في الحجر الذي بين يديه فلم يجد سوى عضو بطول مترين ؟!
إذن يجب علينا أن نرى من جلب هذا الحجر وإلى ماذا كان يرمي...؟؟؟!
ملاحظة: كلف التمثال الشاقولي العظيم مع الأحواض المقامة على جوانبه ملايين الليرات وهي الآن مرتع للطحالب والأوساخ رغم أن بنائه تم منذ قرابة 4 سنوات فقط!!

أمجد درويش – خاص (كلنا شركاء) الثقافي : 1/3/2008

:)