الاتحاد الأوروبي طالب بضرورة توفير حرية العبادة للمسيحيين في مصر > رئيس وزراء فرنسا صلى على أرواح الضحايا في كاتدرائية أسوان
القاهرة: عبد الستار حتيتة بروكسل: عبد الله مصطفى أثينا: عبد الستار بركات
وسط استمرار الإدانات المحلية والدولية لحادث تفجير كنيسة «القديسين مار مرقص والأنبا بطرس» شرق الإسكندرية، ليلة الاحتفال برأس السنة، قال محافظ الإسكندرية اللواء عادل لبيب: إن الحادث مفجع لمصر ولكل المصريين، سواء مسلمين أو مسيحيين، مشيرا إلى أن هناك مشكلة بدأت تتنامى في الفترة الأخيرة، وهي مشكلة الطائفية، مؤكدا أنه لا بد من الوقوف ضد هذه الظاهرة.
وأشار محافظ الإسكندرية في مداخلة مع التلفزيون المصري إلى أن هناك داخل المجتمع مشكلات كثيرة سواء بين المسيحيين وبعضهم أو المسلمين وبعضهم، إلا أنه لو حدثت المشكلة بين الطرفين ستصبح مشكلة طائفية ولا بد من معالجة هذه المشكلات بتعقل.


كثيرا ما حذرنا من الاحتقان الحاصل، والمتنامي، بمصر، وقلنا: إنه خطر ليس على أبناء الكنانة وحدها، بل على العالم العربي، وقلنا: إن خراب مصر كارثة على المنطقة، وصلاحها صلاح لمنطقتنا أيضا، فتأثير مصر علينا كبير.
وكان يقال إننا نلمع النظام، وندافع عنه، بينما اليوم، بعد أن أفاق المصريون على كارثة العمل الإرهابي في الإسكندرية اندفع الجميع في مصر محذرا من خطورة ما يحدث، ومتحدثا بالمنطق نفسه الذي كنا نتحدث به منذ سنوات، وكانوا ينتقدوننا عليه، ولكن للأسف بعد أن وقعت الفأس بالرأس؛ حيث تذكر البعض اليوم الوحدة الوطنية، وأنه لا فارق بين المصريين، مسلمين ومسيحيين، وأن مصر في خطر، وأنها للجميع!
وعليه.. فإن المطلوب من المصريين اليوم هو عدم رمي مشكلاتهم على الخارج، بل لا بد من أن يجلسوا مع أنفسهم، ويقفوا وقفة صدق مع النفس، يعددون فيها أخطاءهم، ومكامن الخلل في بلادهم، وما اعترى ثقافتهم، دينيا، واقتصاديا، وسياسيا، وحتى فنيا، فلا يكفي القول إن العمل الإرهابي ما هو إلا عمل خارجي، فالإرهابيون من المصريين موجودون في كل من: العراق، وأفغانستان، واليمن، وحتى في إيران.. والدرس الذي تعلمناه من الإرهاب والإرهابيين أنه مهما عاش الإرهابيون خارج أوطانهم فإنهم سيعودون إليها لا محالة، وهذا ما خبرته السعودية، والأردن، واليمن، والدول العربية كلها.
عندما يقف المصريون وقفة صدق مع أنفسهم سيكتشفون الخطأ الفادح الذي أصاب ثقافتهم، وسمح للتطرف أن ينتشر هناك. حينها سيعرفون كيف تقع عملية من هذا النوع في الإسكندرية، مدينة التسامح، وحينها سيكتشفون حجم تغلغل الخطاب الأصولي في ثقافتهم، فمصر الخمسينات، بل والستينات، كان مألوفا فيها ظهورُ الأسماء المسيحية بجانب الأسماء الإسلامية، سواء في الفن، أو الفكر، أو غيرهما، بينما مصر اليوم تتحدث عن مشكلات مسيحية - إسلامية!
عندما يجلس المصريون مع أنفسهم سيكتشفون ما الذي فعله بهم الخطاب المتطرف؛ حيث تعليم مصر اليوم ليس بتعليمها الذي كان يضاهي التعليم الغربي في خمسينات القرن الماضي، بل حتى إن الحس الوطني المصري قد خبا منذ أن تغلغلت بهم مقولة إن الإسلام هو الحل؛ حيث باتت غزة أهم من القاهرة، وأصبح بمقدور صحافيي طهران، من المصريين، التحرك في مصر على المكشوف، وبات بمقدور حسن نصر الله أن يتجرأ على مصر وجيشها ويجد من يبرر له من محامي الأصوليين، ومحامي الشيطان في مصر، وما أكثرهم. كما رأينا كيف أن مرشد الإخوان يقول بملء فيه: «طز في مصر»!
لذا.. فلا يكفي أن يقول المصريون إن ما حدث في «المحروسة» هو نتاج أيادٍ خارجية.. فهذا هروب من مواجهة الحقيقة، بل إن ما حدث في الإسكندرية هو نتيجة عمل تخريبي طويل أوجد الأرضية لكل أشكال التطرف، ويكفي أن نتذكر هنا كيف تفاخر القرضاوي، في صحيفتنا، الأسبوع الماضي، بأنه استطاع إقحام الدين في السياسة بالعالم العربي كله؛ حيث بات السلفيون مثل الإخوان، لنعرف فقط حجم مصيبتنا!
tariq@asharqalawsat.com



«من يزرع الريح يحصد العاصفة» (مثل عربي)
تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية مع مطلع عام 2011 محطة مهمة وخطيرة جدا من حيث دلالتها المأساوية، التي تتجاوز بيئتها الحاضنة في مصر، إلى عموم المشرق العربي.. ومن ثم العالم بأسره.
إنه حلقة في سلسلة يظهر أنها تزداد صلابة، وتنجح أكثر فأكثر في بذر معطيات ملغية للتعايش والتفاعل الحضاري، ودفع المسلمين إلى مواجهة مع العالم، بصرف النظر عن الجهة المسؤولة مباشرة عن الجريمة. فقبل فترة قصيرة عشنا تفجير كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وفي كل يوم نسمع ونرى تحريضا وتهديدا، بل وزحفا مخيفا نحو استقطاب إلغائي لا يبقي ولا يذر، ثم إننا نشهد اصطفافات ومناورات من نوع «تحالف الأقليات» تزعم أنها «وقائية» لكنها من منطلق طائفيتها ومذهبيتها الفاقعة لا يمكن إلا أن تزيد الاحتقان وتغذي الأحقاد والهواجس.
عندما تكلم صامويل هنتينغتون عن «صدام الحضارات» ثارت ثائرة كثيرين على نظريته، غير أن مفكرين غربيين كبارا، لا يُحسبون في خانة العداء للمسلمين والعرب، تكلموا بواقعية عن أن نشوء حالات تناقض حضاري، في ظل «نظام عالمي جديد»، أمر طبيعي جدا في أعقاب انهيار الاستقطاب العالمي القائم على صراع الشيوعية والرأسمالية.
ومن ثم، مع بروز دور «الإسلام السياسي» في عالمين إسلامي وعربي، تفتقر معظم أنظمتهما إلى الشرعية السياسية القائمة على الشورى بشكلها العصري العملي، ومع تزايد الاحتكاك على الصعيدين المصلحي - الاقتصادي والجغرافي - الديموغرافي، كان شبه حتمي أن تظهر علاقات التشنج مع الغرب والعالم، التي سرعان ما أخذت وجها دينيا، وبلغت ذروتها في اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ثم الرد الغربي عليها بغزو أفغانستان والعراق بحجة «تجفيف منابع الإرهاب»!
في ظل شعارات «الإسلام السياسي» - بمختلف مذاهبه وأطيافه - التي تتفق كلها على رفض فصل الدين عن الدولة، بدا التناقض واضحا جدا مع الغرب المنتصر للتو في «الحرب الباردة»، الذي اعتبر أن من حقه، بعد انهيار عدوه القديم، أن يبني «النظام العالمي الجديد» البديل وفق مفاهيمه. ولا شك أن عناصر إضافية أسهمت ولا تزال في «صب الزيت على نار» هذا التناقض، أبرزها:
أولا: دور إسرائيل ومطامحها واستراتيجيتها التدميرية في منطقة الشرق الأوسط.
ثانيا: عجز معظم الأنظمة العربية، فكريا ومؤسساتيا، عن مواكبة التطورات الكبيرة التي يعيشها العالم.
ثالثا: إخفاق هذه الأنظمة في استيعاب عمق التحول العالمي الناجم عن انتهاء «الحرب الباردة»، وبالذات، حاجة «النظام العالمي الجديد» إلى عدو تشكل مجابهته المبرر المنطقي لتطوير فكر جامع يحصن جبهة هذا «النظام».
رابعا: الإخفاق العربي العام في التنبه إلى طبيعة الواقع الإقليمي، وظهور تحديات إقليمية تتجلى اليوم، ليس فقط في العربدة الإسرائيلية شبه المطلقة، بل في الاختراق الإيراني للعمق العربي بحجة الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وعودة الروح إلى هوية تركيا الإسلامية بعدما أصر الغرب على خذلان أحلامها التغريبية، على الرغم مما أسدته تركيا «الأتاتوركية» من خدمات استراتيجية للغرب إبان حقبة «الحرب الباردة».
اليوم، تكتفي القيادات العربية باستنكار ما يحدث لمسيحيي العراق ومصر، وإبداء القلق على انشطار السودان، والفتن القائمة في كل من لبنان والعراق واليمن، واضطرابات البطالة في تونس.
إنها تتصرف وكأنها فوجئت بما يحدث.
تطمئن نفسها إلى أن انقسام الشارع أعجز من أن يشكل قوة منظمة قادرة على التغيير.
تربح «انتخابات» بأغلبيات ساحقة.. لكنها تبدو معزولة عن هموم الناس.
تتجاهل الخطر البنيوي الداهم ولا تريد أن تفهم أن أخطر «سيناريوهات» الحكم يتجسد في تلاشي المعارضة المنظمة وتفتتها وتحولها إلى شراذم وأشباح.. ملاذها الأخير إما العمل السري وإما الاستقواء بقوى خارجية.
مسيحيو العالم العربي اليوم في بؤرة المجهر. وبعد عقود من تآكل حضورهم بفعل الهجرة، هانحن الآن نواجه «طوفان» هجرة قسرية تحدثه التفجيرات الانتحارية وأعمال الخطف والترويع والقتل. وهذا الوضع يجب أن يعالج بجدية أكبر بكثير من الاستنكارات والشجب؛ لأن تداعياته ستكون كارثية، سواء في الغرب على الجاليات المسلمة المهاجرة، أو في مناطق عدة من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية؛ حيث ستغدو مواجهة الخطر «الإرهابي» الإسلامي استراتيجية حقيقية تجد قبولا حتى من أوساط كانت حتى الآن متعاطفة مع قضايا العرب والمسلمين
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=602089&issueno=11724