بداية و قبل كل شيء أود أن أوضح أن هذا الموضوع ليس انتقاصا لأي حركة مقاومة فلسطينية و لا تفضيلا لاتجاه على آخر و إنما عرض لبعض المعلومات التي و للأسف يجهلها الكثيرون.
يعتقد البعض أن الوطنية و الشرف محصورة لمن آمن بالله و أن من ليس لديه وازع ديني ليس مستعد لتقديم التضحيات و يبدأ بعد ذلك بخلط المقاهيم متجاهلا أو جاهلا لبعض الوقائع التاريخية, لن أخوض في تاريخ النضال الفلسطيني و الاتجاهات الفكرية لحركات المقاومة, فليس هذا ما أريده, أريد أن أذكر من نسي و أعرّف من لا يعلم ببعض أبطالنا الذين نسيناهم أو تناسيناهم, و أجو ممن يعلم أن يضع بين يدينا شيئا مما لديه.
لعل أول اسم يخطر ببالي من منسيينا عروس الجنوب
سناء محيدلي
ولدت سناء محيدلي في بلدة عنقون قضاء صيدا ، (7 كلم من مدينة صيدا) جنوب لبنان ، في 14/آب/1968 والدها يوسف توفيق محيدلي . توفيت والدتها فاطمة و هي في الثالثة من عمرها ، و عاشت بعد ذلك في كنف والدها الذي كان ملتصقا بها بعد وفاة والدتها وتزوج بعد ذلك ليكون لسناء اخت واحده - عبير و ثلاثة اخوه هيثم و محمد و رامي, نمت سناء ميحيدلي في بيت و طني حيث كان والدها ممن يرفضون الظلم و القهر و الاحتلال كباقي اترابه ورغم تواضع العيش و الحياة خلال الحرب اللبنانية بقيت عائلة سناء تسكن بيروت و مرار الاحتلال تراود صبية تنظر الى مستقبل امة و ليس مستقبل فتاة .
عملت سناء في اوقات فراغها و بعد الدراسة في محل معد لبيع اشرطة الفيديو في منطقة المصيطبه - غرب بيروت و خلال عملها هناك قامت بتسجيل 36 شريط فيديو للشهيد و جدي الصايغ الذي نفذ عملييته ضد قوات العدو في منطقة قريبة من الموقع الذي نفذت فيه سناء عمليتها الاستشهادية، و بنفس المتجر ايضا قامت بتسجيل و صيتها عبر كاميرا للفيديو من نوع "في اتش اس" ، و وجهت من خلال التسجيل رسائل الى رفاقها و اهلها و اوصت بتسميتها عروس الجنوب.
و في مساء اليوم الذي نفذت فيه سناء محيدلي عمليتها الاستشهادية اطلت على اللبنانيين عبر شاشة تلفزيون لبنان القناة7 لتعلن وصيتها بنفسها و التي قالت فيها : " انا الشهيدة سناء يوسف محيدلي ، عمري 17 سنة من الجنوب ، جنوب لبنان الجنوب المحتل المقهور ، من الجنوب المقاوم الثائر " . " انا من جنوب الشهداء ، من جنوب الشيخ الجليل راغب حرب ، جنوب عبدالله الجيزي ، حسن درويش ، نزيه القبرصلي ، من جنوب بلال فحص ، و اخيرا و ليس الاخير جنوب الشهيد البطل وجدي الصايغ ".
سناء محيدلي ، ابنة ال 17 ربيعا : تحرير الارض كان هدفها و الشهادة كانت قرارا و الانتقام للاطفال الذين قتلوا في الزرارية و حومين التحتا و جباع و كوثرية السياد و غيرها و غيرها كان اصرارا.
في العاشرة صباح يوم الأحد في 24 آذار 1985 خرجت من منزل ذوبها في المصيطبة بحجة شراء ((طلاء للأظافر)), في طريقها أباغت عناصر حاجز أمني قرب المنزل, انه في حالة افتقادها عليهم إبلاغ ذوبها أنها((لن تعود)).
في السادسة مساء بدا البحث عنها عند الأهل والأقارب و الأصدقاء, من دون جدوى, ثم بدأت الاتصالات مع الأحزاب والأجهزة الأمنية ولا نتيجة.
وفيما كان الجيران يتوقعون ظهورها متزوجة سرا, كان الأب يوسف ( 39 سنة – مخلص جمركي ) والأم فاطمة حمية (30 سنة ) والصديقات, يترقبون السماع (( بعملية بطولية ضد قوات الاحتلال )) فلقد أسرت سناء لصديقة قبل اختفاءها بثلاثة أيام بأنها ستقوم (( بعمل يتحدث عنها أهلها والناس بفخر واعتزاز, وان الكل سيقول بأنه كان يعرف سناء )), فالعمل في محل تأجير أفلام ((الفيديو )) لم يكن طموحها وهدفها بيوم استشهادها وجدي الصياغ, تحدث طويلا وبحماس عن العملية الانتحارية وعن بطلها لا شقاءها الصغار: عبير (10 سنوات ), هيثم (8 سنوات ) محمد (6 سنوات ) وحتى رامي ( سنتان ) اجبر على سماع الرواية.
(( أتمنى أن تتعانق روحي مع أرواح الشهداء الذين سبقوني وتتوحد معهم لتشكل متفجرة تنفجر زلزالا على رؤوس جيش العدو )).
****
أما في وصيتها التي كتبتها بخط يدها فجاء حرفيا
(( أحبائي إن الحياة وقفة عز فقط)) أنا لم أمت بل حية بينكم أتنقل..اغني..
ارقص..احقق كل آمالي.. كم أنا سعيدة وفرحة بهذه الشهادة البطلة التي قدمتها..
أرجوكم أقبل اياديكم فرداً فرداً لا تبكوني..لا تحزنوا علي. بل افرحوا اضحكوا
للدنيا طالما فيها أبطال.. طالما فيها آمال بالتحرير..أنني بتلك الصواعق التي طيرت
لحومهم وقذارتهم بطله...
أنا ألآن مزروعة في تراب الجنوب اسقيها من دمي وحبي لها...آه لو تعرفون إلى أي حد
وصلت سعادتي ليتكم تعرفون لكنتم شجعتم كل الذين سائرون على خط التحرير
من الصهاينة الإرهابيين.
مهما كانوا أقوياء إرهابيين قذرين, هم ليسوا مثلنا.. إنهم جبناء يطعنون من الخلف
ويغدرون، يتلفون شمالاً ويمينا هربا من الموت..
التحرير يريد أبطالاً يضحون بأنفسهم غير مبالين بما حولهم، ينفذون، هكذا تكون
ألأبطال...
إنني ذاهبة إلى أكبر مستقبل، إلى سعادة لا توصف، لا تبكوا عليّ من هذه الشهادة
الجريئة، لا، لحمي الذي تناثر على الأرض سيلتحم في السماء..
آه (( أمي )) كم أنا سعيدة عندما سيتناثر عظمي عن اللحم، ودمي يهدر في تراب الجنوب.
من اجل أن أقتل هؤلاء الأعداء الصهاينة و الكتائب نسوا بأنهم صلبوا مسحهم.. أنا لم أمت هذه
واحدة و الثانية ستأتي اكبر و ستليها ثالثة و رابعة و مئات العمليات الجريئة..
فضلت الموت من أن يغرني انفجار أو قذيفة أو يد عميل قذر، هكذا أفضل و اشرف
أليس كذلك..
ردوا على أسئلتي سأسمع بالرغم من أنني لست معكم، سأسمع لان صوتكم وضحككم الجريء
سيصل إلى كل حبة تراب سقيتها بدمي. وسأكون صاغية هادئة لكل حركة، لكل كلمة تلفظونها..
اجل هذا ما أريد ولا تغضبوا علي لأني خرجت من البيت دون إعلامكم...
أنا لم أذهب لكي أتزوج و لا لكي أعيش مع أي شخص بل ذهبت للشهادة الشريفة الباسلة السعيدة..
وصيتي هي تسميتي (( عروس الجنوب )).