السلام عليكم:
تابعت منصتاً لكلٍ منكم يروي قصته مع اللادينية , واعترف انني قد وجدت الموضوع ممتعاً:) .
بصراحة اجد نفسي كثيراً فيمَ قاله الزميل نيوترال , فقد كنت متفوقاًً في دراستي , ودائماً ما كنت افكر بطريقة خاصة مختلفة عن زملائي , نوع من التفكير العلمي الفطري , ربما اكتسبته من العائلة .
بدأت الاهتمام بالسؤال الفلسفي منذ زمان بعيد, تقريباً منذ كنت بالصف الاول الثانوي , ورغم بعدي عن اي افكار فلسفية حقيقية في ذلك الوقت الا انه كانت لي بعض المحاولات البائسة لاستنتاج بعض المبادئ الفلسفية من الدوال الرياضية :)
وكما يفعل جميع "الدينيين" , فقدكانت لي احلامي الروحية الخاصة , ولكنني لم ار المسيح أو محمداً كمايحدث في هذه الاحلام عادة .. فقد رأيت الله نفسه.. رأيته مجرداً , كمية لا يعرف كنها , رأيت نفسي نائماً في قبة زجاجية في الفضاء , والله فوقي وانا اشعر بشعور هو مزيج من اللهفة والفرح والسعادة انني قد "نجوت" . اخذت اياماً افسر في هذا الحلم , ولكنني لم استطع تفسيره وقتها( رغم ان تفسيره سهل , و يرتبط مباشرة بالاثباتات الرياضية التي كنت اثبت بها وجود الله وكثرة تفكيري فيه).
علي انني رغم ذلك كانت لي انتقادات متواضعة للاسلام في ذلك الوقت , من ضمنها "تقديس" محمد , ولهذا وجدت نفسي في الفكر الوهابي الذي "يخفض" من منزلة محمد والتي رفعتها اليه "الثقافة الشعبية" الاسلامية .
كانت الوهابية- واعني بالوهابية الفكر النابع من كتاب محمد بن عبد الوهاب (التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد) والذي درسته بتمهل كافٍ لجعلي اعرف كل مافيه- اقول , كانت "مرحلة" مريحة في حياتي , اشبعت فضولي الفلسفي , وسكنت الي حد ما من غضبي من تقديس محمد , ولكنني لم انتبه الي الخطر الكارثي الذي تمثله نظرة الوهابية الي المجتمع , فالوهابية تساوي ين كل البشر صحيح وتؤكد علي انه " وان منّا الا واردها" صحيح ايضاً ولكنها بعد هذا كله , تقدس مجتمعاً قد رحل , وتؤلهً نصوصاً قديمة , والمصيبة الحقيقية ان الوهاية شرسة جداً في موضوع الادلة , من قرأ كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب يعرف هذا جيداً , فالكتاب مقسم لفصول وكل فصل فيه مجموعه من الايات وتحت كل ايه فسيرها بما يخدم عنوان هذا الفصل ...
الفكر الوهابي يبدأ بالدليل , وتاتي اللغة البشرية بعد ذلك , فهو فكر يؤله النص , والمشكلة ان النص نص فاسد وقد كسد سوقه بسبب الحداثة التي المت بالمجتمعات وخلفت النص ورائها.
احد اكبر الازمات الفكرية التي اثرت ً في وقتذاك , هي مسالة تطبيق حدود الله , ورغبتي في
ان اطيع اوامر الله واواصل عبادتي لنصه "علي فهم الصحابة "-كما يتشدق المتشدقة الوهايون- وبين رغبتي في ان اصبح -انا ومجتمعي- جزءاً من المجتمع الانساني ككل , احراراً في قرارانا ومصيرنا كما هي الحال في كل المجتمعات البشرية في كل ارجاء المسكونة.
ولم احصل علي جواب , ولن احصل , فمن عبأت الوهابية عقله لن يرتاح -ان كان صادقاً مع نفسه- لاي جواب لمسألة تأليه النص في الاسلام . نعم هناك محاولات رصينة وجادة ويؤمن بصحتها كثيرون لاعادة تفسير النصوص , ولكنني لا اجد هذه المحاولات تملك وزناً مثل هذا الذي تملكه الكتابات الاصولية الصادقة مع نفسها...
طبعاً كانت هناك مسائل هامشية اخري ومعظمها يتعلق بالتعارض يين نظرة الدين للكون ونظرة العلم له.
وهنا كان ينغي اتخاذ القرار , فاما البقاء مع الوهابية واترك حينها ضميري العلمي ينهش في اوصالي نهشاً , أو ان اكذب محمداً واترك ضميري الديني ينهش فيّ نهشاً. فكانت معركة الضميرين التي انتهت بحل وسط وهو ما انا فيه الان.
وكاجابة لسؤالك اخي محارب النور , لا استطيع ان اقول ان شيئاً ما قد تغير فيً خارجيأً فأنا مازلت مسلماً محترماً, يصلي معظم الصلوات , ويصوم في رمضان , ويقرا القران , وان صارت ارائي "معتدلة" اكثر من ذي قبل.
هل شاهد احدكم فيلم Cast Away للمثل الامريكي Tom Hanks ?
في هذا الفيلم الجميل يحاصر الممثل علي جزيرة بعد ان تحطمت الطائرة التي كان يركبها ونظراً لانه كاد ان يجنّ وحيداً فقد اضطر الي محادثة كرة سلة وجدها في حطام الطائرة , كان يحادثها طوال الوقت , وبعد اربع سنوات يمضيها وحيداً بالجزيرة , يتضح انه صار يعتبر الكرة التي استنطقها ليحافظ علي نفسه من الجنون , صار يعبترهاانساناً له فهم! حتي انه عندما بني سفينه صغيرة ليغادر الجزيرة , اخذ هذه الكرة معه .
لقد صار "يقدس" الكرة بشكل جنوني ...
المشهد المؤثر بالفعل هو عندما تسقط هذه الكرة بالمحيط , يحاول استعادتها , ولكنه يتنبه ان السفينة تسير باتجاه بحيث لا يستطيع ان ينقذ كرته وان يركب السفينة في نفس الوقت , فاضطر عندها ان يترك الكرة محادثاً اياها:
Sorry I Can't...
I Cant!
لقد كان علي وشك البكاء , ولكن عقله اجبره علي ترك الكرة لانها ضد "التقدم".
تحية