All virtue is summed up in dealing justly.-- Aristotle
تحياتي للجميع .
(09-09-2011, 09:02 PM)طنطاوي كتب: ...........
اعتقد هذا الموضوع هو فرصة جيدة للنقاش عن ملابسات المحكمة ككل ، استرعتني كلمة من بهجت ان المحاكمة ( لا تليق بدور مصر ) وهو امر غريب جدا، انا رايي ان مصر التحقت بالدول الناضجة في العالم بعد هذه المحاكمة ، ومن الممكن ان نؤرخ التاريخ العربي من يوم بدا محاكمة مبارك كرمز لكل القيم السلبية التي احاطت بنا .
طنطاوي .
مبدئيا أرى أن المصريين لهم الحق في محاكمة رئيسهم السابق و أتمنى حتى محاكمة الحالي في وقت ما ، أكثر من ذلك أرى شخصيا أن مبارك جزء من الماضي و أتمنى أن نتركه لقضاء عادل و أن ننظر للمستقبل الذي نتصرف معه كما لو أنه لن يأتي أبدآ . كل ما يحدث في محاكم مصر لا يهمني في شيء، لسبب بسيط؛ إنها بحد ذاتها لا تصنع واقعا جديدا قادرا على الاستمرار .
نعود إلى ملاحظتك لأني لا أرى مبررا من تعجبك فلست من يرى تلك المحاكمة فضيحة فقط بل أراها عارا قوميا ، و يراها كذلك كل المتحضرون في العالم ، أو يجب ان يفعلوا ذلك .
1- المحاكمة با زميلي شيء مختلف عن التنكيل و التشفي ، الأول عمل قانوني و الثانية عمل همجي . هل تلك هي الحضارة التي نفخر بها .. التشفي الذي بلغ أحيانا حد الفرحة الهستيرية (Euphoria) كما تعرضه بعض عناوين الصحافة ، بالإضافة لبعض زبائن الفضائيات الذين طالبوا بإعدام مبارك في شوق عظيم، بعد محاكمة عادلة بالطبع. فيقول «الأهرام» في 4 أغسطس 2011): «تحولت الشوارع والميادين في مختلف محافظات مصر إلى تظاهرة وعرس للديمقراطية المنشودة التي أفرزتها ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، حيث امتلأت الميادين بالشاشات العملاقة التي التف حولها الكبار والصغار منذ الصباح الباكر لمتابعة البث المباشر لمحاكمة الرئيس السابق ونجليه علاء وجمال وحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق و6 من مساعديه في قضية قتل المتظاهرين وإهدار المال العام. وكانت السمة المشتركة التي جمعت تلك الأعداد الكبيرة من المواطنين الذين التفوا حول شاشات العرض العملاقة هي حالة الفرح والسعادة والهتافات للعدالة والمطالبة بالقصاص من قتلة المتظاهرين ورموز الفساد الذين اغتصبوا قوت الشعب».. الفرح والسعادة؟ !.بماذا سيشعر المصريون إذن عندما يتمكنون من إطعام أنفسهم، وتسديد ديونهم، واسترداد أموالهم المنهوبة؟ واستصلاح صحراواتهم وإعدادها للزراعة، بماذا سيشعرون عندما يدخلون في منافسة مع الصين وبلاد شرق آسيا؟ بماذا سيشعر المصريون عندما يتمكنون من القضاء على الأمية؟
2- المحاكمة لم تجر وفقا لآلية قضائية مستقلة و لكن نتيجة لضغط الشارع ووفقا لمزاج الغوغاء ( الثوار !) .
3- ما أعترض عليه ويخيفني حقا هو استغلال المشهد إعلاميا وسياسيا لصنع حفل زفاف وهمي لا يوجد فيه عريس أو عروس بل مدعوون فقط، والإصرار على ضخ حالة من الفرح في صدور الناس تحجب عنهم رؤية مشاكلهم الحقيقية وضرورة التصدي لها وكأن محاكمة مبارك الهدف منها هو الحصول على إجازة طويلة نمتنع فيها عن التعامل مع مشاكلنا. إدامة حالتي «الفرح والسعادة» بغير مبرر حقيقي هو بالضبط ما أخشاه، لأنه دليل على عدم الرغبة أو العجز عن مواجهة تحديات السياسة والاقتصاد. محاكمة مبارك ورجاله ستستغرق أعواما طويلة، هذا هو ما يجب أن يعرفه الناس لكي لا تشترك في زفة لا توجد فيها ليلة دخلة. أهم ما يميز أي فرح هو ليلة الدخلة، أين هي في كل ما يحدث؟
4- الجلسات المذاعة لمحاكمة رئيس دولة سابق كانت فوضى ضارية أشبه بسوق روض الفرج قبل نقله ،وما سمعنا عن الجلستين الأخيرتين لم يختلف كثيرا ، ما شاهده العالم و القاضي يفصل بين المحامين الذين يتراشقون بالأحذية لا يليق بدولة من الدرجة العاشرة .
5- أين الكرامة و الحياة العصرية عند وضع رئيس مصر السابق راقدا على سرير مثل الذبيحة في السلخانة خلف القضبان ، بينما لم نشاهد صدام حسين خلف القضبان بل جالسا على كرسي في مواجهة القاضي ، رغم الفارق الهائل بين مبارك وصدام ، الفارق الوحيد أن الأمريكان هم من أدار محاكمة صدام و المصريون من يدير محاكمة مبارك !.
6- تتعالى الصيحات الثورية الآن مطالبة بالتطهير، أي تطهير حكومة مصر ومرافقها ومؤسساتها من رجال النظام السابق، هذا عن البشر.. ماذا عن مفرداتهم؟ ماذا عن مناهجهم في التفكير؟ ماذا عن تكويناتهم النفسية التي تجعلهم يضحون بالحقيقة والعقل من أجل المزيد من الشعبوية؟ .
7- أليس تستحق محاكمة رئيس جمهورية سابق عن جرائم سياسية أثناء حكمه إلى محكمة سياسية خاصة مشكلة من ممثلي الشعب كما ينص عليه محاكمة الوزراء و رئيس الجمهورية ، بدلآ من محاكمة الرئيس السابق وفقا لقانون جنائي لا يراعي خصوصية مثل تلك المحاكمات .
8- من يتحدث عن المساواة امام القضاء هو إنسان مثالي و لكنه لا يعرف شيئا عن العالم ، هل تعلم يا طنطاوي أنه عند محاكمة القاضي لا يحتجز في السجن ،و لكنه يعود إلى بيته حتى صدور حكم نهائي بالإدانة فيقوم بتنفيذ العقوبة ،وهل تعلم أن كل قضايا الرشوة لمستشاري مجلس الدولة انتهت بالحفظ و الإكتفاء بالإحالة للتقاعد رغم التلبس لحماية هيبة القضاء . ألا يستحق منصب الرئاسة معاملة مماثلة لمنصب القاضي ؟!.
9- هل سمعت بمحاكمة جاك شيراك وهل تعلم أنه جرى إعفائه من حضور المحاكمة نظرا لتدني حالته الصحية ، رغم أنه أفضل كثيرا من صحى حسني مبارك ؟
10- هل سمعت عن بينوشيه الذي أعفى من المحاكمة نظرآ لضعف ذاكرته و خرف الشيخوخة ، رغم كل جرائم بينوشيه الذي قتل في يوم واحد و بدم بارد ألوف الشباب الشيليين في ستاد سانتياجو .
فأي عجب عندما أقول ان تلك المهزلة لا تليق بمصر التي عرفتها و حاربت من أجلها
وأي حضارة تراها في تلك المهزلة ؟.
.......................
يبقى ان ملابسات المحاكمة طرحتها في شريط سابق .
http://nadyelfikr.com/showthread.php?tid=43358&page=3