سوريا.. هل عاد شهود الزور؟
طارق الحميد
الخميـس 08 رجـب 1432 هـ 9 يونيو 2011 العدد 11881
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
هناك معركة إعلامية شرسة تخاض ضد وسائل الإعلام، بكل أنواعها، وجنسياتها، من قبل وسائل إعلام سورية، وذلك على خلفية الانتفاضة الشعبية في سوريا، وهو أمر ملحوظ، وملموس، من خلال متابعة بعض الإعلام السوري، أو ظاهرة «المحللين» التي نشهدها اليوم.
إلا أن اللافت في هذه المعركة الإعلامية، أو قل أكبر مستجد فيها، هو الخبر الذي بثته محطة «فرانس 24» الفرنسية، أول من أمس، حين استضافت سيدة قالت إنها السفيرة السورية لدى فرنسا، وأعلنت خلاله تلك السيدة، استقالتها على الهواء، على اعتبار أنها السفيرة السورية، وذلك جراء القمع الذي يعانيه الشعب السوري. على أثر هذا الخبر قامت الدنيا ولم تقعد إلى اليوم، وأظن أنها لن تهدأ حتى تتكشف الحقائق، حيث سارعت السفيرة السورية لنفي خبر استقالتها عبر تلفزيون بلادها الرسمي، والمحطات الفضائية العربية، وقالت السفيرة إن سيدة ما انتحلت شخصيتها، وهددت بمقاضاة المحطة الفرنسية.. هذه هي القصة، لكن الغريب في كل ذلك هو التفاصيل.
فالمحطة الفرنسية، وفي بيان لها، تقول إنها ربما تكون ضحية تلاعب، حيث تقول المحطة الفرنسية إنها حصلت على الهاتف الجوال الخاص بالسفيرة السورية بباريس عبر الملحقية الإعلامية السورية بفرنسا، وهذا ليس كل شيء، بل إن وكالة «رويترز» بثت خبرا مساء الثلاثاء باللغة العربية، وكررته أمس باللغة الإنجليزية، تقول فيه الوكالة «وكانت (رويترز) قد تحرت النبأ واتصلت بالسفارة السورية في باريس قبل نشر بيان الاستقالة الأول الذي بثته قناة (فرانس 24). وأكد رد عبر البريد الإلكتروني من السفارة أرسل عبر موقعها الإلكتروني استقالة لمياء شكور»!
وبالطبع، وكما أسلفنا فقد نفت السفيرة بشدة استقالتها، وليس الموضوع هنا موضوع مناقشة ذلك، لكن ما يستحق المناقشة هو: هل وصلت المعركة السورية مع الإعلام، بكل أنواعه، وجنسياته، إلى هذا الحد من الشراسة، فقط للقول بأن سوريا تتعرض إلى مؤامرة خارجية؟ أم أننا اليوم أمام قصة «شهود الزور» الجديدة، وعلى غرار ما حدث مع محكمة رفيق الحريري الدولية، حيث استخدمت قصة «شهود الزور» من أجل الطعن بمصداقية المحكمة، وإظهار أنها مسيّسة؟
فانتحال سيدة مجهولة لشخصية السفيرة وإعلان الاستقالة عبر قناة تلفزيونية معروفة ليس بالأمر السهل، خصوصا في فرنسا، والأدهى من كل ذلك أن المحطة الفرنسية تؤكد أنها حصلت على رقم هاتف السفيرة من الملحقية الإعلامية السورية، مع تأكيد «رويترز»، أيضا، على أنها تلقت بريدا إلكترونيا من السفارة يؤكد الاستقالة! ولذا فإما أن هناك من يريد توريط السفيرة السورية من داخل سفارتها، أو أن هناك من يريد تسديد ضربة لوسائل الإعلام، وعلى غرار قضية «شهود الزور» بمحكمة الحريري الدولية فقط ليؤكد أن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية.
ومع منع النظام السوري لوسائل الإعلام من دخول سوريا وتغطية ما يدور هناك، ومع كل قصص النظام التي يبثها إعلامه، ولم تنطلِ على أحد، داخل سوريا نفسها أو خارجها، فربما تكون المحطة الفرنسية ذهبت ضحية عملية «شهود زور» جديدة!
tariq@asharqalawsat.com
الرولكس السورية
عبد الرحمن الراشد
الخميـس 08 رجـب 1432 هـ 9 يونيو 2011 العدد 11881
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
أتعجب بقدرة المبدعين في التقليد، يصنعون ساعات تحسبها رولكس أصلية، وملابس تظنها من دور باريس الفاخرة، وإلكترونيات يخدع مظهرها أكثر التقنيين علما. وفي نفس الوقت أتعجب لماذا لا ينتج المقلدون بضائع أصلية؟
سياسيا لم أجد في التزوير أفضل من الأجهزة السورية الرسمية إبداعا في النسخ والتقليد والتشويش والتمثيل. منذ حكاية أبو عدس السلفي اللبناني الذي قال في شريط فيديو علقه على شجرة إنه الذي قتل الحريري. وعشرات الذين ظهروا وقالوا إنهم شهود ثم انقلبوا على ما ادعوه. ومواقع إلكترونية مزورة أحدها يقدم نفسه على أنه موقع إسرائيلي ليخدع قارئه للوهلة الأولى ومهمته تشويه سمعة خصوم دمشق. وعلى الإنترنت لقطات فيديو مركبة توحي بأنها من إنتاج المعارضة وهي ليست كذلك. وفي الخارج يظهر على شاشات التلفزيون العربية والدولية من يقدمون أنفسهم على أنهم معارضون لكن تفاجأ أنهم يؤيدون الرواية الرسمية! وهناك منظمات حقوق إنسان ومراكز علمية تكتشف أنها ليست سوى أذرع رسمية، وهكذا.
في نهايات حرب العراق كان هناك رجل في دمشق يقدم نفسه على الإنترنت من «القاعدة» يتولى رعاية المنضمين حديثا للتنظيم في حين لم يكن إلا موظفا أمنيا سوريا ظهرت قصته لاحقا على الإنترنت.
وسبق أن أكلنا الطعم عندما صدقنا قصصا وشهود زور مدسوسين استخدمناها، لتصطادنا القناة الرسمية السورية وتقدمها كدليل على كذبنا، وكذب الإعلام الخارجي، وأننا نشن حملة تضليل موجهة ضد المواطن السوري. ويبدو أن هذا ما حدث لمحطة فرانس 24، التي أتخيل أنها استضافت سيدة زعمت أنها سفيرة سوريا في باريس ووعدتهم بأنها ستعلن استقالتها على الهواء، حدث يسيل له لعاب أي صحافي في العالم، وجعلوا كل شيء يؤكد أنها السفيرة. والقصة باتت معروفة لمن تابعها. وهي ليست إلا واحدة من القصص والشخصيات الكثيرة المنتحلة التي روجت لها الحكومة بهدف الانتقام من وسائل الإعلام وتشويه صورتها وكسر مصداقيتها.
لم أجد أكثر من السوريين، الرسميين، إبداعا في اختلاق القصص والصور والأخبار والمسرحيات، ضمن الحرب الدعائية. وهذا يدفعني لأتساءل أنه طالما لديهم هذا الجهد الضخم في التمثيل وتزوير الأعمال الإعلامية العالمية لماذا لا يقدمون أعمالا أصلية ترضي مواطنيهم وتجعلهم يصفقون لهم بدلا من المعارضة؟
إن السلطات السورية تنفق الكثير من وقتها وأموالها وكوادرها لتضليل الناس والتشويش على الإعلام، تبني مواقع إنترنت، وتبتدع شهود عيان مزورين، وتنتج مواد مصورة ملفقة، وتضع واجهات مراكز دراسات، وينتحل منسوبوها صفات سلفيين و«قاعدة» وإسرائيليين. طالما أن لديها هذا الجهد الهائل، والأفكار «الخلاقة»، والذكاء غير المحدود إذن لماذا لا تتفهم حاجات مواطنيها وتتفرغ لاستمالتهم بدل التدليس عليهم. وبدل تصنيع ساعات مظهرها رولكس؟ لماذا لا تصنع رولكس حقيقية؟ فأنت لا تستطيع أن تكذب على كل الناس كل الوقت.
alrashed@asharqalawsat.com
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=11881&article=625633&state=true