أنا واثق تماماً بأن إسرائيل أقرب للعلماني من حماس وغزة عموماً .

ورغم ذلك يجب أن نعيد الأمر لبدايته حتى نفهم من هو سبب الكارثة :
أولاً : حماس فازت في إنتخابات نزيهة شهد لها الجميع، ورغم ذلك تم الإلتفاف على قرار الشعب الفلسطيني ومحاصرته وقطع كل شرايين الحياة عنه، وتم عقد مؤامرات بشعة من قبل الجميع ضد "التجربة الديمقراطية" الأولى في الوطن العربي، إنتهت بإجهاض حماس لمؤامرة عزلها وتحييدها عن الساحة -طبعاً العلماني يؤيد اجهاض التجربة الديمقراطية في مصر ويقف ضد حسم حماس في غزة مع الفارق التام بين حسم حماس وإنقلاب المملوك عبد الفتاح السيسي- .
ثانياً : بعد الحصار الشديد، تم شن اجتياحات واعتقالات بالجملة ضد الشعب الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة، وفي كل مرة كانت حماس هي "المدافعة" عن نفسها، لا يوجد مرة واحدة كانت حماس هي البادئة في أي حرب، سواء حرب 2008 .. حرب 2012 .. حرب 2014 .
ثالثاً : ما هي مطالبنا في هذه الحرب ؟ فتح ميناء بحري وجوي وفك الحصار وإخراج المعتقلين الذين أفرج عنهم في صفقة شاليط، وإيجاد ممر آمن للضفة الغربية، أي أن مضمون موضوع العلماني هي نفسها شروط حماس -التي تنازلت عن حكم قطاع غزة وسلمته- فعلى ماذا يعترض العلماني بالضبط ؟

يعترض على المطالبة بحقوقنا المشروعة ؟ أم يعترض على أن حماس هي التي تطالب بهذه الحقوق ؟ أم يعترض على قتالنا للجيش الإسرائيلي ودفاعنا عن أنفسنا ؟

لا يمكن فك ما يقوله العلماني دون الإنتباه لمشروعه بشكل عام، والقائم على نفي وسحق الإسلاميين عموماً، والموائمة والتوافق مع إسرائيل ومشروعها الإستعماري البغيض مع قيام إسرائيل بإعطائهم فتات دولة ممسوخة بلا سلاح ولا سيادة، وأي نقد لهذا الموضوع لا يجب أن يتجه صوب شعارات الموضوع المرفوعة-لأنها كذب والدليل موقف صاحبه الموثق في موضوع خالد عن مجزرة رابعة الدموية- بل صوب أسس ومعتقدات صاحب الموضوع التي أشرت لها .

وكأن إسرائيل نفذت "عشر معشار" المطالب التي وردت قبل ذلك ؟ وكأن عرفات نفسه لم يتندم على "التنازلات المؤلمة" التي قدمها هو مقابل "لاشيء" من قبل إسرائيل ؟ وكأن عشرين سنة وأكثر من المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي قدمت شيئاً للشعب الفلسطيني ؟ وكأن محمود عباس الذي قدم كل شيء لإسرائيل، وأنهى وجود المقاومة بالكامل من الضفة الغربية قادر على تقديم شيء لفلسطين ؟ ألا ترى حال الضفة الآن ؟ هو بنفس سوء قطاع غزة، بل أكثر تدهوراً، مع اطراد مذهل في بناء المستوطنات، معظم مدن الضفة وقراها محاطة بالمستوطنات، إسرائيل تسيطر على ماء الضفة وجبالها وتلالها، وتسيطر على معابرها، وتسيطر على المدن، وبحركة واحدة تستطيع عزل كل مدينة وتقطيع أوصالها، فما الذي قدمه أيضاً المشروع المنافس لحماس ؟

يبدوا أن حضرتك نسي شيئاً مهما، وهي أننا تحت إستعمار وإحتلال صهيوني بشع جداً، ويشكل آخر وابشع منظومات الإستعمار المباشرة، والإستعمار بطبيعته يقوم على "القهر والقتل" كآداة لإستمرار وجوده، ولا يقبل التواءم والتعايش مع الطرف الآخر بأي حال -بإمكانك الرجوع لكل التجارب القديمة والحديثة مع الإستعمار وإلى ماذا انتهت- ، ولذلك وظيفتنا الأولى كشعب مقهور هي المقاومة، وطبعاً الإحتلال الإسرائيلي ومن قبله الإدارة الأمريكية أرادوا من خلال اختراع قصة السلطة أمرين، الأول إلهاء الشعب عن مقاومته المشروعة ضد الكيان الإسرائيلي من خلال "تنمية زائفة" وتخييره بين "المقاومة وتبعاتها المرة" وبين "تنمية زائفة مشوهة" والثاني إيجاد طرف فلسطيني قادر على حماية أمن الكيان وضربه بأي طرف يفكر في المقاومة والقتال، وهذا يتضح جيداً من خلال ما فعلته السلطة في التسعينيات وما تفعله الآن في الضفة الغربية .

باختصار أسألك سؤالاً واحداً، هل ترى إمكانية الجمع بين "المقاومة" وبين "التنمية" في حالتنا الفلسطينية ؟ أم أنك ستختصر علي المسافة وتقول أنك ضد المقاومة بالكامل، حينها سنترك كل هذا الهراء الذي نتحدث به، ونعود لأساس المشكلة من البداية .

أما إنجازات حماس، فحماس يكفيها تحريرها لقطاع غزة، ومقدرتها على إدارة الحصار وتعزيز ثقافة الصمود في غزة، وبناءها لجيش قتالي مقاوم يحفظ أمن القطاع وبسلاحه الآن -سيعزز مطالب شعبنا وحقوقه التي أنت نفسك تطالب بها- ، وأما عملية "إفشالها" الإقتصادية فمن يتحمل الدور الأول والأهم والأبرز هي إسرائيل أولاً والعالم الدولي الذي قرر محاصرة قطاع غزة مقابل شو، قال مقابل الإعتراف بإسرائيل "أتحداك أن تأتي لي بنص قانوني دولي يبيح هذا الأمر- .

سأسألك سؤالاً ثانياً، ماذا لو تمكنت حماس من فك حصار غزة وبناء الميناء والمطار الدوليين، وإعادة إعمار القطاع، هل ترى بأن هذه المطالب كانت ستتحقق لولا صمود حماس وقتالها الأسطوري في هذه الحرب ؟ ولا انت مفكر انه وفد عزام الأحمد وعريقات هم من سينتزع هذه المطالب، حينها راح ازعل منك .

كلامك مغلوط يا علماني، من أخرج إسرائيل من قطاع غزة هي "حماس" حتى وإن لم تكن داخل دهاليز الحكم، لأن مقاومتها ليست مرتبطة بالحكومة، بل هي قبل ذلك بعشرين سنة، وبالمناسبة، مشروع حماس المقاوم هو أطول مشروع "قتالي" في تاريخ القضية الفلسطينية، كما أنها أول مشروع قتالي ينطلق من داخل فلسطين، وهي التي أدخلت المقاومة المسلحة و"قوة عودها ونمتها" داخل فلسطين، منظمة التحرير معظم قتالها انطلق من خارج فلسطين، كما أن مشروعها الكفاحي التحرري عمره 15 سنة، والباقي مفاوضات أو شبه مقاومة مشوهة، وبإمكانك الرجوع لمقال أسعد أبو خليل الجديد حول المقاومة الفلسطينية في غزة ومقارنتها بتجربة منظمة التحرير -وطبعاً لا يمكن أن يكون مثل أسعد أبو خليل متحيزاً لحماس إلا إذا كنت أنت متحيز لداعش- .

ليست حماس من جلبت الكوارث للشعب الفلسطيني، إلا إذا كانت المقاومة الفيتنامية هي التي جلبت الكوارث لفيتنام-فيتنام حتى الآن لم تتعافى من أضرار الغزو الإستعماري الأمريكي- وإلا لكانت المقاومة هي المتسببة في مقتل مليون ونصف شهيد جزائري، حماس حركة مقاومة، وستبقى في المقاومة مهما كلف الأمر، ما نراه الآن من "كوارث اقتصادية وبشرية" سببه مقاومة الإحتلال، ورد الإحتلال الإجرامي على مقاومته، القضية بدهاش فلسفة ولا تحليل رياضي .

وعدنا نحيد منطلقات المقاومة جانباً، يا صديقي ليش انت مش راضي تستوعب ؟
حماس أثناء حكمها لقطاع غزة، تم فرض الحصار عليها، ولم تكن هي البادئة في أي حرب شنت عليها، ما دخل حماس بفرض الحصار عليها سوى أنها حركة مقاومة ؟ وهل لو كان هناك أي تنظيم غير إسلامي سار على خطى حماس في المقاومة فهل تعتقد أن الوضع سيكون أفضل ؟ بعد حرب 2008 تم خنق غزة أكثر فأكثر، وبعد حرب السجيل 2012 كانت شروط التهدئة فك الحصار والسماح لغزة لحرية الحركة والمرور، ولكن إسرائيل بعد شهور قليلة خرقت التهدئة وأوقفت كل هذا، وخنقت حماس أكثر فأكثر، وفي كل مرة حاولت حماس تجنب حرب غير متكافئة، وتحملت حجم الخروقات الإسرائيلية، والقصف الدوري ضد قطاع غزة .

وفي النهاية تنازلت حماس عن الحكم بكل ما فيه، وسلمت الحكومة لسلطة محمود عباس بالكامل، ولكن هل فك الحصار ؟ على العكس زاد أكثر فأكثر، وحكومة الجبان عباس رفضت ضم عناصر حكومة حماس لحكومتها وإعطائهم الرواتب التي هي من حقهم الطبيعي، ووصل وضع غزة للحضيض، ورغم ذلك لم تبدأ حماس بالحرب، بل إسرائيل هي من بدأتها استهداف عناصر ومقاتلي القسام وقصف غزة بشكل مكثف، فماذا تريد من حماس بعد كل هذا ؟ أتصمت ؟ أتريد منا يعني أن نموت بصمت وبكل هدوء ؟

ما وصلت إليه غزة الآن، هو نتاج مؤامرة وحصار وتضييق إسرائيلي أمريكي عربي منذ ثمانية سنوات، والضغط يولد الإنفجار "المعادلة مش صعبة على ما أعتقد" .

لكن أنت صدقاً تحركك ميولاتك وبغضك الشديد للتجربة الإسلامية في فلسطين، ومن هذا المنطلق يمكن تفهم موقفك، وإلا فلو كان مكان حماس عبد الناصر لكنت الآن تعتبر غزة "ناصرجراد" .

وبما انك تتحدث عن وسائل جديدة، يلا اتحفنا بوسائلك لمقاومة الإحتلال وتجنب تكاليف هذه المقاومة !!