مختصر الكلام على بلوغ المرام (2)
باب المياه
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: «هُوَ الطَّهُورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتَتُهُ»، أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة واللفظ له، وصححه ابن خزيمة والترمذي، ورواه مالك والشافعي وأحمد.
الطهارة في اللغة: التنزه عن الأدناس والأقذار، وفي الشرع: رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء، أو التراب عند عدم الماء، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].
قوله: باب المياه: الباب في اللغة: معروف، وفي اصطلاح المصنفين: جملة من العلم تحتوي على مسائل مخصوصة، والمياه: جمع ماء، وجمع لاختلاف أنواعه.
وهذا الحديث وقع جوابا عن سؤال، وهو أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، فأفاد صلى الله عليه وسلم أن ماء البحر طاهر مطهِّرٌ، وفيه مشروعية الزيادة في الجواب على سؤال السائل لقصد الإفادة، وذلك من محاسن الفتوى، قال الشافعي: هذا الحديث نصف علم الطهارة.
2- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ». أخرجه الثلاثة وصححه أحمد.
هذا الحديث وقع جوابا عن سؤال؛ وهو أنه قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء).
3- وعن أبي أُمَامَةَ الباهليّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الماءَ لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ إلا ما غلبَ على رِيحهِ وطَعْمِهِ ولَوْنِهِ» أخرجهُ ابنُ ماجهْ وضعفه أبو حاتم، وللبيهقي: «الماءُ طَهورٌ إلا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أو طَعْمُهُ، أوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فيهِ».
قال ابن المنذر: «أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس».
4- وعن عبد الله بن عُمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا كانَ الماءُ قُلّتين لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ» وفي لَفْظ: «لم يَنْجُسْ» أخرجه الأربعة.وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان.
الحديث يدل على أن قدر القلتين لا ينجس بملاقاة النجاسة؛ ويدل بمفهومه على أن ما دونهما ينجس بوقوع النجاسة وإن لم تغيره. والحديث له سبب؛ وهو أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال: «إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء»، وقوله: وما ينوبه من السباع والدواب، أي: فتنجسه بأبوالها وأزبالها.
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» أخرجه مُسْلِمٌ، وللبخاريِّ: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فيه»، ولِمُسْلِمٍ: «مِنْهُ». ولأبي داوُدَ: «ولا يَغْتَسِلْ فيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ».
قوله: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)، فيه دليل على المنع من الاغتسال في الماء الراكد للجنابة وإن لم يبل فيه. (قوله: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)، قال القرطبي: «نبّه بذلك على مآل الحال لأن البائل يحتاج في مآل حاله إلى التطهر به فيمتنع ذلك للنجاسة». انتهى. ولأحمد وأبي داود: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة»، وفيه دليل على المنع من البول في الماء ومن الاغتسال فيه من الجنابة، قال الحافظ: «النهي عن البول في الماء لئلا ينجسه، وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية، وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم؛ ولا فرق بين بول الآدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة. قال: ونقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير، وهو قول الباقين في الكثير.
6- وعن رَجُلٍ صَحِبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أنْ تَغْتَسِلَ المَرْأةُ بفَضْلِ الرَّجلِ، أوِ الرَّجُلُ بِفَضْلِ المرأةِ، ولْيَغْتَرِفَا جَميعاً». أخرجهُ أبو داودَ ، وإسْنَادُهُ صحيحٌ.
النهي في هذا الحديث محمول على التنزيه للأحاديث الصحيحة في جواز ذلك.
7- وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها. أخرجه مسلمٌ، ولأصحابِ السُّنن: اغْتَسَل بَعْضُ أَزْواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ، فَجَاءَ لِيغْتَسِلَ مِنْها، فَقَالَتْ له: إنِّي كُنْتُ جُنُباً، فقالَ: «إنَّ الماءَ لا يَجْنُبُ»، وصححه الترمذي وابن خزيمة.
فيه دليل على جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة، ويقاس عليه العكس، وهو قول أكثر أهل العلم، وروي عن الإمام أحمد.
8- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طَهُورُ إناءِ أحدِكُمْ إذا وَلَغَ فيه الكَلْبُ أن يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بالتُّرابِ» أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وفي لَفظٍ لَ-هُ: «فَلْيُرِقْهُ».
وللترمذيِّ: «أُخْراهُنَّ، أوْ أُوْلاهُنّ».
فيه دليل على نجاسة الكلب، ووجوب غسل الإناء الذي ولغ فيه سبعا، إحداهن بالتراب، والأَولى أن تكون الأُولى.
9- وعن أبي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ - في الهِرَّةِ -: «إنّها ليْسَتْ بِنَجَسٍ، إنّمَا هي مِنَ الطَّوَّافين علَيْكُمْ». أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي وابن خزيمة.
الحديث له سبب؛ وهو أن أبا قتادة سكب له وضوء، فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، فقيل له في ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات». وفيه دليل على طهارة الهرة وسؤرها إذا لم تكن النجاسة ظاهرة في فمها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه قيل له: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: «نعم، وبما أفضلت السباع كلها»، قال في نيل الأوطار: أخرجه الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة، وقال: له أسانيد، إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية.
10- وعَنْ أنَسِ بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أعْرَابِيٌّ فَبَالَ في طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قضى بَوْلَهُ أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذَنُوبٍ مِنْ ماءٍ، فَأُهْرِيقَ عليْهِ. مُتّفَقٌ علَيْهِ
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/Web/mobarak/0/...#ixzz1kkhjyHDW