{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
غالي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,762
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #1
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
هذا الموضوع متفرع من موضوع الزميل ابراهيم (لماذا خلق الله الشر؟).. وقد فضلت فتح شريط منفصل لأن موضوع الزميل ابراهيم خرج عن مساره ليتحوّل إلى شيء آخر تماماً ليس له علاقة بالنقاش الأساسي...

على كل حال فإن كلامي هذا موجه فقط للأشخاص الذين يفكرون بعقولهم لا للذين يدّعون ذلك.. سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود.. ملحدين لا أدريين وغيره وغيره... ومقدماً أقول أن كلامي لن يعجب بعض الزملاء المسلمين لأنه لا يتوائم مع الموروث الثقافي الذي يحملونه... ولهذا أعود وأقول بأن هذا الموضوع موجه فقط للذين يفكرون بعقولهم...

اسمحوا لي أولاً أن اتوجه ببعض التساؤلات التي لابد لنا أن نجيب عنها حتى نستطيع أن نصل إلى اجابات مقنعة..
مثلاً.. كيف عرفت البشرية الفرق بين الخير والشر؟؟ وبين السعادة والمعاناة؟؟
لماذا خلق الله الشر والمعاناة؟؟
هل الله عادل؟؟ ولماذا لا يكون عدل الله مطلق؟؟

لابد لنا من الإشارة بأن التاريخ الطويل للنشوء والارتقاء الذي قطعته البشرية في رحلتها كان سبباً في ظهور أعضاء الإحساس.. وقد كانت هذه الأعضاء سبباً للشعور بالكسب أو الخسارة... ولابد لهذه الرحلة لاستيعاب الكثير من المكاسب والخسائر أن تؤدي بالتدريج إلى الارتقاء بأعضاء الحواس لتسجيل وجود البهجة والألم والسعادة والمعاناة.
ولو أننا تأملنا في تاريخ الأشكال الدنيا في الحياة.. عند العتبات الأولى من رحلة الارتقاء وقارناها بأشكال الحياة العليا التي وصلت إليه اليوم.. فإننا سنكتشف أن الارتقاء في حقيقة الأمر ليس إلا ارتقاء للإدراك... فالحياة تتحرك تصاعدياً في حركة لولبية مستمرة من حالة أدنى من الإدراك إلى حالة أعلى.. مع الصقل المستمر لقدرات الوعي والإدراك...

إن الوعي بالكسب والخسارة يكون خاملاً وخفياً عند البداية... ولا نستطيع أن نحدد مكاناً أو مركزاً معيناً لهذا الوعي والإدراك في تشريح المخلوقات الأولية.. لكننا نعلم أنه من خلال ردود فعلها للعناصر والظروف المحيطة بها أن لها نوعاً من الوعي الخفي.. وهذا الوعي الخفي هو الذي يستعمله الخالق تعالى لإيجاد نوع من الإدراك في الحياة.. وقد قطع هذا الإدراك رحلة طويلة في مسيرة الارتقاء والتطور وصارت له مراكز في الكائنات الحية.. وهذه المراكز هي التي ترسبت فيما نعلم عنه الآن أنه مراكز الحواس.. وعلى ذلك فإن خلْق المخ لا يمكن أن يكون منفصلاً عن هذا التطور في الحواس... فلن يكون لتطوير أعضاء الإحساس معنى بغير تطوير مقابل لجهاز عصبي مركزي ليترجم الإشارات التي ترسلها الأعضاء الحسية ويحولها إلى مشاعر كسب أو خسارة.. معاناة أو سعادة... لذا فإنه من الواضح أن المخ قد تكون في تناظر تام مع نظام الإحساس الأساسي.. وكلما تطور الوجدان والشعور كلما زادت حدة الشعور بالمكسب والخسارة التي تشعر بها المراكز العصبية المعينة.. فتترجم الإحساس بالخسارة إلى شعور بالألم والمعاناة.. وتترجم الإحساس بالكسب إلى بهجة وسعادة... وكلما قل الإدراك والشعوركلما قل أيضاً الشعور بالمعاناة والألم وينطبق نفس الأمر على الشعور بالسعادة... وبالتالي فإن الأجهزة الحسية التي تزود الكائن بشعور البهجة والألم لا يمكن الاستغناء عنها... ومن المؤكد أنه إذا قلت القدرة على الإحساس بالألم والمعاناة لدى أي كائن حي تقل أيضاً القدرة على الإحساس بالبهجة والسعادة بنفس القدر عند نفس الكائن... ومن الواضح أن القدرتين متساويتان تماماً في دفع عجلة التطور.. وكلاهما على نفس القدر من الأهمية.. إذ لا يمكن إلغاء إحدى القدرتين دون الأخرى.. الأمر الذي يخل تماماً بفاعلية النظام الخلاق الذي يعمل على التطور والتقدم.

فليسمح لي الزملاء أن اتحدث عن هذا الموضوع من وجهة النظر القرآنية لبعض الوقت.. إذ لا بد لنا أن نؤكد على حقيقة هامة ذكرها القرآن بهذا الخصوص.. فالله تعالى يؤكد في القرآن أنه لم يخلق المعاناة كحالة مستقلة قائمة بذاتها.. ولكن كمقابل لابد منه ولا يمكن الاستغناء عنه للراحة والبهجة.. فغياب البهجة هو معاناة.. والمعاناة هي بمثابة الظل للبهجة.. تماماً كما أن الظلام هو الظل الذي يسببه غياب النور.
إذا كانت هناك حياة فلابد أن يكون هناك موت.. يقف كل منهما على أقصى طرفي قطبين وفيما بينهما درجات متنوعة من الظلال لا حصر لها... وكلما ابتعدنا عن طرف الموت فإننا نقترب بالتدريج من طرف الحياة الذي يمثل الشعور بالسعادة... وكلما ابتعدنا عن طرف الحياة فإننا نقترب نحو الموت باحساس من الألم والمعاناة.. إن هذا هو المفتاح اللازم لفهم الصراع من أجل البقاء الذي يؤدي بدوره إلى التحسين المستمر في نوعية الحياة.. ويساعدها على تحقيق الهدف الأسمى للتطور.

إن مبدأ البقاء للأصلح يلعب دوراً هاماً ومتمماً لنظام الحياة العظيم وارتقائها.. وقد ذكر القرآن الكريم هذه الظاهرة في الآيات التالية:

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك

إن الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في البداية (لماذا خلق الله الشر والمعاناة؟؟) قد جاءت بوضوح في هذه الآية وفي أوسع تطبيقاتها... إن الفلسفة العميقة للحياة والموت ودرجات الظلال العديدة بينهما والدور الذي تلعبه في صياغة شكل الحياة وتحسين نوعيتها.. كل ذلك تشمله الآية أعلاه... فهي تحتوي على الغاية من الخلق والحياة والموت كما يبينه الله تعالى.. فنحن نعلم أن الحياة هي فقط قيمة إيجابية.. وأن الموت ليس إلا غياب هذه الحياة.. ولا يوجد بينهما حد فاصل معين وإنما هي عملية تدريجية.. تندرج فيها الحياة في اتجاهها نحو الموت حتى تختفي.. وفي الاتجاه المعاكس أيضاً حين لا يكون للحياة وجود.. أي في حالة موت.. ثم تتجه الحياة من حالة العدم إلى حالة الوجود، فتكتسب القوة والطاقة والإدراك.. وهي تسير في طريقها نحو الموت.. هذا هو المقصد الأعظم في خطة الخلق.. وهذا يقودنا إلى السؤال التالي الذي طرحناه في البداية.. لماذا خلق الله هذا النظام للحياة؟؟؟

لقد تأخر الوقت وغالبني النعاس..
نكمل غداً بإذن الله
تحياتي
سلام
11-20-2007, 01:28 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #2
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
عزيزي غالي:

عندما تناقش "عدل الله" ومسألة العدالة الإلهية ثم تعود وتسعف نفسك بالرد بآية كريمة من القرآن الكريم وبآية طوباوية من الإنجيل المقدس، فأنت بهذا تسأل وترد على نفسك وتكون حسمت المناقشة سلفاً وبهذا يكون الأمر يشبه نظام الامتحانات بمصر: هذه هي ورقة الأسئلة... وهذه هي "ورقة الأجوبة". كله هنا ومن كتاب الوزارة. كيف تتوقع صدق مع النفس وأنت لا تخرج خارج إطار هذه الدائرة؟ هل هي معضلة يا أخي العزيز أن نسأل السؤال ونرد على أنفسنا بآية من الكتاب العزيز إلخ؟ أين البراعة في ذلك؟ تفكير كهذا لا يكلف صاحبه 2 ليرة سورية أو بريزة مصرية. جلست أمامي فاطمة وعمرها 3 سنوات والألم يعتصر معدتها وأمها المحجبة تحدثني عن فضل الله الذي من عليها بالحجاب. أي فضل إلهي هذا الذي يترك بنت كالبدر تتعذب كل هذا العذاب؟ وإلى متى يدوم عذابها؟ مرضها ليس مجرد مغص معدي عابر ولكنه مرض جيني يعني حالة مكتوبة في الجينات عليها للأبد. رحمة الله؟ حنان الله؟ أين كل هذا؟ البنت جلست أمامي تتلوى من شدة الألم! وحالات وحالات وما أسهل الوعظ. كما قلت إني أملك المقدرة على كهربة جو من السامعين بالوعظ واقتباس الأيات ونحن لا نريد تفسير ولكن نتحدث عن معاناة وأسقام وأوجاع.. لا نريد أجوبة منطقية ولا توجد أجوبة مقنعة. لا توجد. اختصر الطريق على نفسك من البداية. قريت كتب بالهبل في هذا الموضوع مترجمة عن الفرنسية وبالعربية وكلهم لا يقدمون سوى الأفيون أقصد الدين لتخدير المشاعر وصرف النظر عن الدمل بعيداً فنرقص حول الجراح مسبحين بحمد الرحمن وآه يا للي آمان يا للي.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 11-20-2007, 02:02 AM بواسطة إبراهيم.)
11-20-2007, 02:00 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
غالي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,762
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #3
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
عزيزي ابراهيم
لقد استشهدت بتلك الآية حتى أناقش فكرة الموت والحياة للتدليل على أنهما قيمتين اساسيتين.. وعلى كل حال يمكنك أن تتجاهل استشهادي بتلك الآية..
سوف أحاول أن أكمل الموضوع اليوم فليست تلك إلا البداية فانتظر حتى استكمل الرد بالكامل..
وهذه وردة لك(f)
تحياتي
سلام
11-20-2007, 08:27 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
طنطاوي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 5,711
الانضمام: Jun 2003
مشاركة: #4
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
احيي في الموضوع اصالته ..قبعتي لك..
11-20-2007, 04:08 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #5
الخير والشر.. المعاناة والسعادة

غالي،

أنت إنسان جميل، مثقف، راقي، تقدمي منفتح. بكل تأكيد سأتابع ما تكتب وعندما يتاح لي الوقت ولو عندي شيء يستحق المشاركة فسوف يشرفني قطعا المشاركة في موضوعك. هكذا دائماً وفي كثير من الأحيان، تعودت أن أرى السوري صاحب أفق منفتح حتى لو كان متدين. عودة ومتابعة من حين لآخر.
11-20-2007, 06:14 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
غالي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,762
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #6
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
تحياتي لكل المهتمين بالموضوع...
سوف أكمل في هذا الإدراج الإجابة عن السؤال الذي ورد في نهاية الادراج السابق وهو لماذا خلق الله هذا النظام للحياة؟؟
وليسامحني زميلي ابراهيم لأنني سوف أكمل الفكرة الأخيرة التي توقفت عندها....

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك

هذه هي الإجابة التي يقدمها القرآن الكريم عن السؤال.. إن الصراع المستمر بين الموت والحياة هو السبب الرئيس الذي يدفع الأحياء إلى حالة مستمرة من المحن والابتلاءات.. وكل من يسلك في الحياة مسلكاً رشيداً واعياً تكون له الفرصة الأكبر في الحياة وينتقل إلى درجة أعلى من الوجود.. إن هذا هو مكمن فلسفة وميكانيكية التطور المذكورة في الآية أعلاه... إن هذا الصراع المستمر بين قوى الحياة والموت هو الذي يزود الأحياء بالقوة الدافعة التي تجعلهم يتحركون باستمرار بعيداً عن الموت أو في الاتجاه إليه... وهذه الحركة المستمرة لابد أن تؤدي إلى التقدم أو التدهور في نوعية الوجود بحسب النطاق الواسع لمتغيرات التطور... وهذا هو جوهر التطور وروحه..

من الممكن أن يكون سبب اعتراض بعض الزملاء على المعاناة مبرراً لو كانت المعاناة قد خُلقت كذات قائمة بنفسها دون أن يكون لها دور تؤديه في تدبير الأمور الدنيوية.. إن غياب الإحساس بالمعاناة وغياب الوعي اللازم لإدراك معاني هذه المعاناة سوف يؤدي حتماً إلى غياب الإحساس بالراحة والسعادة.. فبدون مواجهة الألم وتجربة البؤس لابد أن يفقد الفرح والسعادة كل معنى.. وفي الواقع فإن الحياة نفسها سوف تفقد كل معنى ولن يكون لها هدف وبالتالي فسوف تتوقف عجلة التطور وتخمد في مكانها.. وبناءً على ما سبق فإنه من خلال تطور الحواس البشرية لعب الإحساس بالكسب والخسارة دوره الهام في الحياة.. تماماً مثل عجلتي العربة التي تتحرك عليها.. انْزع إحدى العجلتين وسوف تفقد الأخرى أيضاً معناها وبالتالي تتوقف العربة على الفور...
إن الصراع بين الحياة والموت الذي ينتج عن الألم والمعاناة يخلق أيضاً البهجة والسعادة.. وهو العامل الأول في قوة الدفع التي تزود عربة التطور بالطاقة اللازمة للتقدم إلى الأمام دائماً.

وبالنسبة لموضوع المرض والذي يشغل بال زميلنا إبراهيم فنقول بأنه ومن خلال التاريخ الطويل للتطور فقد كانت الأمراض تتسبب دائماً عن عوامل عديدة ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالتغيرات التطويرية.. فالتغييرات البيئية والصراع من أجل البقاء والطفرات والحوادث.. كلها مجتمعة أو كل منها على حدة قد لعب دوره الهام والخاص.. فالأمراض والعيوب والقصور كلها لها دور هام تلعبه لتحقيق الإصلاح والتقدم.. وهكذا فقد راحت أنواع الحياة المختلفة ترتقي وتتطور بغير وعي من جانبها.. ولكن بالتأكيد في اتجاه معين.. ويبدو أنه اتجاه في طريق مهّده الإدراك ليصل إلى إدراك أعظم..

والآن أطلب منكم أن تتصوروا معي نظاماً آخر تغيب فيه تماماً مظاهر الألم والمعاناة.. وأن نضع قاعدة مفترضة تقول: إن جميع أشكال الحياة يجب أن تتمتع بقدر متساوي من البهجة والسعادة بغير أي شعور بالمعاناة على الإطلاق.. وربما عندئذ فقط يمكن إلغاء المعاناة تماماً من الحياة.. وسوف تكون هناك مساواة مطلقة يتمتع بها كل فرد ويقف عند نفس المستوى.. لكن وللأسف الشديد فإننا حين نحاول إدخال هذا النظام الجديد المفترض في أية حلقة من حلقات التطور الطويل فإننا نواجه من المشاكل ما لا يمكن التغلب عليه.. فهذه القاعدة الافتراضية لابد أن تطبق إما عند البدء في أول بداية الخلق.. أو لا تطبق على الإطلاق.. لأن تطبيق التساوي المطلق في أية مرحلة تابعة بعد البداية سوف يكون مستحيلاً دون خلق متناقضات لا يمكن حلها.. ولذا فإننا سوف نضطر إلى العودة إلى نقطة البداية من حيث بدأت الحياة.

وهكذا فلا بد لنا أن نعود القهقري طوال تاريخ الحياة وأن نتراجع على نفس الطريق إلى نقطة البداية لنبني سلماً جديداً للتطور خطوة بعد خطوة.. سوف نحاول.. ونحاول.. ونحاول.. ومهما حاولنا سوف نجد أننا توقفنا عند أول درجة.. والتي هي نقطة بداية الحياة نفسها.. ولن نستطيع أن نتقدم بعدها خطوة واحدة إلى الأمام... وذلك لأن التوزيع المتساوي تماماً للسعادة والغياب الكامل للمعاناة سوف يزيل تماماً أية قوة دافعة للارتقاء.. وهكذا فلن يكون هناك صراع للبقاء.. ولن يكون هناك اختيار طبيعي للأنواع ولا بقاء للأصلح.. ولن تتمكن الأشكال الأولية للكائنات الحية أن تأخذ أية خطوة للتطور إلى الأمام.

إن ما يترتب عن هذا النظام الافتراضي الذي أعدنا تصميمه للخلق هو أن تستمر الحياة على ما كانت عليه.. وسوف تظل بالتأكيد ساكنة وخامدة إلى الأبد.. ثابتة على أولى درجاتها غير المتطورة.. الأمر الذي يجعل خلق الإنسان الأول أمراً بعيد المنال عند بداية الخلق.. وبناءً على ما سبق فإن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان من الأفضل اختيار نظام تكون فيه المعاناة جزءاً لا يتجزأ منه.. ويستمر فيه الارتقاء بالتحرك إلى الأعلى بحركة لولبية لتحقيق المصلحة العليا للحياة؟؟ أو التخلي كلية عن خطة الحياة خوفاً من عدم القدرة على تجنب المعاناة.. وفي هذه الحالة من التحليل النهائي يكون السؤال المتبقي والذي علينا اجابته هو: "أن نكون أو لا نكون"؟؟

لقد توغل الليل وأصابني النعاس..
نكمل حديثنا غداً بإذن الله
تحياتي
سلام
11-21-2007, 12:29 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
غالي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,762
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #7
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
أن نكون أو لا نكون؟؟
قالها شكسبير على لسان هاملت.. إن إجابة هذا السؤال حين يوجه لأي إنسان عاقل هي أن نكون... ولكن لو قُدر للأشكال الأولية للحياة أن تختار بين "أن لا نكون" عن "أن نكون" في وجود فيه كدح وعناء فلعلها تختار "أن لا نكون".. هذا لو كان لها عقل تفكر به أصلاً!! ولو أن لها عقل تفكر به لاختارات "أن تكون" على "أن لا تكون"..

وبالعودة لمسألة المعاناة وعلاقتها بالعدل الإلهي وبالسؤال الذي طرحناه في البداية.. هل الله عادل؟؟ ولماذا لا يكون عدل الله مطلقاً؟؟ والحقيقة أن إجابة هذين السؤالين بحاجة للكثير من التعمق كونها أسئلة معقدة ومتشابكة.. وتحتاج للكثير من الشرح والتوضيح...

فلنأخذ الأطفال الذين يولدون بتشوهات خلقية.. لماذا كُتبت عليهم المعاناة؟؟ فلا يمكن القول بأن معاناتهم ناتجة عن خطأ من جانبهم.. وإذا كان هناك من خطأ فلا بد أن يكون من جانب والديهم.. على الرغم من أن هذا الخطأ يكون قد وقع بغير قصد منهما.. ولابد لنا من التأكيد على أن معنى "الخطأ" يشمل وقوع أمراض الولادة.. لأن مثل هذه الأخطاء هي أبعد من أن تكون جرائم مقصودة.. ومهما كانت طبيعة أي من الأسباب المؤدية لهذه التشوهات فإن الأمر المؤكد هو أن الطفل البريء الذي وُلد بأية إعاقة ليس مسؤولاً بأي حال عن هذه المعاناة..
وحتى نفهم هذه المشكلة حق الفهم فيجب أن نؤكد على أنه لا يمكننا تصنيف جميع أشكال المعاناة على أنها عقاب.. كما أنه لا يمكننا تصنيف جميع أشكال البهجة والفرح على أنها مكافأة وجزاء... فهناك نسبة صغيرة من الأفراد الذين يبدو أنهم يعانون كما لو كان ذلك دون مبرر.. وعلى الرغم من ذلك ومن خلال التحقيق العميق لمثل هذه الحالات سوف نكتشف أنه لا مجال لوجود ظلم متعمد.. فهذه الحالات ليست سوى نتاج ثانوي لخطة أوسع للخلق.. ولكنها أيضاً تلعب دوراً مفيداً في التقدم العام للمجتمع الإنساني..

ويجب ألا يغيب عن البال أن "العلل والمعلولات" شيء.. وأن "الجريمة والعقاب" شيء آخر مهما بدا أنهما يتماثلان.. فمن الصحيح أن نقول أن الجريمة هي من المعلولات.. ولكن ليس من الصحيح أن نقول أن كل معاناة هي عقوبة على جريمة ارتكبت.. وليس من الصحيح أيضاً أن نقول أن جميع الأطفال الذين ولدوا بصحة جيدة قد ولدوا هكذا كمكافأة لوالديهم على أعمالهم الطيبة.. ولا أن نقول كذلك أن الأطفال الذين ولدوا بأي نوع من التشوهات أو الإعاقة قد ولدوا هكذا عقاباً على جرائم أبائهم أو أجدادهم.. إن الصحية والمرض.. المهارة والإعاقة.. السعادة والتعاسة.. المزايا والأضرار التي ينالها المرء عند ولادته كلها أمور لا غنى عنها في النظام العام للخليقة.. حيث إنها تلعب جميعها أدوارها كعلل.. وهي منفصلة تماماً عن ظاهرة الجريمة والعقاب.. أو الخير والجزاء.. وكما قلنا سابقاً.. إن المعاناة مثل البهجة.. كلاهما ضرورة جوهرية لتطور الحياة.. وخلال تطورها لا ترتبط هذه الضرورات مطلقاً بظاهرة الجريمة والعقاب..

إن للمعاناة دوراً هاماً وحيوياً في صقل وتهذيب السلوك البشري.. فهي تطور وتنقح المشاعر وتعلم التواضع والوداعة وبأكثر من وسيلة.. كما أنها توقظ الحاجة إلى البحث والاكتشاف وتخلق الحاجة التي هي أم الاختراع.. ولو قُدر لنا أن ننزع المعاناة كعلة مسببة لتحفيز القوى الكامنة في النفس البشرية لدارت عجلة التقدم إلى الوراء آلاف المرات..

فليحاول كل إنسان على ظهر هذه الأرض أن يغير ما شاء في نظام الكون.. ففي النهاية لن يجني سوى الخيبة والفشل.. وبناءً على ذلك فإن المحاولة اليائسة التي يقوم بها البعض في إلقاء اللوم على الخالق عز وجل بسبب المعاناة لا أساس لها على الإطلاق.. فالمعاناة بدورها الخلاق المتواري الذي تلعبه إنما هي نعمة حقيقية..

ولنرجع مرة أخرى لمسألة الأبرياء الذين يعانون بغير ذنب.. الأطفال الذين يولدون بتشوه أو إعاقة.. أو الذين يقعون فريسة للأمراض فيما بعد.. فهل يكون من الصواب أن نسأل: لماذا يصاب هذا الطفل "1" أو ذاك الطفل "2"؟؟ ولماذا لا يصاب طفل آخر وليكن "3" أو "4"؟؟ وهكذا فإن السؤال سوف يتكرر مرة بعد مرة..
إن السؤال الوحيد الذي قد يبدو معقولاً هو: لماذا يصاب أي واحد من الأطفال على الإطلاق؟؟؟ وهكذا فيكون الخيار الوحيد أمام الخالق هو أن يخلق جميع الأطفال سالمين وبصحة جيدة حتى يكونوا في ذلك سواء.. أو يخلقهم جميعاً مرضى فيكونوا سواء أيضاً.. وهذا يقودنا إلى إدراك أن صحة الطفل في حد ذاتها ليست سوى أمر نسبي.. فمن الصعوبة أن نجد طفلين متشابهين تمام الشبه في كل شيء..

وقد يرى البعض أن هناك سؤال آخر ضد الخالق عز وجل: فإن كان أحد الأطفال يولد بعينين ضيقتين وأنف أفطس كريه المنظروأعضاء أخرى غير متناسقة الشكل.. ألن يقاسي هو ويعاني طوال حياته حين يقارن سوء منظره بغيره من المحظوظين من أقرانه؟؟؟؟
إن عدم المساواة في الصحة أو في الشكل تسبب الضيق والمعاناة المستمرة لدى معظم الأفراد.. والبعض يقاسي الأمَرّين عندما يجدون أنفسهم أقل حظاً من غيرهم.. ألا يستدعي هذا – باسم العدالة المطلقة – أن يخلق الله تعالى كل فرد من البشر ليكون متماثلاً تمام التماثل في الصحة والشكل مع باقي الأفراد؟؟؟
وحين توسيع النطاق ليشمل المواهب العقلية والقلبية والجسدية والتناقضات بين المتميزين والمحرومين يصير التشابه الكامل بين الأفراد ضرورة أكثر أهمية وأشد تأكيداً..
إن التنوع والتغاير والتعدد لا بد أن يبدأ في مكان ما لكسر حدة التماثل الممل.. ولكن حيثما وُجد التنوع والتغاير فلا بد للتناقضات أن توجد.. وهكذا فإن وجود البهجة والمعاناة ليس إلا امتداد لهذا التنوع والتغاير والتعدد..

إن الاعتراض الذي أبداه البعض على نظام الخلق باسم الشفقة على الأطفال المعاقين أو المرضى شيء.. واستبدال هذا النظام بآخر أكثر شفقة ونافعاً بلا عيوب شيء آخر تماماً.. وليحاول المرء أن يغير هذا النظام.. ولكنه حتى ولو حاول لدهور طويلة فلن يستطيع أن يستبدل النظام الذي وضعه الله تعالى للخلق بنظام آخر أفضل منه.
11-26-2007, 01:03 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
غالي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,762
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #8
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
سوف نتناول في هذا المقال الأخير وجهة النظر لكل من الشخص الملحد والشخص المؤمن.. وسنبحث ذات السؤال الذي سبق لنا الإجابة عليه وهو لماذا لا يمكن التخلص نهائياً من كل أشكال المعاناة؟؟ ولماذا هي أمر حتمي؟؟

وإذا بدأنا بوجهة نظر الشخص الملحد، فإنه ومن الناحية المنطقية البحتة فلا توجد هناك مشكلة تبحث عن الحل.. ولا سؤال ينتظر الإجابة.. فالملحد لايؤمن بأن وجوده يعود إلى أي خالق.. وبالتالي فليس هناك من خالق يكون مسؤولاً لديه إذا وجد أي انحراف أو اعوجاج في الخلق الذي حدث عشوائياً وبدون أي تخطيط.. فكل معاناة وكل شقاء.. وكل توزيع غير متساوي للبهجة والسعادة.. ليس من أحد يتحمل اللوم عليه سوى الصدفة وحدها.. وبذلك فإن بحث هذا الموضوع ينتهي هنا.. فالصدفة وحدها هي الخالق.. أو الطبيعة مهما كان المسمى.. فهو شيء غير عاقل.. أخرس وأصم.. أعمى ومشوّش.. وهكذا فلا يمكن أن يوجه له اللوم على أي قصور في وجود قد نشأ أصلاً من الفوضى.. إن ناتج الصدفة بغير الخالق لا بد أن يكون أعمى ومختلاً ومشوّشاً بغير عقل وبلا نظام وبدون اتجاه.

وفي الاتجاه الآخر ومن وجهة نظر الشخص المؤمن.. فلا توجد بالنسبة له أي مشكلة أيضاً.. فهو يرى في الخلق نظاماً وتوازناً واتجاهاً.. وهو يقبل بحكمة الصانع في جميع ما صنع.. وهو لا يرى في الشوكة الناتئة من هنا وهناك في باقة من الزهور زاهية الألوان.. رائعة الجمال والتكوين.. عطرة الرائحة.. سبباً كافياً يجعله يحجم عن قبول الباقة.. أم أن عليه يا ترى أن لا يقبلها؟؟!!

وللأسف، فلو كان ظن الملحد وارتيابه في محله.. يكون الموت هو المخرج الوحيد من بؤس وشقاء الأبرياء الذين يقاسون مرارة المعاناة دون ذنب أو جريرة..
وإذا صح اعتقاد المؤمن في سلامة تصوره لنظام الخلق وغايته.. فإن الموت أيضاً هو المخرج.. ولكن لغاية تختلف تماماً عن غاية الملحد.. بالنسبة له فليس الموت إلا منفذاً للحياة الأخرى.. التي تقود الأبرياء الذين يعانون العذاب في الدنيا إلى عهد لا نهاية له من الأجر والثواب والمكافأة والتعويضات..

قد يعترض البعض ولا يقبل بهذا.. ويظل مُصراً على أنه لا يوجد خالق ولا توجد حياة أخرى للثواب والعقاب بعد الموت.. والجواب السابق لمثل هؤلاء لا قيمة له.. فإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لمناقشة السؤال أصلاً.. وعلى هؤلاء أن يتذكروا أن السؤال يمكن أن يناقش فقط من زاوية علاقة الله تعالى بالخلق ودوره سبحانه كخالق.. ذلك أن موضوع الأخلاقيات وصحة أو خطأ أمر ما ينشأ فقط من الإيمان بوجود الله.. فإذا كان الله موجوداً بالفعل فلا يكون من المستبعد حينئذ أن يحدث تعويض عن المعاناة في الدنيا.. وإن لم يكن هناك إله فلا يمكن أن نلومه هو أو غيره على أية معاناة وقعت بمجرد الصدفة.. إذا أننا يجب أن نأخذ الحياة الدنيا بكل ما فيها باعتبارها مجرد حادثة وقعت مصادفة بدون أي معنى.. وبلا أي اتجاه وبغير أي هدف.. وعلى هذا يكون من الواجب قبول المعاناة على أنها جزء من طبيعة الأشياء كما لو كانت شيئاً لا يمكن التخلص ولا الهروب منه.. وفي جميع الأحوال فعلى الإنسان أن يتعلم كيف يعيش مع المعاناة.. إن المعاناة كما سبق وقلنا هي الأساس لقوى الدفع اللازمة للتطور..
إننا نجد في هذه المعادلة البسيطة التي تتكون من المعاناة والسعادة أنه إذا كان الإحساس بالمعاناة يفوق الشعور المتأصل في النفس بالرضى الناتج عن الإحساس بالوجود فحينئذ سوف تُفضل الغالبية العظمى من الناس الموت على الاستمرار في الحياة مع المعاناة.. أي إذا كان معظم أولئك الذين يُقاسون من الألم والمعاناة يفضلون أن يفقدوا الإحساس بالوجود على التعايش مع الشقاء.. فحينذاك تكون الحكمة وراء منهج الحياة بمعاناتها هي محل اعتراض.. إلا أن الواقع الفعلي الذي نراه هو على عكس هذا الافتراض تماماً..

إن الحياة غالية ولا يُفرط فيها.. وأحياناً يكون هذا برغم معاناة الكثير من البؤس والمزيد من الشقاء.. والمُشاهد في هذه الحياة أن هذه هي القاعدة العامة الحاكمة.. مع الاستثناءات النادرة التي هي أقل من أن تُذكر لدى المقارنة.. ويجب علينا أن نتذكر أن الزاوية التي ننظر منها للمعاناة ليست ثابتة.. وفي كل مرة نغير فيها من زاوية النظر للمعاناة يختلف فيها المشهد.. فعلى سبيل المثال فإن الأطفال الذين يتمتعون بصحة جيدة يعتبرون أن الأطفال الذين في المستوى دون العادي يقاسون الكثير من المعاناة.. بينما هؤلاء الذين هم في حالة شديدة من الحرمان والعوز سوف ينظرون إلى الأطفال فوقهم نظرة غبطة وحسد..

وعلى صعيد أوسع.. فإننا نلاحظ أن كل شكل من أشكال الحياة إما أن يكون أسمى أو أدنى من أشكال الحياة الأخرى الأعلى أو الأدنى منها.. وخلال المشوار الطويل للتطور كان الإدراك لقيمة الأشياء يتغير ويتطور من الطبقة الأدنى إلى الأعلى.. وخلال مراحل الارتقاء وحين يُنظر إلى أسفل من مستوى عال.. فإن الأسفل يظهر في موقف متخلف.. والأشكال العليا للحياة تتمسك بهذا الإدراك الأعلى لقيمة الأشياء الذي اكتسبته خلال ملايين السنين من التطور.. وأي تراجع أو فقدان لهذه القيم أو القدرات سوف يتسبب قطعاً في الإحساس بالمعاناة والتي كانت هي نفسها -أي المعاناة- ضرورية للوصول إلى القيم العليا..
ولنتصور مثلاً حالة الديدان بالمقارنة مع بعض أشكال الحياة الأعلى منها.. ولنعقد مقارنة بينها وبين الأشكال الأخرى الأكثر تقدماً في الدرجات الأعلى من سلم التطور.. إنها جميعاً بلا شك غير متساوية في المواهب والقدرات.. فالديدان التي تتغذى على المخلفات العضوية والقاذورات لا يمكن أن تتصور نفسها على قدم المساواة مع الخيول البرية التي تجول حرة في البراري وتتغذى على الحشائش الخضراء.. ومع ذلك فهي لا تتخيل نفسها –الديدان- في منزلة أقل من تلك الخيول.. فإن لكل نوع عالمه الخاص الذي يختلف به عن الآخر.. ولكل نوع قدراته المختلفة ومتطلباته المختلفة وتطلعاته المختلفة أيضاً..
وبناءً على ما سبق فإن عدم التكافؤ هذا لا يعني أنهما كانا هدفاً لأي ظلم وقع عليهما.. ولو تخيلنا حالة بعض الديدان السعيدة التي تتمتع بصحة جيدة.. فمن الواضح أنها جميعها قد تأقلمت مع محيطها التي تعيش فيه.. وهي راضية تماماً بكل القدرات التي زودها بها الخالق تعالى.. ولا تستطيع أن تتطلع إلى أي شيء فيما وراء المجال الذي تعمل فيه حواسها.. ومع ذلك فإنه إذا عُرض على أي طفل بشري أن يستبدل حالة المعاناة التي يقاسي منها بأن ينقلب إلى دودة سعيدة راضية.. فإنه سوف يُفضل الموت عن خيار الحياة في المستوى المتدني لوجود الديدان..
وبالتالي فإن الإدراك لنوعية الحياة التي يحياها الإنسان في مستوى أعلى من مستويات الحياة الأخرى إنما يكفي في معظم الأحوال لتعويض أي ضرر يعاني منه الإنسان.. وبذلك يتضح أن مسألة المعاناة هي مسألة نسبية...

إن الإحساس بالحرمان هو مكمن المعاناة.. فالإدراك بنقص أشياء معينة أو فقدان أمور عزيزة على الإنسان تَعَود الإنسان على امتلاكها هو الذي يثير الإحساس بالألم... ولا يحدث هذا إلا إذا كان الإنسان قد جرب الإحساس بالسعادة من قبل عندما كان يتمتع بتلك الأمور والقيم.. أو إذا رأى الآخرين يتمتعون بها..
ومن ناحية أخرى.. فإن نقص الأمور التي لا يستتطيع الإنسان أن يُدرك قيمتها أو كنهها لا يسبب له أية معاناة على الإطلاق.. وعليه فإن الألم ليس إلا مجموعة من الأحاسيس الناتجة عن فقدان أمور معينة..

وكما ذكرنا سابقاً فإن الإحساس بالكسب والخسارة هو الدافع للتقدم والتطور.. والحواس الخمس التي نتمتع بها إنما هي نتاج لإدراكنا بالكسب والخسارة.. فقد ارتقت حواسنا عبر ملايين السنين من التطور حتى صارت نظاماً ألياً للإحساس.. فالألم والبهجة لا يستطيعان بذاتهما أن يخلقا نظاماً ألياً من الإدراك.. فسوف تنعدم البهجة وينعدم الألم إذا انعدم الإدراك بهما.. فكيف يمكن للعدم أن يخلق شيئاً؟؟؟
إن عدم الإدراك لا يمكن أن يخلق ويصمم إدراكاً.. حتى ولا خلال تريليون من السنين.. فلا بد للخالق أن يكون خالقاً مدركاً.. ذلك الذي يهب الموت إدراكاً ويخلق منه الحياة.. ويبدو أن الخلاق القدير سبحانه قد استعمل الألم والبهجة في نسق لا يزال غير معروف وبأسلوب لا يزال خفياً ليخلق نفس الأعضاء التي تشعر وتحس بهما.. ولو أننا أزلنا الألم كوسيلة في خلق هذه التحفة من الإعجاز الخلاق فسوف تتحول الحياة إلى ركام من حياة خاملة لا حس فيها.. ولا تدرك حتى وجودها.. فهل بعض الحالات الشاذة من البؤس والحرمان تعتبر ثمناً فادحاً لوجود هذا الإدراك العظيم الرائع؟؟!!

ولا بد لي من التأكيد مرة أخرى أن الإسلام يعتبر أن الشر هو مجرد ظل يحدث بسبب غياب الخير..فالشر ليس له وجود إيجابي بذاته..
إننا نستطيع أن نتصور أي مصدر من مصادر النور مثل الشمس أو المصباح وغيرهما.. ولكننا لا نعرف ولا نستطيع أن نتصور أي مصدر للظلام.. فالطريقة الوحيدة التي يمكن بها لشيء ما أن يكون سبباً للظلام هو قدرته على حجز النور ومنعه من النفاذ.. وبالمثل فإن غياب الخير فقط هو الذي يسبب الشر.. ودرجات الشر إنما تتقرر بدرجة التعتيم التي يسببها عامل يعترض الخير..

كذلك فإن الإدراك بتملك شيء ما هو الذي يثير البهجة في النفس.. وأي نقص أو تهديد بنقص أو فقدان لشيء مما يملكه الإنسان هو الذي يسبب له الألم والمعاناة.. ولكن كلا من البهجة والمعاناة يجب أن يتواجدا في معاجلة لقطبين أحدهما سالب والآخر موجب.. إذا أزلنا أحدهما اختفى الأخر.. ولذلك لا يستطيع أحد أن يتدخل في التصميم الخلاق للألم أو البهجة أو الشر أو الخير وينجح في تغيير هذا النظام..

إن الشفقة البائسة التي يظهرها البعض ليس لها القدرة مطلقاً أن تمحو المعاناة من الحياة.. بغير أن تمحو الحياة نفسها.

تحياتي
سلام
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-04-2007, 08:19 AM بواسطة غالي.)
12-04-2007, 08:12 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
اسحق غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 5,480
الانضمام: Jul 2004
مشاركة: #9
الخير والشر.. المعاناة والسعادة
من زمان أدرك إسماعيل يس ما لم يدركه مفكرينا فقال في مونولوجه : -
يا أخوانا إلعنوا إبليس
و قولوا له إذهب يا خسيس
تحياتي
12-04-2007, 10:15 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS