يعرّف الدكتور محمد عبده غانم الأغنية الصنعانية في كتابه (شعر الغناء الصنعاني) فيقول : ( هي أغان صادرة عن صنعاء أو مستلهمة منها ، وهي تعرف بما لها من مميزات موسيقية معينة تميزها عن غيرها من الأغاني اليمنية ).
يعود تراث الغناء الصنعاني العريق الى مئات السنين ، ويعتمد في بقائه على مافيه من تعابير شعبية قوية تتمثل في كلمات هذه الأغاني وموسيقاها التي تكاد تغطي اليمن الطبيعية بأسرها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى على الاهتمام الخاص الذي أبداه رجال الموسيقى والمولعون بهذه الأغاني ، في عدن وفي غيرها من أرجاء اليمن ، ذلك الاهتمام الذي أنقذها من الضياع بسبب ما تلقاه الموسيقى عموماً من تعصب رجال الدين وبسبب بعض التعصب للموسيقى المحلية الناشئ عن النظرة الإقليمية الضيقة والتحزب السياسي وبسبب المنافسة التي تعرض لها الغناء الصنعاني بانتشار غيره من ألوان الغناء في اليمن .
هذا ولم يدخل التجديد على آلات الطرب المستعملة في الموسيقى الصنعانية إلا حديثاً ، ويظهر هذا التجديد في الاستعاضة عن العود ذي الأوتار الأربعة والبطن المغشاة بالرق ، بالعود ذي الأوتار الخمسة والبطن المغشاة بالخشب ، وعن الصحن بالدف ، وعن المرواس بالدربوكة ، كما يظهر التجديد في إضافة آلة الكمنجة أحياناً .
ومن مشاهير الغناء الصنعاني نذكر على سبيل المثال : علي أبو بكر باشراحيل ، إبراهيم الماس ، أحمد عبيد قعطبي ، علي عوض الحراش ، محمد الماس ، علي الجمالي ، صالح العنزي ، عوض عبد الله المسلمي ، أما معاصري هذا اللون والذين لا يزالون على قيد الحياة فمنهم محمد حمود الحارثي ، أيوب طارش ، أحمد السنيدار .
العود الصنعاني أربعة أوتار وذراع بجلد الماعز ومرآة يعدل فيها الفنان هندامه
صنعاء: صادق السلمي
صنفت منظمة اليونسكو فن الغناء الصنعاني من الروائع العالمية لامتلاكه عدة مميزات جعلته متفرداً عن الألوان الغنائية اليمنية وكذلك العربية والعالمية، ويقول الباحث الموسيقي الفرنسي الدكتور جان لامبير أحد أبرز المهتمين الأجانب بهذا الفن إن الغناء الصنعاني يتفرد بعدة مميزات تقنية وجمالية وإيقاعية إضافة إلى تميز كلماته وشعره الخميني الرقيق.
ولما لهذا اللون الغنائي اليمني من تميز جعله محط أنظار دراسة كثير من الدارسين واهتمامهم, فإن ما يلفت النظر أخيراً اهتمام وزارة الثقافة اليمنية بدراسة واقع هذا اللون بهدف تطويره والخروج به من الحدود الجغرافية البسيطة التي ما زال واقعاً في أسرها.
وبمناسبة اختيار صنعاء عاصمة للثقافة العربية لعام 2004م نظمت وزارة الثقافة اليمنية ندوة "فن الغناء الصنعاني... جذور وآفاق" تحدث فيها فنانون وباحثون أجمعوا على أهمية الخروج بهذا اللون إلى مساحات أوسع وبتوزيع موسيقي حديث, خاصة أن كل مخرجات هذا اللون من الأغاني ظل أسير قوالب وأشكال لم تجدد منذ قرون لما أحيط به من هالة (تقديس) حصرته في مكانه وحاله دون تغيير, حتى الأغاني اليمنية الجديدة المنتسبة لهذا اللون ظلت ضمن السياق نفسه، ولم تستطع الخروج إلى آفاق أرحب، ولكن يصعب التعامل معها على المسرح أو التلفزيون، طالما لم تتغير وتتجدد, فالمستمع والمتابع للفنانين اليمنيين الجدد الذين يقدمون اللون الصنعاني سيجد أنهم لم يخرجوا من الإطار الذي رسمه فنانو الأغنية الصنعانية الذين خرجوا بها إلى السطح وأشهروها منذ أربعينيات القرن الماضي وأبرزهم أحمد القعطبي والأخفش والسمة والآنسي.
وحسب بحث الباحث في التراث الشفهي اللامادي رئيس المركز اليمني الفرنسي للدارسات الاجتماعية في صنعاء جان لامبير فإن " فن الغناء الصنعاني يتفرد بعدة مميزات تقنية وجمالية وإيقاعية، إضافة إلى تميز كلماته وشعره الخميني الرقيق"، يقول جان لامبير إن الغناء الصنعاني يرتكز على آلتين مميزتين لا تستخدمان في أي نوع من أنواع الغناء، تنسجمان وتتحدان مع الكلمات والعزف والصوت المميز، وهاتان الآلتان هما العود والصحن.
فالعود الصنعاني الذي قامت عليه الأغنية الصنعانية يتكون من أربعة أوتار وبطن وذراع مغطى بجلد الماعز ومرصع بالنحاس، وفي أعلى ذراع العود توجد مرآة اختلفت التفسيرات حولها، بعضهم يقول إن المرآة وجدت لكي يطمئن الفنان على هندامه قبل بداية الغناء.
وقد انتشرت آلة العود اليمني في كل المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا وجزر القمر، ولا شك أن هذه الآلة وجدت في زمن قديم لم يتسنى معرفته بعد على وجه الدقة، أما الصحن فهو آلة إيقاعية بسيطة، ولكنها متميزة، وقد يكون الصحن من الحديد أو النحاس، إلا أنه في القديم كان يستخدم صحن النحاس فقط للعزف، ويسمى صحن المميا، وهذه التسمية مجهولة لم يعرف مصدرها أو معناها.
والصحن موجود في تراث الشرق الأقصى، ولكنه يوظف بشكل مختلف تماماً، حيث يعلق الصحن ويعزف بالضرب عليه بضربات متلاحقة، ولكن في اليمن يعزف عليه بطريقة مختلفة تماماً ويوظف توظيفاً آخر حيث يكون الصحن على الأكف ويعزف عليه بطرف الأصابع " الأنامل " بشكل عمودي من الأسفل إلى الأعلى.
ويختلف عزف الرجال عن عزف النساء, اللاتي يعزفن عليه بخفة بخاصة في المناسبات والأعراس, والعزف يعد أهم من الآلة كونه يؤدى بشكل مبدع وفريد يجسد الروح الصنعانية والثقافة الصنعانية المميزة والعميقة.
ويقول الباحث اليمني أحمد السلامي في ورقته حول عوامل ركود الأغنية الصنعانية: "لا بد من الإشارة إلى أن تقسيم الفنون الغنائية اليمنية على النحو السائد فيه خطأ منهجي يدركه الدارسون للموسيقى، بمعنى أن الاصطلاح على مفهوم الأغنية الصنعانية فيه لبس علمي من جهة كونه يعد اجتراراً لتصنيف إعلامي شعبي لا أساس له من الصحة.
من جهته يشير الباحث الموسيقي اليمني جابر علي أحمد إلى أن التركيز الشديد على تأكيد الملامح الخاصة بالأغنية الصنعانية يعدُّ عاملاً من عوامل ركودها, بمعنى أن حقيقة كون هذا اللون الغنائي يمتلك مواصفاته الخاصة الثابتة يعدُّ بحد ذاته عائقاً أمام تطوره.
ويقول إن من مميزات الأغنية الصنعانية التقليدية وجودها في المدى المحدود من الأنغام الموسيقية التي يمكن أن يعزف بها اللحن على العود، ويمكن استنتاج ذلك من أن معظم الأغاني الصنعانية إن لم نقل جميعها, من الممكن عزفها على الأوتار الثلاثة الأولى للعود في مدى إحدى عشرة نغمة من الأنغام الخمسة عشر التي يمكن الحصول عليها عادة من العود ذي الخمسة أوتار.
ويشير جابر علي أحمد إلى خطورة استمرار انجرار الفنانين الشباب إلى إرضاء ذوق رواد المقيل اليمني وتكييف جديدهم الغنائي مع الذائقة السائدة التي برمجت حاستها السمعية على نمط إيقاعي رتيب لا يتيح للفنان الانطلاق نحو آفاق أخرى، بل إنه يقفل في وجهه أبواب التحرر من أسر التصفيق والإعجاب الذي يبديه الجمهور في هذا النوع من النشاط الاجتماعي، ويرى أن البديل المناسب لحل هذه الإشكالية هو الخروج بالأغنية الصنعانية من الغرف المغلقة إلى القاعات الفسيحة ذات الطابع المسرحي الاحتفالي الجماهيري الخالي من طقوس المقيل المعقدة.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2004-04-01...e/culture08.htm
تقارب أوزان الحميني جعله امتداداً للشعر النبطي
محمد العبدالعزيز العرفج
مدخل:-
تشعب الشعر الشعبي في الوطن العربي منذ مئات السنين، والمؤرخون والأدباء رأوا ولايزالون أن الشعر بشكل عام موطنه الأصلي في نجد، وقد كانت بداية الشعر الشعبي في نجد مع بنو هلال بن عامر بن صعصعة العدناني الذين عاصروا المؤرخ الإسلامي الشهير ابن خلدون كتب عنهم وعن أدبهم.
كما كتب عنهم الأديب محمد عبدالرحيم في كتابيه (سيرة بنو هلال) و (وتغريبة بنو هلال أنهم تفرعوا بعد ذلك إلى الحجاز ثم تحولوا إلى بادية الشام وأطراف العراق في القرن الرابع، وبعض الدول الأفريقية، ومنها إلى صعيد مصر فكانت لهم أسوان وأكثر بلاد الصعيد، لذلك انتشر الشعر الشعبي معهم في أرجاء الأماكن المذكورة.
ماذا عن اليمن؟
نظم الشعر الشعبي في اليمن قديما، وذلك قبل ذهاب الأمير حسن بن سرحان الهلالي تقريباً في سنة 440ه الموافق 1048م للملكة خرما بنت الملك النعمان سلطان اليمن، عندما أسر أخوها الملك سليمان في بلاد برزخا، وأراد أن يخلصه من الأسر دون أن يأخذ منها مالاً أو سلاحاً، وقد قالت تمدح الأمير حسن:-
بدت خرما بنت سلطان اليمن
تمدح حسن اللي نسل سادات
أنت الحسن حاوي لكل لطافة
أمير شهير بأحسن العادات
وأبيات أخرى قالتها بعد أن تبدلت الأحوال بينهما تطلب من أبي زيد الهلالي أن يشفع لها عند ابن عمه الأمير حسن منها:
فإن كان كل غيظة لآجل نديمه
نعطيه فديه من ذهب رنان
وإن كان يرغب غير ذلك فقل لي
وخلصني ياسلامه من الأحزان
وقال أخوها الملك سليمان يخاطب أبو زيد:
يقول سليمان الحزين الذي شكا
بدمع جرى فوق الخدود سكيب
سلامي عابي زيد الهلالي سلامه
سلام محب من فؤاد كئيب
أبو زيد ياكاسب من القول والثنا
يامن ظني فيك ليس يخيب
تشفع بنا عند الهلالي أبو علي
يمد العفو منه قريب
وغير ذلك مما وجد في الشعر اليمني القديم المعاصر لبنو هلال كشعر الست ريما وزين العرب الذي ذكره الأديب محمد عبدالرحيم في كتابه (سيرة بنو هلال).
والحقيقة أن الشعر الشعبي في الوطن العربي كله متقارب، ونسمع مقوله كثيراً ماتتردد على ألسنة الشعراء النبطيين والصحفيين: (الشعر النبطي امتداد للفصيح) دون أن يعي أكثرهم معناها، وهي أن الشعر النبطي تميز بألحانه وطروقه التي هي نفسها البحور الفصحى التي أوضحها وبينها لنا الخليل بن أحمد الفراهيدي.
فقد كان القدماء يسمون الشعر الشعبي في نجد ب (الشعر النجدي) وفي الحجاز ب (الشعر الحجازي) وفي الكويت ب (الشعر الكويتي) إلخ، وفي العهد القريب جمع على تسميتها جميعاً ب (الشعر النبطي)، وقد ذكر عن نشأته وسبب تسميته الدكتور سعد العبدالله الصويان في كتابه (الشعر النبطي ذاكرة الشعب وسلطة النص) والذي كتبت قراءة عنه وضع في جزءين على هذه المطبوعة في نفس هذه الصفحة، يمكن أن يرجع إليه القارىء الكريم ليطلع على ماكتبه الصويان عن تسميات جميع الأشعار الشعبية في الوطن العربي.
سبب تسمية الشعر
اليمنى بالحمينى:-
سمي الشعر اليمني ب الحميني نسبة إلى الشاعر محمد بن عبدالله شرف الدين الملقب بالحميني فقد توسع وأكثر من نظم الشعر الشعبي اليمني فنسب الشعر اليمني له كما نسب الألحان اللعبونية إلى ابن لعبون والألحان الحميدانية إي حميدان الشويعر ولكن الشعر اليمني بالذات سمي كله بالحميني نسبة إلي هذا الشاعر الذي أبتكر أشكالاً من بعض الأشعار الغنائية مع أنه كان يسمى الشعر الشعبي في حضرموت ب (الشعر الحضرمي) والشعر الشعبي في لحج ب (الشعر اللحجي) إلخ.
أوزان لشعر الحميني:
أوزان الشعر الحميني هي نفسها أوزان الشعر النبطي إلا أن أكثر ما يوزنون عليه أهل اليمن هو الصخري والمسحوب والهجيني ويسمونها باسماء أخرى.
قال الأديب اليمني محمد بن عبدالقادر بامطرف في مقدمة كتابه (الميزان): "لذلك نجد بين عشرائنا الشعبيين/ المتعلمين والأميين/ من يذكر في أشعاره إشارات إلي بحور شعر كالبحر العشري أو المثمون أو المسدوس أو الربوع.. ولقد تتبعت تلكم التسميات البحورية مع بعض أصدقائنا الشعراء الشعبيين في حضرموت وناقشت معهم بحور الشعر التي يذكرونها بين آن وآخر، فألفيتهم غير متفقين علي تحديدها، ولا يعلمون لماذا سمي البحر المسدوس مسدوساً على سبيل المثال، ولايجزمون بصورة قاطعة بأن هذا البحر من هذا النوع أو ذلك" أ.ه
ماذا عن اللهجة؟
وقد ذكر بامطرف في كتابه المشار إليه تحت عنوان (من خصائص اللهجة الحضرمية المستعملة في الشعر الشعبي اليمني): "أن لكل لهجة من اللهجات اليمنية العديدة خصائص لاتجدها في بقية اللهجات اليمنية ومن تلك الخصائص ماهو متعلق باللهجة الحضرمية وتستعمل هذه الخصائص في الأشعار الشعبية إما كغرائز، وإما على اعتبار أنها من صميم اللهجة، وإما أنها من ابتداع الشعراء الشعبيين أنفسهم".
وبعد ان استدل بأبيات عدة تحتوي على الألفاظ الحضرمية قال: "فإن هذه الخصائص متداول استعمالها بين الشعراء الشعبيين الحضارمة، منها ماهو من اللهجة الحضرمية ومنها ماهو من ابتداعات الشعراء أنفسهم ولكنها جميعها أصبحت من صميم التراث الأدبي، ومعترفاً بها ولا يستغني أي شاعر شعبي عن الركون إليها عند الضرورة".
وفي الأخير ذكر: "أما فيما يتعلق بحذف أو إخفاء أو زيادة بعض الحروف في بعض الكلمات بغرض استقامة وزنها الشعري وكذا فيما يتعلق بإدغام بعض الأحرف في بعضها تجنباً للثقل في النطق، فإن اللهجة الحضرمية لا تختلف عن سواها من اللهجات اليمنية الأخرى واللهجات العربية الأخرى وما أكثرها!!" أ.ه
أليس هذا هو الحاصل في الشعر النبطي؟ سرد الأديب بامطرف عن المسميات والاختلاف فيها، وعن الخصائص في اللهجة الحضرمية فإن اللهجة الحضرمية ماهي إلا لهجة نجد بحذافيرها وأبصم على ذلك بالعشرة أليس أهل نجد يقولون: (وين تبي ريض؟) هذه هي اللهجة الحضرمية!!
الشعراء اليمنيين:-
هناك شعراء يمنيون أعلام كشاعر الحماسة والعرضة الأمير أحمد بن فضل العبدلي ( 1303- 1362ه) الملقب بالقمندان وشاعر الوجدان حسين بن أبي بكر المحضار (1422ه) وشعراء الرقة الذين شعرهم يشبه شعر البهاء زهير والشعر الأندلسي في رقته وخفته كعبدالرحمن الآنسي والقاضي الآنسي الأكبر وغيرهم كثير.
وقد كتب عن الشعر اليمني الأديب محمد سعيد كمال الذي جمع بعض أشعارهم في الجزء الأخير من سلسلة (الأزهار النادية من أشعار البادية) وكتاب (الطرائف المختارة من شعر الخفنجي والقارة) وكذلك الأديب السعودي المعاصر أحمد حسين شرف الدين.
دعونا نقرأ مثالاً على الشعر اليمني الحميني لشاعر معاصر شاب من محافظة أبين اليمنية يدعى محمد بن عبدالله المشهور بكنيته (أبو أحمدي):
جاهل صغيرون لا يخشى ولا يرحم
رفع قناعه وهو بني من عيانه
قدني جري وبس ماطاعني اتكلم
من كثر مازينه الله سبحانه
عيون تسحر وفيها الموج يتلاطم
من شافها تقتله بالسحر مليانه
حنا جنودك وأنت القايد الفندم
وانت مدير الهوى قايده واركانه
ياليتني ساعته ولى معه خاتم
ولى أكن له وزغ يلبسني بآذانه!
تفداك الاموال ياحبوب وانت تسلم
تفداك الاموال ليت المال لا عانه
ماتتقي الله ياحبوب وماترحم
وكم ضحايا ضحت في الحب تعبانه
ومعنى (عانه) في القصيدة عمله كانت متداولة قديماً في جنوب اليمن، وهذه القصيدة دليل كبير على المقولة التي عنونت بها مقالي (الحميني والنبطي عينان في رأس واحد).