للزميل ليلين جزيل الشكر على جهده الكبير الذي يستحق التقدير والتحية (f)
اقتبس هذه القطعة المحورية التي دار حولها معظم الجدل :
اقتباس:يخاطب [الإمبراطور] محاوره بطريقة فظة صادمة ـ صادمة إلى حد مفاجئ لنا ـ عن المسألة المركزية حول العلاقة بين الدين و العنف بشكل عام، فيقول: "فقط أرني ما الجديد الذي جلبه محمد، و ستجد فيه أشياءً شريرة و لاإنسانية فقط، مثل أمره بنشر الإيمان الذي يبشر به [بحد] السيف". يتابع الإمبراطور، بعد أن عبر عن رأيه بقوة بالغة، شرحه بالتفصيل للأسباب التي تجعل من نشر الإيمان عن طريق العنف أمراً غير عقلاني. إن العنف لا يتوافق مع طبيعة الإله و [لا] طبيعة الروح؛ "فالإله"، يتابع [الإمبراطور] ـ "لا يُسترضى بالدماء – ألا تتصرف بعقلانية [هو أمر] يتناقض و طبيعة الإله. [إن] الإيمان وليد الروح، لا الجسد. [و] أياً كان من يقود شخصاً إلى الإيمان، فإنه سيحتاج إلى قدرة الكلام بشكل سليم و التفكر بشكل ملائم، من دون عنف أو تهديدات... كي يتم إقناع روح عقلانية، فإن المرء لا يحتاج إلى ذراع قوية، أو [إلى] أسلحة من أي نوع، أو [إلى] أي وسائل تهديد أخرى للشخص بالموت...".
وأقول :
هناك مفهومان ( والحوار الاسلامي المسيحي على وجه الخصوص بسبب حدة الصراع بين الحضارتين الاسلامية والغربية التي كانت لها أبعاد سياسية عميقةالاثر في زيادة التوتر , ومن أهمها الحملات الصليبية والفتوحات العثمانية في قلب أوروبا ) ..
هذان المفهومان هما :
1-
الحوار ذو البُعد الفلسفي العقائدي المحض ( وهو الذي يهدف الى بيان وجه الحقيقة ) وهو الغالب على كل الحوارات التاريخية والتي كانت تتسم بسمة الغلظة في الأسلوب والتهكم والسخرية ..
وهذا النوع وإن كان حاضرا في عالمنا , إلا أنه بحكم تقارب الثقافات البشرية واختصار المسافات الزمنية والمكانية حتى أصبح العالم قرية صغيرة كلنا فيها أشبه بالجيران إذا سعل أحدهم سمعه الاخر ! : لذلك خفت حدة السخرية والهجوم الانشائي في غياب الطرف الاخر ..
2-
الحوار ذو البعد الانساني المحض , وتحسين سبل التعايش السلمي وقبول الاخر كما هو بغض النظر عن بيان الحقيقة من عدمه , ولذلك تجد السمة الغالبة عليه سمة البرود السياسي تماما..
وهذا هو الغالب الان على معظم الحوارات الدينية الاكاديمية التي تقيمها الهيئات والمؤسسات الدينية والاجتماعية المختلفة على مستوى العالم .
(
الان خطاب البابا يندرج تحت أي من التقسيمين ! سوف أعود لهذه النقطة )
تلك النقلة الهائلة والهوة العميقة بين المنهجين نشأت وانبثقت من الطفرة الثقافية التي اجتاحت العالم الغربي ابان الثورة الفرنسية وحلول عصر ( الأنوار ) الذي بدد ظلمات الظلم الكنسي والاقطاعي ..
هنا انتشرت ثقافة الالحاد وانكار الغيبيات بما فيها وجود الله نفسه .. ومن ثم لم يعد من المهم اثبات وجه للحقيقة ! لأنه ليست هناك حقيقة أصلا والكل سواء ..
كان هذا هوالعنصر الفيصل الذي يفرق بين المنهجين ويقسمهما قسمين منفصلين تماما ..
ولن نتطرق هنا الى بيان أن هذا النهج قد يريح بني الانسان هنا بصورة مؤقتة , وأنه سوف يضره في عالمه الاخر بعد رحيله , وأن اختلاف البشر سنة من سنن الحياة , وليس الخلاف العقائدي والفكري يعد مبررا لانكار ماوراء الحس مما نشهده ونسمعه ونلمسه ونشمه !
هذا بحد ذاته ليس تصرفا حكيما !
ولكن الحكمة هي أن تسمعني وأسمعك , تفهمني وأفهمك , أن نخفض أصواتنا حتى نفهم ماذا يقال وماذا يريد الاخر أن يقول .. لن نصل الى شيء جديد اذا أدمنا سماع صدى أصواتنا نحن فقط !
والان خطاب ( نيافة ) البابا يدخل تحت أي القسمين :what: ؟ لايدخل تحت أي منهما ولكنه الى القسم الأول أقرب ..
قد تختلف نبرة خطابه عن خطاب القمص الموتور زكريا بطرس ولكن المقصد في النهاية واحد , هو هدم الاخر في غيابه وفي ظل الانشاء لا النقاش .. أهذا حوار أم تشهير ؟ أين الطرف الاخر الذي نسمع منه ...هل ترديد الاتهامات كالببغاء يثبت صحة المعتقد المخالف مثلا ؟ كلا ! :)
ان أبجديات التعايش السلمي اليوم تنادي باحترام مشاعر الاخرين خاصة اذا كانوا يمثلون حضورا وثقلا متزايدا يوما بعد يوم في قلب أوروبا خصوصا , وإن اختباء البابا بيندكت وراء كلام الامبراطور الذي وصفه بأنه ( واسع المعرفة ) لايعفيه من مسئولية التشهير في غياب من يقوم بدور الدفاع وبيان وجهات النظر أمام الملايين التي سمعت الحكم على المتهم غيابيا .. للأسف :saint:
(f)