{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
بضدها تميز الأشياء
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
بضدها تميز الأشياء
في القرآن فواصل متمكنة وأخرى قلقة , حيث نرى الكلام في الآية وارداً مورد الدعوة إلى التفكر والاعتبار للمخلوقات الدالة, فما أهمية قلق الفواصل وتمكنها في النص القرآني

يظهر لك جلياً كيف كان محمد يعتني بالفواصل التي لم تكن آيات القرآن آيات إلا بها , ومن مزيد اهتمامه بها نراه في بعض الأحيان يرمي بالفاصلة لمجرد الفصل من دون أن يلتفت إلى ما تقدمها من الكلام , فتأتي الفاصلة قلقة في مكانها غير مستقرة ولا مطمئنة , وقد قلنا : إن الفاصلة في آية من آي القرآن كالقافية في بيت من أبيات الشعر , فقد يمهد الشاعر للقافية تمهيداً تـأتي به ممكنة غير نافرة متعلقاً معناها بمعنى الكلام تعلقاً تاماً بحيث لو طرحت لاختل المعنى واضطرب الفهم , وكذلك الفواصل في القرآن فإن منها ما بني عليها الكلام فجاءت متمكنة , ومنها ما ليس كذلك بل جيء بها لمجرد الفصل فجاءت قلقة عير متمكنة 0 ولنورد لك بعض الأمثلة والشواهد على هذا من فواصل القرآن

جاء في سورة ص قوله : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) (1) , ثم قال : ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) (2) فقوله : ( إنا أخلصناهم ) أي جعلناهم خالصين بصفة خالصة لا شوب فيها , وتلك الصفة الخالصة هي ذكرى الدار قال الزمخشري في الكشاف : ومعنى ذكرى الدار ذكراهم الآخرة أو تذكيرهم الآخرة وترغيبهم فيها (3) وأنت ترى أن الدار هنا بمعنى الدار الآخرة لا يساعد عليه اللفظ ولا يدل عليه السياق ثم قال الزمخشري : وقيل ذكرى الدار هو الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق الذي ليس لغيرهموهذا أيضاً كالأول وإن كان يناسب المقام أكثر منه , ولكن هي الفاصلة , وكان الأحسن أن يقول : إنا أخلصناهم بخالصة الذكر الجميل , وأن يترك هذه الفاصلة مكتفياً بالفاصلة التي بعدها : ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) (4) , فتكون حينئذ ٍ الآيتان آية واحدة
وجاء في سورة محمد قوله : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) (5) أي نسمع ما يحكى ويخبر به وما يقوله الناس عنكم ولا يخفى أنه بعد أن يبلوهم فيعلم المجاهدين منهم والصابرين , لم تبقَ حاجة إلى سماع أخبارهم وما يقوله الناس عنهم , ولكن الفاصلة هي التي أتت بالجملة الأخيرة , وهي كما تراها قلقة غير متمكنة في المعنى المراد , على أن الآية كلها ليست مما يليق أن يقوله علام الغيوب

وجاء في سورة التوبة قوله : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) (6) , فالجملة الأخيرة إنما جيء بها لأجل الفاصلة فقط , والكلام قد تم قبلها , والظاهر لأنه لما قال عند الله كان ذلك محل الوقف , ولكنه لا يشابه الفواصل السابقة ولا اللاحقة فلا يكون فاصلة , فاحتيج إلى فصل الكلام , فجيء بهذه الجملة الزائدة عن المعنى المراد ولو حذف عند الله ووقف عند لا يستوون لتم الكلام وتمت الفاصلة معاً على أن في الآية شيئاً آخر , وذلك أن المعنى المراد منها هو إنكار تشبيه المشركين وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة وإنكار التسوية بينهم , فكان يلزم أن يقول : أجعلتم من سقى الحاج وعمر المسجد الحرام كمن آمن بالله ؟ ولكنه لم يقل ذلك بل قال : ( أجعلتم سقاية الحاج ) فاحتيج توجيه الكلام إلى حذف مضاف , إما في أول الآية بتقدير " أجعلتم أهل سقاية الحاج , وإما في وسطها كإيمان من آمن , وهذا ليس من شأن البلاغة , فإن الكلام الذي لا يحتاج إلى تقدير محذوف أبلغ من الكلام الذي يحتاج إلى تقدير , لأن البلاغة من التبليغ والحذف ينافي التبليغ وقد جاء في القرآن أن بعض الفواصل قرئت بوجهين كالآية التي في سورة التوبة : ( و آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم ) (1) وفي قراءة عبد الله والله غفور رحيم وهذه الآية هي التي ذكر الرواة عن عبد الله بن أبي سرح , وكان من كتاب القرآن أنه لما كتبها وأراد أن يكتب الفاصلة سأل النبي : ولله عليم حكيم أم والله غفور رحيم ؟ فقال النبي : أيهما كتبت كان (2) , وذلك لأن المقصود هو الفصل وذلك حاصل بكلتيهما على حد سواء , وهذا صريح في أنه أحياناً يأتي الكلام لمجرد الفصل لا لشيء آخر

وجاء في سورة البقرة قوله : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ) (3) , وقوله : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) (4) , وقوله : ( مثل الذي ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) (5) , وقوله في أل عمران : ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (6) , وقوله في آل عمران أيضاً : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ) (7) , وقوله فيها أيضاً : ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) (8) فأنت ترى في أن الجمل الأخيرة في هذه الآيات لو حذفت لما نقص الكلام شيئاً , فما جيء بها إلا لمجرد الفصل

وقد قيل : بضدها تميز الأشياء فقد تمر بك وأنت تقرأ القرآن فواصل متمكنة محكمة ثم تعقبها فاصلة قلقة ليست هي بظاهرة القلق , ولكن وقوعها بعد فواصل متمكنة جعل قلقها ظاهراً لك بيناً ففي سورة الأحزاب : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعتكن وأسرحكن سراحاً جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً ) (1) فانظر إلى هاتين الفاصلتين اللتين قد بني الكلام عليهما من أوله كيف جاءتا متمكنتين ثابتتين ثبوت أقدام الأبطال في صدمة الحرب و النزال , ثم أنظر إلى الفاصلة التي جاءت بعدهما في قوله : ( يا نساء النبي من يأت ِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً ) (2) فإنك تراها قلقة نافرة لا تناسب ما تقدمها من الكلام , وإنما جيء بها لتكون فاصلة ليس إلا ولا ريب أن مضاعفة العذاب ليست من الأمور التي تصعب على أحد من الناس فضلاً عن الله الذي هو قادر قهار شديد العقاب , فلا يناسب أن يقال وكان ذلك على الله يسيراً , وإنما يناسب أن يقال ذلك عند ذكر أمر يعجز عنه كل قادر سوى الله

هكذا ترى في القرآن فواصل متمكنة وأخرى قلقة , وليس من غرضنا هنا استقصاؤها , وإنما ذكرنا بعضها على سبيل المثال , وترى المفسرين أثابهم الله دائبين على رأب كل ثأى , فهذا الزمخشري في الكشاف في نصب من التفنن في ذلك حتى أنك لترق له حين تراه يجهد نفسه تخيلاً , وينهك فكره إبعاداً في توجيه الفواصل وغيرها من آي القرآن , خصوصاً في تقدير المحذوفات وتصوير المقدراتوإليك ما ذكره صاحب الإتقان في توجيه إحدى الفواصل من سورة الإسراء في قوله : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ) (3) قال : ( إن الختم بالحلم والمغفرة عقب تسبيح الأشياء غير ظاهر في بادئ الرأي , قال وحكمته أنه لما كانت الأشياء كلها تسبح ولا عصيان لها , وأنتم يا أيها الناس تعصون ختم الآية بقوله حليماً غفوراً , مراعاة للمقدر في الآية وهو العصيان (4) هذا كلامه , ونحن إذا أردنا أن نتوسع بالخيال إلى هذا الحد في توجيه الكلام لم يبق من كلام الناس ما يعاب لا ريب أن المراد بتسبيح الأشياء في الآية هو دلالتها على خالق عظيم كما قيل :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحـــــــــــد

فكأنها بتلك الدلالة تسبحه وتقدسه , فالكلام في الآية وارد مورد الدعوة إلى التفكر والاعتبار بالمخلوقات الدالة على وجود خالق عظيم , فمن أين جاء العصيان وكيف صح فرضه وتقديره , حتى يقال : إنه ختم الآية بما يناسب ذلك المفروض المقدر ثم قال صاحب الإتقان في ذكر توجيه آخر وقيل حليماً عن تفريط المسبحين غفوراً لذنوبهم 0 وهذا كالأول في الضعف والوهن فإنه فرض للأشياء المسبحة تفريطاً وذنوباً فقال حليماً غفوراً وليس هو في مقام ذكر الذنوب , بل في مقام الدعوة إلى التفكر والاعتبار بتسبيحها ودلالتها على معرفة خالق الكائنات الأعظم ثم إن قوله : ( وإن من شيء ) (1) عام يشمل كل المخلوقات , ولا يوصف بالذنب , شيء منها إلا الإنسان , فليس للأشياء تفريط ولا ذنوب , بل لها تسبيح وتقديس , والمخلوقات كلها عدا الإنسان مأخوذة بطاعة مطلقة , كما يفهم ذلك من قوله في سورة فصّلت (2) : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين ) (3) , فكيف ينسب للأشياء المسبحة تفريط وذنوب ثم قال ( أي صاحب الإتقان أيضاً ) , وهذا القول أقرب إلى المعقول : وقيل حليماً عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح بإهمالهم النظر في الآيات والعبر ليعرفوا حقه بالتأمل فيما أودع في مخلوقاته مما يوجب تنزيهه (4) , وأنت ترى أن السياق يأباه , فإن الكلام في الآية إنما سيق لبيان تسبيح الأشياء لا لمؤاخذة الذين لا يفقهون التسبيح , والمقام كما قلنا مقام دعوة إلى تفكير واعتبار لا مقام حلم وغفران , ولكنهم يتمحلون , ولو كان ذلك في غير القرآن لما تمحلوا له هذه التمحلات , ولا تخيلوا لأجله هذه التخيلات و بل عابوه على قائله وانتقدوه 0 والحقيقة هي أنه قال في آخر الآية : ( إنه كان حليماً غفوراً ) لمجرد الفصل , وليس الفصل بغرض تافه بل هو أمر جليل , لأن الفواصل كما قلنا هي قوام أسلوب القرآن (5)

يتبع
(1) سورة الزلزلة ,الآية : 5 0(2) سورة الحاقة , الآيتان : 19- 20 (3) سورة الحاقة , الآيتان : 28 – 29 0 (4) سورة المزمل , الآية : 8 0 (5) سورة الإسراء , الآية : 69 0 (6) سورة التين , الآيات : 1-3 (1) سورة ص , الآية : 45 0 (2) سورة ص , الآية : 46 0
(3) الكشاف , تفسير الآيتين 45 – 46 من سورة ص 0 (4) سورة ص , الآية : 47 – (5) سورة محمد , الآية 31 – (6) سورة التوبة , الآية : 19 – (1) التوبة , الآية : 106 0 (2) السيرة الحلبية , 3م 90 – (3) سورة البقرة , الآية : 228 – (4) سورة البقرة , الآية : 256 0 (5) سورة البقرة , الآية : 261 – (6) سورة آل عمران , الآيتان : 33- 34 – (7) سورة آل عمران , الآية : 121 – (7) سورة آل عمران , الآية : 140 – (1) سورة الأحزاب , الآيتان : 28 – 29 – (2) سورة الأحزاب , الآية : 30 – (3) سورة الإسراء , الآية : 44 – (4) الإتقان في علوم القرآن , 2/ 103 –(1) سورة الإسراء , الآية : 44 – (2) في الأصل : السجدة – (3) سورة فصلت , الآية : 11- (4) الإتقان في علوم القرآن : 2/ 103 – (5) اعتمد الرصافي في هذا الفصل اعتماداً كاملاً على ما أورده السيوطي في الإتقان في علوم القرآن , وعلى فصل : فواصل الآي ( النوع التاسع والخمسون ) , 2/ 96 – 105

* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب العراقي – معروف الرصافي


08-29-2007, 01:48 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  أعظم 6 عادات تميز الأثرياء THE OCEAN 0 890 02-10-2010, 06:23 PM
آخر رد: THE OCEAN
  بيريز: روح المبادرة التي تميز الكويت تؤهلها لأن تكون شريكاً مميزاً لإسرائيل مواطن عالمي 2 831 10-29-2005, 11:29 PM
آخر رد: مواطن عالمي
  بطانة «النفاق»!! ...لم يعد أمامنا إلا الصراحة.. لا تجميل الأشياء.. ولا النفاق.. ولا الترقيع.. بسام الخوري 3 890 04-24-2005, 04:25 PM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS