الغضب الأميركي
وفي واشنطن، نقل
مراسل "النهار" هشام ملحم عن المسؤولين الاميركيين الذين يراقبون الاحداث الدامية في سوريا، حديثهم بمزيج من مشاعر الغضب والاستياء والخيبة العميقة عن ضيق افق النظام السوري وما يصفونه
بـ "غرور وغطرسة" الرئيس بشار الاسد "الذي يعيش في حالة نكران للواقع"، وقالوا انها انعكست بشكل نافر في ادعاءاته بان سوريا "مستقرة" لان النظام "على صلة وثيقة جدا بمعتقدات الناس... ومصالحهم"، كما قال في مقابلة كانت قد اجرتها معه قبل اسابيع صحيفة "الوول ستريت جورنال".
ويقول المسؤولون البارزون الذين تحدثت معهم "النهار" ان التطورات السورية مفتوحة على احتمالات عدة مع وصول شرارة درعا الى المدن السورية الاكبر ومن بينها دمشق، تشمل استمرار التظاهرات الاحتجاجية وازدياد حدة قمعها،
مع ما يعنيه ذلك من احتمال تقويض ليس استقرار سوريا فحسب بل منطقة شرق المتوسط، واحتمال قيام النظام بخلق توترات أمنية وسياسية في لبنان، او بين الفلسطينيين واسرائيل لتحويل انظار السوريين والعرب والعالم عما تقوم به السلطات الامنية في سوريا لقمع التظاهرات.
وقالت هذه المصادر الاميركية البارزة انه "اذا كان لنظام الرئيس بشار الاسد أي مقدار بسيط من الصدقية مع الشعب السوري، فانها تبخرت في الايام القليلة الماضية، ليس فقط بسبب القمع "الوحشي" (العبارة التي استخدمها البيت الابيض) للمتظاهرين المدنيين في درعا وغيرها من المدن السورية، بل ايضا لاساليب التضليل والبروباغندا الرخيصة التي استخدمها النظام بشخص الوزيرة بثينة شعبان التي تحدثت عن الاصلاحات ذاتها التي وعدت بها في 2005 والتي لم يتحقق منها أي وعد...". وقال مسؤول بارز: "ادعت شعبان انها كانت في الاجتماع مع الاسد حين قال انه لا يريد استخدام الذخيرة الحية، وذلك قبل ساعات من اطلاق النار وقتل عشرين شخصا في بلدة الصنمين. هذا لا يمكن قبوله ابدا".
وتساءل في اتهام ضمني للرئيس الاسد بانه مسؤول عن اصدار الاوامر باستخدام الرصاص ضد المتظاهرين: "كيف يمكن أنصار النظام ان يقولوا ان قوات الامن تصرفت من دون إذن من الرئيس؟ القوات الامنية السورية لا يمكن ان تتحرك من دون تفويض واضح". واضاف المسؤول الذي كان يتحدث بغضب واستياء واضحين: "ان بشار مستعد لقتال اسرائيل الى آخر لبناني، ولكن يبدو انه يعامل مواطنيه وكأنه لا قيمة لهم ويمكن التضحية بهم اذا تقدموا منه بمطالب محقة وبسيطة".
ورأى المسؤول ان الحركة الاحتجاجية وطريقة قمعها "اظهرت ان ادعاءات بشار بانه اصلاحي لا اساس لها وانه على عكس ما يقوله ليس قريبا من شعبه او منسجما معه"،
وقال: "بشار يطرح نفسه كاصلاحي، ولكنه يتصرف كمستبد". واشار الى ان بشار الاسد يتصرف في سوريا كما يتصرف "حزب الله" في لبنان. "حزب الله يخيّر اللبنانيين بين العدالة او الاستقرار وكأن هناك تناقضاً بين الاثنين، وفي سوريا يستخدم بشار الخوف من الاضطرابات ومن التطرف الاسلامي واحتمالات المواجهات المذهبية، ويقول ان حكمه يضمن الاستقرار، اي ان عليهم القبول بسلطة بعثية علمانية مستبدة، ولكن هذا خيار خاطىء".
على المستوى العلني، يواصل المسؤولون الاميركيون اداناتهم وانتقاداتهم القوية للسلطات السورية، وكان اخرهم يوم الجمعة على لسان الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني الذي قال: "نحن ندين بقوة محاولات الحكومة السورية لقمع وترهيب المتظاهرين، وندعو الى وقف فوري للعنف وقتل المدنيين على يد القوات الامنية السورية. وهذا هو الموقف الذي اتخذناه تجاه ما يحدث في المنطقة، ونحن ندينه (العنف) بقوة". واشار الى ان حكومته تجري مشاورات مع حلفائها في المنطقة بهذا الشأن، لكنه لم يفصح عن مضمون الاتصالات او تسمية الحلفاء. وحض الحكومة السورية على استخدام الاساليب السلمية "واعتماد الحوار السياسي لان استقرار ومستقبل المنطقة يتوقفان على استماع حكومات المنطقة لشعوبها وعلى تلبية تطلعاته الشرعية".
ولا يزال الموقف الذي عبّر عنه قبل ايام وزير الدفاع روبرت غيتس، أقوى موقف اميركي حتى الآن حيال التطورات الاخيرة في سوريا، حين قال ان على سوريا ان تحذو حذو مصر حيث امتنع الجيش المصري عن اطلاق النار على المتظاهرين، الامر الذي سمح للحركة الشعبية ان تطيح الرئيس المخلوع حسني مبارك . وأضاف غيتس خلال زيارة لاسرائيل ان سوريا تواجه "التحديات نفسها التي تواجهها حكومات اخرى في المنطقة، أي المطالب السياسية والاقتصادية المشروعة للشعب والتي لم تتم تلبيتها". وبعدما اشار الى ان بعض الحكومات تتعامل مع هذه المطالب بطرق افضل من غيرها، قال:
" لقد جئت لتوي من مصر حيث وقف الجيش المصري على الهامش وسمح للشعب بالتظاهر،الامر الذي ادى في الواقع الى تمكين الثورة. السوريون يمكن ان يتعلموا درسا من ذلك". ووضع غيتس سوريا في خانة ليبيا وايران، قائلا انها "انظمة استبدادية قمعت شعوبها وهي مستعدة لاستخدام العنف ضدهم".
واصدر عدد من اعضاء الكونغرس بيانات نددت بأساليب القمع التي استخدمتها الحكومة السورية وكان آخرها بيان صدر عن النائب الديموقراطي هوارد بيرمان العضو النافذ في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب والذي ندد "بأقصى لهجة ممكنة بالهجمات الوحشية التي شنها النظام السوري ضد شعبه". واضاف: "لقد صار واضحا للغاية الآن ان سوريا هي دولة راعية للارهاب خارج حدودها وداخلها".
وصرح عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريان جون كايل ومارك كيرك: "يجب ان يعلم الشعب السوري ان الولايات المتحدة تقف الى جانبهم"، وحذرا حكومة الرئيس باراك اوباما من عدم التردد "بمعانقة انتفاضة ديموقراطية اخرى". وطالبا المسؤولين بدءا من الرئيس اوباما وانتهاء بالسفير الاميركي في دمشق روبرت فورد بتوجيه "الادانة العلنية للجرائم التي ارتكبتها ديكتاتورية الاسد ودعم الشعب السوري" . ودعوا السفير فورد الى البدء باجراء الاتصالات مع المعارضة السورية.
من جهتها، نددت صحيفة "الواشنطن بوست" في افتتاحية لها بقمع الحكومة السورية للمتظاهرين، ورأت ان الادانات اللفظية غير كافية ودعت ادارة الرئيس اوباما الى "المطالبة بتحقيق دولي في اعمال القتل التي وقعت في درعا وان تشارك مع حلفائها في الاصرار على محاكمة المسؤولين" عن القتل. كما دعت الى تضييق خناق العقوبات على سوريا بما في ذلك تجميد ودائع الشخصيات السورية المسؤولة عن القمع. وخلصت الى وصف الرئيس السوري بانه غير قابل للاصلاح.
ويلتقي بعض المسؤولين الاميركيين مع أولئك الخبراء في الشؤون السورية الذين يقولون ان تخلي بشار الاسد عن سياسة الحذر والواقعية التي كان يعتمدها والده في التعامل مع اطراف مختلفة مثل ايران و"حزب الله " والعائلات والشركات السنية التي كانت تضطلع بدور تقليدي مهم في الاقتصاد السوري، كلها ساهمت في ايصال سوريا الى مأزقها الراهن. ويرى هؤلاء ان تعميق بشار الاسد لعلاقاته بايران و"حزب الله" "بطريقة لم يفعلها والده" كما قال احدهم، "ساهم في خلق ردود فعل عكسية نراها الآن في هتافات المتظاهرين في درعا وغيرها، ولها ابعاد مذهبية"، وذلك في اشارة الى هتاف "لا ايران ولا حزب الله بدنا مسلم يخاف الله" .
ويضيف هؤلاء ان الرئيس الراحل حافظ الاسد توصل الى "تفاهم" مع الاسر السنية التجارية ورجال الاعمال من السنة والمسيحيين في دمشق وحلب بأنه في مقابل قبولهم بالوضع السياسي القائم فان نظامه لن يحتكر المجال الاقتصادي. ولكن في السنوات الاخيرة لحافظ الاسد وفي سنوات حكم نجله بشار "تم السماح لعائلة المخلوف (خال الرئيس واولاده) بخطف القطاع الخاص السوري واحتكاره، الامر الذي يفسر غضب التجار السنّة ".
ويلاحظ المراقبون في واشنطن ان
بشار الاسد لم يعد يتحمل أي انتقاد لسياساته في السنوات الماضية وانه لم يتوان عن اعتقال عشرات المعارضين السلميين لنظامه بعض النظر عن اعمارهم او حالاتهم الصحية. احد هؤلاء، بعدما اشار الى ان الشرارة التي ولدت تظاهرات درعا كانت في اعتقال عدد من الاولاد والصبية الذين كتبوا شعارات مناوئة لنظام الاسد على الجدران، اضاف ساخرا: "سوريا هي البلد الوحيد في العالم التي كانت حتى الاونة الاخيرة تستطيع ان تفاخر بان في سجونها أكبر واصغر سجين سياسي في العالم، اي هيثم المالح البالغ من العمر 80 سنة، والمدونة الشابة طل الملوحي البالغة من العمر 19 سنة والمسجونة منذ 2009".
"مراسل" رويترز"
من جهة اخرى، سحبت سوريا اوراق اعتماد مراسل "رويترز" خالد يعقوب عويس قائلة إنه يقدم تغطية "غير مهنية وكاذبة" للاحداث في سوريا.
واشنطن- من هشام ملحم / دمشق- "النهار" والوكالات
http://www.annahar.com/content.php?priority=2&table=main&type=main&day=Sun