{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
اللوح المحفوظ
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
اللوح المحفوظ
هل القرآن كان في اللوح المحفوظ , وأنزل على محمد دفعة واحدة , وما المقصود باللوح المحفوظ وما هو تعريف القرآن في المفهوم الديني وفي مفهوم اللغة

إن الكلام عن اللوح المحفوظ من تتمة البحث المتقدم في إنزال القرآن , لأن بعضهم قال : إن جبريل تلقفه تلقفاً روحانياًَ من الله ونزل به (5) ومنهم من قال : أخذه من اللوح المحفوظ ونزل به (6) , فلذا رأينا أن نتكلم شيئاً عن اللوح المحفوظ فنقول :
من الأمور التي شط بها علماء الدين عن الحقيقة واليقين ما قالوه في اللوح المحفوظ من الأقوال الواهية فقد قال جماعة منهم إن القرآن أنزل جملة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت السماء الدنيا ما يقال له بيت العزة فحفظه جبريل (1) , وغشي على أهل السموات من هيبة كلام الله فمر بهم جبريل وقد أفاقوا وقالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق , يعني القرآن , وهو معنى قوله : ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) (2) فأتى جبريل إلى بيت العزة فأملاه على السفرة الكتبة , يعني الملائكة , وهو معنى قوله تعالى : ( بأيدي سفرة * كرام بررة ) (3)

إن هذا الكلام قد نقلناه لك من كتاب الإتقان لجلال الدين السيوطي , ولنضعه تحت مجهر من التدبر والتفكير , ولننظر ماذا فيه ومن أين حصل وكيف لفق , وعندئذ تتبين لنا الحقيقة كما هي أولاً : إن قولهم بأن القرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر قد علمنا منشأه ومبلغه من الحقيقة في ما مر من الكلام , فلا حاجة إلى أعادته

ثانياً : إن اللوح المحفوظ قد دلهم عليه القرآن فأخذوه وفهموه فهماً ما أنزل الله به من سلطان , ولم أقف على من دلهم على بيت العزة , فمن أين أخذوه وكيف عرفوا اللوح المحفوظ من آخر آية سورة البروج : ( بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ ) (5) ولنتكلم أولاً في اللوح ماذا يراد به في القرآن ثم نأتي على ما يقوله هؤلاء
يطلق اللوح في اللغة على كل صحيفة عريضة من خشب أو عظم أو غير ذلك , وكانوا في الزمان الأول يكتبون فيما وجدوه من ألواح الحجارة والخشب والعظام وغيرها لفقد القرطاس عندهم أو لقلته , فيقال كتب في اللوح , حتى قيل إن اللوح مأخوذ من أن المعاني تلوح فيه بالكتابة وهذا القول صحيح بالنظر إلى استعمالهم اللوح للكتابة كالقرطاس , وإلا فاللوح في أصل اللغة لا يطلق إلا على ما فيه عرض واتساع , ولذا يطلق اللوح ( بفتح اللام وبضمها ) على ما بين السماء والأرض من الهواء أي الفضاء لانبساطه واتساعه
ولما كان اللوح يستعمل للكتابة عندهم , صح في الاستعمال اللغوي إطلاقه على الكتاب كما هو في هذه الآية , ويدل على ذلك أن القرآن استعمل الكتاب بدل اللوح في آية أخرى من سورة الواقعة فقال : ( إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون ) (6) أي مصون , فاللوح والكتاب في الآيتين شيء واحد

الكتاب
قد علمنا أن المراد باللوح المحفوظ وبالكتاب المكنون شيء واحد , ولننظر الآن في معنى الكتاب في أصل اللغة , ما هو وماذا يراد به في الاستعمال , فنقول : الكتاب مصدر كتب كتباً وكتاباً وكتبة وكتابة , فهذه أربعة مصادر قد أطلقوا الثاني منها وهو الكتاب على المكتوب أيضاً تسمية بالمصدر , وهو كثير في كلامهم
أما المعنى المصدري لكتاب في أصل اللغة فنستطيع أن نفهمك إياه بثلاث كلمات متقاربة في معانيها : وهي الجمع والضبط والحفظ , فالذي نفهمه من هذه الكلمات الثلاث بمجموعه هو المعنى المصدري للكتاب كما يدل عليه الاستعمال اللغوي , فقد قالوا : كتب الكتاب إذا صور فيه اللفظ بحروف الهجاء ولا ريب أن تصور الألفاظ بالحروف يتضمن جمعها وضبطها وحفظها من الضياع أو النسيان 0 وقالوا أيضاً : كتب السقاء إذا خرزه أي خاطه بسيرين , وكتب القربة إذا شدها بالوكاء وهو الرباط الذي يربط فيه فمها , وقالوا : كتب الناقة إذا ظأرها أي عطفها على ولد غيرها فخرم منخريها وشدها بشيء لئلا تشم البو (1) وإيضاح ذلك أن الناقة شديدة الحنين على حوارها فإذا مات أخذوا جلده وحشوه تبناً ووضعوه في جنبها فتشمه , وهذا هو البو فإذا أرادوا منعها من شم البو كتبوها وقالوا : كتيبة لجماعة من الجيش أو من الخيل لتجمعها وتحيزها وانضمام بعضها إلى البعض , إلى غير ذلك مما يطول إذا استوعبناه وكل هذا نفهم منه ما هو معنى الكتابة في أصل اللغة (2)
إذا علمنا هذا ونظرنا في المعنى المراد من قضاء الله في الأزل ( سيأتي الكلام عن القضاء ) رأينا بينه وبين الكتاب تقارباً في المعنى وتشابهاً في القصد فالكتاب يجمع ويضبط ويحفظ , وكذلك القضاء الأزلي , فإن الحادثات الكونية بأسرها مجموعة فيه مضبوط أمرها محفوظ من التخلف حدوثها , فلذلك نعم استعمل الكتاب في القرآن بمعنى قضاء الله في الأزل
وقد أشرنا فيما مر إلى أن القرآن له اصطلاح خاص في استعمال الكلمات فقد يخرج في استعمالها بعض الخروج عن معانيها اللغوية المعروفة , ومن ذلك إطلاقه الكتاب على قضاء الله في الأزل على أن الكتاب قد أطلق في اللغة أيضاً على الفرض والحكم وعلى القدر , كما هو مسطور في كتب اللغة , فبهذا قد علمنا ما هو اللوح المحفوظ وها نحن نذكر لك بعض ما جاء في القرآن من استعمال الكتاب بمعنى قضاء الله في الأزل
قال في سورة الحجر : ( وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ) (3) , فكتابها هنا أجلها الذي سبق قضاء الله به في الأزل وقال في سورة الأنعام : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (1) ما تركنا وما أغفلنا شيئاً من الكائنات في قضائنا الأزلي الذي مشينا فيه بكل كائن يكون وفي الأنعام أيضاً : ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) (2) أي في قضائه الأزلي فهو عالم بكل شيء , وكيف لا يعلمه وقد جرى به قضاؤه وقدره في الأزل وفي سورة الإسراء : ( وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطوراً ) (3) أي مقضياً به في الأزل لا يتبدل ولا يتغير كأنه مسطور في كتاب وفي سورة هود : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) (4) أي كل ذلك مضبوط في قضائنا الأزلي وفي سورة الملائكة : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) (5) أي قضاء قضاه وقدر قدره وفي سورة الحديد : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) (6) أي هي قضاء قضى به الله في الأزل من قبل حدوثها ووقوعها
فالكتاب في هذه الآيات لا معنى له سوى قضاء الله في الأزل , وإنما سماه كتاباً لأن معنى الكتاب من أصل اللغة الضبط والجمع , كما مر ّ آنفاً , والكائنات بأسرها مضبوطة في قضاء الله وإرادته , فهو أي قضاء الله بمنزلة الكتاب الذي كتبت فيه الألفاظ والحروف أي جمعت وضبطت لكي لا تنسى ولا تضيع أما وصفه هذا الكتاب بأنه محفوظ أو مكنون أي مصون فلأنه لا يقبل التبديل و التغيير , فهو منزه من أن تناله يد بشيء من ذلك , لا كما يقولون من أنه محفوظ من وصول أيدي الشياطين إليه فمن هذا تعلم أنه ليس عند الله لوح أو كتاب بالمعنى الذي تفهمه عامة الناس , وأنه ليس لهذا الكتاب كتبة يكتبونه ويستنسخونه , وهم السفرة البررة أي الملائكة كما تقول الحشوية

القضاء والقدر
فإن قلت : قد فهمنا هذا ولكن ماذا يراد بالقضاء الذي جعله محمد كتاباً مكتوباً فيه كل كائن يكون , وماذا يراد بالقدر ؟
قلت ُ : إنني كتبت رسالة في آراء أبي العلاء المعري في لزومياته , فتكلمت فيها عن الجبر وعن القضاء والقدر , وها أنا أنقل لك ههنا ما قلته لأنه كاف ٍ لأن يكون جواباً لسؤالك هذا

إن كل حادث في الكون لا يكون إلا مسبباً عن حادث آخر قبله , إذ لا يأتي شيء من العدم إلى الوجود , كما لا يذهب شيء من الوجود إلى العدم , فكل حادث لا يحدث إلا مسبباً عن حادث آخر قبله يكون سبباً لحدوثه , وعندئذٍ يكون السبب هو الحادث الأول والمسبَّب هو الثاني ويجوز أن يكون السبب خفياً غير ظاهر لنا فلا نراه ولا نعلم به , ولكن لا يجوز ولن يجوز أن يكون معدوماً لا موجوداً , بل هو ضروري الوجود لا بد منه , لأن بداهة العقل تحكم حكماً جازماً بأنه لا يكون مسبب بلا سبب ثم إن ذلك الحادث الأول الذي كان سبباً للثاني لا يكون أيضاً إلا مسبباً عن حادث آخر قبله يكون سبباً له , وهكذا تمتد الأحداث في جهة الماضي متسلسلة إلى الأزل فيكون كل واحد منها حلقة من حلقات تلك السلسلة وتكون كل حلقة منها مسببة عما قبلها وسبباً لما بعدها , وهكذا حتى تصل السلسلة في الأزل إلى السبب القديم الأول الذي هو سبب الأسباب كلها وهو الله فبهذا قد حصلت لنا سلسلة من الحادثات ذات طرفين : أحدهما : هو الطرف الأخير عندنا , والآخر : وهو الطرف الأول في الأزل أما الأزل ( بفتحتين ) فهو القدم , ويطلق في الماضي على ما يقابل الأبد في المستقبل , وهو مأخوذ من الأزل ( بفتح فسكون ) بمعنى الضيق , فجعل أسماً لما يضيق القلب عن تقرير بدايته , كما أن الأبد اسم لما ينفر القلب من تقدير نهايته مأخوذ من الأبود وهو النفور
أتدري أيها القارئ الكريم ما هو القضاء والقدر ؟ هما طرفا هذه السلسلة التي صورناها لك فالطرف الذي في الأزل هو القضاء الصادر عن مسبب الأسباب وعلى العلل كلها , والطرف الذي عندنا هو القدر
قال علماء الكلام : إن تعلق الله بأمر من الأمور في الأزل هو القضاء , وإن إيجاد ذلك وإظهاره في الوجود على الوجه الذي أراده الله في الأزل هو القدر فالسبب القديم الأول الذي ليس له ابتداء كما أنه ليس له انتهاء هو الله وتعلق إرادته في الأزل هو القضاء الذي هو مسبب الأسباب , والأقدار كلها مسبَّبة ( بفتح الباء ) عنه بالتسلسل على الوجه الذي ذكرناه

هذا ما نقوله في اللوح المحفوظ وفي الكتاب المكنون الوارد ذكرهما في القرآن أما ما يقوله علماء التفسير ورواة الأحاديث فلا نطيل عليك فيه , وإنما نلخصه لك في أنه لوح , وأنه محفوظ من أن تصل إليه الشياطين , وأنه فوق السماء السابعة تحت العرش , وأن القرآن مكتوب فيه , وأن أحرف القرآن مكتوبة فيه كل حرف منها بقدر جبل قاف , وأن تحت كل منها معاني لا يحيط بها إلا الله , إلى غير ذلك من الأقوال التي ذكرها صاحب الإتقان (1) ولنذكر لك بعد هذا بعض ما قالوه في كيفية إنزال القرآن من اللوح المحفوظ تكملة لما ذكرناه فيما تقدم

لقد تعددت أقوالهم في كيفية إنزال القرآن من اللوح المحفوظ , فقال الطيبي كما في الإتقان لعل نزول القرآن على النبي أن يتلقفه الملك من الله تلقفاً روحانياً , أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول فيلقيه عليه (2)

ملاحظة
نرى الطيبي متردداً في أن يأخذه الملك من اللوح المحفوظ , وما أدري إلى أي دليل يستند في الوجهين اللذين تردد فيهما , فإن كان الذي حمله على القول بأخذه من اللوح المحفوظ هو امتناع أخذه من الله ولو بطريق التلقف الروحاني كما قال , فلا بد أن أخذه من اللوح لا يكون إلا بأمر من الله , فكيف تلقى الأمر من الله وبأي طريق أخذه ويظهر من قول الطيبي هذا أنه ليس من القائلين بإنزال القرآن في أول المر جملة واحدة إلى المساء الدنيا , لأنه يقول : إن الملك يتلقفه من الله أو يحفظه من اللوح فينزل به إلى الرسول لا إلى السماء الدنيا

وفي الإتقان قال القطب الرازي في حواشي الكشاف : الإنزال لغة بمعنى الإيواء , وبمعنى تحريك الشيء من علو إلى أسفل , وكلاهما لا يتحققان في الكلام , فهو مستعمل فيه بمعنى مجازي , فمن قال القرآن معنى قائم بذات الله فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ ومن قال القرآن هو الألفاظ فإنزاله مجرد إثباته في اللوح المحفوظ , وهذا المعنى مناسب لكونه منقولاً على المعنيين اللغويين , ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ , وهذا مناسب للمعنى الثاني (3)

يتبع
(1) الإتقان , 1/ 40 – (2) سورة القدر , الآية : 1 – (3) الإتقان , 1/ 41 – (4) اعتمد المؤلف في كتابة هذا الفصل , على الجزء الأول من الإتقان , 1/ 39 – 43 – (5) الإتقان , 1/ 43 – (6) الإتقان , 1/ 40 – (1) الإتقان , 1/ 40 – (2) سورة سبأ , الآية : 23 – (3) سورة عبس , الآيتان : 15 – 16 – (4) الإتقان , 1/ 44 – (5) سورة البروج , الآيتان : 21 – 22 – (6) سورة الواقعة , الآيتان : 77- 78 – (1) أنظر لسان العرب , كتب ؛ والقاموس المحيط , كتب – (2) أنظر لسان العرب , كتب ؛ والقاموس المحيط و كتب – (3) سورة الحجر , الآية : 4 – (1) سورة الأنعام , الآية : 38 – (2) سورة الأنعام , الآية : 59 – (3) سورة الإسراء الآية : 58 – (4) سورة هود , الآية : 6 – (5) سورة فاطر , الآية : 11 – (6) سورة الحديد , الآية : 22- (1) الإتقان , 1/ 43 – (2) الإتقان , 1/ 43 – (3) الإتقان , 1/ 43

* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب والشاعر الأديب – معروف الرصافي


09-12-2007, 01:15 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #2
اللوح المحفوظ
ما هي أهمية الفواصل في القرآن ؟ وما ضرورة ذلك في تحديد المفاهيم وكيف تم استخدامها في اللغة القرآنية , وكيف نعرف الآيات التامة من الناقصة في النص القرآني 0
( 00 قلنا أن أسلوب القرآن قد أطلقت في الفواصل من القيود التي كانوا يتقيدون بها في الكلام , فاتسع بذلك فيه المجال لصوغ الكلام على مناحي شتى , ولكن إطلاق هذه القيود لم ينتج لها السلامة من كل عيب , ذلك أن محمداً كان يراعي الفواصل كل المراعاة ويعتني بها كل الاعتناء , لأنها كما قلنا هي الطابع الذي يمتاز به أسلوبه 0 والإنسان إذا عني بأمر فربما شغلته العناية به عن مراعاة غيره من الأمور التي تلزم مراعاتها أيضاً , ولا ينكر أن عنايته بالفواصل قد جاءت بكثير من المحاسن , ولكنها مع ذلك لم تخلُ أحياناً مما يعاب 0
وها نحن نذكر لك بعض ما وقع في سبيل مراعاة الفواصل من التقديم والتأخير , كقوله : ( أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) (1) , الأصل فيه أهؤلاء كان يعبدونكم , فقدم المعمول على عامله , وقوله : ( لقد جاء آل فرعون النذر ) (2) فقدم المفعول وأخر الفاعل مراعاة للفاصلة , وقوله : ( فلله الآخرة والأولى ) (3) فقدم ما هو متأخر في الزمان , ولولا مراعاة الفاصلة لقدمت الأولى كما قدمت في قوله : ( له الحمد في الأولى /839/ والآخرة ) (4) 0 وقوله في سورة طه : ( قالوا آمنا برب هرون وموسى ) (5) فقدم الفاضل على الأفضل مراعاة للفاصلة , كما أخر هرون في سورة الصافات مراعاة للفاصلة أيضاً إذ قال " ولقد مننا على موسى وهرون " (6) , وقوله : " فأوجس في نفسه خفية موسى " (7) , فقدم الضمير على ما يفسره مراعاة للفاصلة , وقوله :" ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً " (8) فقدم الصفة التي هي جملة على الصفة المفردة مراعاة للفاصلة , والأصل فيه كتاباً منشوراً يلقاه , ويجوز أن نعرب منشوراً حالاً من ضمير المفعول في يلقاه و حينئذ ٍ لا يكون في الآية تقديم وتأخير 0
ومن ذلك الحذف مراعاة للفاصلة نحو قوله : ( فكيف كان عذابي ونذر ) (1), وقوله : ( فكيف كان عقاب ) (2) , والأصل فيه ونذري , وكيف كان عقابي فحذف ياء الإضافة مراعاة للفاصلة 0 وقوله في سورة الرعد : ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) (3) , وقوله في سورة المؤمن ( " إني أخاف عليكم التناد ") (4) , فحذف ياء المنقوص المعرف وهي لا تحذف إلا في المنكر في حالتي الرفع والجر , ولكنه حذفها مراعاة للفاصلة , وذلك جائز كما وقع منهم في القوافي المقيدة 0 وقوله في سورة الفجر : ( والشفع والوتر * والليل إذ يسر ) ( 5), فحذف الياء من فعل غير مجزوم مراعاة للفاصلة 0 وقوله في سور الضحى : ( ما ودعك ربك وما قلى ) (6) أي ما قلاك فحذف الضمير , وقوله : ( يعلم السر وأخفى ) (7) أي وأخفى منه فحذف متعلق أفعل التفضيل وما ذلك إلا مراعاة للفاصلة 0
وفي ذلك زيادة ما هو غير لازم كقوله في سورة الأحزاب : ( وتظنون بالله الظنونا ) (8) , وقوله فيها أيضاً : ( وأطعنا الرسولا ) (9) , وقوله فيها أيضاً : ( فأضلونا السبيلا ) (10) , فقد زاد الألف في أواخر هذه /840/ الفواصل مراعاة للفاصلة 0 وهذه الألف كألف الإطلاق التي تزاد في قوافي الشعر إطلاقاً للصوت كقول المتنبي :
فمرت غيـــــــــر نافرة عليهـم تدوس بنا الجماجـــــــــم والتريبـــــــــا
ولو كانت هذه الفواصل نكرات لكان الوقف عليها بالألف , ولكنها معرفة فالألف فيها زائدة كألف الإطلاق في الشعر 0
ومن ذلك صرف ما لا ينصرف , وهو من الضرورات الشعرية الشائعة كقوله في سورة الإنسان : ( كانت قواريراً * قواريراً من فضة قدروهم تقديراً ) (11) , وجاء في إحدى القراءات قوارير قوارير بلا تنوين في الاثنتين , وعلى هذه القراءة لا تكون القوارير الأولى فاصلة لعدم مشابهتها للفواصل التي قبلها وبعدها فلا تعد آية , بل هي جزء من الآية التي تنتهي بقوله : قدروه تقديراً 0 وجاء في قراءة أخرى تنوين الأولى وعدم تنوين الثانية , فعلى هذه القراءة تكون قواريراً الأولى المنونة فاصلة , وإنما نونت وهي ممنوعة من الصرف مراعاة للفاصلة , فتعد حينئذ ٍ آية , وما بعدها آية أخرى 0 وهناك قراءة ثالثة هي تنوين الاثنتين , فتكون الأولى نونت للفاصلة والثانية نونت للأتباع 0 قال الزمخشري في الكشاف وهذا التنوين بدل من ألف الإطلاق لأنه فاصلة (1) 0
ومن ذلك ترجيح أحد الوجهين على الآخر فيما جاز فيه وجهاته , كما في قوله : ( أعجاز نخل منقعر ) (2) , وقوله في سورة أخرى : ( إعجاز نخل خاوية ) (3) , فإن النخل اسم جنس يذكر ويؤنث , فآثر التذكير في الآية الأولى مراعاة للفاصلة , كم آثر التأنيث في الثانية مراعاة للفاصلة أيضاً / 841 / فسبب الإيثار هو مراعاة الفاصلة لا غير 0 ومن هذا القبيل قوله في سورة القمر : ( وكل صغير وكبير مستطر ) (4) , فقد جاء به مذكراً مراعاة للفاصلة , ولم يقل : كل صغيرة وكبيرة مستطرة , كما قال في سورة الكهف : ( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) (5) 0 ومن ذلك ترك المطابقة بين الجملتين في الاسمية والفعلية لأجل الفاصلة كقوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) (6) رد على الجملة الفعلية بجملة اسمية ولم يطابق بين آمنا وبين ما رد به عليهم مراعاة للفاصلة 0 ومن هذا القبيل قوله : ( فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) (7) , فأورد أحد القسمين غير مطابق للآخر مراعاة للفاصلة 0
ومن ذلك إيثار أغرب اللفظتين كما في قوله : ( تلك إذن قسمة ضيزى ) (8) ولم يقل : ( جائرة مراعاة للفاصلة 0 وقوله : ( كلا لينبذن في الحطمة ) ولم يقل : في جهنم أو في النار , وقد تفنن في أسماء جهنم فقال في المدثر : ( سأصليه سقر ) (10) , وفي سورة المعارج : ( كلا إنها لظى * نزاعة للشوى ) (11) , وفي القارعة : ( فأمه هاوية ) (12) وكل ذلك مراعاة للفواصل 0
ومن ذلك الاستغناء بالإفراد عن التثنية أو عن الجمع , وبالتثنية عن الإفراد 0 فالأول كقوله في سورة طه : ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) (1) , ولم يقل : فتشقيا , والخطاب للاثنين وذلك مراعاة للفاصلة 0 والثاني كقوله في سورة الفرقان : ( واجعلنا للمتقين إماماً ) ولم يقل : أئمة يهدون مراعاة للفاصلة , وأراد بعضهم أن يرفأ الثوب بخيط من لونه 0 فقال : إن إماماً هنا جمع آم , كصيام جمع صائم , وليس بشيء / 842/ لأن جموع التكسير ليست قياسية ولم يسمع إمام جمعاً لآم 0 وكذلك قوله في صورة القمر : (إن المتقين في جنات ونهر ) (3) ولم يقل: وأنهار مراعاة للفاصلة , وقد تمحل بعضهم في هذا الأخير , فقال : إن النهر بمعنى السعة والضياء مأخوذ من النهار , وليس قوله بمقبول لأن القرآن من أوله إلى آخره لم يسبق الجنات إلا وأتبعها بالأنهار 0
أما الثالث: وهو الاستغناء بالتثنية عن الإفراد فكقوله في سورة الرحمن : ( ولمن خاف مقام به جنتان ) (4) 0 قال الفراء : أراد جنة كقوله : ( فإن الجنة هي المأوى ) (5) فثنى لأجل الفاصلة , وأنكر ذلك ابن قتيبة وأغلظ فيه وقال : إنما يجوز في روي الآي زيادة هاء السكت أو ألف أو حذف همز أو حرف , فإما أن يكون الله وعد بجنتين فتجعلهما جنة واحدة لأجل رؤوس الآي فمعاذ الله , قال : وكيف هذا وهو يصفهما بصفات الاثنين حيث قال بعدها : ( ذواتا أفنان ) (6) , ثم قال : ( فيهما عينان تجريان ) (7) 0 ونقل ابن الصائغ عن الفراء أنه أراد جنات فأطلق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة , ثم قال : وهذا غير بعيد 0 قال : وإنما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ 0 قلت : وما قاله ابن الصائغ يصح أن يكون جواباً لابن قتيبة الذي احتج على الفراء بقوله , وكيف هذا وهو يصفهما بصفات الاثنين , فيقال : إنه وصفهما بصفات الاثنين مراعاة للفظ 0 وأراد الزمشخري في الكشاف أن يتلخص من هذه المعرة بالظنون فقال الخطاب في الآية للثقلين , فكأنه قيل : لكل خائفين منكما جنتان , جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني 0 ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي لأن التكليف دائر عليهما (8) 0
وأن يقال : جنة يثاب بها , وأخرى تضم إليها على وجه التفضيل , كقوله / 843/ : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) (1) , قلتُ: وما هذه الأقوال من الزمخشري إلا تخرصات لا تستند إلى شيء من الكتاب ولا من السنة 0
واستناده في قوله الأخير إلى قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) غير صحيح لأن الزيادة قد فسرها القرآن نفسه بقوله : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) (2) 0 وقد جاء عن ابن عباس أن الحسنى هي الحسنة , وأن الزيادة عشر أمثالها ’ فأين من هذا قوله جنة يثاب بها وأخرى تضم إليها على وجه التفضل 0 والراجح فيما أرى هو ما قاله الفراء من أنه قال جنتان وأراد جنة مراعاة للفاصلة , وإنما وصفها بصفات الاثنين مراعاة للفظ 0
ومن ذلك إجراء غير العاقل مجرى العاقل كقوله في سورة يوسف : ( رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر , رأيت لي ساجدين ) (3) , وكقوله في سورة الأنبياء : ( وهو الذي خلق الليل والنهار والقمر كل في فلك يسبحون ) (4) 0 وفي هذه الآية عدا إجراء غير العاقل مجرى العاقل , في التعبير عن الاثنين بالجمع لأن الضمير في يسبحون يعود إلى الشمس والقمر , فالسياق يقتضي أن يقول يسبحان , ولكنه جمعه وأجراه مجرى العقلاء , مراعاة للفاصلة 0 وكذلك قوله في سورة الشعراء : ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء أية فظلت أعناقهم لها خاضعين ) (5) , قال : ( خاضعين ) ولم يقل : خاضعة كما جاء في إحدى القراءات مراعاة للفاصلة , فإن قلتَ : كيف لم يراع الفاصلة في قراءة من قرأ خاضعة ؟ فلتُ : إن هذه القراءة لا تكون آية لعدم الفاصلة , بل تكون جزءاًً من الآية التي تنتهي بقوله معرضين0 ومن ذلك الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه , وبين الموصوف والصفة , فالأول: كقوله في سورة طه : ( ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً / 844/ وأجل مسمى ) (6) , أصل الكلام ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما 0 فأجل مسمى معطوف على كلمة , فأخر المعطوف وفصل بينه وبين المعطوف عليه بجواب لولا , وذلك لأجل الفاصلة , وهذا يتضمن الاهتمام باللفظ أكثر من المعنى 0 والثاني : كقوله في سورة الأعلى : ( والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى ) (7) , الغثاء هو البالي من النبات وأوراق الشجر , والأحوى ما فيه لون وهي سواد إلى الخضرة , والعرب تعبر عن شدة الخضرة بالسواد 0 وأصل الكلام في الآية هكذا : والذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء , فأحوى حال من المرعى , والحال صفة لذي الحال , فأخر هذه الصفة وفصل بينها وبين الموصوف مراعاة للفاصلة 0
ومن ذلك : إيقاع مكان غيره كقوله في سورة الزلزلة : ( بان ربك أوحى لها ) (1) ولم يقل : إليها مراعاة للفاصلة 0
ومن ذلك :إثبات هاء السكت وهي التي تثبت في الوقف وتسقط في الوصل ولا تكتب , إلا أنها أثبتت وكتبت في الوصل في عدة آيات في سورة الحاقة مراعاة للفاصلة , كقوله : ( هاؤم اقرؤا كتابيه * إني ظننت إني ملاق حسابيه ) (2) , ( وما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه ) (3) 0
ومن ذلك : ترك مصدر الفعل المذكور في الآية إلى مصدر فعل آخر من جنسه كقوله علينا في سورة المزمل : ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً ) (4) ولم يقل : تبتلاً مراعاة لفاصلة 0
ومن ذلك : الجمع بين المجرورات كقوله في سورة الإسراء : ( ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً ً ) (5) , التبيع المطالب الذي يتبع الغريم ويطالبه بحقه , يقال: فلان على فلان تبيع بحقه , والأصل في الآية : ثم لا تجدوا لكم علينا تبيعاً به , فقدم وقبله حرفان من حروف الجر / 845/ وهما على ولكم فاجتمع ثلاث مجرورات متوالية والأحسن الفصل بينها , إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه 0
ومن ذلك , وهذا أغربها : تغيير بنية الكلمة لأجل الفاصلة , كقوله : ( والتين والزيتون * وطور سنين * وهذا البلد الأمين ) (6) , والأصل طور سينى بالقصر أو سيناء بالمد , قيل : إن في الأرض المقدسة جبلين يقال لهما بالسريانية طور تينا وطور زيتا , لأن التين ينبت في أحدهما والزيتون ينبت في الأخر , فطور سينا معرب من طور زيتا أو من طور تينا , فغيرت بنيته من سينا إلى سينين لأجل الفاصلة 0
(1) سورة سبأ , الآية : 40 0(2) سورة القمر , الآية 41 0(3) سورة النجم , الآية : 25 0
(4) سورة القصص , الآية : 70 0(5) سورة طه , الآية 70 0 (6) سورة الصافات , الآية : 114 0
(7) سورة طه , الآية : 67 0(8) سورة الإسراء , الآية : 13 0(1) سورة القمر , الآية : 18 – (2) سورة غافر , الآية : 5 – (3) سورة الرعد , الآية : 9 – (4) سورة غافر , الآية : 32 –(5) سورة الفجر ,الآيتان : 3-4 - (6) سورة الضحى , الآية : 3 - ( 7) سورة طه , الآية : 7- (8) سورة الأحزاب , الآية : 10- (9) سورة الأحزاب , الآية : 66 – (10) سورة الأحزاب , الآية : 67 0 (11) سورة الإنسان , الآيتان : 15-16 – (1) تفسير الكشاف , تفسير الآيتين : 15 – 16 من سورة الإنسان ؛ الإتقان في علوم القرآن , 2/ 100 0 (2) سورة القمر , الآية : 20 – (3) سورة الحاقة , الآية : 7 – (4) سورة القمر , الآية : 53 – (5) سورة الكهف , الآية : 49 – (6) سورة البقرة , الآية : 8 – (7) سورة العنكبوت ’ الآية 3 0 (8) سورة النجم , الآية : 53 0 (9) سورة الهمزة , الآية : 4 – (10 ) سورة المدثر , الآية : 26 – (11) سورة المعارج , الآيتان : 15-16- (12) سورة القارعة , الآية : 9 0 (1) سورة طه , الآية : 117 – (2) سورة الفرقان , الآية : 74 – (3) سورة القمر , الآية : 54 – (4) سورة الرحمن , الآية : 46 – (5) سورة النازعات , الآية : 41 – (6) سورة الرحمن , الآية : 48 – (7) سورة الرحمن , الآية : 50 – (8) الكشاف , في تفسير الآية 46 من سورة الرحمن 0 (1) سورة يونس , الآية : 26 – (2) سورة الأنعام , الآية : 160 – (3) سورة يوسف , الآية : 4 – (4) سورة الأنبياء,الآية : 33 – (5) سورة الشعراء , الآية : 4 – (6) سورة طه , الآية ك 129 – (7) سورة الأعلى , الآيتان : 4-5 0
(1) سورة الزلزلة , الآية : 5 – (2) سورة الحاقة , الآيتان : 19 – 20 – (3) سورة الحاقة , الآيتان : 28 – 29 0 (4) سورة المزمل , الآية 8 – (5) سورة الإسراء , الآية : 69 – (6) سورة التين , الآيات1-3
0) يتبع
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب والأديب – معروف الرصافي 0




09-14-2007, 02:12 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS