دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الاثنين 24 أيلول 2007
ميساء نعامة
ترى هل مازال الوقت مبكراً للحديث عن الدراما التلفزيونية السورية؟
سؤال طرحته على نفسي عندما باشرت بكتابة هذه المقالة لكن من خلال متابعتي لبعض المسلسلات التي تعرض على شاشاتنا الوطنية أو ما يعرض على فضائيات عربية ومن خلال ما قرأت في صحفنا الوطنية الخاصة منها والحكومية والصحف العربية تجرأت على الكتابة قبل انتهاء الموسم الدرامي الرمضاني وخلصت إلى نتائج أولية:
بداية أقول: ما زالت الدراما السورية التلفزيونية تتربع على عرش الدرامات العربية ومن يقول: إن هناك تراجعاً في المسلسلات السورية فإن كلامه غيردقيق بل ولا يستند إلى معايير أساسية لتقويم هذه الأعمال..
ومن يقول أن الدراما التلفزيونية السورية تم إجراء الحظر عليها وحصارها فهذا الكلام غير دقيق أيضاً ويشكك في مصداقية هذه الأقاويل المغرضة عن درامانا السورية انما هي إشاعات أساسها دوافع ومصالح شخصية أو مادية في الوقت نفسه طبعاً هذا الكلام يحتاج إلى تحليل دقيق ولننطلق من البند الأول.
قلنا في البداية بأن الدراما السورية تشهد تقدماً ملحوظاً في هذا الموسمم الرمضاني فقد تألقت معظم الأعمال الدرامية أما الأعمال الضعيفة بالأصل فهي قليلة وذات بعد تجاري رخيص وإذا أردنا الحديث عن الأعمال الدرامية فلنبدأ بالأعمال الدمشقية التي تفوح منها رائحة الياسمين وعبق «النانرج» كما تفوح منها رائحة البطولة والشهامة والحديث هنا عن مسلسلي «جرن الشاويش» و«باب الحارة» فمن خلال هذين المسلسلين استطاع المشاهد السوري والعربي أن يستمتع وهو يعود إلى تلك البيئة الدمشقية القديمة والأصيلة ولأن دمشق هي قلب سورية كما تقول الأديبة الكبيرة كوليت خوري فإن هذه البيئة بتفاصيلها الحياتية تنطبق على معظم البيئات السورية باختلاف الطابع العام الذي يميز كل محافظة عن الأخرى، لكن بشكل عام هي تعكس البساطة في الحياة المعيشية إلى جانب القوة في التمسك بالأخلاق العربية الأصيلة كما تعكس ذلك الحس الرجولي «الزكرتاوي» الذي يبدأ بدوائر بسيطة وما يلبث أن ينتقل إلى دوائر كبيرة بوسع الوطن وحماية الوطن.
أما اذا انتقلنا إلى الجانب الاجتماعي في المسلسلات السورية فنلاحظ تألقاً واضحاً في معظمها وعلى سبيل المثال لا الحصر مسلسل «على حافة الهاوية» الذي يطرح مشكلات اجتماعية غاية في التعقيد فقد تعاني منها كل أسرة وكل عائلة في ظل هذه الضغوط الاجتماعية التي تتصاعد باستمرار هذه المشكلات عولجت بطريقة درامية عكست نجاح المسلسل هذه المعالجة تبدأ بالنص الدرامي ونجوم المسلسل والمخرج لتنتهي عند المتلقي الذي تعاطف مع هذه المشكلات.
هناك أيضاً مسلسل «وصمة عار» الذي يعالج قضايا في غاية الأهمية وتتجلى في صمود القيم والأخلاق النبيلة في وجه ما يتسرب إلى مجتمعاتنا العربية من تأثير بسلبيات العولمة وما أفرزته من اختلال في موازين الأخلاق والقيم والمثل العليا.
في مسلسل «ظل إمرأة» أيضاً هناك مشكلات عصرية يطرحها المسلسل بطريقة حضارية تتناسب مع تطور الأحداث الحياتية التي أصبحت تشهد عادات وافدة بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا، ومن يقول إن ما يجري خلال أحداث هذا المسلسل يعيد عمر واقعنا، يجب أن يضع مرآة عاكسة. أتى هذا المسلسل ليكون تلك المرآة التي تدق ناقوس الخطر من أجل العودة إلى كل ما ورثناه من قيم أخلاقية أصيلة وهذا لا يعني إلى الوراء بل التقدم إلى الأمام وغربلة كل شوائب الماضي والحاضر السيئة للإبقاء على الجيد المفيد لكل أسرة سورية وعربية .
هناك مسلسلات أخرى تحمل قيمة درامية عالية مثلاً «رسائل الحب والحرب» وهذا المسلسل وغيره طبعاً يحتاج إلى وقفة مطولة كذلك مسلسل«سقف العالم» الذي قدم خلطة مركزة من الواقع والفانتازيا والتاريخ.
طبعاً لا يستطيع المرء في وجود هذا الكم من الزخم الدرامي السوري مشاهدة ومتابعة جميع الأعمال أو معظمها، ومعظمها يحتاج إلى متابعة وإلى تحليل ودراسة وهذا يدل على تألق وتميز يدحض كل الأقاويل التي تتردد بالتخوف على الدراما السورية، وبالتخوف من تراجع المسلسلات السوريةومن يقول غير ذلك فهو يغني ويغرد خارج السرب إما لأن من يروج لهذه المخاوف لم يكن له وجود على الخريطة الدرامية أو لأنه يغارمن النجاحات المستمرة للدراما السورية.
أما أن نقول بأن الدراما السورية وقع عليها حصار والبعض يحيل هذا الحصار إلى خلفيات سياسية والبعض الآخر يقول بسبب المنافسة مع الدراما المصرية أو يقول بتسرب نجوم الدراما السورية إلى الدراما المصرية... هذا الكلام بعيد عن الحقيقة ولا وجود لمؤامرة أو حصار لأننا نجد الدراما السورية موجودة في معظم القنوات العربية وهذا الانتشار يكذب القول بوجود حصار فالمتتبع للقنوات العربية يشاهد بأم عينه العروض الأولى والحصرية لعملين أو أكثر في المحطة الواحدة وهذا يدل على أن الدراما السورية ما زالت تتربع على عرش الدراما العربية، وهذا ما يلغي وجود منافسة مع الدراما المصرية لأن التمييز السوري وضع الدراما السورية فوق المنافسة أما مؤامرة تسرب نجوم الدراما السورية فهذا يحسب لمصلحة الدراما السورية وليس العكس فبعد العجز الذي شهدته الدراما المصرية اضطرت مجبرة للاستعارة بنجوم سورية وعلى« رأسهم النجم السوري جمال سليمان الذي ذهب إلى الدراما المصرية نجماً ولم تضعه الدراما المصرية وكذلك المخرجة المميزة رشا شربتجي.
إذاً لا يوجد حصار ولا مقاطعة للدراما السورية بدليل انتشار معظم المسلسلات السورية المتميزة ونحن لا نريد انتشار إلا المتميز منها في معظم المحطات العربية ولا يوجد تراجع في الدراما السورية بدليل نسبة المشاهدة العالية لمعظم المسلسلات. وهذا الكلام لا يعني على الإطلاق إلغاء الدعم عن الدراما التلفزيونية السورية بل إنها تحتاج إلى دعم وما حصل هذا العام من دعم كبير متمثل بعطاء كبير للسيد الرئيس بشار الأسد الذي وجه بدعم الدراما السورية إنما يدل على أهمية الدور الكبير الذي تلعبه الدراما في وقتنا الحالي في إعادة وتشكيل الرأي العام العربي من التشويش الخارجي والتشويش الداخلي المبرمج خارجياً وتحصين الدراما يحتاج إلى أكثر من معالجات اسعافية يحتاج إلى طرق وقائية وتحصين حتى لا تصل إلى حالات اسعافية، الدراما السورية تحتاج فعلاً إلى هيئة أو مؤسسة خاصة بها تنظم تنوعها وتنظم توزيعها وتسويقها وانتشارها وبالمقابل تمنع الأيدي الخفية التي تسعى إلى استغلال الدراما والدراميين كما تمنع الغايات الشخصية وهذ النوع من أنواع استغلال الدراما.
أرجو أن تكون الرسالة التي أردت إيصالها من خلال هذا المقال قد حققت غايتها.