أحمد سعيد نوفل
يؤكد أساتذة العلوم السياسية على أهمية التنمية السياسية كأساس لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك للتداخل بين عناصرها المختلفة، وبسبب الشراكة الوطنية التي تربط بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المحلي، ما يؤكد على أن التنمية السياسية في النهاية ليست خيارا بل هي ضرورة وطنية. كما يؤكدون على أن الهدف من التنمية السياسية هو أن يتعرف المواطن على حقوقه وواجباته الدستورية كي يشارك مشاركة فعالة وإيجابية في الحياة السياسية؛ لهذا كان لا بد من إجراء إصلاحات تشريعية من خلال القوانين التي لها علاقة بالحريات والواجبات التي تمس المواطنين، لتحفيزهم على المشاركة السياسية وخلق المواطن الصالح. لكن تبقى المشكلة عادة في المسافة بين النظرية والتطبيق.
تركز التنمية السياسية في مفهومها ودلالاتها النظرية، على مقولات وافتراضات التحديث في أنماط النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما تهدف إلى الإلحاق الحضاري للمجتمعات النامية مع الدول المتقدمة لتحقيق التنمية المستدامة فيها وبناء الدولة الوطنية القوية وتدعيم قدرات النظام السياسي والمشاركة السياسية. وتعتبر التنمية السياسية عملية معقدة ومتشعبة، تتطلب تضافر مختلف الجهود الرسمية والشعبية في الوطن الواحد من أجل إنجاحها. لأنها تعني إحداث تغيير ضمن الثوابت وإخلاصا في العمل وعدالة عند التطبيق. وهي بحاجة أيضا إلى استراتيجية طويلة الأمد ومشاركة فاعلة من جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمواطنين، وإلى تغيير في التفكير والممارسة، وإحداث تعديل في بعض القوانين والأنظمة كي تتماشى مع أهداف التنمية في جعل المجتمع عصريا ومتطورا ومنفتحا ومتسامحا لكل أبنائه، قوامه العدل والحق وسيادة القانون.
ومع أن أهداف التنمية السياسية تختلف من مجتمع لآخر وتتأثر بالظروف المحيطة بها والظروف التاريخية التي تمر بها الدولة والثقافة السائدة فيها، إلا أنه توجد قواسم مشتركة تجمع بين معظم المجتمعات والأنظمة السياسية، بخاصة في الدول النامية. وهي تهدف إلى تفعيل دور السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) ومبدأ الفصل بينها، وتوفير بيئة سياسية وحيوية ومجتمع مدني نشط تنبثق عنه أحزاب وتيارات وطنية ذات تمثيل واسع، وتعزيز قيم الانتماء والديمقراطية والمساواة والكفاءة والمشاركة، وضمان حقوق المرأة ومشاركة فاعلة للشباب. وانتهاج سياسة الانفتاح وإشاعة ثقافة سياسية وبرامج تثقيفية حول المواطنة والحوار وحرية التعبير والمشاركة السياسية.
من الصعب أن تنجح التنمية السياسية في أي بلد، من دون وجود ديمقراطية حقيقية نشطة واستقرار سياسي وسلطة سياسية ترعى مطالب الأمة وتنفذها، وتحقق الوحدة الوطنية وتعزز مفهوم المواطنة والانتماء للوطن والمساواة بين المواطنين كافة، من دون تمييز. كما تهدف التنمية السياسية إلى التخلص من الأزمات التي تواجهها الدولة، مما يعني أنها مصلحة مشتركة للسلطة السياسية وللمواطنين، من أجل تحقيق الاستقرار السياسي الذي يبتغيه أي نظام سياسي. مما يتطلب من الجميع - مسؤولين ومواطنين- الاسهام في انتاج حالة جديدة تأخذ بعين الاعتبار كيفية التعامل بكفاءة مع التنمية السياسية.
ومن أجل تزاوج بين النظرية والتطبيق، في التنمية السياسية في أي مجتمع، فلا بد من توافر مقومات وشروط رئيسة:
1- اطلاق الحريات بين جميع فئات المجتمع الواحد، بعيدا عن الخوف والارهاب الفكري، وحماية الحريات المسؤولة لأنها هي عماد الديمقراطية.
2- وجود تعددية سياسية وفكرية ضمن الثوابت القائمة عليها أي مجتمع، من دون ادعاء طرف بامتلاكه الحقيقة أو حماية المصلحة الوطنية على حساب طرف آخر. فالجميع تهمه المصلحة الوطنية، مع التأكيد على القواسم المشتركة لمحددات المصلحة الوطنية. لأن ما يراه فريق من وجهة نظره قد يختلف عما يراه فريق آخر، لكن وبالحوار المسؤول يستطيع الجميع التوصل إلى ثوابت وطنية لا يجوز الخروج عنها. مع الأخذ بعين الاعتبار تغير نمط التفكير والممارسة لدى النخب السياسية المثقفة.
3- تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم. وعدم النظر إلى الدولة من زاوية المصالح الشخصية ومدى قدرة الفرد على الاستفادة منها، من دون أن يقوم الفرد بتحمل مسؤولياته الكاملة تجاه دولته. فإذا حصل على امتيازات كان من المدافعين عنها، وإذا لم يحصل على فوائد شخصية انقلب عليها وأصبح من المهاجمين لها من دون موضوعية.
4- قيام أحزاب سياسية قوية، لديها القدرة على العمل في بيئة ملائمة بعيدة عن التحزب الأعمى واحتكار الوطنية. ومشاركة المواطنين في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال المؤسسات الدستورية. وتسهيل عمل تلك الأحزاب على اساس أنها شريك في الحياة السياسية وليس طارئا عليها.
5- تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمرأة والشباب في الحياة السياسية لأنها تؤدي إلى خلق ثقافة سياسية واعية لمسؤولياتها في المجتمع المدني الواحد. مع الأخذ يعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع ومراعاة الثقافة والتقاليد السائدة فيه.
6- سن تشريعات وقوانين تحمي حقوق الأفراد، إن كان على صعيد الحريات الفردية الخاصة، أو قوانين لها علاقة بالأحزاب السياسية والانتخابات تضمن للجميع مزاولة حقوقهم السياسية كاملة.
من أجل إنجاح التنمية السياسية، يتطلب من الجميع العمل بإخلاص لخلق الظروف الملائمة، وهذه ليست مسؤولية الحكومة فقط، بل هي مسؤولية الجميع.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك
http://www.alghad.jo/?news=104429