نبدأ من التنقل..
لنفترض ان احد الطلاب يسكن في مدينة طولكرم ، ويود التوجه الى مدينة نابلس.
في الاوضاع الطبيعية الطريق، بين طولكرم ونابلس* تأخذ حوالي 35 الى 40 دقيقة في السيارة
ولكن
في ظل وجود الاحتلال
بحواجزه الثابتة
وحواجزه الطيارة
وطرقه الالتفافية
ومستوطناته
ومعسكراته
واغلاقه للطرق الرئيسية
واقتحاماته المفاجئة لبعض القرى الواقعة على الطريق بين المدينتين
فان خط سير طالبنا العزيز سيكون مختلفا تماما ،بحيث انه سيضع كل الاحتمالات السابقة نصب عينيه قبل ان ينطلق في رحلته نحو مصيره المجهول..
هنا ،سيقوم صاحبنا قبل عدة ايام بعمليات "جغرواحتلالي حسابية" معقدة، ليتمكن بعدها من اتخاذ قراره حول توقيت الانطلاق، واي المسارات التي عليه التوجه من خلالها للوصول الى جامعته لمتابعة دراسته - المتقطعة اصلا بفعل الاجتياحات والاحداث - بعد اجازة قصيرة تمكن من قضائها مع اهله ،مستغلا حالة هدوء -مؤقتة -مكنته من زيارتهم بعد شهور طويلة، كانوا خلالها يرسلون اليه مصروفه الضئيل من خلال عملية تهريب معقدة ينفذها سائق سيارة اسعاف ،هي الوحيدة المسموح لها بالتنقل يوميا ولمرة واحدة ذهابا وايابا بين طولكرم ونابلس، لنقل الحالات المرضية الخطرة بعد تنسيق طويل ما بين اطراف عديدة ...صليب احمر دولي وامنستي ولجنة رباعية ومجلس أمن ربما !! وغيرها من هيئات ..
طبعا هذا الامر يتطلب اجراء عدد من الاتصالات مع بعض زملائه الذين سبقوه. وكذلك مع سائقي السيارات العمومية والخصوصية الذين تمكنوا بفعل الممارسة من اكتشاف طرق بديله بين الجبال والاودية والمنحدرات. والذين هم بدورهم على اتصال مستمر فيما بينهم لاستكشاف الاوضاع على الطريق ،وأين توجد اغلاقات او حواجز جديدة او دوريات احتلالية ...
ما ان يستقل صاحبنا مقعده في السيارة الى جانب باقي الركاب حتى يسلم امره الى الله
فالرحلة طويلة ومليئة بالمصاعب والمخاطر والمفاجئات التي لا تخطر على بال احد.
قد يتفاجا بان الاحتلال استدل على احد الطرق البديلة فقام باغلاقها ،او وضع حاجز عسكري عليها،
او قد تنهار احدى الجسور البدائية التي شيدها الناس على عجل من الحجارة والاخشاب والخردوات لاجتياز احد الوديان.
قد يتفاجا بوجود حاجز عسكري طيار يؤدي الى تغيير "خارطة طريق" الرحلة بمجملها..
ودائما ما تتضمن رحلة الجحيم هذه اوقات يضطر فيها الركاب للنزول من السيارة والسير لمسافات طويلة عبر الجبال والوديان وبين الاحراش للوصول الى نقطة اخرى لمتابعة رحلتهم.
أو تتوقف السيارة لبعض الوقت - بعض الوقت في هكذا رحلة قد يعني ساعة أو ساعتان وربما يوم بأكمله ! – حتى يأتي خبر من أحدهم بأن الطريق اصبحت آمنه..
والأنكى من كل هذا أن يكون قد اجتاز في رحلته حسب "خارطة الطريق" مدينتين أو ثلاث ، فضلا عن القرى والضياع خلال عدة ساعات، وربما يوم كامل.. ومن ثم تكون احدى ضواحي نفس مدينته التي انطلق منها في الصباح هي الاخرى ضمن خط سير رحلته نحو وجهته النهائية!!
رحلة القهر والعذاب والغم ووجع القلب هذه يا زميلتنا *وردة * عايشها أغلب الناس في فلسطين تحت الاحتلال ،وخصوصا في ذروة الانتفاضة الثانية ...وما زالت حتى الان الكثير من المناطق تعاني نفس هذا العذاب ...
هناك الكثير الذي يمكن سرده حول الجانب المخفي الذي لا يسمع به احد ربما، فيما يتعلق بحياة الناس في فلسطين تحت الاحتلال الذي يتغلغل في كل جزئية من جزئيات حياتهم..
آمل أن يسعفني الوقت لكتابة المزيد
تحياتي
-------------------------
*حاولت توضيح الامر بشكل مبسط من خلال هذه الخارطة
الخط الاسود ــــــــ هو المسار الفعلي بين مدينتين
الخط الاحمر
ـــــــــ هو المسار الذي يسلكه المتنقلون بين المدينتين في ظروف الاجتياح والاغلاقات. لتفادي الحواجز العسكرية او اية افعال عدوانية من قبل جيش الاحتلال..
ملاحظة: ربما ما اضفته من خطوط حمراء على الخريطة ليس دقيقا تماما لكنه قريب جدا مما هو واقع فعلا