السنفونية الخالدة
أحمد منصور
1
قصيدتي ليست إلى الزمان والمكان
ليست الى السهول والهضاب والوديان
ليست الى الجبال والنجوم في مدارج الأكوان
قصيدتي : زوبعة الوجدان في سوامق الأركان
بركنه الرماد في معاقل الطغيان
مئذنة أذانها زلزل الإنسان
إنساننا المعموس كالأغصان
إنساننا المدعوس كالديدان
إنساننا المكسور كالقضبان
إنساننا البركان في صواعق النيران
والليل من فحم ومن غربان
2
قصيدتي :
حمامة
غمامة
قيامة
قصيدتي سنابل الطوفان
قصيدتي عروبتي
عروبة الإنسان في العربان.
3
كان يا ماكان
في طلعة الخمسين
في صدر زخم النيل
في مفرق الوجود إذ شاء البشر
شدّّ المدى مدارجا قدّّت حجر
حتى انتهت كالمبتدا مثل السنان والإبر
أسئلة مرفوعة تسائل القدر
تستدرج الصباح
وتبعث الرياح
وتعصر الإلحاح
لعلّه المطر ؟
4
ملحمة..سليلها
صليلها
صهيلها
جمال عبد الناصر المرسوم في بوارق الإذهان
جمال عبد الناصر المكتوب في ملامس الأنفاس
جمال عبد الناصر المحفور في مشاجر الإحساس
جمال عبد الناصر المنقوش في معاشب الشريان
مهديّنا الناريّ
عليّنا الغاريّ
أميننا المكيّ في تحطيمه الأوثان
جمال عبد الناصر :
العربان في إنسان.
5
أطلّ عبد الناصر الموعود
كالسيف في بوارق الرعود
بريقه يمزّق الحدود
زئيره يفتّق القيود
يصيح في وتيننا المفصود
يصيح في وجودنا الموصود
هبّوا ارفعوا الرؤوس كالبروج يا عربان
كواكبا أسيرها العنان
وحطّموا مناسم الهوان
وفجّروا الشموس من عيوننا الحزان
هبّوا ارفعوا الهامات يا رجال
جحافلا تستقطر الجبال
تجثو لها أصايل المحال
يا مجمر الزمان في حوالك الأزمان
يا مفرق المكان في مجاهل الشيطان
تسابقوا
تحققوا
فالآن آن الآن
6
وانفجر الصباح من جمر الجراح
كوثبة النسور من اجنّة الرياح
وأشرق النداء قوس القزح
في رأس السماء
كالشمس عزّ الصيف في
فرش السناء
والعرب كالبحور في شواخر القبور
نجومهم : حفّارها النساء والخمور والقصور
فحومهم : يمجّها التراب والحصير
فحولهم : بيانها شرطان
تعجّ بالعرفان
صرصرة صدّاحة التسجيل
تضجّ بالتبجيل
لماسخي إنساننا
لفاسحي أوصالنا
فحولهم تموء منذ الفجر للسماء
مواؤها الركوع والخنوع والرياء
7
والضوء في انهياله السيّال كالشلاّل
لا يعرف الجسور
لا يعرف الثغور
ألضوء كالطيور
ألضوء مثل الماء
ألضوء يحكي إنما حديثه الضياء
وكان عبد الناصر العرفان والوجدان
في هوّة تذرعها الأشباح والغيلان
تمخرها الآفات والحيتان
وترتمي السيول في قيعانها كالمرتمي العطشان
هل أوقف الإنسان في مسيره الطوفان
8
عمالق الأقزام
استعزفت العملاق ايقاعاتها فوق الحطام
دينيها يهد من مغابر الأجيال والأحلام
كونيها يقد من منابر الأضغان في الأقوام
قوميها يموج في مرصع الكلام
عصريها يذيع كالمذياع في مسامع الأصنام
كل يرى سحنته نرجسة الأنام
ومشعل الزمان والأمصار والأقلام
9
وجلجل الجبار في هديره الآذان:
الناس والأقوام كالآجسام
في دمها, في شحمها, في لحمها إنسان
لن ينبت الأشجار إلا برها
لن يحمل الجذوع إلا نسغها المنسال في الأفنان
عروبتي : عقيدتي
قوميتي : ديانتي
ووحدتي : رسالتي
وعزتي : عدالتي
غطى الربى المياة والقنان
هل يسمع الطرشان ؟ لا لن يسمع الطرشان!!..
10
خناك يا عملاقنا الشهيد
جميعنا الكبار والصغار والكهول
جميعنا عمالق الكرتون والنيلون
فألف "دونكيشوت" في صدورنا مدفون
وألف "نيرون" كمى في وعينا مخزون
"مسيلمات" جيلنا المزروع أرض الطين
وفي العطا "مرو" على اطلال طائيين
أنفسنا تفضمها حشائش التدخين
دماؤنا تمصها حواقن المورفين
أفواهنا تمضها كواكب الأفيون
أفواهنا يلوكها القتاد والغسلين
.. ما كان يوما سيدي حماتك الشجعان
إلا صدى من أسقطوا من ساقطي التيجان
من لاثمي الجزمات كالعبيد كالقيان
إلا صدي نكاية السلطان في من يخلف السلطان
11
أواه يا شهيدنا المسافر الحزين
أواه من خناجر السنين
يدقها أيلول في السبعين
في قلب أوقيانوسنا الإسفين في جواره الإسفين
ونحن - يا مسافري !- نهور منفيين
في بيتنا, في حقلنا
أني وطت ظلالنا
رسوم منسيين
عيوننا سجوننا تسكنها الشجون
لم يردع البكاء في غرناطة جحافل الإسبان
فاعتبري يا أمة ذئابها رعيان
إعتبري إعتبري لعلها الأزمان
12
يا أيها المسافر المكابر العنيد
يا وثبة الضلوع والزنود
يا جبهة الجودود لا تهاب من نواجذ القيود
يا هام آباء الإباء
كالنجم في سقف السماء
يا أيها الكبر الذي يفري الحديد
يا روح أرواح الضحايا الصاخبات
يا جبل الصرخات في عزف العهود
يا كبرياء ما تراءت في مرايا الكبرياء
13
جسيمة خطيئتي لا تصفحن
عظيمة جريمتي.. لا تغفرن
لئيمة خيانتي البلهاء
أليمة جهالتي النكراء
آمنت لكن بعدما فات المعاد
أيقنت لكن بعدما ماد الحداد
14
سافرت في عروبتي من المياه للمياه
سافرت من مياهها الظمأى لشم الماء
والماء في ظهورها كالرمل في الصحراء
فحيحه الهجير والبكاء والحداء
.. أنهارنا تصب في جنائن الأوغاد والأعداد
ونحن ظامئون فاغرون كالأتون
ونحن حالمون جاهلون
لن تغسل الأنهار لا .. مرارتي السوداء
ما كل يوم رملنا ينشق منه الأنبياء
15
سافرت في "سينية" الكونية الحمراء
سافرت في "سينية" الكونية البيضاء
سافرت في "سينية" الكونية الزرقاء والصفراء
شاهدت في فصولها العجاب
ما القصور في العراء
وعدت عود النادم المسكين
تدفعه السكين
لمنحر القطعان من خرافنا الحملان
16
يا أيها المسافر اليقظان
رحماك ..لا..
لم يرحم الرحمان
من خان من أسداك طعم النحر
طعم الدحر في الميدان
فشعبنا لن يعرف الحياة إن
لم يعرف الطغيان
والكسر والتكسير
والسحل والتدمير
وهول جنكيزخان في بغدان
17
يا راحلي المسافر المقيم
في أمة, صغارها : عدوها العظيم
يا أيها الفينيق في غياهب الهيماء
تناهشت قوائمي الأسفار في حضارة الأضواء
أضواؤها: زيوتنا, عيوننا الرمداء
ونارها : دماؤنا الصفارء كالحرباء
ونحن في أعرافهم نوافل البدوان
قوافل تكنس الأقذار في عرائس البلدان
وشعبنا بأرضه مستنقع الذبان
18
... نجومنا : دنياهمو التسطيح في الأذهان
رؤياهمو التجريد والفصام والذهان
ليلاهمو التسليم في العقول والأبدان
ولعبة السلطة في مكاسر الرهان
والركض فوق ملعب الرؤوس في حصان
إن قرأوا لتطرب الأجران والجدران
أم جرّدوا فالحد في برقه الإيمان
فشعبنا عندهمو مشاتل العبدان
وما على العبدان إلا الطوع والكتمان
إلا اجترار الظل مضغ المن والسلوان
فالويل إن مسّت شفاه الخلق عالي الشان
أيان كان
19
إن حطّ ركب حاكم في الغرب من عربان
تسابق الرياء والمراء في مباسم الغربان
وقطّروا الضباب في تجنيحه ألوان
وأمطروا الؤلؤ المقطور من خزائن البيان
بالرغو بالعيد بالوعيد في امتهان
.. لأنه البترول في العقال والسلطان
20
حتى متى المأساة ؟
حتى متى الملهاة ؟
حتى متى
لا يسمع الغناء في طاحونه الطحّان ؟
21
يا أيها المقتول
قاتله مجهول
والغدر في تراثنا مناقب الجبان
والشاهدون غائبون حاضرون كالخرسان
وقاتلو عثمان مجهولون حتى الآن
جباهنا مماسح الأعتاب والجدران
منابر الفصحى غدت مخصية اللسان
والعرب قاتلوك
والعرب ساحلوك
ميدانهم ما بينهم والقتل بالمجان
22
مسكينة عروبة يسومها السفاح والقرصان
نسورها الأشباح في لوامع الخوذات والتيجان
يكبّرون بإسمها.. تكبيرهم الى العنان
مسكينة عروبة يسودها الوغدان
23
قد بتر المذياع يا مسافري مدّ المكان
وأصبح التعليب ناموس الترقي في العيان
والنفط سوط النبض والسجّان
هل تسجن الشموس والنجوم والعربان ؟
لم يحي في كهف ولا كفّ حصان..
24
وآفة الآفات – يا مسافري –
في عصرنا عصر الخواء
عصر به انسفح الحياء
شدوا الوثاق
حتى الخناق
صدّوا النهار
ذروا الغبار
واسترزموا الغصون بالعجيب من فنون
وقولبوها كالعجين
براعما براعما تفضها السجون
نحو الذي طعامه العيون
نحو عمى الألوان في رقص الجنون
نحو الذي كالقات في مصّ الجفون
ليلا نهارا مثلما الزيتون في معاصر الزيتون
والزيت تحت الأرض
فوق البحر يستسال في سفين
والعاصرون دائبون
ليلا نهارا يعصرون
في ذلك المرئي والمحكيّ في بلّوره المسكون
ذاك الذي دعوه تلفزيون
25
والأحرف الجوفاء
في الصحف العوراء
وعلك آذان لما يذري أثير في الهماء
وهذر ما ينذر من زعانف الهواء
لأنه الإعلام
ديدنه الإعدام
إعدامشعب في الأصول
إعدام شعب للأفول
والحبل وضّاء المثول
ليّفه المليّفون
صقله من يصقلون
ورافعو الأكعاب جاهزون
وعابدو الكرسيّ شاخصون
لا يرمشون
ودافعو المرفوع راصدون
وصالبو الأعصاب نافرون
لا يحصرون
ما اوفر الأوباش عند العرب يا مسافري
إن اطبقت سود القرون
في زمن ال "من يدفعون"
وزمن ال "من يدفعون"
26
حتى متى يا ناصري
حتى متى يغتصب البترول شعبي في أمان
ويخسف الجميع خلق الله والإنسان
فيملك البعيض ما استباح بالسنان
مستحزبا أنجاس قطّاع الزمان
يستملك الضليل والمياه والنخيل والعقبان
والخمر والدنان في الظلام والقصور والحسان
أما الملايين المئات
كأنهم كالحشرات
فملكهم يبقى الفتات
وملكهم يبقى الزؤان
والملك للبعيض باسم الله والقرآن
سبحانك اللهم يا قيّوم يا رحمان !
27
أمست طواويس العروش في المرائي مهرجان
كل يرى يمينه كالشمس صبّت صولجان
كلّ يرى في كشحه الصليّ ليلا شمعدان
بين اختيال واختبال
طاووسنا خاوي المآل
الرأس رأس الأفعوان
لا تنثني في هيمان
وقوسه: مروحة الألوان تنضو إنفتان
كلتاهما في جسد موحد لا تذكران
28
وكل طاووس يرى في ذيله القزح المزان
والمزن والفيروز واللجين والجمان
بلاطه يختصر الساحات والميدان
ومجلس الشيوخ والعموم والأعيان
فصاحب السمو طيف النفط مأمون الزمان
تنكس الرؤوس من قلامة البنان
يرئس المرؤوس من إشارة اللسان
ويمنع الأقوات عن افواه أطفال تدان
ويطعم الشيطان لو يشاء والبغات والغربان
كأنه الميزان والحساب والحسبان
من قال لا : مآله الرمال والأطيان
تحت الأديم دمّنا وفوقه بيداؤنا الأحزان
29
ندمت يا معلمي تجابن الندم
والتهمت كواكبي كواسر العدم
وفاتني القطار, والنهار في الظلم
مؤججا يشقها كالسيل كالحمم
ندمت ما معلمي
لن تنفع الندامة الندمان
افقت لكن بعدما فات الأوان
وأمّتي ذبيحة ينثرها الذؤبان
كلوحةيخطها النمور بالأسنان
في مرتمى مناسر النسور والعقبان
كصولة البروق في مشاجر تستصغر الحدثان
تزفها الياح زف الريش في ثوان
ولوحة المأساة في بلادنا
ألوانها لا تعرف الألوان.
30
بيت القصيد يا معلمي الشهيد
يا ناصري الناصري
يا طيف من كان الهدى
والهدي في ملامح الأنصار
وراية الصحابة الثوار
ويبرق الإله في شواسع الأمصار
بيت القصيد يا معلمي الشهيد
يا حلمنا المعاند العتيد
.. متنا ولكن لم تزل ما انت انت
أعمى الذي يخال متّ الأمس أنت
فاقبس أنت
والشمس أنت
والبعث كنت
وانت في جفوننا
ما زلت انت حيث انت
31
لا بد أن تهب من رمالنا نواصر
تهب بالألوف
تهب كالبروق في سيوف
من جبهة العملاق
من روحه الميادة الآفاق
من جبهة تزف في ظلامنا
مشاعل الإيمان
عمالق الأمال كالأسوار في قواهر الزمان
هواتف الأحلام كالأعلام في مفارق الأكوان
32
.. تميد في جوارحي خوارق العربان
وينتضي أصايلي أصايل الفرسان
وأغتدي مؤذنا يعانق الآذان
.. يا أمة من صلبها جمال عبد الناصر العظيم
ما فاتها الأوان
لن تعرف الغروب والجحيم
ما فاتها الحسبان
دماؤها من الف عام نهرت وديان
فالشمس والنجوم والتلال والقنان
عيونها شواهد الإعيان في العيان
.. عهدا ملايين الفدا
لن يصلب البركان
حتى ولو كبوته
طالت مع الإزمان
33
يا امتي لا تجزعي
قصيرة أنفاسه من خان
حتى ولو قد كمموا الأزمان
قذرنا..مخاضنا..معامع النيران
مشانق الأبطال
مآذن الإجيال
تستصرخ الأذان:
- حيوا على القتال
ناداكموا الجهاد يا رجال
فصحوة الأعصار
رياحها الأرواح سنفونية الآلاف
فالألاف من ابرارنا الأحرار
لو ما غلت عروبتي
لما غلى القربان
34
يا مصر عبد الناصر السياب في نسغ الزمان
أم الدنى أنت وإشراق المكان
لئن طغت كبوتنا, لأنه اغتيل الحصان
فالريح ريح لا قميص الشحم من فان لفان
يا أمة من صلبها جمال عبد الناصر العظيم
لن تعرف الزوال والغروب والرجوم
ما فاتها الأوان
ما فاتها الحسبان
ستعتلي الوجود مثل الفارس الحصبان
وتمتطي الرعود في السماء والأزمان
وصهوة المحال في معارج الأكوان
35
عروبتي
حبيبتي
لن يهرب الأوان
عروبتي
حبيبتيي
سيرجع الربان
سيسطع العربان من
جبائن
الفولاذ والصوان