(08-23-2011, 11:42 AM)بهجت كتب: (08-22-2011, 07:10 PM)العلماني كتب: توفي اليوم، بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز الـ 89 عاماً.
كمال الشناوي هو أحد الوجوه المميزة جداً التي صنعت ألق السينما المصرية.
وردة على ضريحه

لنتذكر: الفنان لا يموت أبداً !!!
................................
ألاحظ يا أخ العلماني أنك شديد الإهتمام بالفن و الأدب المصري و ربما اللبناني أيضا ، رغم أني لا أرى الفن المصري أو اللبناني هامين ،ولا أشاهد الأعمال الدرامية العربية سوى في رمضان !، فهذا هو الطقس التعبدي الوحيد الذي أمارسه في شهر العبادات .
لهذا أعجب من اهتمامك رغم انك تعيش في بيئة غير عربية ، و تعمل في أوروبا التي تجيد لغات هامة منها . هل هو الحنين للعروبة عملآ بالمبدأ لقائل " فنك ( انفك ) الأعوج جزء من وجهك !".
أما كمال الشناوي فله مني
، فهو جزء من الماضي الذي أراه جميلآ ، لقلة الأزمنة الجميلة .
أهلين بكبيرنا، كيفك؟
لا أعرف ما هي معايير “الأهمية” بالنسبة “للفنون”، ومتى يكون الفن مهماً - بشكل مطلق - أو لا يكون. ولكني أعتقد بأن “الفنون” عامة هي “روح الثقافة” أو قل “روح الحضارة” والعنصر الخالد فيها.
أنا لا أعلم إذاً كيف يكون الفن “مهماً” بالمطلق، ولكني أعتبر كل إنتاج “فني” انتاجاً “مهماً” لأنه يعبر – بالمجمل - عن “ثقافة” شعب معين في عصر معين تعبيراً فريداً متميزاً لا يموت مهما تقادم عهد، بل أزعم أنه في كثير من الأحيان لا يتقادم ولا تنال منه عوامل الحث والتعرية عبر السنين. إنه دائماً وجبة شهية طيبة فريدة متميزة بخلطتها وبهاراتها وطعمها حتى لو كانت مصنوعة من مواد أولية بسيطة عامة في متناول الجميع. « فهوميروس” مثلاً ما زال أخاذاً في “الإلياذة”، و”فيرجيليوس” يبقى سيداً في “الإنياذة”، و”امرؤ القيس” لم تنل السنون شيئاً من فحولته حتى لو لم يعد أحد ينهج منهجه من الشعراء المعاصرين.
لا شيء يستطيع أن ينال من سحر الأهرامات وأبو الهول، وتمثال “النبي موسى” - المشهور المكسور الركبة – لا يستطيع أن يمحو ذكر “الكوليزيوم” والتماثيل الرومانية والإغريقية القديمة. ولوحات “بيكاسو” و”سلفادور دالي” لا تمحو أثر “ديفينشي” أو “دافيد” أو “فان غوخ”، مثلما لا تستطيع موسيقى “الكاونتري” ولا “الجاز” او “البلوز” أن تحل محل “كلاسيكيات موزارت وشوبان وبيتهوفن ويوهان شتراوس”.
كل “أثر” فني عندي إذاً، لا يحول ولا يزول ولا يشيخ – إلا بمقدار -. ولا يستطيع شيء من مثله أن يحل مكانه حلولاً تاماً مطلقاً ولا أن يأخذ من أهميته مقدار ذرة عند مريديه. و”الفن العربي” بشكل عام تنطبق عليه هذه القاعدة مثلما تنطبق على غيره. فلم يستطع أحد أن يأخذ من ملايين الآذان منذ ما يقارب القرن من الزمان تلك النشوة التي تعرو المرء عندما يستمع إلى “أنا هويت وانتهيت”. بل لاحظ أن “الحلوه دي” “لسيد درويش” ما زالت سلعة متداولة على لسان كل من يعرف “ألف باء” الغناء العربي حتى اليوم، ولا يستطيع طفل “شامي” أن يبلغ السابعة من عمره دون أن يسمع “بيا مال الشام ... يللا يا مالي”. « طب تصدق بالله يا كبير” لو قلت لك بأن “ابني البكر” - الذي ولد ونشأ في هذه القارة الغربية - لا تشجيه أغنية كما تشجيه “غنيلي شوي شوي”، هذا مع انه “غاوي مزّيكا” وخبير “بموزارت” مثلما هو خبير “بفرانك سيناترا وايديت بياف” و”مايكل جاكسون وإيمينم” وصولاً إلى “جستين بيبر”.
من ناحية أخرى، لربما فهمت عليك وأنت تتحدث عن “الأهمية” بأنك كنت تركز على “صناعة السينما” وتنظر إلى القفزة النوعية الدائمة التي تميز الأفلام الغربية بالمقارنة مع أشباهها العربية. ولكني أعتقد بأن هذا الفرق النوعي يكمن في في السينما بما هي “صناعة” أكثر مما يكمن في السينما بما هي « فن ». هنا ، لا شك بأنه كلما تقدمت “السبل التقنية السينمائية” كلما زاد الفن السينمائي ألقاً، مع هذا فالتقنية وحدها لا تنتج “فناً” وأعمالاً فارقة إلا في مجال ضيق صغير هو مجال “الخدع” السينمائية المعتمدة على هذه التقنيات المتقدمة والتي تبقى شحيحة الكف قليلة اللحم والشحم بالنسبة لمن يرتجي من السينما فناً طريفاً يهذب أحاسيسه وينمّي ذائقته ويصقل روحه ويعطيه الفرصة لسبر بعد آخر من أبعاد النفس الإنسانية وأسرار هذا الكون.فأعمال كثيرة مشهورة حققت العالمية وربحت الملايين (أعمال سلفستر ستالوني، وأرنولد شفارتزينجر مثلاً) لا تساوي شيئاً لو اعتمدنا الميزان الذي أتحدث عنه هنا.فهذه الأفلام مبنية على “الإدهاش” و”افتعال الخوارق” بشكل مصور، إنها استمرارية فجّة محدودة “مصورّة” لقصص الأبطال أنصاف الآلهة منذ “أخيلوس” حتى اليوم، وإعادة “علك” نفس العلكة القديمة مع تغيير طعم النعناع إلى طعم الكاراميل.
طبعاً، أنا لا أهدف إلى الاستهانة بالسينما الغربية أبداً، ولكني أزعم بأن أهمية “السينما الغربية” أتت ليس فقط من الإبداع الذاتي لهذه السينما ولكن نتيجة لعوامل خارجية كثيرة، منها السيادة الثقافية للغرب منذ دهر في عالمنا، لا مجال لذكرها هنا. ولكني إن كنت لا أستهين بالسينما الغربية فهذا لا يعني أن ليس لدينا نحن انتاجاً فنياً مهماً على الصعيد السينمائي. فالسينما المصرية في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات قطعت شوطاً كبيراً وأنتجت لنا أفلاماً رائعة، وأوصلت الكثير من المبدعين إلى قمم عالية. أما أهميتها فتكمن في “إقليميتها” المصرية العربية من ناحية، وتجسيد الكثير من الأعمال الابداعية الأدبية من خلال أفلام مشهورة من ناحية أخرى. ولن ننسى أن داخل هذه الأعمال الفنية الكثيرة التي تم تجسيدها تكمن هموم وهواجس المواطن العربي بين المحيط والخليج وجماع ثقافته كلها. هكذا تكون السينما العربية جزء من الفن العربي والذي بدوره يشكل “روح” الشعوب العربية في عالمنا وزماننا.
لعل الفن العربي ليس مهماً للأوسترالي أو الصيني أو الاسكندنافي، ولكنه هام لنا لأنه يمثل “روحنا” التي نعيش ونتنفس عبرها ومن خلالها، إنه إثبات وجودنا ومعين الملايين على أيامها وشاهد على ثقافتها. فلا أعلم حقاً، على الصعيد الشخصي، كيف تكون أيامي دون “فيروز” و”محمد عبدالوهاب” و”عبدالحليم حافظ” و”وديع الصافي” و”صباح فخري” و”الست”. ولا أعلم كيف أستطيع أن أضحك بشكل مكثف دون “مدرسة المشاغبين” و”شاهد ماشفش حاجه” و”فارس بني خيبان”. ولا أدري كيف تأسرني الطرفة والدهشة والفكرة دون أن أكون قد حظيت بمشاهدة “وادي المسك” لدريد لحام الذي يصور عبور مجتمع اشتراكي تكافلي إلى رأسمالية متغولّة. تصور أن مسلسلاً مثل “وادي المسك” لا يسمع أحد به اليوم، بينما يعتبر مؤرخ السينما ان مسلسلات مثل “دالاس” و”داينستي” و”توب موديلز” و”سكس إن ذا سيتي” من أجمل المسلسلات في تاريخ السينما ثم استنتج انت عن “الأهمية” و”دلالاتها”.
أخيراً، أعتقد – بناء على ما تقدم - بأن الفنون العربية هي هامة جداً، على الأقل بالنسبة للعرب أنفسهم لأنها تواكب ملايينهم التي تعيش على مساحة ملايين الكيلومترات كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية. وهي خالدة لأن الفن لا يموت، إذ “كل ما عليها فان، ويبقى فقط ما أبدعه المبدعون من فنون”. وأنا أعتقد أيضاً أنه لا مسوّغ لمقارنة الأعمال الفنية العربية بالأعمال العالمية ووضع سلم تراتبي لهذه الأعمال، فلا سلّم نستطيع من خلاله تصنيف الفنون المغايرة لأننا لا نستطيع مقارنة "البقرة" "بالحمار": فلا يمكن مقارنة “عبده الحامولي” و”سيد درويش” و”عبدالوهاب” بكبار مبدعي الموسيقى الغربية – إلا من ناحية الدور التاريخي فقط - لأن “العطاء مختلف” و”النغمة مختلفة”.
واسلم لي
العلماني