(3)


[CENTER]الاخوان المسلمين والجماعة الإسلامية يباركون نزع أرض الفلاحين[/CENTER]


فى بداية الشهر الماضى أعلن المستشار مأمون الهضيبى المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين فى تصريح لوكالة فرانس برس تأييد الإخوان التام للقانون المشئوم بطرد المستأجرين من الأراضى الزراعية بقوله "إن القانون يتفق مع حكم الشرع" وحذر من أى تدخل لمنع تطبيق القانون وقال "إن منع تطبيق القانون سيؤدى إلى رد فعل مضاد من جانب ملاك الأراضى" وهذه محاولة سافرة الملاك ضد المستأجرين ولم ينسى الهضيبى أن يذكرنا بأن الإخوان يصنفون كمعارضين للنظام وحاملين لأختام الشرع فيقول "كنا نأمل من الحكومة أن تبذل مجهوداً أكبر لتعوض صغار الفلاحين الذين سيتضررون من تطبيق القانون وسيحرمون من الامتيازات التى كانوا يتمتعون بها ولو بدون حق"!!.
هكذا يلتحق الإخوان المسلمين ببقية أحزاب المعرضة البرجوازية الديكورية بتلاوينها المتعددة، فالرأسمالية تتحدث بألف لسان طالما أن الهدف تحقيق مصالحها الطبقية فى مواجهة الأغلبية الكادحة المقهورة، ولكن نلاحظ أن الإخوان يتفوقون على أحزاب المعارضة بأنهم سافرى الوجه ويهددون بوقاحة نادرة بردود فعل مضادة من جانب الملاك. وقد يتصور البعض أن عزلتهم المفروضة عليهم من جانب ديكتاتورية مبارك واستبداده وراء موقف كهذا، ولكن تاريخهم الأسود في حقيقة الأمر في مواجهة مواقف ومطالب جماهير الكادحين وعلى مدار سبعين عاما يقول بوضوح أن هذه هي مواقفهم الأصيلة عندما يجد الجد ويتهدد الاستغلال الطبقي. فجوهر مواقف الإخوان التي يعارضون بها حكومات البرجوازية هو مظاهر الأزمة وآثارها لا جوهرها وحقيقتها، المظاهر السطحية التي تطفو على سطح المجتمع الرأسمالي كنواتج ثانوية للتفاعلات الحقيقية التي تقهر الجماهير، مظاهر من نوع الحجاب وسفور المرأة، فساد المسئولين وتدهور الأخلاق، الخلاعة والمجون والانحلال.. الخ الخ. طبعا بالإضافة إلى الفتنة الطائفية في لحظات الأزمة.
أما قهر واستغلال الطبقة العاملة المصرية، فهو من وجهة نظرهم شرع الله، وحتى الإضراب، الذي تسمح به الرأسمالية على الأقل في البلدان المتقدمة فهو حرام!!، واستغلال الفلاحين ونهبهم الدائم وجعلهم بشكل دائم في أوضاع غير آدمية .. فهو فرصة، إنه الابتلاء الذي يتيح العودة لله وكأن الفلاح كائن كافر بطبعه!!، تسمم الماشية بسبب الاستخدام العشوائي للمبيدات .. ابتلاء، ضياع المحصول ..ابتلاء، حتى موت الأطفال بسبب سوء التغذية على يد المجتمع الرأسمالي، والأمراض التي يعانون منها بسبب نقص الرعاية الصحية.. كلها ابتلاء!!
ولكن الأخوان هاهم يكشفون عن همة ويشمرون السواعد مع البرجوازية لطرد المستأجرين من الأرض، ويتخففون من ثياب الواعظ ويلمحون للبرجوازية عن استعدادهم للمساندة. إن الأزمة المحتدمة الراهنة تدفع إلى السطح الآن وستدفع أكثر فأكثر بجوهرها على حساب مظاهرها السطحية، فالطبقة الحاكمة وهي تعيد هيكلة نفسها وهيكلة عملية الاستغلال تكشف عن سياستها الطبقية والاستغلالية أكثر فأكثر ليضيق الخناق على كل الأفاقين، فإما مع ، وإما ضد، إن زمن الاستياء يولي مفسحا الطريق للغضب الحقيقي، ويبدو أن الإخوان يستشعرون ذلك، إذ سرعان ما تحسست أياديهم الملوثة بدماء الحركة الجماهيرية في الأربعينات أسلحتها.
من جهة أخرى وفي نفس التوقيت تقريبا أصدر تنظيم الجماعة الإسلامية بيانا يعلن فيه: "تأييده لملاك الأراضي الذين يطالبون بحقوقهم." وعلى طريقة الإخوان وذرا للرماد في العيون، أشار إلى تفهمه للمشكلات التي يعاني منها الفقراء. فليهنأ الفلاح الفقير وليستبشر خيرا، فالأمراء يتفهمون!!
ولكن الذي استبشر فعلا لم يكن سوى الأمراء الأشاوس في سجون مبارك حيث التحقوا فورا بالبيان الذي صدر عقب أحداث المنيا، وناشدوا الأخوة وقف العمليات في الخارج والداخل، ودون أي شروط كما كانوا يطالبون في السابق، في محاولة مكشوفة لعقد صفقة مع ديكتاتورية مبارك: نحن معكم في معركتكم ضد المستأجرين، لا تنزعجوا ولا ترتبكوا.. وسنوقف العمليات .. وبقية الصفقة يستطيع استنتاجها حتى الأطفال، أفرجوا عنا.
ربما يكشف هذا التصريح عن الوجه الحقيقي لتلك الجماعات، فيستطيع كل المخدوعين بخطابها الزائف المغلف برطانة دينية عامة حقيقة المشروع الذي يتحدث أصحابه بلغة السماء، المشروع الذي لا يمثل إلا المجتمع البرجوازي اللعين ومصالح الطبقة الحاكمة رغم غلافه الوهمي المغرق في خيالية فجة حول عودة زمن الأنبياء.
وطبعا رغم سعادة الحكومة بتلك البيانات، واحتفالها بها وبمناسبتها احتفالا مهيبا بمناسبة تخرج دفعة شرطة جديدة ترافقت معها. إلا أن عمق الأزمة يجعل الحكومة ترتعد من مجرد التفكير فيما يفكر فيه أعداء الأمس، فقرابة الأربعين ألف معتقل على حساب التنظيم يعد الإفراج عنهم مغامرة خطرة، بعد كل الدم الذي سال والأرواح التي تم إزهاقها وبعيدا عن أي حسابات باردة، على الأقل لم يأت أوانها بعد!
إن الحركة الجماهيرية تربك التنظيمات الدينية التي لا تستطيع العمل إلا عبر تغييب العقول، إن المطالب المحددة لهذه الحركة والتي ستحدد أكثر تجعل من هذا التغييب قصة قديمة واكتشاف حقيقة مواقف هذا التيار ستعود بموازين قوى النفوذ الجماهيري بين اليسار واليمين عموما في مجتمعنا إلى مؤشراتها الطبيعية، شرط أن يعي الاشتراكيون الثوريون واجبهم جيدا ويشنوا نضالاتهم بالحزم والواجب.

(4)

[CENTER]الإخوان..كفاية..حركة 9 مارس
جامعات مصر تطالب بالتغيير[/CENTER]

بعد أعوام من الهدوء في الجامعة عاد الطلبة والاساتذة للمطالبة بالتغيير الديمقراطي والدفاع عن الحرية داخل الجامعة وخارجها. تعرض نرمين خفاجى لدور نشاط الإخوان المسلمين والتيارات الأخرى داخل الجامعة.

في الفترة الأخيرة اندلعت المظاهرات بكثافة في العديد من الجامعات المصرية مطالبة بالإصلاح والتغيير.. فبعد طول غياب للطلاب عن ممارسة حقهم الطبيعي في التعبير عن رأيهم وسحبهم إلى داخل مناهج دراسية مفرغة من أي مضمون وإحكام وثاقهم بنظام التيرم الذي حولهم إلى ماكينات لحفظ المناهج وضخها في ورقة الامتحان، التحق أخيرا الطلاب بركب الحركات المنادية بالتغيير والإصلاح والتي تتصاعد بشكل سريع انعكست على الجامعة وأخرجتها من حالة الانحباس السياسي الذي عانت منه طويلا.
وعلى الرغم أن مظاهرات الطلاب كانت دائما هي الشرارة الأولى لمظاهرات الشارع المصري عبر التاريخ (مظاهرات 1919 – مظاهرات الانتفاضة 2000 ) إلا أنها في هذه المرة جاءت نتيجة لتحركات العديد من المناضلين والنخب المطالبة بالإصلاح السياسي الحقيقي.
ففي السنوات السابقة وبالتحديد في أعقاب مظاهرات الانتفاضة الفلسطينية 2000 كثف الأمن وجوده داخل الجامعة وقام بالقبض على الكثير من الطالبات والطلبة المشاركين في المظاهرات. كما قام بطرد العديد منهم من المدن الجامعية. هذا بخلاف التحقيقات والحرمان من أداء الامتحانات. وإبلاغ الأهالي وإجبارهم على كتابة تعهدات بمنع أبنائهم من المشاركة أو القيام بأي نشاط سياسي. أضف إلى ذلك نظام الفصل الدراسي (التيرم ) الذي يقضى في النهاية على أي وقت لممارسة الأنشطة الطلابية. ولم يؤد هذا الحصار إلى خنق الروح التي يجب أن تسود الحياة الجامعية فقط، بل أيضا قضى على أي نشاط طلابي حقيقي وساهم في خلق جيل كامل فاقد للثقة بالنفس وبدوره في صياغة واقع البلاد. وجعل الطلاب يتمسكون باللامبالاة كوسيلة للنجاة حتى التخرج بالسلامة والحصول على الشهادة التي يعلمون جيدا إنها لم تعد تفتح أبواباً للعمل.
واصبح الطلاب الممثلون للتيارات السياسية المختلفة (باستثناء التيار الإسلامي) لا يرون بالعين لمجردة لندرتها وأحيانا لانعدامها. أما بالنسبة للإخوان الذي يعد أقوى تيار داخل الجامعات المصرية، فقد انحسر نشاطهم عن الدعوة للحجاب وعدم الاختلاط بين الطلبة والطالبات، وعبرت معارضهم حتى مطلع هذا العام عن هذا التوجه فكانت عناوين معارضهم المزينة بالقلوب الحمراء( ياللا نحب بعض في الله _ الحجاب زينة المرأة المسلمة...الخ )
أما حركة 20 مارس من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وهى إحدى الحركات المطالبة بالتغيير والإصلاح والتي تضم طلابا اشتراكيين فقد بدأت العمل في جامعة القاهرة في مطلع 2004 وركزت على المطالب الطلابية من دعم الكتاب وتحسين الخدمات بالمدن الجامعية والجامعة وخفض المصروفات وإلغاء لائحة79 وتحرير الجامعة من قبضة أمن الدولة وإعلان مناصرتها الدائمة للمقاومة الفلسطينية والعراقية.. هذا بالإضافة لحفنة من الطلاب القوميين المطالبين بإلغاء اللائحة وتخفيض المصروفات الدراسية.. إلا انه وفي إطار تحرك الشارع المصري لأول مرة منذ سنوات للمطالبة بتحقيق إصلاحات حقيقية تحركت أيضا جامعات مصر.
فمع تلاحق الأحداث ، واشتداد الحركات المطالبة بالتغيير، خرجت المسيرات في جامعات القاهرة و عين شمس والمنصورة وفي أسيوط وإلمنيا والأزهر وبني سويف والمنوفية والبحيرة. وقد تكرر خروج المسيرات والمظاهرات المطالبة بالإصلاح لتصل إلى ثلاثة في أقل من اسبوعين. ويقول أحد الطلاب من ممثلي الإخوان داخل جامعة القاهرة: "أولاً التيار الإسلامي دعوة إسلامية ندعو بها إلى الله داخل الجامعة لإصلاح المجتمع والوصول لفكرة أن جميع الحلول لكل المشاكل التي يعيشها المجتمع عامة والجامعة خاصة في الرجوع للإسلام الصحيح..هذا في المقام الأول وثانياً نقدم خدمة طلابية بجهودنا الذاتية من خلال أعمالنا داخل المدرجات وفي ساحات الكليات.. ثالثاً ومن منطلق شمولية الإسلام فنحن من أكثر الناس مشاركة في العمل السياسي في الجامعة وننادي منذ وقت يتجاوز الثلاثين عاماً بأن يكون هناك ممارسة سياسية منضبطة داخل الحرم الجامعي"..
وأما عن الشعارات الإخوانية التي ارتفعت الأصوات بها داخل جامعة القاهرة فيما اسماه الطلبة يوم الحريات ارتفعت شعارات "يا حرية فينك فينك أمن الدولة بينا وبينك"، "مطلب واحد للجمهور تعديل شامل للدستور"، " مطلب واحد للشباب تعديل لايحة الطلاب "، "مش هنطاطي مش هنطاطي إحنا كرهنا الصوت الواطي"، كما تضمنت المطالب الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين وإلغاء قانون الطوارئ.
ومن الجدير بالذكر أن هذا العام اتسم بعلاقات ودية بين " الإخوان" داخل الجامعة والتيارات الأخرى فقد حرصوا على دعوة ممثلي التيارات الأخرى لإلقاء كلمات تعبر عن تياراتهم في المؤتمرات الطلابية التي نظمها الإخوان.
ومع تحول موجة الاحتجاجات والمظاهرات إلى طقس شبه يومي في مصر، انضم أساتذة الجامعات المصرية إلى حركة المطالبة بالتغيير. ففي يوم الاثنين 9-5-2005 نظم أساتذة كلية الهندسة بجامعة القاهرة تجمعا صامتا احتجاجا على حملة الاعتقالات التي شملت بعض زملائهم بالكلية من الإخوان، وكليات وجامعات مصرية أخرى، وطالب الأساتذة في احتجاجهم الرمزي بضرورة إصلاح واستقلال الجامعات ورفض التدخلات الأمنية في شئون الجامعة. وكان أبرز ما ميز هذا التجمع الصامت مشاركة رئيس جامعة القاهرة فيه. وقد حمل معيدو الكلية لافتات تشجب "الطغيان الأمني والتدخل المستمر في شئون الجامعات"، بينما بقي الأساتذة في حالة صمت تام لمدة 60 دقيقة، تعبيرا عن موقفهم الاحتجاجي.. وقد رفض عميد الكلية اقتراحا بتوسيع المظاهرة، من خلال تحويلها إلى مظاهرة عامة مفتوحة لكافة الطلاب، ودعوة باقي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة إليها.
وفي يوم استقلال الجامعة -وهو اليوم الذي قدم فيه لطفي السيد استقالته، احتجاجا على نقل طه حسين- تظاهر أساتذة "حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة" – التي أسست قبل ثلاثة أعوام من مجموعة من أساتذة الجامعات المصرية المختلفة داخل جامعة القاهرة احتجاجا على تدخل أجهزة الأمن في شؤون الجامعات— ورفعوا لافتات كتب عليها "لا للتدخلات الأمنية في الجامعة" و"نعم لجامعة حرة مستقلة".. وفي مواجهة أساتذة الجامعة وقف مجموعة من الطلاب الناشطين في "الحركة المصرية من اجل التغيير..كفاية" رافعين لافتات كتب عليها "كفاية نهب، كفاية فساد، كفاية طوارئ، كفاية ظلم للعباد، نعم لحرية الشعب".. ووقع 120 من الأساتذة المشاركين في المظاهرة على بيان يدين تدخل الجهات الأمنية في الشؤون الأكاديمية والأنشطة الطلابية.. وأكد البيان أن الجهات الأمنية تتدخل لمنع تعيين بعض المعيدين وفي قبول الطلاب الوافدين ولشطب بعض المرشحين في الانتخابات والأنشطة الطلابية.. كما أشار إلى تجاوز مكاتب الأمن الجامعي لحدود عملها التي يحددها القانون وساقوا أمثلة عدة على ذلك من بينها قيام ضباط من مباحث أمن الدولة بمراقبة الطلاب الناشطين سياسيا والتحقيق معهم داخل الجامعة إضافة إلى استدعاء بعض الطلاب إلى مقار مباحث أمن الدولة حيث يعاملون معاملة وحشية.. وأشار البيان أيضا إلى أن الأمر وصل إلى حد اعتداء الأمن الجامعي على الطلاب والأساتذة مثلما حدث مع الدكتور عادل عناني الأستاذ المساعد بكية الآداب جامعة عين شمس.
وفي اليوم السابق على اعتصام الأساتذة في جامعة القاهرة، فشلت التدخلات الأمنية السافرة في إجهاض المسيرة التي دعا إليها أساتذة جامعة المنيا تحت شعار" من أجل ديمقراطية ونهضة الجامعة". و كان رئيس الجامعة قد مارس ضغوطا علنية لمنع المسيرة الصامتة، و أرسل خطابات لعمداء الكليات المختلفة لمنع الأساتذة من المشاركة في المسيرة، مع التهديد بـ"المساءلة القانونية". ورغم تراجع عدد من أعضاء هيئة التدريس الذين التزموا سابقا بالمشاركة فيها، كلهم من الإخوان، و مطالبتهم بالاقتصار على مؤتمر في قاعة مغلقة، ثم انسحابهم، إلا أن المسيرة تمت فعلا واستمرت من الساعة الحادية عشر حتى الثانية عشر، ارتدى خلالها المشاركون الأرواب الجامعية ورفعوا شعارات تطالب بوقف التدخلات الأمنية و انتخاب العمداء ورؤساء الجامعات ديمقراطياً، وبلائحة طلابية ديمقراطية. الأساتذة المشاركون سلموا قائمة وبيان بمطالبهم لمكتب رئيس الجامعة، الذي قرر في تصرف فريد إحالة أربعة منهم للتحقيق.
وفي الأيام القليلة الماضية، تصاعدت حدة تحركات أساتذة الجامعات، حيث عقد المؤتمر العام الأول لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية مساء الخميس 19 مايو 2005 بنادي أعضاء هيئة التدريس جامعة القاهرة. واتسم جو المؤتمر بالغضب من تكرار وقائع القبض على أساتذة الجامعات. وأصدر المؤتمر بياناً عاماً تضمن ثلاث توصيات رئيسية: الأولى خاصة بالشئون المالية والإدارية لأعضاء هيئة التدريس، والثانية تعلقت بالتوصيات الخاصة باستقلال الجامعة، وتحت عنوان "التوصيات الخاصة بالشئون القومية"، أشاد المؤتمر بموقف القضاة وأعلن تضامنه التام معهم. ودعا المؤتمر إلى عودة الأزهر لاستقلاله بانتخاب جميع قياداته وشجب ما تم من إهانة لعلماء الأزهر في وقفتهم للمطالبة بالإصلاح في طنطا. كما دعا المؤتمر لمقاطعة الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور. وأقر المؤتمر تكوين الجمعية العمومية لأعضاء هيئات التدريس ومعاونيهم بالجامعات المصرية مع البدء فورا في إتخاذ إجراءات التأسيس. غير أن أهم ما جاء في قرارات أساتذة الجامعات هو دعوتهم لعدم تسليم نتائج الامتحانات حتى يتم
الإفراج عن الأساتذة والطلاب المعتقلين.

ويبدو أن رعب الدولة من اعتياد الطلاب والأساتذة على الأجواء الاحتجاجية هو السبب في تقديم موعد الامتحانات هذا العام في بعض كليات جامعة القاهرة لتبدأ منتصف شهر مايو الحالي بدلاً من مواعيدها الطبيعية آخر الشهر أو بداية شهر يونيو.
ومن الأكيد أن نهاية العام الدراسي ليس معناها نهاية صحوة الجامعات. ولتنتظر الدولة عاما دراسيا قادما اكثر سخونة وحسما، فلم تعد القبضة الأمنية الحديدية ونظام التيرم واللائحة المشبوهة قادرة على وقف الانفجار القادم.

(5)


[CENTER]التحالف الوطني يؤكد على فرص توسعه[/CENTER]

نظم التحالف الوطني من أجل الإصلاح والتغيير مظاهرته الثانية في السادسة مساء يوم الأحد 14 أغسطس تحت شعاري: إلغاء الطوارئ والإفراج عن جميع المعتقلين، ومساندة مطالب القضاة من أجل ضمان انتخابات نزيهة. وقد تجاوزت المظاهرة الثانية للتحالف العديد من السلبيات التي شابت مظاهرته الأولى، والمؤكد أن هذا التجاوز قد تحقق بعد النقاشات التي جرت في أعقاب المظاهرة الأولى والنقد الذي قدمته أطراف التحالف المختلفة، وفي مقدمتهم الاشتراكيين الثوريين، لأداء الإخوان المسلمين في تلك المظاهرة وإصرارهم على رفع شعاراتهم الدينية فيها، وقيامهم بفضها قبل الموعد المقر مسبقا لإنهائها.
شارك في المظاهرة الثانية حوالي سبعة آلاف متظاهر، وكان الإخوان بالطبع هم الكتلة الرئيسية الغالبة وسط المتظاهرين. وقد ملأت جموع المتظاهرين رصيف شارع رمسيس، الذي يقع عليه باب نقابة المحاميين، بكتلة متراصة تمتد من أمام دار القضاء العالي وحتى شارع عبد الخالق ثروت، وتستمر محتلة مساحة كبيرة من شارع عبد الخالق ثروت نفسه. وقد ارتفعت داخل المظاهرة اللافتات الزرقاء العريضة للإخوان وأعلام مصر، كما ارتفعت الأعلام واللافتات الحمراء للاشتراكيين الثوريين، وكانت كل من الإخوان والاشتراكيين هما الكتلتان السياسيتان الوحيدتان البارزتان داخل المظاهرة. وقام الاشتراكيين الثوريين بتوزيع عدة آلاف من النسخ من بيانهم الأخير الرافض لمبارك ونظامه.
ارتفعت داخل المظاهرة العديد من الهتافات المتنوعة، والملاحظ أن جميع الشعارات التي ألقيت في الهتاف كانت ضمن ما هو متفق عليه مسبقا ولم يحدث تجاوز من جانب أي طرف بخصوص هذا الأمر. أبرز الشعارات كان الهتاف ضد مبارك: "كلمة صدق وكلمة حق.. بنقولك يا مبارك لأ"، كما ارتفعت شعارات عديدة تطالب بإلغاء الطوارئ والإفراج عن المعتقلين وإطلاق الحريات، وأيضا شعارات أخرى تهاجم أمن الدولة وأجهزة القمع والتعذيب، وكان من أهم الشعارات التي ارتفعت الشعارات التي تدعو إلى النضال الاجتماعي: "الإضراب مشروع مشروع.. ضد الفقر وضد الجوع، الإضراب هو سلاحنا.. ضد السلطة إللي بتدبحنا". وقد انتهت المظاهرة بكلمة للدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان والأمين العام للتحالف، أكد فيها على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وعلى استمرار التحالف في تصعيد حركته حتى تحقيق كافة المطالب الخاصة بالإصلاح والتغيير الديموقراطي.
لقد أزالت المظاهرة الثانية للتحالف العديد من الشكوك حول قدرة أطراف التحالف المختلفة وبشكل خاص الإخوان المسلمين على الالتزام بما هو متفق عليه بشكل جماعي، كما أكدت على قابلية التحالف للاستمرار والتوسع بتجميع قوى أخرى داخله. رغم ذلك فلازال هناك جو من الترقب يخيم داخل اجتماعات التحالف نتيجة لتأخر الإخوان في إعلان موقفهم من مسرحية انتخابات الرئاسة، هذا الجو سيكون له تأثير سلبي لا شك إذا استمر موقف الإخوان غائبا، خاصة بسبب ما يتردد عن احتمال قيام الإخوان باتخاذ موقف مختلف عما أجمعت عليه قوى المعارضة اليسارية والقومية بمقاطعة الانتخابات، وتأييد أحد المرشحين، وإن كان من المستبعد كلية قيام الإخوان بتأييد مبارك.

(6)


[CENTER]الإخوان كبديل؟[/CENTER]

كانت وفاة مصطفى مشهور المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين مناسبة استغلها العديد من الكتاب والمعلقين من مختلف المشارب السياسية لتقييم دور ومستقبل الجماعة في الحياة السياسية المصرية. ذلك خاصة أن جنازة مشهور كانت بكل المقاييس حدثاً مشهوداً، حيث شارك فيها ما لا يقل عن أربعين ألفاً، معظمهم ـ كما ذكرت التقارير الصحفية ـ من نشطاء الجماعة وأعضائها.
أفزعت الجنازة المهيبة التي استخدمها الإخوان لاستعراض قوتهم الكثيرين. وأشعرتهم ـ للمرة الألف ـ أن الإخوان قوة ينبغي أن يحسب لها ألف حساب. ومن ناحية أخرى فقد طرحت الجنازة مجدداً السؤال حول اللغز الكبير المسمى بالإخوان: كيف يتأتى أن تكون قوة لها هذا الحجم والتنظيم بهذا الهزال السياسي على مستوى الفاعلية في الشارع ونضالاته؟
الإخوان بالفعل قوة سياسية كبيرة، تمثل أهم قطب معارض في مصر. هذه القوة تعتمد على جيش من الأعضاء يقدر بعشرات الآلاف، وعلى جيش أكبر من العاطفين يقدر بمئات الآلاف وربما أكثر. ولكن الحقيقة أن هذا الجبل الشامخ يقف على أساس هش يمكن للرياح أن تعصف فيه في أول امتحان كبير. كيف هذا؟
نبدأ أولاً بسرد واقعة حدثت بعد أيام من جنازة مصطفى مشهور، وهي بالتحديد حفل الإفطار الكبير الذي نظمته الجماعة في شهر رمضان الماضي في أحد الفنادق الكبرى. حضر في هذا الحفل أكثر من ألف مدعو، من ضمنهم ممثلين لعدد من القوى السياسية المختلفة. وفي الحفل ألقى مأمون الهضيبي المرشد العام القادم كلمة لخصت سياسة الإخوان على الأقل منذ عودتهم إلى الساحة السياسية في مطلع السبعينات: نبذ العنف بكل أشكاله، الاعتماد على العمل السلمي لممارسة الدعوة و"إعلاء كلمة الله"، فتح الأذرع للدولة لإجراء حوار وفتح قنوات اتصال، نقد عام غير واضح المعالم لسياسات الدولة المختلفة من الاقتصاد إلى الفساد إلى السياسة الخارجية.
هذه بالضبط هي سياسة الإخوان: الاستعداد لفتح قنوات الاتصال مع الدولة، العمل الإصلاحي المحدود وغير الصدامي، مع النقد غير الجذري لاستراتيجيات الطبقة الحاكمة المصرية. من فهم هذه السياسة ـ وهي السياسة التي شكل الإخوان على أساسها تنظيمهم ـ يمكننا أن نفهم كيف أن قوة بهذه الحجم تتسم بهذا القدر من السلبية السياسية.
الدعوة الإخوانية لقيت على مدى العقود الماضية أذاناً صاغية من فئات الطبقة الوسطى وبعض فئات البرجوازية الصغيرة المتذمرة من التدهور الاقتصادي والتهميش الاجتماعي. هذه الفئات التقليدية (والحديثة) وجدت في أفكار الإخوان ذات الغطاء الديني، ولكن المعتدلة وغير الصدامية، بديلاً سياسياً مقبولاً يعبر عن تذمرها من النظام الاجتماعي الراهن، ولكن أيضاً عن مطامحها داخل نفس النظام.
من هنا بلورت القيادة البرجوازية للإخوان سياسة مهادنة مزدوجة الطابع لتحقق لها هدف متناقض وصعب: من ناحية أولى الالتزام بالعمل الإصلاحي من أجل البقاء داخل هامش الشرعية ومربع النظام، من ناحية ثانية محاولة الحفاظ على لهجة معارضة تحقق لها شرعية كونها بديل للنظام. هذا الهدف المتناقض عبر عن نفسه في اقتصار جماعة الإخوان بشكل رئيسي على العمل الانتخابي داخل النقابات المهنية والجامعات وفي البرلمان، مع إصرار القيادة ـ بعد كيل بعض الانتقادات للنظام ـ على الالتزام بضوابط الشرعية، ومع سعيها من آن لآخر لإظهار قوتها من خلال استعراضات للقوة كما حدث في جنازة مشهور.
لا يمكن لهذه السياسة الصعبة أن تستمر إلى أمد بعيد. الأقوال لابد أن تتسق مع الأفعال. ففي لحظة ما سوف تجبر ضغوط الصراع الطبقي، وضغوط التيارات الراديكالية القاعدية داخل الجماعة، القيادة على البحث عن بديل لسياستها المتناقضة. فكيف يمكن للإخوان أن يستمروا في سياسة المهادنة في أي لحظة قادمة تتجه الجماهير أثناءها يساراً ضد النظام وسياساته ورموزه؟ وكيف يمكن أن ينعطف قادتهم يساراً للاستجابة لمطامح الجماهير بينما هم منغمسون حتى الأذنين في صلات مصالح مع النظام الاجتماعي الراهن؟
لا شك أن الإخوان عرضة للتمزق في غمار تحول كبير في الصراع الطبقي. ولكن هذا ـ بالرغم من كونه احتمالاً كبيراً ـ ليس قدراً محتوماً. فحتى يتم تهميش الإصلاحية ـ الإسلامية أو غير الإسلامية ـ لابد من وجود قوة ثورية جماهيرية منفتحة قادرة على تعميق تناقضات الإصلاحيين وكشفهم أمام الجماهير المتأثرة بهم. هنا تبرز مسئولية اليسار الثوري، وهي مسئولية ـ وإن كانت اليوم غير واضحة أو مباشرة نتيجة لصغر حجمه وتأثيره ـ إلا أنها بالقطع مسئولية مستقبلية لابد أن تلقي بظلالها على أسلوب كفاح وطريقة تفكير اليسار الثوري اليوم.

(7)


[CENTER]الإخوان المسلمين وشعرة معاوية‍

بدأ تيار الإخوان المسلمين في نهج شكل سياسي جديد يختلف تماما عن أدائه المهادن مع النظام ولهذا النهج الجديد أسباب ذاتية خاصة بالتيار نفسه من الداخل وأيضا أسباب تتعلق بالوضع السياسي الذي يتسم بالغليان والتغير. وقبل رصد هذه الأسباب سنلقي الضوء سريعا علي مظاهر التغير التي طرأت علي سياسة الإخوان الجديدة والتي تمثلت في النزول إلي الشارع في مظاهرات حاشدة تضم الآلاف من كوادر الإخوان في القاهرة ومعظم المحافظات في وقت واحد وبدرجة عالية من التنظيم، ويعد نزولهم إلي الشارع، والذي وصلت فيه حجم مظاهراتهم إلي قرابة ال100 ألف، شكلا جديدا في ممارستهم السياسية، ولم يقتصر التغيير علي التواجد في الشارع فقط بل امتد إلي طبيعة الشعارات التي يرفعونها والهتافات التي يهتفون بها، فكل الشعارات ذات طابع ديمقراطي تطالب بالإصلاح السياسي وترى أن تعديل المادة 76 لا يكفي وكانت هتافاتهم هي ذاتها هتافات القوى السياسية الأخرى مثل الناصريين والاشتراكيين فنجدهم يهتفون ضد الاستبداد والقمع والديكتاتورية وأيضا ضد الغلاء وارتفاع الأسعار والفقر. وفي مجلس الشعب يرفض ممثلو الإخوان التصويت علي إقرار تعديل مادة 76 وينسحبوا من الجلسة مع الناصريين والتجمع. ومن ناحية أخرى تتضارب تصريحات المرشد العام وقيادات الإخوان ما بين التصعيد حتى العصيان المدني والرغبة في التغيير الجذري والقضاء علي النظام الفاسد وفي نفس الوقت نجد تصريحات مغايرة تماما للتصريحات السابقة والتي تتحدث علي أن التيار لا يلجأ للتصادم مع النظام وأنه لا نية للإخوان في الاستيلاء علي السلطة وأنهم علي استعداد لمبايعة مبارك لو قام بإصلاحات سياسية حقيقية. ويتزامن هذا التغير مع تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي أعلنت تقبل أمريكا لوصول إسلاميين معتدلين للحكم.
والأسئلة التي يمكن أن تدور في أذهاننا هنا: ما الأسباب التي دعت جماعة الإخوان المسلمين أن تقف في وجه النظام بهذه الحدة وتغير من تكتيكاتها التي تتراوح بين القليل المناوشة والكثير من المهادنة؟ وما الذي دفعهم إلي تغيير خطابهم السياسي من الخطاب الديني المباشر إلي الخطاب السياسي الذي يحمل في طياته هموم الجماهير ومعاناتهم؟ وما هو موقف حركة كفاية وموقفنا نحن الاشتراكيين الثوريين من التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين؟
إن الطبيعة الإصلاحية للإخوان المسلمين تجعل مفاهيمهم عن التغيير مصحوبة بسقف يطول أو يقصر بحسب الظروف الموضوعية والذاتية التي يمرون بها، وبما أن الظرف السياسي في مصر مؤهلا لانتزاع مكاسب سياسية لكل من يخوض غمار المعركة السياسية القادمة المتمثلة في الإصلاحات الديمقراطية فلم تجد الجماعة بدا من إطالة سقف المطالب والمراوحة بين الخطاب الراديكالي تارة والخطاب المهادن تارة أخرى، وبالإضافة إلي وجود عامل داخلي هام والمتمثل في وجود فصيل من الكوادر والقيادات داخل الجماعة تضغط بشدة علي طريق الهجوم ومواجهة النظام بشكل مباشر، هذا الفصيل المكون من قيادات وكوادر من الشباب تريد تغييرا حقيقيا تريد أن تنزل إلي الشارع وتقول لا للنظام المتسبب في القمع والاعتقالات للآلاف من زملائهم وإخوانهم والمتسبب في الفقر والفساد الذي يكتوون بناره. وفي هذه الحالة يجد المرشد العام والقيادات الإخوانية علي شفا حفرة من النار فهم مدفعون دفعا من قبل كوادرهم إلي الاستمرار علي طريق التصعيد بينما هم أعينهم علي انتزاع أكبر قدر من المكاسب تسمح به هذه الحالة السياسية المختلفة التي من المتوقع أن تحصد كل قوة سياسية مشاركة فيها نصيبا من المكاسب يتفاوت بحسب حجمها وقوة تأثيرها في الشارع، وبالتالي من المنتظر أن تكون الثمار التي يمكن أن تجنيها الجماعة هي اعتراف النظام بهم والسماح لهم بحزب علني. لكل ما سبق اختار تيار الإخوان المسلمين أن يرفع راية العصيان عالية في وجه النظام ـ مع مغازلته بين الحين والآخر ـ وأن يصر علي وجهته الديمقراطية وأن يقترب من حركة كفاية ـ بحساب ـ وأن يعلن عن رغبته في عمل جبهة مع القوى السياسية المختلفة حول المطالب الديمقراطية، ولكن إلي أي مدي سينجح قيادات الإخوان في الحفاظ علي شعرة معاوية التي تتيح لهم الحفاظ علي عدم غلق كل الأبواب بينهم وبين النظام وفي نفس الوقت إرضاء الغضب المتصاعد من أسفل والمتمثل في كوادرهم الشابة الغاضبة… هذا هو السؤال الذي ستجيب عنه الأيام القادمة.
أما بالنسبة للقوى السياسية الأخرى وكيف يمكن أن تنظر للعمل مع تيار الإخوان المسلمين، فإننا نعتقد أنه من الخطأ الفادح بل والقاتل أن تتجاهل القوى السياسية الأخرى الموجودة في حركة كفاية هذا التغير الحادث داخل الإخوان لأن في وجودهم داخل حركة موحدة فرصة كبيرة لكل القوي لكي تنمو وتحقق المزيد من الفاعلية التي يمكنها في النهاية من القضاء علي نظام مبارك والإطاحة به، وليس هذا بالمكسب السهل ولا الوحيد، فالقضاء علي نظام مبارك عبر حركة جماهيرية تقودها كل القوي السياسية في مصر من شأنه أن يخلق مزاجا مختلفا للجماهير ويجعلها أكثر ثقة في نفسها وفي قدرتها علي التغيير ولن تقبل أبدا أن يكرر التاريخ نفسه حتى ولو بقيادة أكبر التيارات السياسية في مصر … تيار الإخوان المسلمين.

[CENTER]الإخوان المسلمون في مصر والانتفاضة
يلاحظ كل من شارك في حركة التضامن مع الانتفاضة ـ بالذات في مراحل تصاعدها ـ محدودية مشاركة الإخوان المسلمين والدور الذي لعبوه في تهدئة الحركة. فعلى سبيل المثال في الجمعة الأولى من أبريل الماضي انطلقت من الجامع الأزهر مظاهرة كبيرة لا يسيطر عليها لون سياسي خاص شاركت فيها أعداد غفيرة وكان لها صدى واسع. ولكن على امتداد أيام الجمع التالية، وباتفاق مع أجهزة الأمن، لعب الإخوان دوراً كابحاً لحركة التظاهر في الأزهر. حيث قاموا بحشد كتل كبيرة تقدر بالآلاف داخل المسجد فارضين منطق التظاهر في الداخل دون الخروج إلى الشارع. ولم تفلح الكتل الصغيرة من القوى السياسية الأخرى (كالاشتراكيين والناصريين وغيرهم) في تغيير مسار الحدث بسبب ضخامة الكتلة الإخوانية وقوة تنظيمها، بالإضافة إلى الحصار الأمني الكثيف.
بشكل عام لعب الإخوان دوراً محدوداً لا يتناسب أبداً مع كونهم التنظيم المعارض الأكبر والأهم في مصر. هم متواجدون دائماً بأعداد محدودة تقتصر على بعض الرموز، ويميلون عمداً إلى التهدئة والمهادنة. ظهر ذلك بوضوح في المظاهرات أمام جامعة القاهرة في اليوم الأول من أبريل وفي ميدان التحرير يوم 15 مايو. ربما كان الاستثناء الظاهر هو الإسكندرية، وذلك لأسباب قد تتعلق بثقل التنظيم الإخواني هناك أو بميوله الأكثر راديكالية. فتواجد الإخوان في الحركة في الإسكندرية كان أكبر وأكثر ميلاً للتجذير عنه في القاهرة. لكنه رغماً عن ذلك، لم يتجاوز ـ إلا في حدود ضيقة ـ الخطوط الحمراء لحركة الإخوان. على سبيل المثال، الصدام الذي حدث بين طلاب جامعة الإسكندرية وقوات الأمن، والذي أدى إلى مصرع الشهيد محمد السقا، كان تجاوزاً من جانب الطلبة الغير منتمين سياسياً للقيادة الإخوانية للمظاهرة.
تطرح الروح المحافظة للإخوان وميلهم للانسحاب من الحركة الجماهيرية العديد من الأسئلة الهامة. فلماذا تتجنب القوة المعارِضة الأولى في مصر ـ وهي تمتلك تنظيماً ضخماً وقواعد راسخة ـ الانخراط النشيط في حركة التضامن مع الانتفاضة؟ ولماذا تنأى بنفسها عن قيادة معركة يمثل الموقف منها والارتباط بها اليوم أساس شرعية وسبيل إحياء القوى السياسية المصرية؟ وما هو الموقف الصحيح الذي ينبغي أن يتخذه الثوريون ـ سياسياً وعملياً ـ إزاء الإخوان وتنظيمهم؟

تحولات الإخوان المسلمين
الإجابة على هذه الأسئلة تبدأ من النظر في تاريخ الإخوان المسلمين في العقود الأخيرة. فلقد عاد الإخوان إلى الحياة السياسية في مطلع السبعينات في إطار ضوء أخضر من نظام السادات الذي خطط لاستخدامهم في ضرب وتحجيم اليسار الشيوعي والناصري الذي أقض مضجعه في سنوات حكمه الأولى. الإخوان المسلمون الجدد كانوا مختلفين عن إخوان المرحلة الأولى قبل 1952. ليس فقط لأن التيارات الأكثر راديكالية الخارجة من عباءة سيد قطب كانت قد انفصلت عنهم تنظيمياً وأسست في أواخر الستينات ومطلع السبعينات سلسلة من التنظيمات الجهادية، ولكن أيضاً لأن تكوين الصف القيادي للجماعة كان قد تغير خلال سنوات المنفى في الستينات. فخلال تلك السنوات تحول عدد واسع من الكادر القيادي في التنظيم إلى رأسماليين أو أشباه رأسماليين كونوا ثرواتهم من خلال نشاطهم المهني والديني وخدماتهم السياسية والدينية لشيوخ النفط في السعودية ودول الخليج. وبهذا تحول التنظيم البرجوازي الصغير في الأصل إلى تنظيم حسم أكثر فأكثر اختياراته في اتجاه برجوازي إصلاحي تقليدي ـ سواء في الاستراتيجية وأساليب الحركة أو في التكوين القيادي.
على أن الإخوان برغم تحولهم الواضح تجاه اليمين كانوا تنظيماً معارضاً قوياً. فمع انهيار البديل العلماني المناهض للأنظمة وللإمبريالية، بدأ نجم الإسلاميين يصعد مجدداً ليملأوا الفراغ السياسي المتنامي. جنباً إلى جنب مع التيارات الجهادية، استطاع الإخوان بقوة تنظيمهم وكفاءته أن يجذبوا آلاف من الشباب إلى جماعتهم. وبذلك خلقوا لأنفسهم قاعدة جماهيرية، بالذات في أوساط طلاب الجامعات في مختلف مدن مصر. هذا إلى جانب استعادة الصلات القديمة في أوساط البرجوازية الصغيرة التقليدية في مختلف المدن الريفية، خاصة في منطقة الدلتا.
وبقدوم الثمانينات كان الإخوان يمثلون قوة المعارضة المعتدلة الأهم. فعلى خلاف التنظيمات الجهادية، مثّل الإخوان ـ في ظل تراجع البدائل العلمانية ـ بديلاً مقبولاً لقطاع واسع من المهنيين والطلاب والملاك المتوسطين والتجار الخارجين من صفوف طبقة وسطى وفئات طلابية طحنتها الأزمة الاقتصادية وأغضبتها الخيارات السياسية للنظام، ولكن الرافضين أيضاً لسياسات العنف والمواجهة التي تبنتها تنظيمات كالجهاد والجماعة الإسلامية. وعلى أساس من استراتيجية انتخابية تنأى عن التعبئة الجماهيرية وتهدف إلى خلق كتلة برلمانية قوية وإلى حشد تأييد واسع في النقابات المهنية (معقل الطبقة الوسطى الجديدة)، استطاع الإخوان أن يطرحوا أنفسهم بقوة في انتخابات 1984 و1987، وأن يسيطروا ـ أو يشاركوا في السيطرة ـ على مجالس العديد من النقابات الكبرى كالأطباء والمهندسين والمحامين.
بل أنه في ذروة الصراع بين الدولة وبين تنظيمات الإسلاميين الراديكاليين في مطلع التسعينات، بدأ الحديث يدور على استحياء في أوساط النخبة السياسية عن إمكانية صعود الإخوان كبديل لنظام منهك فقد شرعيته وتوازنه. أشخاص مثل سعيد النجار ـ الذي كان قد أسس لتوه جماعة ليبرالية اسمها النداء الجديد ـ جنباً إلى جنب مع عناصر داخل النظام ذاته، بدأت تطرح المصالحة مع الإخوان والإسلاميين المعتدلين كبديل حقيقي يسحب البساط من تحت ما أسمموه بـ"قوى العنف والظلامية".
ولكن بينما كان الإخوان في قمة نشوتهم بفضل سلسلة النجاحات السياسية والانتخابية التي حققوها، بدأت الدولة في الهجوم. فبعد التضييق عليهم في انتخابات 1991 البرلمانية، قامت الدولة في منتصف التسعينات بإلقاء القبض على عدد كبير من القيادات الإخوانية الوسيطة الهامة كالدكتور عصام العريان، وقررت ـ في سابقة هي الأولى ضد المعارضة غير الجهادية ـ تحويلهم إلى المحاكمة العسكرية. وعلى مدى السنوات الثمانية الماضية، واصلت الدولة حملتها على الإخوان. حيث تم القبض على عشرات التنظيمات الإخوانية بتهم متعددة تنوعت في سخافتها ووقاحتها بين "السعي للسيطرة على النقابات" أو "التخطيط لدخول الانتخابات" أو "محاولة اختراق الجامعات"!
المهم في هذا السياق هو رد فعل جماعة الإخوان المسلمين على هجوم الدولة. فعلى خلفية صراع داخلي في صفوف الكوادر القيادية، انتصر التيار المهادن الذي طالب بـ"الانحناء أمام العاصفة حتى تمر"، ورفَض خوض أي حملة سياسية حقيقية في مواجهة ديكتاتورية مبارك. مثّل هذا الاختيار دليلاً إضافياً على سيطرة الاستراتيجية المهادنة في قمة تنظيم الإخوان، وهي الاستراتيجية التي تقوم في أهدافها على الإصلاح شديد الاعتدال، وفي وسائلها على رفض أي تعبئة، والاكتفاء بالمشاركة المحدودة في أي تحرك جماهيري.
الملفت للانتباه في هذا الإطار هو قدرة الإخوان على الحفاظ على تنظيم كبير شديد التماسك، بالرغم من جمود حركته ويمينية قيادته. وهي في الحقيقة ظاهرة فريدة ـ أن يعيش تنظيم بهذا الاتساع مفتقراً إلى ديناميكية الفعل والنشاط. ولكن تفسير هذه الظاهرة يكمن أساساً في إفلاس البدائل. فبسبب الانتهازية الشديدة لليسار التقليدي بفصائله المتعددة (التجمع والحزب الشيوعي)، وعلى خلفية عصف الدولة بالمنظمات الإسلامية الراديكالية ذات الاستراتيجيات التكفيرية المنغلقة، انفرد الإخوان بالساحة ومثلوا البديل الأهم لكل من يريد أن يعارض نظام فقد أسس شرعيته وبدأت تظهر عليه أعراض الشيخوخة.

الإخوان والنضال المشترك
على ضوء التحليل السابق يمكننا أن نطرح السؤال العملي الهام حول جدوى وإمكانيات العمل المشترك ـ على أي مستوى ـ بين اليسار الثوري والإخوان المسلمين. فدائماً ما تعلو في أوساط الاشتراكيين الثوريين، وبالطبع في الأوساط الأوسع لليسار والناصريين، نبرة الرفض المبدئي لأي تفاعل مع الإخوان. يطرح الرافضون نقطتين أساسيتين دفاعاً عن مواقفهم: أولاً الرفض المبدئي للأيديولوجيا الإخوانية التي تتسم بالرجعية في بعض جوانبها، وثانياً الخوف من ضخامة الكتلة الإخوانية وقدرتها العالية على الحشد والتنظيم.
بالطبع يرفض الاشتراكيون الثوريون أيديولوجيا الإخوان المسلمين رفضاً مبدئياً، كما يرفضون كل الأيديولوجيات الإصلاحية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة. ولكن هذه ليست القضية. فمن المؤكد ـ بالرغم من بعض الميول الرجعية للإخوان، وبالرغم من تحولاتهم البرجوازية ـ أن هناك مساحة من المطالب المشتركة في مواجهة النظام (تخص بالتحديد بعض القضايا الوطنية والديموقراطية) يجتمع عليها الثوريون معهم ومع باقي فصائل المعارضة. من هنا تنبع ضرورة العمل المطلبي المشترك. من ناحية ثانية، فعلى الرغم من أن قيادة الإخوان هي قسم (معارض) من البرجوازية المصرية، إلا أن الجسد الإخواني (الكوادر والأنصار والجمهور) يتشكل من أقسام مهمة من الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة والفئات الطلابية (بالإضافة إلى بعض العناصر العمالية المحدودة) التي ارتبط كثير منها بالجماعة رفضاً للنظام وسياساته. وهذا يعني أن جزء مهم من الجمهور المطلوب تعبئته في المعارك المطلبية ضد النظام خاضع للنفوذ السياسي للإخوان المسلمين. وبالرغم مما قد يظن البعض، فإن هذا الجمهور متغير ومتحرك وقابل ـ في مرحلة ما من تطور الصراع السياسي، وتحت ضغوط اقتصادية واجتماعية بعينها ـ للانقسام والتحول يساراً. ليس هناك معنى إذن لسيطرة روح علمانية تنويرية على اليسار الثوري المصري تمنعه بشكل خاص من العمل المطلبي المشترك مع الإسلاميين كلما اقتضى الظرف ذلك، وبدون التخلي عن حق النقد واستقلالية الدعاية.
من الصحيح هنا بالطبع توقع أن العمل المشترك مع الإخوان سيواجه صعوبات في المرحلة الراهنة أكثر من أي وقت مضى، وذلك، كما شرحنا في قسم سابق، بسبب سيطرة الروح المحافظة والميل لرفض التعبئة عليهم. ولكن ربما يكون هذا في حد ذاته، خاصة في ظل نمو التجذير في الشارع، أحد الأسباب الدافعة للسعي ـ كلما سنحت الفرصة ـ إلى النضال العملي المشترك بين اليسار الثوري والكوادر الإخوانية القاعدية. ففي ظل ظرف كهذا يمكن لنضالية وجذرية ولا عصبوية الثوريين أن تلعب بمرور الوقت دوراً في جذب جزء من العناصر الإخوانية القاعدية المتململة من سياسيات الجماعة المهادنة والانسحابية. وبالفعل، هناك دلائل على نمو التذمر في صفوف الإخوان من جراء الميول اليمينية للقيادة. فمؤخراً بعث عدد من الأعضاء رسالة إلى المرشد العام ومكتب الإرشاد تضمنت نقداً صارماً وحازماً للقيادة بسبب انسحاب الإخوان من العمل السياسي الجماهيري.
من المهم هنا أن نؤكد أن هناك اختلاف كبير بين التفاعل مع الإخوان في عمل مشترك، والتفاعلات الحبهوية مع الحلقات الصغيرة اليسارية والناصرية. فلا يمكن بالطبع تأسيس تفاعل جبهوي واسع بين الاشتراكيين الثوريين وبين جماعة الإخوان ككل. وذلك لسبب بديهي هو الفارق الضخم في الأحجام. لكن هذا لا يمنع من السعي للعمل المشترك المحدود: مع عناصر بعينها، داخل موقع بذاته، الخ ـ كل ذلك بدون أي تنازل عن استقلالية الموقف الاشتراكي. وبلا أدنى شك، فإن أي عمل مشترك مع الإخوان مقيد بالشروط السابقة سيحقق مكاسب للاشتراكيين. فمثلاً، لو أن الإخوان ينظمون مؤتمراً طلابياً في الجامعة يشارك فيه عدة آلاف من الطلبة. وتم الاتفاق على التحاق الاشتراكيين به وإلقاء كلمة باسمهم داخله، سيعني هذا ببساطة أن الاشتراكيين سيحصلون على فرصة التحدث أمام جمهور واسع من الطلبة. وهو ما يعني بدوره فرصة للتأثير على جمهور الطلبة، وعلى كوادر إخوانية قد يكون بعضها قد بدأ في التشكك في السياسة الإخوانية المتسمة بالجمود والمحافظة.

أفق المستقبل
بالطبع ليس من المطروح اليوم أن يمثل اليسار الثوري ـ بسبب صغر حجمه وضيق نطاق تأثيره ـ بديلاً سياسياً للإخوان المسلمين. ولكن ليس هناك شك في أن المرحلة القادمة تطرح قضية "البديل السياسي" لنظام مبارك بشكل عملي. ليس هذا فقط بسبب تفاقم الأزمة وتصاعد التجذير، وإنما أيضاً بسبب إفلاس البدائل السياسية المعارضة، ومن ضمنها الإخوان المسلمين. ففي ظل إحجام الإخوان عن قيادة الحركة الجماهيرية ودفعها إلى الأمام، وفي ظل إفلاس قوى اليسار التقليدي والشرعي، يبقى اليسار الراديكالي والثوري (على المدى المتوسط) هو البديل الحقيقي. ولهذا السبب فإن انغماس هذا اليسار في المعارك الجماهيرية الراهنة باستخدام كل الأدوات ومن ضمنها العمل المطلبي المشترك مع الآخرين، وبناءه لتنظيم مستقل قادر على طرح استراتيجية متكاملة للتحويل الثوري للمجتمع، أصبح ضرورة ملحة. فلا يمكن للثوريين أن يطرحوا أنفسهم على الساحة السياسية المصرية كبديل، إلا إذا نجحوا ـ على مدى سنوات من الكفاح الشاق قد تطول ـ في خلق تنظيم قوي ذو جذور جماهيرية أثبت كفاحيته وثوريته عبر العديد من المعارك والنضالات.

[CENTER]الإخوان المسلمون والتغيير

لن يختلف اثنان أن تنظيم الإخوان المسلمين هو أكبر تنظيم سياسي في مصر. لا توجد قوة أخرى في هذا البلد تنافسه في تأثيره وانتشاره. بل الأدق أن نقول أنه فيما عداه لا يوجد حزب سياسي له جذور جماهيرية على الساحة. من هنا فهو التكوين الوحيد المؤهل، في ظرف أزمة سياسية وهبة جماهيرية محتملة، أن يلعب دورا محوريا في توجيه الجماهير وفي لعب دور البديل الجاهز.
نظن أن هذه أسباب كافية لأن يهتم كل السياسيين، ومن بينهم الثوريين، بالإخوان المسلمين. إذا كنا نرى أن "تغييرا ما" أصبح على جدول أعمال الطبقة الحاكمة، وإذا كنا نرى أن العوامل المهيئة لانتفاضة جماهيرية تتجمع في الأفق، فلا أقل من أن ننظر ببعض الإمعان إلى المشروع السياسي ـ الطبقي لأكبر حزب في هذا البلد.

الأساس الطبقي للإخوان
لا يكفي حتى تفهم مشروع حزب ما أن تقتصر على تحليل الطبيعة الطبقية لعضويته. الأحزاب العمالية قد تكون إصلاحية وقد تكون ثورية. والأحزاب البرجوازية الصغيرة قد تكون فاشية وقد تكون وطنية تحررية. الأهم من هذا وذاك أن الأحزاب البرجوازية الكبيرة لا تجذب غالبية عضويتها من بين أبناء الطبقة البرجوازية. على العكس: أحزاب البرجوازية تستمد أعضاءها وقوتها من قدرتها على جذب كوادر من طبقات أخرى (الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة) لتلعب أدوار القادة والمنظرين والحركيين.
يمكننا إذن القول أنه بالرغم من أن الأحزاب تمثل في الجوهر مشاريع طبقية اتخذت شكلا سياسيا متكاملا، إلا أنه ليست هناك علاقة بسيطة ومباشرة بين الطبيعة الطبقية لعضوية الحزب وبين مشروعه. هذه الملاحظة مهمة جدا لفهم تنظيم الإخوان المسلمين ولفهم خطته لإصلاح المجتمع.
الإخوان المسلمون بالأساس تنظيم للطبقة الوسطى التقليدية والحديثة (بالذات: الأطباء، المهندسون، المحامون، المدرسون، الخ)، وللبرجوازية المتوسطة والصغيرة (التجار المتوسطون، الطلاب وخريجو الجامعات من أبناء متوسطي ومحدودي الدخل، الموظفون، الخ)، ولكنه يحاول باستماتة تقديم أوراق اعتماده للبرجوازية المصرية الكبيرة. يراهن الإخوان على المستقبل، ويحلمون بالسيناريو التركي. هم يعتقدون عن حق أن أي أزمة سياسية مقبلة سترشحهم ـ بسبب تأثيرهم على الشارع ـ للعب دور محوري، وربما يفرض تطور الأحداث على البرجوازية، وعلى الإمبريالية الأمريكية، تزكيتهم كبديل يمثل صمام أمان لصيانة الملكية الكبيرة والمصالح المرتبطة بها.
بهذا المعنى فالإخوان المسلمون ليسوا أعداء طبقيين للنظام القائم. هم منافسين له يحاولون خطب ود شرائح وقطاعات أخرى من نفس الطبقة. وهذا ما يفسر عداء نظام مبارك لهم. مبارك يخشاهم ليس لأنهم العدو الطبقي ولكن لأنهم الأقرب للحلول محله إذا ما حانت ساعة نظامه لسبب أو لآخر. أما هم، فإن مهادنتهم للنظام وعدم رغبتهم في القيام بأي تعبئة جماهيرية تنبع من سعيهم لإثبات احترامهم للشرعية والنظام و... "البرجوازية" .
يستمد الإخوان قوتهم من تاريخهم ومن قدراتهم. ولكن الأهم من هذا وذاك أنهم يعتمدون على تململ الطبقة الوسطى المصرية، بالذات جناحها الحديث. هذه الطبقة ناقمة اليوم على فشل نظام مبارك المزري. هي ناقمة على أحوالها المتردية وعلى ضيق فرص العمل وعلى تقهقر المجتمع وفساده. هؤلاء هم الأشخاص الذين يتحدثون عن المصريين بصفتهم شعب متخلف ويعبرون عن خجلهم من انتمائهم لبلد أصبح اليوم متأخرا عن دول أخرى كان يسبقها ذات يوم قريب. وهؤلاء أيضا هم الأشخاص الذين يتبنى كثير منهم ـ خاصة القسم الأضعف والأقل فرصا ـ رؤية أخلاقية لفشل البرجوازية المصرية التحديثي: "البعد عن الإسلام هو سبب الفشل، الخضوع للقيم الغربية هو أصل البلاء، نريد تحديثا إسلاميا"!

تحولات تاريخية
تاريخيا نشأ الإخوان كحزب للبرجوازية الصغيرة المحبطة مما آل إليه الحال بعد مرور عشر سنوات على ثورة 1919. في هذه السنوات العشر ظهر تخاذل حزب البرجوازية (الوفد) كقائد لحركة التحرر الوطني، وبدأت الرأسمالية الصناعية، وكل مظاهر "التحديث" الرأسمالي، تظهر وجهها الاستغلالي القبيح. فكانت النتيجة هي غضب كل فئات البرجوازية الصغيرة واستعدادها للتحرك بشكل مستقل تحت شعارات أخلاقية تداعب أحلامها في العودة للعصر الذهبي قبل انهيار "المدينة الريفية الفاضلة".
لكن كما هو الحال في شأن كل حزب قديم وكبير، خضع الإخوان للعديد من عوامل التبدل والتغيير. جوهر التغيير الذي طرأ على الإخوان على مدى أكثر من خمسة وسبعين عاما منذ النشأة في 1928 وحتى اليوم هو التحول من حزب للبرجوازية الصغيرة يتصف بالتذبذب والتردد بين الجذرية والمهادنة، بين الوسائل الإصلاحية والوسائل العنيفة، إلى حزب خلّص نفسه من أمراض التشدد والراديكالية التي ترتبط بسنوات المراهقة ويحاول الآن جاهدا أن يعد نفسه للعب دور البديل المحترم (يعني البرجوازي) للغد وبعد الغد.

ربما كانت النقطة الفاصلة في تاريخ الإخوان في التحول ناحية البرجوازية هي سنوات الستينات وحتى أوائل السبعينات. في نهاية هذه السنوات حسمت معركة "إصلاح أم جهاد؟" داخل الإخوان بخروج القطبيين وكل عناصر التشدد من عباءة التنظيم لينشئوا تنظيماتهم المستقلة التي ملأت الساحة السياسية المصرية ضجيجا على مدى عقود.
ثم عاد الإخوان للساحة في السبعينات، ولكن في ثوب جديد. كثير من القيادات التاريخية عادت منتفخة الجيوب من إمارات الخليج. وتجددت حيوية التنظيم مع حركة الطلاب في السبعينات حينما نجحت مجمل سياسات النظام، على خلفية أزمة الطبقة الوسطى الجديدة، في ضخ دماء شبابية في عروق تنظيم كان قد شاب واكتهل في معركته مع السلطة الناصرية.

مشروع الإخوان
منذ تلك اللحظة وحتى يومنا هذا والإخوان يسيرون بدأب لا يعرف الكلل على طريق واضح المعالم تماما: طريق البرجوازية. الكوادر الرئيسية للتنظيم أصبحت مجمعة اليوم على عدد من الثوابت لا تراجع عنها: لا للعنف، لا للثورة أو الهبة الجماهيرية، نعم للطريق البرلماني وللإصلاح التدريجي.
هذا عن الوسائل. أما الأهداف فيمكنك أن تتعرف عليها من البرنامج الإصلاحي الذي نشره الإخوان قبل شهور قليلة بتوقيع المرشد العام الجديد محمد مهدي عاكف. يمكنك باختصار القول أن هذا برنامج ليبرالي بنكهة إسلامية: نعم للديمقراطية البرجوازية ولكن مع بعض الضوابط الإسلامية، نعم للإصلاح الاقتصادي الليبرالي الجديد (متضمنا الخصخصة) ولكن بدون ربا، نعم للحريات العامة والسياسية ولكن مع بعض التقييد في الحريات الشخصية (لا للخمور وللقمار ولسفور النساء)، نعم لتطوير التعليم لتلبية احتياجات رأس المال ولكن مع نشر الكتاتيب!!
الطريف هنا أن المتأمل يمكنه أن يكتشف أن معركة اليسار الانتهازي مع الإخوان لا تعدو أن تكون معركة حول الحريات الشخصية. الطرفان يقبلان بالنظام الاجتماعي السائد؛ الطرفان يؤيدان الرأسمالية والسوق؛ الطرفان يريدان (على الأقل في أقوالهم) قدرا ما من الديمقراطية البرجوازية ـ ولكنهما يتصارعان حول الحجاب والسفور والخمور!!
المجتمع الذي يسعى إليه الإخوان المسلمون إذن لا يختلف في جوهره عن المجتمع الذي تحاول أن تبنيه قوى المعارضة المهادنة الأخرى، بل لا يختلف في جوهره عن المجتمع الذي تحاول أن تبنيه جماعة جمال مبارك. في هذا المجتمع لن يختفي الاستغلال. سيظل العامل عبدا والرأسمالي سيدا. سيظل التاجر حرا، والفقير منهوبا. ستظل الملكية الخاصة مصانة وآمنة، بل ستتوسع بـ"فضل الله" و"الخصخصة". كل ما هنالك أن الضجيج الأخلاقي سيعلو في محاولة لإخفاء الوجه القبيح لليبرالية الإخوانية الجديدة.

الإخوان واليسار والتغيير
وبينما يسعى الإخوان جاهدين لإثبات ولاءهم للرأسمالية، نجد اليسار المهادن يرى أن خطر الإخوان يكمن في ظلاميتهم وفي كذب تبنيهم للديمقراطية. الحقيقة أن خطر الإخوان يكمن في مسألة أخرى تماما. الإخوان خطر لأنهم القوة البرجوازية الجماهيرية الوحيدة. أي أنهم الوحيدون القادرون ـ في سياق انتفاضة جماهيرية متقدمة ـ على لعب دور صمام الأمان للطبقات الحاكمة.
الانتهازيون يعتقدون أن الطريق لإزاحة خطر الإخوان هو منافستهم على تقديم أوراق الاعتماد للبرجوازية الكبيرة وللمجتمع المخملي. هذا بالضبط هو طريق تكريس دولة الاستغلال والاستبداد. الطريق الوحيد لإزاحة خطر الإخوان هو كسب الجماهير. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا على يد يسار مناضل حسم مواقعه في صفوف الكادحين ونزل إلى غمار المعركة الطبقية في كل موقع ومجال.
في أتون أي معركة طبقية كبرى قادمة نحن نعلم أن الإخوان سيواجهون أسئلة "الخبز والحرية" الصعبة. ونعلم أيضا أن إجابتهم ستكون في صف "الملكية والرأسمالية والخصخصة"، وفي صف "النظام والانضباط وحق الأسياد أن يسودوا". ساعتها ستولد فرصة ذهبية أن تكتشف الجماهير، من خلاصة تجربتها، أن الإخوان هم وجه آخر من وجوه الطبقة الحاكمة. لكن ستقع المسئولية على يسار كفاحي، بنى قواعده الجماهيرية وخلق لنفسه جذورا عمالية، أن يصل باكتشاف الجماهير إلى نتيجته المنطقية: خلق عالم أفضل ممكن يسود البشر فيه على منطق الأرباح.

[CENTER]
التغيير الجذري يحتاج إلى تحالف لليسار المناضل

يتميز حال مصر السياسي بالاحتقان الشديد تحت السطح. ما رأيناه يومي 20 و21 مارس الماضيين لا يمكن أن يُفهم إلا في هذا السياق. فعندما احتشد عشرات الآلاف من الطلاب والفقراء والعمال في قلب المدينة في هذين اليومين، انطلقت حناجرهم تهتف بكل حماسة وغضب ضد النظام ورموزه وسياساته. في دقائق معدودات تحولت حركة جماهيرية ضد الإمبريالية إلى نضال مباشر ضد سلطة الاستغلال والاستبداد.
النضال الطبقي في مصر إذن يتسم بالاحتدام الهائل تحت غلالة خارجية من الهدوء الخادع. فعلى مدى حوالي عقدين من الزمان رسمت الليبرالية الجديدة، بقيادة نظام الطاغية مبارك، مصائر عشرات الملايين من الكادحين على ضفاف النيل. وفي الأعوام الأخيرة وصلت هذه السياسة إلى طريق مسدود. فلا هي قادرة على انتشال الرأسمالية المصرية من وضعية الركود شبه المزمن، ولا هي قادرة على رفع مستويات معيشة الجماهير العريضة، ولا هي حتى قادرة على خطب ود الإمبريالية ووكلائها في البنك والصندوق الدوليين.
في ظل وضع كهذا لا يعود الحديث عن التغيير مجرد رطانة مثقفين. العواصف والأنواء التي تجتاح المنطقة والعالم، وتصاعد الاستقطاب في الصراع الطبقي العالمي، يشيران إلى أن التغيير قادم. وفي هذا السياق يصبح السؤال المنطقي: أي تغيير ولمصلحة من؟
من هنا تولد أهمية خلق بديل يساري كفاحي واضح المعالم. السياسة كما نعلم عدوة للفراغ. فإذا كنا نعيش في حال احتقان، وإذا كانت الحركة الجماهيرية معرضة لأن تنطلق في أي لحظة، وإذا كان سيناريو الأرجنتين أو إندونيسيا قابلاً للتكرار، فإن المعركة الطبقية المفتوحة المتوقعة ستخلق رجالها وساستها. لن ينتظر التاريخ اليسار المصري حتى يسوي أموره ويحل مشاكله ويصبح قادراً على طرح نفسه في الساحة السياسية. سيدهس التاريخ المتلكئين ويزيحهم عن الطريق.
كيف نتجنب هذا المصير؟ لا شك أن تنظيماً كـ"منظمة الاشتراكيين الثوريين" (التي تصدر هذه الجريدة) لا يمتلك اليوم الحجم أو النفوذ اللذين يمكنانه من ملء الفراغ على اليسار. هذا على الرغم من أنه بالفعل هناك فراغ على اليسار. فكل المؤشرات تثبت أن طبيعة الاحتقان السياسي اليوم، على خلاف الوضع في مطلع التسعينات، يمهد الطريق لبديل يساري جذري. فقد دار التاريخ دورته وأظهرت الطنطنة الراديكالية للجماعات الإسلامية المسلحة، التي تولت قبل عقد من الزمان دور حامل مشعل التغيير الجذري، إفلاسها وحدودها البرجوازية الصغيرة الرجعية. ثم أن الإخوان المسلمين سقطوا في كل امتحان دخلوا فيه على مدى العقود التي تلت عودتهم للساحة السياسية على يد السادات في مطلع التسعينات. أما الناصريين، وهم أكثر القوى المؤثرة راديكالية اليوم، فإن حدودهم القومية، وتوجسهم من النضال الطبقي ومن ثورة الجماهير، سوف تكشفهم وتعزلهم ما إن تحين ساعة الجد.
اليسار الثوري، نظرياً، هو الأقدر على التعبير عن مطامح الجماهير ـ حتى الإصلاحية منها. ففي كل موجة صعود للحركة (أكتوبر 2000، أبريل 2002، مارس 2003) يبرز اليسار الثوري على رأس النضال الجماهيري بمستوى من التأثير أكبر بما لا يقاس من حجمه التنظيمي الحقيقي. هذا ليس صدفة. فاليسار الثوري بالفعل هو القوة الوحيدة القادرة على مواصلة النضال حتى النهاية؛ هو القوة القادرة على خوض المواجهة ضد الرأس وليس ضد الذيول والأطراف.
ولكن اليسار الثوري صغير وربما مفتت ويفتقر للجذور الفكرية والتنظيمية. لابد إذن من حل لهذه المعضلة. لابد من حلقة وسيطة تمكن اليسار الثوري من لعب دور ومن التأثير. من هنا بالتحديد ولدت فكرة تحالف اليسار. هذه الفكرة تختلف بالقطع عن الوحدات التنظيمية البائسة والمشوهة التي دخلها الشيوعيون على مدار تاريخهم الطويل في مصر. المطروح ليس وحدة تنظيمية، وليس تكوين حزب من مجموع تنظيمات وأفراد لم يحسموا معاً قضايا استراتيجية جوهرية ولم يخوضوا سوياً معارك مشتركة كافية لصهرهم في النضال. المطروح تحالف سياسي مفتوح بين قوى مستقلة تنظيمياً وسياسياً. تحالف ينبني على الفرز النضالي الذي حدث بالفعل على مدى أكثر من عامين من المعارك في اللجان الشعبية والوطنية وغيرها.
ما يشبه الحزب في هذا التحالف هو أنه يمتلك تصوراً سياسياً توافقياً يتحرك على أساسه ويخلق لنفسه جذور في الواقع على أساسه. ولكن ما يفترق عن الحزب هو كونه يسمح بوجود تيارات منظمة مستقلة بداخله، وكونه ـ وهذا هو الأهم ـ لم يحسم القضايا المركزية في النضال السياسي: إصلاح أم ثورة؟ وأي ثورة؟ وأي حزب؟ من هنا فإن سقف "الوحدة السياسية" لتحالف اليسار هو أقل من السقف المفترض وجوده في حزب قادر ـ بدون تمزقات ـ على خوض المعركة الطبقية بصلابة حتى النهاية. ولكنه سقف كاف لخوض معركة مؤقتة مشتركة تطرح اليسار بصفته تيار كفاحي منافس لكل من التيارين الإسلامي والقومي.
إلى أي مدى يمكننا توقع إمكانية خلق هذا التحالف اليساري. لن نكون متفائلين بلا عقلانية. ولكن هناك فرصة حقيقية. فوراء اليسار الراديكالي والثوري في مصر تجربة نضالية مشتركة أذابت كثير من الحساسيات وحطمت كثير من الأوهام. وأمامه معركة حاسمة تفرض مسئولية لن نكون متجاوزين إذا قلنا أنها تاريخية. فمن ينظر إلى واقع الحال في الشارع المصري. من ينظر إلى بؤس الكادحين وغضبهم وتطلعهم إلى تقويض النظام العفن الراهن. من ينظر إلى إفلاس البرجوازية، وإلى توحش الإمبريالية، وإلى ميلاد الأمل الجماهيري العالمي مجدداً، يمكنه أن يفهم عم نتحدث حين نقول أنه قد آن الأوان لميلاد بديل سياسي يساري راديكالي غير مهادن يرفع راية التغيير الثوري الجذري في واقع متعطش إلى التغيير وتواق إلى العدل والحرية.

(f)

روزا لوكسمبرج تحيه نظاليه