ادخلوا السلة
إلى من يؤمنون بالمادية فقط : أنت تتكلم بينك وبين نفسك بدون صوت ، ومع ذلك تتكلم ، أي بدون وجود مادي وبدون ذبذبات ، وأنت تسمع صوتك نفسه رغم أنك لا تتكلم . وكذلك في الأحلام وفي الخيال وأحلام اليقظة تعيش المادة دون المادة . فكيف تقولون : لا إله والحياة مادة ؟ هذه حياة بدون مادة , فالحالم بمقاييس الوعي يعيش حياة من مشاعر وأفكار ومشاهد بدون مادة ، فهو يشاهد بأعين مغمضة , وينتقل من مكان لمكان وهو في مكان واحد ، وينتقل من زمان لزمان وهو في زمان واحد ، ويقابل أشخاصاً غير موجودين معه في الغرفة ويخاف ويفرح ويجوع ويعطش , بل هو يصنع بخياله مادة جديدة غير موجودة , فيبني مدن وشوارع وأناس وأشجار.. ويبدل ويركّب ، ويحضر معه أناس ميتين مع أنهم في الواقع تراب,
الأحلام أكبر دليل على أن الإنسان ليس مادة ، وأكبر دليل على إمكانية وجود حياة أخرى ، فكل شخص يعيش حياة أخرى كل يوم ، فلماذا ننكر إمكانية حياة أخرى ونجعل إنكارها مربوطا بالعقل ؟ مع أننا كل يوم نحيا حياة أخرى وهذا الأمر يدركه العقل ؟ النائم يكون بلا وعي و ثابت ، وحالته تشبه حالة الميت (بلا وعي وثابت في مكانه)، وهذه الحياة التي يعيشها النائم ليس لها أي علاقة بالمادة .
الملحد الذي لا يصدق بوجود إله ، مثل من لا يصدق بوجود أرواح أو زيارة أرواح الموتى , فهو ليس لديه دليل ولا يستطيع أن يثبت هذا الإنكار. فهل يستطيع أن يثبت أن أرواح الموتى احترقت ولن تعود أبدا ؟ بينما هو نفسه يقابل موتى في نومه ؟ وهل رجع أحد من الموت حتى يخبره ما الذي يحدث ؟ وعليه فعلى الملحد أن ينفي كل شيء لم يشاهده بعينه بدون دليل . وهذا مالا يفعله في حياته ,
فمنهج النفي حتى التأكد بالحواس مستحيل التطبيق ، ومن شدة ضيقه لا يطبّقه صاحبه , ثم هو يطبقه بشكل أحادي ؛ فيطلب دليل الإثبات ولا يطلب دليل النفي ، وهذا منطق معطوب . إذا الملحد غير علمي وغير عقلاني , وهو مؤمن بعدم ، ومن هنا يأخذ طريقه للعدمية , فيبدأ بعدم وجود إله وينتهي بعدم وجود نفسه ؛ لأنه كلما فحص شيئا لم يجد عليه دليلا أحاله إلى العدم , بعكس المؤمن بوجود ، وكلاهما ليس لديه دليل لا حسي ولا مادي. والتشابه بينه وبين أتباع الأديان موجود ، فيجب على الملحد أن يضع نفسه في السلة الكبيرة التي يضع فيها الأديان والتي يحملها معه في حله و ترحاله , فالإلحاد مذهب إيماني ، والخرافات التي ينتقدها الملحد في الأديان هي موجودة في مذهبه الإيماني بعدمْ ، "الإلحادي" . فهو ينكر بلا دليل كما تنكر الأديان بعضها بعضا بلا دليل وينكر المتدين أفكار الملحد بلا دليل قطعي .
ومثلما أن للأديان رؤيتها الخاصة للتاريخ السحيق وبداية الحياة ، فهو أيضا يملك خرافة حول هذا الموضوع , فالأديان قالت أن الآلهة هي من أوجدت الإنسان بشكل أو بآخر ، وهم لديهم خرافة التطور التي هي من أسخف الخرافات التي تجعلنا نتخيل الإنسان فيما بعد بأجنحة تحت إبطيه وعين خلفية برأسه بموجب مقتضيات التطور . والماضي البعيد يرونه خرافة من وجهة نظر رجال الدين ، ورجال الدين يرون الماضي السحيق من وجهة نظر الملحدين خرافة وكذلك المستقبل . أهل الأديان يعلّقون آمالهم على آلهتهم بجلب الخير والسعادة ودفع الشرور وفهم الحقائق ، وهم أدعياء للعلم يحمّلون العلم مالا يحتمل ويرجون منه ما يرجو المؤمنون من الله ، وهذه مجالات لا يستطيعها العلم المتخصص بالمادة كما يعلمون , فلا يستطيع أن يتقدم أي خطوة في مجال الأسئلة الكبيرة , إذا نتائج الإيمان متشابهة ، وما كان هذا التشابه سوى أن الكل مؤمن ، سواء ملحد أو منتمي إلى دين ، وما غريب إلا الشيطان .
الفرق هو إيمان بوجود أو إيمان بعدم, والملحد لا ينكر وجود الله فقط ، بل ينكر كل ما لم تشاهده عينه ، فليست قضيته مع الله فقط فهو ينكر ما لم يُشاهَد ولم يدخل المختبر ، أي أنه ينكر وجود إله وينكر وجود الروح وينكر وجود الشعور والمشاعر ، فالحب لا وجود مادي له ، ولم يُعتصر بالمختبر ، إذا هو غير موجود . دوافع الأخلاق ليست مادية ، إذاً لا قيمة للأخلاق لأنها غير موجودة . وعليه أيضا أن ينكر وجود الأحلام ، لأنه لا وجود مادي لها ، فإذا حلم عليه أن يقول أنا لم أحلم علميا ، فالحلم غير علمي . والنفس أمر غير مادي وعليه أن ينكر علم النفس . ماذا بقي ؟ إذا فقط يعترف بوجود الجزر والحديد والرصاص واللحم والعظام والأعضاء التناسلية والجبال والسهول والطائرات إلخ.., وما يقع تحت سمعه وبصره ويده فقط ومختبره للماديات الدقيقة التي لا تُدرك بالعين المجردة . فهو الإنسان - الآلة ، وهو الروبوت العصري المبرمج الذي ينفي كل شيء بما فيه نفسه لأن لا وجود مادي لها ، فقط أعضاؤه التي يستطيع أن يلمسها أو يشاهدها .
وهكذا الإنسان بتفكير سطحي يبيع نفسه وينكر وجود نفسه بنفسه ويحتقر أثمن ما فيه (شعوره الإنساني) , إذا الملحد ينكر وجود نفسه كما ينكر وجود الله ، لأنه لا وجود مادي لنفسه ولا وجود مادي لله أمام الحواس والمختبر الذي يعتبره الحاسة السادسة له . والمضحك جدا عندما ينتقد الملحد الأخلاق في الدين ، في الوقت الذي لا يعترف هو بوجود الأخلاق اصلا . بل ولا بوجود النفس التي تحمل الأخلاق والروح التي تتألم من سوء الأخلاق , فالجروح عنده هي ما أثبتها الطبيب وتركت أثرا ماديا على الجسم ، أما جرح الهوى وجرح الشعور وجرح الكرامة فلا وجود له عنده, تماما كما تتأثر الآلة , فيقال تعثرت أو تعطلت إذا أصابها كسر أو خدش وإلا فهي سليمة في الأصل , من يرضى ان يجعل نفسه بهذا الوضع الآلي ؟ هذه نتيجة حتمية للفكر المادي , ولا يستطيع أحد من الملحدين أن يتبرّأ منها .
الملحد المثالي يجب أن يكون إنسانا متبلد المشاعر ، فلا تليق به المشاعر الإنسانية بموجب هذا المنهج ، لأنها لا تتناسب مع عقلية مادية . وجهه يجب أن يتحول إلى وجه خشبي لا يعرف ولا يتأثر ولا يرى ولا يسمع إلا ما كان له وجود مادي ثابت في المختبرات أو الأحافير . هذا هو منطق الإلحاد إذا طُبّق . ومن المحرمات في هذا الدين الإلحادي عند المتدينين به حقا كلمة : أحب وأحسّ وأشعر وأظن , هذه مثل الحلف بغير الله عند المؤمن ، لأنها كلمات بلا مختبر . ويستطيع الدارس لفكر الملحدين أن يصنع لهم فقها دينيا يتناسب ومعتقدهم , فمن الفقه أن نستبعد المشاعر والقيم والأخلاق الإنسانية ، وأن ينبني الفقه على المصلحة والمضرة المادية ، وأكرر : المادية , فهذه أصول الفقه الإلحادي .
والسؤال موجه لكل ملحد: هل للإلحاد أخلاق؟ ومن أين تأتي؟ ومن من رموز الإلحاد نصّ عليها؟ فالإلحاد هو الدين الوحيد الذي بلا أخلاق, وعلى هذا الدين أن يدخل السلة الكبيرة التي قفز منها ويبقى منعزلا ؛ لأن الأديان رغم ما تحمله من أخطاء تظل معتبرة للأخلاق وهي أساسها , أي أن أسوا الأديان أشرف من الإلحاد أخلاقيا , فالدين لم يأتي إلا ليدعم الأخلاق, ومشاعر الناس تريد الأخلاق , فلما قال لهم رجال الدين أن الرب يكرم الكرماء ويساعد الضعفاء وينقذكم بالأزمات ويعطيكم الخصب ، أعجبهم التعامل الأخلاقي من هذا الرب فآمنوا به وأحبوه , إذا الحب هو أساس الأديان ، والمؤمنين الحقيقيين يتديّنون بالحب, فالحب للفضائل .
والتحليل البليد الذي يقدمه عقل الملحد الكليل عن اساس اعتناق الأديان أنه بدافع الخوف من مظاهر الطبيعة غير دقيق ولا واقعي ؛ لأن المؤمن بعد إيمانه لا يزال يخاف من مظاهر الطبيعة بنفس الدرجة التي يخاف منها الملحد, إذا لم تُحل هذه المشكلة, فالمؤمن يخاف من البحر الهائج مثلما يخاف منه غير المؤمن بنفس الدرجة, إذاً ما فائدة الإيمان في هذا الموضوع ؟ لو كان هذا الخوف هو الدافع للإيمان لتخلى الناس عن الإيمان ، لأنه لم يحل المشكلة . والمؤمن يتخذ التدابير الوقائية مثلما يتخذها غير المؤمن, فهو يخاف من الريح ويختبئ عن المطر ويخشى الصواعق ويرتجف رعبا من الزلزال والبركان , ولو كان إيمانهم بموجب أن الآلهة سوف تحميهم من هذه الأخطار ، لكانوا قد كفروا كلهم ؛ لأن الآلهة لم تقدم حماية خاصة لأتباعها ، وليست على قدر الأمل الذي وضعوه فيها , وربما شاهدوا أن أتباع دينهم يغرقون وآخرون لا . ومن طبيعة الإنسان التخلي عما لا جدوى منه . ولكان الماديين أولى باعتناق الدين ؛ لأنهم هم أهل المنفعة وهم من يخاف أكثر من الخسارة والمضرة ، فهم {أحرص الناس على حياة} , بل الحقيقة هي أن أتباع الأديان ربما عرّضوا أنفسهم لأخطار بدافع حماية الدين أكثر من أخطار الطبيعة ، مما لا يدع مجالا للاعتقاد بهذه الفكرة البليدة , فهم عرضوا أنفسهم لخطر كانوا بغنى عنه لو لم يؤمنوا.
فهم الإنسان للآخر لا يكون إلا بالأخلاق , وكل طرف لا يفهم الأخر إلا عن طريق الأخلاق (وهذا قانون), فأنت عندما تتعامل مع أحد تنتظر ردة فعله الأخلاقية ، أي الشعورية , والأخلاق من الشعور, فإذا أكرمت أحدا فأنت تنتظر منه أن يكرمك, والثقة تُبنى على الأخلاق , فأنت تجس نبض الآخر عن طريق الأخلاق . والأخلاق تجعلك تعرف كيف ستكون ردة فعل الآخر ، فأي خارج عن الأخلاق هو غير مفهوم , فالإنسان بذاته ليس مفهوماً ، المفهوم هو الأخلاق ، ومن انتمى للأخلاق عُرِف, ومن هنا نرى دقة التعبير القرآني : { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ، فالله سمّى الأخلاق معروف ، فهي الشيء المعروف ، وما هو خارج الأخلاق غير معروف ومنكر, فهناك شيء معروف في مجال التعامل والعلاقات ، والباقي منكر عند جميع البشر ، والمعروف هو طريق الخير, وعن طريق الخير والأخلاق يتعارف الناس وتبنى الثقة حتى تجارياً , لهذا يقولون عن المجنون انه مختل الشعور ، لأن ردود أفعاله ليست من الشعور. وعلى قدر الاتفاق على الأخلاق يكون التعارف وعمق التعارف ، فكلما زاد الاتفاق على الأخلاق كلما زاد العمق والمتانة في العلاقة . فكيف يفهم إنسان إنسانا آخر دون الأخلاق ؟ لهذا أنت وأنا عند الغرباء نُحجم ولا نرتاح حتى نتأكد من مدى الأخلاقية عندهم ، وإذا تأكدنا ارتحنا وانطلقنا بالتعامل وإلا لتجنبناهم , تصور أنك تُحسن إلى أحد ويسيء لك ، مثل من تساعده على حمل أشياء ثقيلة معه ، ثم بعد أن تم المعروف يصرخ في وجهك ويطردك !! ستقف خائفا منه وتقطع التعامل معه مباشرة لأنه غير مفهوم , إذاً لم يتدين الناس بدوافع مادية فقط كما هو بتفكيرهم المادي, ولم يتدينوا بدافع الخوف من هذا الإله ، بل بدافع الحب ، لأنه صار مفهوما أي أخلاقيا , وكل أحد غير اخلاقي - أي غير مفهوم - إذاً موقفنا منه هو الهروب والتوقف في التعامل معه ، فأي وقفة في التعامل سببها عدم الفهم , لذا عليهم أن يهربوا من الدين - لا أن يعتنقوه - إذا كان الدين غير أخلاقي.
التدين أساسا يأتي بدافع أخلاقي , بدليل أن بعض الملحدين الذي يكتبون في المواقع , يكتبون قصصهم في الخروج من الدين ، لأن الإله الذي في دينهم السابق كما عبروا عنه غير أخلاقي ، وبالتالي هو متناقض ؛ لأن الأخلاق هي سر الانسجام , فقد صُوِّر لهم إله سادي غير مفهوم وغير أخلاقي ، فهو يهوي بالناس 70 خريفا بدون سبب ، وربما قلب رأس أحد المصلين رأس حمار لأنه رفع رأسه إلى السماء , فهو غير مفهوم ، إذا سيهربون منه مثل ذاك الشخص الذي صرخ في وجه من يساعده فهرب منه , الإله غير الأخلاقي مخيفٌ أكثر من ظواهر الطبيعة ، لأنها مفهومة على الأقل ومن الممكن الابتعاد عنها وأحيانا الاستفادة منها , وبالمقابل الإلحاد أساسه مادي عقلاني مصلحي وليس أخلاقي , والحقيقة أن الإلحاد هو الذي أساسه الخوف ؛ فالحرص على المادة والصراع عليها آت من الخوف من فقدانها , والملحدين هم أتباع أديان أصلاً ، وخرجوا منها بسبب عدم فهم الأديان ، لأنهم صُوِّر لهم خطأ أو حقاً عدم أخلاقية الإله في تعامله معهم , وكل دين مبني على الأخلاق من الإله أولا ، وبالتالي سوف يطالب بالأخلاق ، لأنه فعل الأخلاق فصار من حقه ان يطالب بها , أي أن الناس ينظرون إلى أخلاقية هذا الإله قبل ان ينظروا في طلباته , فلو عُرضت الهندوسية على شخص جديد فسوف تزعجه فكرة المنبوذين الذين يطردهم الإله دون ذنب مثلا, وإذا نظر في نظرة القرآن للناس بأنهم سواسية فسوف ينجذب ,
ولهذا أعداء الإسلام يحاولون أن يشوّهوه أخلاقيا لأنهم يعلمون أن الناس لا يدخلون الدين بدافع الخوف من مظاهر الطبيعة ، بل بدافع الأخلاق . وهذا يثبت كلامنا أن الناس تؤمن بدافع الأخلاق ، لهذا فهم يهاجمون الأديان بالأخلاق في مقالاتهم وخصوصا الإسلام لأنهم يعرفون أنها ما يجذب الناس ، وليس الخوف من ظواهر الطبيعة, ولو كانوا صادقين في أن الدين سببه الخوف من ظواهر الطبيعة ، لكان تركيزهم ومقالاتهم على اثبات أن الدين لا يُنجي من ظواهر الطبيعة ، وأيضا طمئنة الناس ألا يخافوا من مظاهر الطبيعة حتى لا يتدينوا ، ويقولوا لهم أن مشكلة الظلام انحلّت والحيوانات المفترسة كلها في حدائق الحيوان والأرصاد الجوية تنذركم بالعواصف والفيضانات قبل وقوعها ولا داعي للتدين إذا بسبب الخوف من ظواهر الطبيعة . والكذب ليس غريبا على عقلية ترفض الأخلاق أساسا وتؤمن بالمادة والمصلحة فقط .
بدافع الأخلاق - الذي يترتب عليه الفهم - لا يستطيع العاقل الإنساني أن يكون ملحدا ماديا ؛ لأن الإلحاد غير مفهوم أي غير أخلاقي , وكيف تطيع من شعارهم : افعل ما تشاء فلا يوجد إله ؟ ويطالبون بأخلاق السوق بدلا من الأخلاق التي يعرفها البشر ، ويؤمنون برأي الأغلبية حتى لو كان ضد الأخلاق عن طريق الديموقراطية ؟ فالنتائج مجهولة, أناس يصدقون فقط بالمادة ولا يصدقون بالقيم والأحاسيس الإنسانية ، إذا ستُفاجأ بتقلباتهم مثلما فوجئ ذاك الشخص ممن صرخ في وجهه , فصديقك اليوم ربما ينقلب عليك غدا ، لأنه ليس هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة , كيف تسلّم نفسك وعقلك لمن لا يؤمنون بوجود فاصل بين الخير والشر و أنت تخاف الشر وتريد الخير بينما هم لا يؤمنون بالفصل بينهما ؟ أليسوا ينفون مرجعية الأخلاق ويحيلونها إلى النسبية ، ويحيلونها من مجتمع إلى مجتمع ، وبالتالي لا يعتمد عليها كمرجع ؟ من هذا مبدؤه ألا تدرك أن اللذة عنده أفضل من إتباع الأخلاق وإن لم يقلها نصاً ؟
أليسوا هم الأبيقوريون الجدد ؟ الخير يعني اللذة والشر يعني الألم بالنسبة لهم , أي أن اللذة بالنسبة لهم ربما تكون ألما لغيرهم وهذا الشيء لا يعنيهم , وباستعراض تاريخهم السياسي وتعاملهم مع غيرهم ترى كل هذه التقلبات والغدر والخيانة والابتزاز وادعاء الفضائل بوضوح ، وهي دول ديمقراطية ، فلا نستطيع ان نحيل اللوم على شخص بقدر ما هو على الفكر السائد , كما لا يستطيع أن يلوم يهوديا وهو يجد الإله عند اليهود قوميا قبليا يأمرهم بالكذب والربا والغش مع غير هذه القبيلة .
الملحد بعد ترك الدين - بسبب الصورة غير الأخلاقية للإله التي صوِّرت له - ورأوا لديهم في الحياة شهوات كثيرة ، فقالوا : نستمتع بالشهوات ونؤجل موضوع الإله حتى نجد إلهاً يستحق , وحتى نستمتع بالشهوات لا بد من تقديسها حتى تمتعنا ما دام الإله لا يحبنا . فتحوّلوا إلى تقديس الشهوات والمادة . وكما كتب أحد الملاحدة الجدد : افعل ما تشاء فلا يوجد إله ، ولم يقل : لا يوجد إله فافعل ما تشاء , وافعل ما تشاء تعني : إكسر حتى الأخلاق .