الشيخة مي: يؤلمني تدني مستوى الثقافة الآثارية في البحرين
كتبت: آمال الخيّر
الصدفة وحدها هي التي قادت الباحث الأثري والجيولوجي السعودي نبيل يوسف الشيخ إلى موقع مستوطنة سار التاريخية في شهر يوليو من عام 1996 ليكتشف في لحظة نادرة غروب الشمس في مسافة قريبة من الزاوية الحجرية الموجودة في معبد سار، حينها ألحت عليه فكرة أن تكون هذه الزاوية هي مرصد فلكي إلا أنه أرجئ الإعلان عن هذه النظرية إلى العام التالي حيث ظل يراقب الشمس لأيام طويلة إلى أن وجد أن الشمس تتعامد على هذه الزاوية الحجرية في 21 يونيو من كل عام ومن ثم تبدأ في التراجع إلى أن تعود في السنة التالية للتعامد في اليوم نفسه على هذه الزاوية التي وجدت في المعبد دون أن يتضح لوجودها أي سبب أو أهمية.
يذكر الباحث السعودي بأن هذا الاكتشاف الذي أعلن عنه في عام 1998 وتم رفضه من قبل المسئولين في قطاع الثقافة آنذاك وكذلك البعثة البريطانية التي عمل معها في الموقع لسنوات عدة يؤكد بأن الدلمونيين هم من أوائل الحضارات التي استخدمت التقويم الشمسي لبدء سنتهم الشمسية منذ أكثر من أربعة آلاف سنة.
وقال بأن التقويم الشمسي الدلموني يبدأ في فصل الصيف في حين التقويم الميلادي يبدأ في الشتاء حيث شهر يناير والإيراني في الربيع والصيني في شهر فبراير وهذا يؤكد بأن كل حضارة لها طريقة مختلفة في قياس الزمن والتاريخ.
وأكد بأنه بعد مرور عشر سنوات على هذا الاكتشاف حظيت نظريته بدعم من المسئولين في قطاع الآثار في البحرين الذين ساندوه وكشفوا عن هذه النظرية التي تكشف مدى تطور علم الفلك لدى الدلمونيين.
وذكر الباحث نبيل الشيخ بأن الجدار الذي شكل جزءا من معبد مستوطنة سار لم يكن له أي دور يذكر فهو جدار أعوج وامتداده غير طبيعي وليس له استفادة عملية كالأجزاء الأخرى من المعبد مما يثير الحيرة والتساؤل ويبعث على الاستغراب إلا أن الكشف الذي توصل له يفك اللغز الذي ظل يحير القائمين على عملية التنقيب في الموقع والمتمثل في الدور الذي يقوم به هذا المعبد.
ونظرا لاقتراب السنة الدلمونية قرر قطاع الثقافة والتراث الوطني أن يعيش الحدث داعيا الخبراء والآثاريين والمهتمين لمعايشة الحدث والوقوف عن قرب على هذه الظاهرة الفلكية المرتبطة بحضارة دلمون والتعرف على المرصد الفلكي الدلموني الذي يعتبر الأول من نوعه في العالم حيث أثبت الخبراء في الاحتفال الذي شهده معبد سار الدلموني الساعة السادسة و35 دقيقة يوم الأربعاء الماضي الموافق 21 يونيو دقة التقويم الشمسي للدلمونين حيث شاهدوا تعامد الشمس بالمرصد الأثري بالمعبد والذي أكدت أن السنة الدلمونية بدأت فعليا أمس.
وقد توجه فريق من الخبراء والآثاريين والمهتمين ترافقهم الوكيل المساعد لقطاع الثقافة والتراث الوطني الشيخة مي بنت محمد آل خليفة مساء أمس الأول إلى المعبد بناء على دراسة تاريخية أثرية للباحث السعودي نبيل الشيخ الذي توصل في دراسته إلى أن الدلمونيين وضعوا تقويما خاصا بالسنة الدلمونية وأن المرصد الذي اكتشف في معبد سار خصص لوضع هذا التقويم.
وقد عايشت أخبار الخليج هذا الحدث التاريخي المتمثل في تعامد الشمس مع زاوية المرصد حيث استغرق التعامد دقائق فقط إلى أن غربت الشمس نهائيا إيذانا ببدء السنة الشمسية الدلمونية الجديدة.
وقد كانت لحظة تاريخية لكل من حضر الموقع حيث تمكنوا من رؤية الشمس تغرب في نفس مستوى رأس زاوية المرصد مما آثار الحضور الذي كانت النسبة الغالبة منهم من الأجانب.
وبحسب الشيخ فأن كهنة معبد سار عرفوا ظاهرة الانقلاب الصيفي مشيرا إلى أن الحضارة الدلمونية تعتبر حضارة محلية وجدت على أرض جزيرة مملكة البحرين كمركز، وفي المناطق المجاورة من بر شرقي الجزيرة العربية (جزيرة تاروت وجنوب الظهران في المملكة العربية السعودية وأيضا جزيرة فيلكا في دولة الكويت)، وتكمن أهميتها في أنها تحتل مكانا فريدا في الميثولوجيا السومرية والبابلية القديمة باعتبارها مكانا مقدسا له مواصفات الجنة أو الفردوس.
ويقول الباحث عن التقويم الدلموني الشمسي إن ظروف مجتمع دلمون الذي اعتمد على الزراعة والتجارة والصيد، ظهرت فيه المتطلبات الأساسية لحساب الزمن فأحدث الكاهن الدلموني ثورة جديدة في أسلوب حسابه للزمن تختلف عن المفاهيم الفلكية والفكرية التي اتبعتها الكثير من الحضارات القديمة، إذ أن التقويم الدلموني تقويم شمسي بحت تقسم فيه السنة إلى 365 يوما وهى المدة الزمنية لرجوع الشمس إلى النقطة التي ابتدأت منها وهذا ما يعرف بالانقلاب الشمسي وهذه الحسبة قريبة جداً لطول السنة الحقيقي 365.2422 يوما وهي الفترة الزمنية التي تقضيها الأرض لتكمل دورة واحدة حول الشمس.
وأضاف لقد تتبع الكاهن الدلموني حركة الشمس وملاحظته لظاهرة الانقلاب الصيفي (مكىٌُس ْمٍٍس)، ويعرف الانقلاب الصيفي علميا بالفترة من السنة التي يحدث فيها تحول لمسار الشمس في حركتها الظاهرية حول الأرض بعد أن تكون قد وصلت إلى أقصى امتداد لها شمالا بمقدار 23.27 درجة فوق مدار السرطان، ويحدث هذا في يوم 21 من شهر يونيو (حزيران) من كل عام، لذا فقد بنى الدلمونيون معبدهم في مستوطنة سار ليكون مرصدا فلكيا لرصد هذه الظاهرة وذلك بجعل الركن الشمالي الغربي للمعبد (غرفة الرصد) ممتدا وموجها نحو غروب الشمس في 21 من شهر يونيو أي بزاوية مقدارها حوالي 295 درجة، وعند معاينة كاهن المعبد تعامد الشمس مع هذه الزاوية من خلال ثقب أو فتحة صغيرة فيعلن بهذا بدء السنة الجديدة للشعب الدلموني، وبهذا يصبح الدلمونيون من أوائل من استخدم التقويم الشمسي في العالم القديم وهو تقويم دقيق وأن نسبة الخطأ فيه بسيطة ويمكن تصحيحها من قبل الكهنة الذين يقومون بالتصحيح حسب الحاجة ما كان قد تراكم من تفاوت في التقويم.
وقال نبيل الشيخ الذي شارك في التنقيب في مستوطنة سار مع البعثة الإنجليزية البحرينية المشتركة بأنه بعد مرور حوالي 4000 سنة، أشعة غروب الشمس لا تتعامد مع زاوية غرفة الرصد في معبد سار، لذا لم تعد الزاوية الشمالية الغربية للمعبد تخدم ظاهرة الانقلاب الصيفي وذلك لانحراف هذه الزاوية نحو الشرق بعشر درجات تقريبا فأصبحت الزاوية الجديدة للمعبد حوالي 305 درجة مقدما شرحا تفصيليا يوضح سبب هذا الانحراف في الدرجات العشر بقوله هي حركة التل الرملي الذي يقع عليه المعبد إذ أن هذا التل قد تزحزح إلى الشرق بمقدار حوالي 10 درجات أي بمعدل 1.5 سم في السنة، وهذا مقبول جدا من الناحية الجيولوجية لوضعية التل الرملي ولوجود مبنى المعبد في أعلى ارتفاع على التل فان تحرك المعبد نحو الشرق بشكل عام نحو المنطقة المنخفضة كان بشكل طبيعي وأحيانا قد يكون بشكل سريع بعض الشيء بسبب الهزات الأرضية البسيطة. وأكد بأن اكتشافه لم ينتهي بعد فهو يهيب بالباحثين وعلماء الآثار إكمال مسيرة البحث التي بدأها موضحا بأن هذه الدراسة المبدئية للركن الشمالي الغربي لمعبد سار ونظرية التقويم الدلموني الشمسي بحاجة إلى دراسة علمية جادة وبأجهزة قياس دقيقة ومتطورة كجهاز تحديد المواقع (جي بي اس) لأخذ نقطة على هذه الزاوية وبعد عدة سنوات اخذ قراءة جديدة للتمكن من قياس هذا الانحراف السنوي البسيط، وأيضا جهاز التيودوليت لأخذ زاوية الركن الشمالي الغربي للمعبد وأيضا لأخذ زاوية غروب الشمس في يوم 21 من شهر يونيو وإن إعادة تصور وضع المعبد قبل 4000 سنة (بمقدار حوالي 10 درجات إلى الغرب) باستخدام الحاسب الآلي وذلك باستخدام برنامج خاص يرجع تعامد أشعة غروب الشمس على الركن الشمالي الغربي لمعبد مستوطنة سار الدلموني في 21 من شهر يونيو وبداية سنة دلمونية جديدة.
ومن جانبها أكدت الشيخة مي في تصريح لها لـ أخبار الخليج بأن القطاع يسعى حاليا إلى استملاك الموقع وتهيئته لتحويله إلى مزار سياحي يقصده سياح البلاد من كل مكان موضحة بأن هناك توجها إلى وضع خطة تتوافق مع الأساليب العلمية الحديثة للمحافظة على الموقع وإنشاء مركز معلومات يمثل متحفا مصغرا يضم كافة المعلومات المتعلقة بالموقع الذي عمل فيه الفريق الإنجليزي على مدى عشر سنوات.
وفي الوقت الذي أعجبت فيه الشيخة مي بالحضور المتميز للأجانب والخبراء والآثاريين للموقع وعدد بسيط من البحرينيين شددت على أهمية أن يتم وضع خطة وطنية للتوعية بأهمية هذه المواقع التاريخية وضرورة المحافظة عليها والتعرف على تاريخ البحرين القديم مؤكدة بأن هذه الخطة يتم تنفيذها من قبل كافة الجهات المختصة منها قطاع الثقافة و الإعلام ووزارة التربية والتعليم التي يتوجب أن تأخذ على عاتقها توعية الأجيال بأهمية الارتباط بتاريخ الوطن من خلال مناهج خاصة تعزز المواطنة لدى هذه الأجيال. وأبدت الشيخة امتعاضها من عدم اهتمام أهل البلد أنفسهم بتاريخهم وبحضاراتهم في حين يحرص الأجنبي الذي ما أن تلامس قدماه أرض البحرين أول ما يسعى له هو التعرف على حضارة هذا البلد وتاريخه وهذا يبدو جليا في زوجة السفير الألماني التي تمكنت خلال عامين فقط من وجودها في البحرين من معرفة الكثير الذي لا يحصى عن تاريخ هذا البلد متمنية أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الثقافة هي من أولويات أبناء هذا البلد الذين يوجهون طاقاتهم لأمور أخرى كالسياسة في حين أن كل البلد يعرف دوليا من الناحية الثقافية أكثر من أي شيء آخر.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/Articles.a...=169069&Sn=BNEW