الى فترة قصيرة كانت بعض الحضارات تعتقد ان البصر نعمة من نعم الالهة تمنحها او تحرمها لعبادها المساكين، إنطلاقا من درجة خضوعهم. اليوم يتقدم الاطباء لحرمان الالهة من احدى وسائلها الشريرة في السيطرة على العبيد.
بعد جهود مضنية وطويلة توصل العلم الى إصلاح احد الاخطاء الخلقية القديمة المهمة وهي حرمان البصر. النماذج الجديدة للعيون الصناعية، التي توصل العلماء اليها، تفتح الامل لكل من حرمه الإله من نعمة البصر ان يعوضه العلماء هذه النعمة ويرفعوا عنه غضب الإله القاسي.
في مسيار دراسة العلماء لحاسة البصر، يظهر لهم بوضوح ان الرؤية ليست إلا "وهم" اخترع عوامله الدماغ ليحول الموجات الى صورة.
Terry Byland كان اول من استعاد بصره جزئيا، قبل ثلاثة سنوات، لتخرج من الظلمات الى النور. انها استعادت نعمة البصر من خلال كاميرا مثبتة على نظارة، حيث ترسل الكاميرا الصورة الى "chips", مزروعة في داخل العين.
1: Camera on glasses views image
2: Signals are sent to hand-held device
3: Processed information is sent back to glasses and wirelessly transmitted to receiver under surface of eye
4: Receiver sends information to electrodes in retinal implant
5: Electrodes stimulate retina to send information to brain
هذه التكنولوجيا لازالت في بداياتها، لذلك فهي تعطي إستعادة محدودة للنظر، مثلا حقل الرؤية لازال بعرض 30 سم، ويسمح فقط برؤية مغبشة، تميز الضوء عن الظلام وتسمح بمعرفة الحركة. ومع ذلك فأن الامال كبيرة للغاية.
يقول دكتور العيون Mark Humayun, عام 1999، وهو باحث مشارك في تطوير الطريقة من جامعة جنوب كاليفورنيا: كنا نأمل ان نعطيهم فقط القدرة على التمييز بين الظلمة والنور، ولكن ظهر ان للدماغ قدرات إضافية تسمح له بإملاء الفراغات بنفسه، الى درجة انهم اصبحوا يروا اكثر بكثير مما كنا نتصور.
في ذلك العهد اعطى الدكتور مارك هيماين وعدا للموسيقي ستيفيه واندير، بإعادة بصره اليه، مما جعله عرضة لتهجم الاطباء عليه واتهامه بأنه يعطي الامال الكاذبة، وان هذا يضر بالباحثين الجديين ويؤدي الى فقدان الايمان بالابحاث الجدية. كما اتهموه بأنه يلعب دور المسيح الذي يعيد البصر الى العميان.
منذ ذلك الوقت تمكن العلم من تحقيق تقدم كبير، وبالرغم انه لازال في بداية خطواته إلا انه يمكن القول ان مارك هيماين، قد تمكن من ان يلعب دور المسيح حقا، لقد اعاد البصر الى الاعمى. تقول احدى مريضاته بعد ان استعادت بصرها:" ياللروعة، استطيع ان ارى المنضدة وماعليها. استطيع رؤية من جاء الينا، وارى كيف ان احفادي يلعبون بالكرة".
الرقيقة الالكترونية الاولى االتي تم زرعها في عين تيري بيلاند كانت تملك 16 اليكترود فقط، اي 16 نقطة رؤية، بمايعادل 16 بيكسلر في الكاميرا مثلا. الرقيقة الجديدة تملك 60 بيكسلر، واصبحت اصغر إذ لايزيد حجمها عن 1 ميليمتر مربع. حسب التوقعات سيكون بالامكان انتاج رقائق تملك 1000
بيكسلر قبل عام 2009. وستكون كلفتها، بالحسابات الراهنة، بحدود 25 الف دولار.
في شركات اخرى، مثل الشركة الامريكية Optobionics وشركة المانية بإسم Retina Implant, نجد ان التطور ذهب اشواطا ابعد بكثير، حيث تجري الاختبارات على رقائق تملك بضعة الاف البيكسلر ولكل منها خليتها الضوئية الخاصة التي يجعلها لاتحتاج الى كاميرا على شكل نظارة مثلا. في جامعة Stanford الامريكية يجري تطوير رقيقة تملك ثلاثة عشر ترانسيستور مختلف لمقارنة مختلف انواع الاعصاب البصرية في العين ووظائفهم لمعالجة الموجات الضوئية. الرقائق الترانسيستورية لازالت كبيرة وتحتاج الى الكثير من الطاقة.
وبالرغم من ان بعض المرضى قد استعاد جزء من بصره، لاتستطيع العين الصناعية معالجة جميع انواع فقدان البصر، لكون عملية النظر تتآلف من عدة مراحل، وبالتالي فالعمى يمكن ان يكون له عدة انواع حسب المرحلة المتضررة.
موجات الضوء تدخل الى العين من خلال الشبكة والعدسة الى خلايا الشبكية الحساسة للضوء لتقوم بتحويل الموجات الى اشارات كيميائية وكهربائية. بعد ذلك تذهب هذه الاشارات من خلال عصب البصر الى مركز البصر في الدماغ. إذا كان الضرر في خلايا الضوء في الشبكية او العصب البصري، لايمكن إعادة البصر بهذه الطريقة.
الخلايا المتضررة في العين يمكن تبديلها
خلال السنوات الاخيرة توصل الباحثين الى ان من الممكن تبديل مجموعة من الجينات في خلايا الشبكية بواسطة مايعرف المعالجة الجينية. من خلال تجارب سابقة يعرف العلماء جينات بيلوجيا البصر. في معهد العيون القومي الامريكي، بدأت ممارسة المعالجة الجينية لاول مرة على الجين المسمى: RPE65.
هذا الجين تم العثور عليه عند جنس من الكلاب يصاب عادة بالعمى الوراثي. بعد فترة تمكن العلماء من العثور على الجين نفسه عند الانسان. هذا الجين له اهمية رئيسية في وظيفة تحويل محتويات الطعام من فيتامين A الى مركبات حساسة للضوء. بدون هذا البروتين، او إذا كان مصاب بطفرة، يصبح الانسان اعمى. الاطباء تمكنوا من
إعادة البصر الى الكلاب من خلال تعويض بروتين سليم مكان المتضرر في خلايا اعصاب العين.
احدى الاساليب الاخرى لإعادة النظر هي التي استخدمها الدكتور Zhuo-Hua Pan, من جامعة ويانا الطبية الامريكية، وهي عبارة عن اخذ الخلايا الحساسة للضوء من الطحالب التي تقوم بالتمثيل الضوئي وزرعها عند الفئران العمياء، مما اعاد لهم القدرة على رؤية النور.
غير ان الدكتور يان لايستطيع معرفة الى اي مدى استعادت الفئران قدرتها على الرؤية، او حتى فيما إذا كان يرون صورة ام اشباح. إلا ان مجرد الانطلاق من إمكانية اخذ جين حساس للضوء من طحلب وزرعه عند الحيوان بديلا للخلايا الضوئية، هو بحد ذاته حدث مؤشر على الامكانيات الهائلة التي انفتحت لإعادة اصلاح اخطاء الخلق.
الطريق الثالث لاستعادة البصر هو عن طريق استخدام الخلايا الجذعية. منذ عام 2003 اذاع الباحثين ان المريض Mike May, من كاليفورنيا استطاع استرجاع بصره بفضل الخلايا الجذعية. ماي فقد بصره منذ كان عمره ثلاث سنوات بسبب انفجار، وفقط بعد 40 سنة تمكن الاطباء من إعادة البصر اليه، من خلال زرع الخلايا الجذعية. بعد سنتين من عملية الزرع استعاد ماي القدرة على رؤية الاشكال والالوان والحركة، ولكن لازال من الصعب عليه التدقيق في تفاصيل الوجوه. الاضرار التي حصلت لماي هي في الغشاء الشبكي الخارجي، والان يظهر من الواضح ان اخلايا الجذعية يمكنها معالجة هذا النوع من الاصابات.
في نهاية عام 2006 نشر الباحث Robin Ali من جامعة كوليدج البريطانية ، نتائج هامة للغاية. من خلال زرع خلايا جذعية مأخوذة من اجنة الفئران، تمكن الباحث إعادة البصر الى الفئران الناضجة. إذا تمكنوا من تطبيق هذه الطريقة على الانسان يمكن عندها معالجة كافة انواع العمى تقريباً، من الانواع المرتبطة بالشيخوخة الى الانواع التي يسببها مرض السكر. سابقا جرت محاولات من اجل المعالجة بالخلايا الجذعية، ولكن تجارب روبين علي هي الاولى التي تنجح، مما يشير الى انه قد تمكن من الوصول الى مفتاح النجاح.
في الاصل كان العلماء يستخدمون الخلايا الجذعية التي لم تنضج، اي لم تتخصص. تجارب روبين علي تشير الى ان نجاح استخدامها في معالجة العمى يتطلب ان تكون الخلايا المستخدمة قد نضجت الى حد ما وفي طريقها للتخصص . في نفس الوقت اظهرت الاختبارات انه بالامكان تنضيج الخلايا الجذعية بصورة اصطناعية لتصل الى المرحلة المطلوبة بالضبط. هذا الامر يفتح الباب واسعا للمعالجة بالخلايا الجذعية وبناء بنك الخلايا.
منذ زمن طويل والباحثين يعلمون ان الدماغ يلعب دورا اساسيا في عملية النظر، ويشير الاختصاصيين الى ان الدماغ لايستطيع ان يتعلم ترجمة الموجات البصرية القادمة إذا عادت اليه القدرة على البصر بعد سن العشرين، اي بعد ان تكون المراكز الدماغية قد نضجت. غير ان تجربة حديثة في الهند اظهرت ان الدماغ قادر على التعلم من خلال التدريبات، وحتى لو كان المرء قد فقد بصره في المراحل الاولى للطفولة، وبعد انقضاء ثلاثين عاما. للمعالجين بالعلاج الجيني، فأنه وحتى لو لم يكن الفرق كبير على المريض بين ماقبل العلاج ومابعده، فأن التأثير حاسم على اجياله بإعتبار ان المرض وراثي. ان الابحاث التي تجري الان تعطي تغييرات ثورية في معالجة فقدان البصر، وتضع الاساس للقول ان العمى سيكون قريبا اسطورة من اساطير الاولين.
م
صادر:
Trials for 'bionic' eye implants
second chance
Seeing is not believing
Bionic Vision for the Blind