التطور الخالق


1 -
سوف أبدأ أولا بتلخيص فكرة الكتاب ككل نقلا عن إ. م بوشنسكي في كتابه الفلسفة المعاصرة في أوربا ثم أتلو ذلك بتلخيص الفصول تباعا والتعليق من جانبي

هناك مذهبان تقليديان حاول بهما الفلاسفة تفسير الحياة : المذهب الميكانيكي والمذهب الغائي وكلاهما في رأي برجسون علي خطأ سواء بسواء

ويري المذهب الأول الميكانيكي أن الكائن الحي أو الكائن العضوي ما هو إلا آلة تحددها في المقام الأول قوانين عقلية بينما يري المذهب الثاني الغائي أن هناك خطة محددة يسير علي هداها العالم وكلا المذهبين يغالي علي نحو أو آخر في أهمية العقل أو الذكاء , هذا بينما يري برجسون أن العقل مصنوع للعمل لا لمعرفة الحياة لذلك ينبغي علي الفلسفة أن تتعدي الميكانيكية والغائية كلاهما و الميكانيكية علي الأخص لأنها تنكر أوضح المعطيات
وكما هو الحال مع مشكلة العلاقة بين النفس والجسم فإن برجسون يلاحظ في إطار مشكلة الحياة ظاهرة تبرهن علي خطأ المذهب الميكانيكي وتتلخص هذه الظاهرة في تكون أعضاء حية ذات بنيات متشابهة ولكن في فروع متباينة غاية التباين ومثال ذلك حالة العين عند الحيوانات الرخوة وعند الحيوانات الفقرية حيث اختلف خط التطور في كل حالة عن الأخر حتي من قبل أن يكتسب ذلك النوع أو تلك القدرة علي الإبصار

وبفضل هذه الواقعة وملاحظات أخري عديدة يرفض برجسون المذهب الميكانيكي علي طريقة دارون أو طريقة الداروينية الجديدة ويرفض بالتالي التصور الميكانيكي عن الأعضاء الحية ويري برجسون أنه ينبغي أن ننظر إلي العضو الحي باعتباره التعبير المركب عن وظيفة بسيطة وهو يشبهه بلوحة رسمها المصور بوسيلة آلاف اللمسات ولكنها كلها مع ذلك تعبير عن إلهام بسيط واحد هو إلهام الفنان

وصحيح أن الكائن العضوي يحتوي علي تكوين آلي ولكن فكما أن الجزيئات الصغيرة التي يتكون منها القوس المعماري قد تبدو متطابقة مع خط التماس فكذلك تبدو الحياة حين تفحصها تفصيليا مناهج العلوم الطبيعية , تبدو و كأنها تكوين آلي بينما هي ليست كذلك في الحقيقة

إن الحياة باعتبارها كلا ليست كيانا مجردا . إن الذي حدث أنه في لحظة معينة وفي مواقع معينة من المكان ولد تيار حيوي وأخذ يتنقل من جرثومة إلي أخري بفضل الكائنات النامية المتطورة ويجتهد التيار الحيوي من أجل الانتصار علي العقبات التي تضعها المادة في طريقه . ويري برجسون أن الجانب المادي في الكائن العضوي يمثل مجموع العقبات التي يتعين علي الحياة الالتفات حولها وتخطيها
إن الحياة في رأي برجسون لا تسير علي المنطق وهي قد تخطئ أحيانا وقد تتجمع قواها في ممرات مسدودة أو قد تعود إلي الوراء أحيانا . ومع كل ذلك فإن الاندفاعة الحيوية الكلية علي مستوي الكون تستمر في مسيرتها وتبقي قائمة . ومن أجل أن تزدهر الحياة فإن الدفعة الحيوية تفرع نفسها في فروع متنوعة

وهناك أولا الانقسام الكبير إلي عام نباتي وعالم حيواني , وتتراكم الطاقة عند النبات تراكما مباشرا ليقوم الحيوان بالنهل منها وليحولها إلي مادة يتفجر منها العمل الحر . ولكن النبات مربوط إلي الأرض ووعيه ثقيل لا يزال , ولا يبدأ الوعي في التيقظ إلا في عالم الحيوان

ثم تقوم الدفعة الخلاقة بتفريغ نفسها مرة أخري في عالم الحيوان في اتجاهين مختلفين كما لو كانت تحاول منهجين مختلفين : في الاتجاه الأول تصل إلي الاكتمال في نوع الحشرات الاجتماعية وفي الاتجاه الثاني تصل إلي الاكتمال في نوع الإنسان

ومن الجهة الأولي تسعي الحياة إلي اكتساب الحركة السريعة والمرونة عن طريق الغريزة أي ملكة استخدام الأدوات والأعضاء العضوية بل وخلقها خلقا والغريزة تعرف موضوعاتها عن طريق التعاطف . ومن الداخل وهي حين تعمل تعمل بغير خطأ وعملا واثقا ولكن عملها دائما علي وتيرة واحدة أي " واحدي الطريقة "

أما عند الحيوانات الفقرية فإن الأمر مختلف حيث يبدأ الذكاء أوالعقل في النمو في مقابل الغريزة . والعقل هو ملكة صنع الأدوات غير العضوية
والعقل بحكم طبيعة جوهره العميق يتجه ليس إلي الأشياء بل إلي العلاقات . إلي الأشكال والهيئات ولذلك فإنه لا يعرف موضوعاته من الداخل بل يعرفها من الخارج . وفي مقابل ذلك فإن هذه الأشكال الفارغة يمكن أن تملأ بأشياء لا نهاية لتعدداها وبحسب إرادة العقل . والعقل الكامل يتجاوز حدوده الأصلية بل ويمكن أن يعمل خارج الميدان العملي الذي خلق له في حقيقة الأمر .

وفي الإنسان أخيرا يظهر " الحدس " وإن كان لا يظهر إلا علي صورة دفعات سريعة نادرة وفي الحدس تصبح الغريزة بغير واجب عملي تؤديه وتصير قادرة علي التأمل في ذاتها . ومن ناحية أخري فإن الإنسان حر . وهكذا فإن كل خط للتطور ينتهي إلي تحرير الوعي عند الإنسان . ويظهر الإنسان وكأنه الغاية النهائية من تنظيم الحياة علي كوكب الأرض .




كوكو

من أجمل كتب برغسون ... النسخة التي لدي مترجمة وصدرت عن الهيئة الثقافية وقت الوحدة بين سوريا ومصر ...

وجدت في الكتاب شيئاً من الصعوبة ,وربما يعود هذا إلى الترجمة ...

شكراً لكَ على هذه المشاركة يا صديقي ..

تحياتي

عزيزي / icarus :97:

شكرا لمرورك الجميل علي هذا الشريط

النسخة التي لدي أيضا مترجمة نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب
ترجمة د . محمد محمود قاسم ولكن الصفحات في الفصل الأخير ( العملية السينما توغرافية للتفكير والوهم الميكانيكي) بها أخطاء شنيعة في الطباعة من ناحية تكرار بعض الصفحات وفقدان صفحات أخري جربت الاطلاع علي نسخ أخري فوجدت الخطأ معمم علي كل النسخ .. لي الله حين أصل لهذا الفصل الأخير في استعراض الكتاب وقد راسلت أحد الأصدقاء فوعد بارسال نسخة من ترجمة أخري ربما تكون الترجمة التي بين يديك .. سوف نري :?:
أرجو متابعة الشريط إن كنت مهتما

وتقبل تحيات

كوكو

التطور الخالق


2 -

المقدمة
في المقدمة يتعرض برجسون لعدة أفكار بطريقة سريعة غير متعمقة وربما سيناقشها بين ثنايا الكتاب أو هي مطروحة في كتبه الأخري

1 – أن ظهور العقل هو نتيجة لتطور صاعد من الحيوانات الفقارية إلي الإنسان وأن قوة الفهم تابعة لقوة العمل
فالعقل يجد نفسه حين يكون وسط الأشياء الجامدة ويقوم بالتفكير في المادة ويحاول أن يتغلب علي المعوقات المادية ويصنع أدواته المادية

وهذه الفكرة سوف يتعرض لها بتفصيل أكبر فيما بعد حين يقارن بين الغريزة عند الكائنات الأخري غير الإنسان وبين العقل عند الإنسان فيقرر أن الفرق بين الغريزة والعقل هو أن الكائنات التي تتصرف في العالم بالغريزة إنما تستعمل جسمها علي أنه أدوات للعمل أما الإنسان الذي تميز عن هذه الكائنات بالعقل فإنه يستعمل أدوات خارج جسمه ورغم الفروق الدقيقة بين الغريزة والعقل والتي أعيت التفكير لكي يجد حدودا دقيقة بين العقل والغريزة
فإنه يري أن هذا هو أحد الفروق الحاسمة بين الغريزة والعقل مع فروق أخر مثل أن الغريزة رغم أنها تشترك مع العقل في أنها أداة للمعرفة إلا أن المعرفة الغريزية لاشعورية عملية بينما المعرفة العقلية شعورية تصورية وكذلك فإن معرفة الغريزة هي معرفة بأشياء و موضوعات أم معرفة العقل فهي معرفة بروابط وعلاقات
راجع د . مراد وهبة , المذهب في فلسفة برجسون , دار المعارف بمصر ص 94 – 95 .

ويري برجسون أن المعاني الكلية التي يكونها الإنسان إنما جاءت من الاحتكاك بالأشياء المادية وأن المنطق الانساني إنما هو منطق الأشياء المادية



2 – يري برجسون أن التفكير يعجز عن تصور الطبيعة الحقيقة للحياة والمغزي العميق لحركة التطور ومرد ذلك عنده أن التفكير كان محطة من المحطات التي قطعها التطور وأن الحياة هي التي خلقت التفكير في ظروف محددة من أجل التأثير في أشياء محددة وبالتالي لا يمكن لهذا التفكير الذي هو أحد فيوض الحياة أن يحيط بالحياة نفسها التي خلقته وهو أحد الرواسب التي تركتها الحياة أثناء رحلة التطور
وضرب برجسون أمثلة لهذه الفكرة ولكنني سأمثل بمثال من عندي ( كوكو ) وهو مثال رؤيتنا- من كوكب الأرض المنتمي للمجموعة الشمسية التي تكون جزءا صغيرا في المجرة - للمحرة .. هل نستطيع ونحن داخل المجرة ( درب اللبانة ) أن نتصور شكل المجرة بينما نحن ننظر لها من الداخل وليس من الخارج بطبيعة الحال سوف تكون رؤيتنا للمجرة محكومة بوضعنا في الداخل فكذلك الأمر فالجزء لا يستطيع أن يحكم علي الكل الذي يشمله بطريقة صحيحة
وللتدليل علي الفكرة يقرر برجسون أن المقولات العقلية لا تنطبق تماما علي الأشياء الحية مثل مقولة الوحدة والكثرة أو السببية الميكانيكية والغائية العاقلة
هل الكائن الحي وحدة واحدة أو متعددا ؟ هل ينقسم إلي خلايا وأجهزة أم أن الخلايا تتجمع لتكون أجهزة والأجهزة تتجمع لتكون كائن حي , من العبث أن ندفع بالكائن الحي لندخله في في إحدي مقولاتنا لأنها ضيقة وصلبة

3 – كنتيجة لما سبق يبدأ برجسون في التعرض لمشكلة المعرفة وقيمتها وينتهي إلي عدم الفصل بين نظرية المعرفة ونظرية الحياة وهذه الفكرة من أعمق الأفكار عند برجسون والتي حدت به إلي التركيزعلي ( ملكة الرؤية ) تلك الملكة التي تحاول عن طريق آخر فهم الحقيقة
والرؤية هي ذلك الجهد الذي ننفذ به إلي باطن الموضوع لكي نعرفه من الداخل وبتعبير برجسون فإن الرؤية هي مشاركة وجدانية ننتقل عن طريقها إلي باطن الموضوع لكي نندمج فيه في أصالة فريدة وسوف أتوسع فيما بعد في تعمق هذه الفكرة


كوكو

لم أكن أعرف أنك قد بدأت في القراءة يا كوكو و لكن لا بأس سألحق بك و أستعد و لي عودة قريبة جدا و هذا يعني اعتزالي جميع موضوعات النادي هنا و التركيز على هذا الموضوع القيم الذي تكرمت بفتحه. و هنا أحب أن أنوّه إلى أني أشجع جميع من يريدون الاشتراك في هذا الموضوع أن يهبوا لذلك و سوف أبذل قصارى الجهد بتزويدهم بالفصل المناسب من الكتاب حتى ما نناقشه جميعا بهدوء و بدون عجلة و نستفيد من الكتاب و نهضمه هضما و بذلك نتعلم جميعنا معا بما أننا عندما نناقش شيء و نحاول شرحه يترسخ في ذهننا. و كما أرى فـ كوكو قد بدأ بتلخيص عام للكتاب ثم بدأ في المقدمة و لازلنا في البدايات و هذا يشجعنا جميعا أن نتحفز للدخول في هذه المناقشة. فالرجاء عدم التردد و سوف أوفر مادة القراءة أي الـ reading material لكل من يريد المناقشة البحثية الجادة هنا. شكرا لك يا كوكو و شكرا لمن يحضرنا هنا في هذا الموضوع.

تحياتي لك يا كوكو،

إبراهيم بعد التناسخ :cool:

العزيز coco :

النسخة التي أملكها صادرة عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي ( الإدارة العامة للثقافة ) طبعة عام 1960 ... وهي كاملة ... فإن أردت أن أعمل سكانينغ لأي من الصفحات وأرسلها لك فأنا تحت أمرك ...


العزيز ابراهيم :

أين أنت يا رجل ؟ لم نرك منذ فترة ... أتمنى أن تكون بأفضل صحة ..

تحياتي

عزيزي / إبراهيم


شكرا لمرورك علي الشريط وتشجيعك لي بالاستمرار وللزملاء بالمشاركة

وأحب أن أوضح لك أن الكتاب كبير جدا وأعتقد أنه من أمتع كتب برجسون ويحتوي تقريبا علي كل الأفكار الرئيسة التي طرحها في كتبه عدا الدين والأخلاق
وأشفق عليك والزملاء من مناقشة كل ما أكتبه .. فيمكن تخير نقطة ما للمناقشة وليس كل ما أكتبه فهذا أفضل حتي تتاح لك المشاركة في باقي شرائط النادي و إلا فسوف نفتقدك في الموضوعات الأخري ونخسر قلما ممتازا كثيرا ما أمتعنا وأسعدنا

سوف أبدأ في استعراض فكرة الديمومة وهي لب فلسفة برجسون فيما بعد

كوكو

عزيزي / icarus :97:

أشكر لك ما تفضلت به
سوف تجد في الفصل الأخير عناوين فرعية يبدأ الفصل بالعنوان (الوهمان الأساسيان ) مثلا ويتبعه العنوان (الصيرورة والصورة ) من هنا يبدأ الخطأ عندي حتي تصل إلي العنوان الفرعي ( العلم الحديث ) وهذا العنوان لا أخطاء به ولكن ما قبله

وأكون ممتنا لك
الإيميل

abu-ayman@maktoob.com

كوكو

مرحباٌ بالجميع

إن كتاب برغسون التطور الخالق ليس عندي .
ولكن مر كثيراٌ معي فقرات منه أو ملاحظة عنه
عندي المادة والذاكرة لبرغسن وقد قرأته عدة مرات لأهميته , طبعا ليس هو بأهمية التطور الخالق .
إن غالبية ماقاله برغسن في كتابه التطور الخالق كان في ذلك الوقث في منتهى الموضوعية .
والخط العام لما قال مازال دقيق .
ولكن المكتشفات الحديثة التي تمت في مجال البيولوجيا وفي مجال الدماغ والجهاز العصبي وفي مجال الذكاء الصناعي
يسمح بالتقدم خطوات في المنحى الذي سار به برغسن , ويمكن إجراء تصحيحات لبعض ما قاله .
فبالنسبة للغريزة التي يعتممدها برغسون كشيء منفصل عن العقل .
تظهر البحوث الحديثة عن الدماغ , أن الغرائز الموروثة , هي موروثة عصبياٌ , أي هي نتيجة بنية الدماغ القديم أو الدماغ الحوفي .
وأن العقل الذي كان يعتبره برغسون مفارق أو فوق المادة , يعتبره كثير من العلماء الأن نتيجة عمل الدماغ , والتفكير الراقي والواعي هو نتيجة عمل اللحاء والتشكيل الشبكي والدماغ القديم وباقي بنيا الدماغ معاٌ .
وبعض العلماء يعتبر حتى الوعي يمكن إرجاعه إلى أسسه البولوجية والفيزيائية
وكذلك الحدس يمكن أرجاعه وكذلك معرفة كيفية حدوثه إلى عمل الدماغ , والحدس لا يخلق من العدم فهو ناتج عمل الدماغ ككل , وغالبية عمل الدماغ غير واعية .
أما بالنسبة لتشكل الكائنات الحية فيمكن الرجوع إلى موضوعي
كيف تشكلت الكائنات الحية من البنيات الفيزيائية ودون تخطيط مسبق , وأهم العوامل التي أدت لتشكلها




إن كتاب برغسون التطور الخالق هام جداٌ , فقد كان لزاماٌ على المثقفين في فرنسا – في ذلك الوقت - أن يقرؤه ,

هذا رد سريع
والموضوع واسع ويحتاج إلى دراسة مركزة





تحياتي

العزيز coco :

أفهم من كلامكم أن الفصول المذكورة كافة يعتورها الخطأ والنقص ؟ أم أن هناك صفحات معينة ترغبون بتسميتها كي أنسخها لكم ؟

تحياتي