[CENTER]لم يعش الآخرون الحياة نفسها على الرغم من استماعهم للحكايات نفسها ... [/CENTER]
.. في ما مضى ، ساهمت الأيدلوجيا اليسارية في تعريفنا بالعديد من الكتّاب العالميين .. ، و منهم بعض الأدباء الأتراك .. ،
ناظم حكمت ..الشاعر التركي الأشهر و الذي تُرجمت اعماله الكاملة و تمّ الإحتفاء به غير مرّة في الأوساط الثقافية العربية "اليسارية" ..، عزيز نسيين صاحب القلم الساخر و الذي يعرفه العديد من القرّاء العرب .. و يشار كمال .. الروائي التركي ..
على أنّ أورهان باموك (المولود في عام 1952) .. ، البعيد عن التيار اليساري التركي "النشط ثقافياً" ، و الليبرالي الثقافة .. سرعان ما لمع اسمه فور دخوله عالم الأدب بعد صدور روايته الأولى "جودت بك و أولاده" ..
قطع باموك ، الذي ينتمي لعائلة من الطبقة الوسطى "الثرّية " ، دراسته في كلّية المعمار في واحدة من أرقى جامعات اسطنبول و اتجه لدراسة الإعلام الذي تخرج منه بعد نيله الدبلوم .. ليكرّس بعدها نفسه و حياته للكتابة .. ، 8 سنوات كان خلالها باموك يعيش في منزل الأسرة و تصرف عليه عائلته ، بدون عمل .. سوى الكتابة .. و بعد هذه العزلة الطويلة .. خرج أورهان باموك بأوّل رواياته .. و بالعديد من الأفكار لروايات قادمة .
أورهان باموك ، يقدّم لقارئه هويةً لمدينة اسطنبول ذات القلبين المشلوحين على ضفتي البسفور .. و كما أنّ نجيب محفوظ هو راوي الحكايات القاهرية ، و قسطنطين كفافيس هو من أشعرنا بكوزموبلوتية الإسكندرية .. و ماركيز هو مخترع الوهم السحري لمدينة ماكوندو اللامرئية .. فإنّ باموك هو كاتب سيرة اسطنبول .. هذه المدينة المبعثرة بين الأزمنة و الحضارات و الأجناس .. و هي المدينة التركية في أوروبا .. و هي المقسمة بين الشرق و الغرب ..
ينزَع باموك في رواياته إلى السرد باحثاً عن هويّة لشخوصه .. في إطار الحياة الإجتماعية و التاريخية لبلده تركيا .. و يحتوي بنائه السردي على عناصر شديدة الإيغال في لعبة الحداثة .. خصوصاً فيما يتعلّق بوجهات نظره المتعددة و في بحثه هذا عن هوية لشخوص رواياته .. سردٌ مثير للشجن تختلطُ فيه التفاصيل التاريخية برؤى معاصرة .
أورهان باموك لا يتردد في استخدام وسائل مختلفة للكتابة .. بما فيها لصق الحكايا سواء تلك المستعارة من النصوص التاريخية أو تلك التي هي نتاج خياله الخارق ..
"لقد ابتكرَ صوراً قليلة الشيوع ، أو أعاد ابتكارها ، على الرغم من أو أعاد ابتكارها، على الرغم من لغته غير المتكلّفة في استعاراته المتواترة" بحسب ما جاء في مقدّمة روايته "الحياة الجديدة"
.. في هذا الشريط .. تقديم لأورهان باموك .. و مختصر لأعماله حسب قرائتي لها .. ، و هي بالطبع بعيدة عن النقد الحيادي (ليس ذلك ضمن مجال معرفتي على أيّة حال) .. و لا أُخفي إعجابي الشديد بهذا الروائي الذي تقع أحداث رواياته في مدينة سكنتُها منذ 5 سنين طفتُ بالشوارع التي تجوّلت فيها شخصياته .. و عاينت أزمة الهويّة في المجتمع الذي ينقُل عنه .. و داومت على قرائته منذ تعرّفي على اسطنبول ..
و المشاركة مفتوحة لقراءة أورهان باموك لمن تعرّف على أعماله ..
11-26-2006, 08:08 PM
{myadvertisements[zone_3]}
bassel
عضو رائد
المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
تقديم جميل ..
صراحة لم اسمع بأورهان من قبل على عكس عدد من الكتاب الأتراك ذكرتهم في تقديمك , لكن مقدمتك حفزت لدي شغف الاطلاع و خصوصا بعد مقارنتك له بماركيز و محفوظ و كفافيس .. فكتاب المدن دائما امتعوني و ادخلوني عوالم من الجمال و الحميمية .
اتمنى ان تقدم ايضا لبعض رواياته فلربما حفزت الرغبة للبحث عن اعماله .
.. السواد الأعظم من القرّاء العرب لم يتعرّفوا على الكاتب التركي أورهان باموك لأسباب كثيرة .. لعلّ من أبرزها قلّة الترجمات العربية لأعماله - على أنّ هذه الترجمات رديئة عن جدارة في مجملها لدرجة أنّها جعلت من صور و حوارات شخوصه شبه مبتورة - ...
و كما قدّمت .. ، أحاول هنا استعراض أعماله حسب قرائتي لها .. مع التأكيد على كون هذه القراءات ذاتية ، حيث أنّي أفترض أنّ كل شخص يقرأ الكتاب حسب نظرته لعالمه هو .. .
التسلسل هنا هو حسب تاريخ قرائتي للعمل و ليس حسب تاريخ اصداره ..
[CENTER] الحياة الجديدة (Yeni Hayat) " قراتُ كتاباً ذات يوم .. فتغيّرت حياتي كلّها "
ثمّ يتابع ..
" ... أحسستُ بظلال حياة سأعرفها و أقترب منها فيما بعد .. ، كنتُ جالساً وراء الطاولة .. و في زاوية في أعماق عقلي أعرف أنني جالس، و أنني أقلّب الصفحات و أقرأُ الكلمات مع تغيّر حياتي .. ، بعد مدّة شعرتُ بأنني غير مستعد و مأزوم إزاء ما سيقع لي .. فأبعدتُ وجهي عن الصفحات بتصرف غريزي و كأنني أريد حماية نفسي من الضوء المنبعث عن الكتاب .. .
حينئذٍ .. شعرت متوجّساً بأنّ الحياة من حولي تغيرت من قمّتها إلى قاعدتها و سيطر عليّ شعور بالوحدة لم أشعر به من قبل و كأنني صرتُ وحيداُ في بلد لا أعرف لغته و عاداته و جغرافيته .. "
هذا الإقتباس من مطلع الرواية - بالنسبة لي - لخّص تقريباً كل ما سيحدث .. ، حياة تغيرت بسبب كتاب .. و بطل الرواية (عثمان) .. الضائع و الوحيد الذي دفع به الكتاب إلى البحث عن حياة جديدة .. ( ألم يحدث أن غيّر كتاب ما حياة شخص تعرفه .. حياتك أنت مثلاً؟ ) ..
في الحياة الجديدة .. ، نقرأ عن اسطنبول الآن .. عن شاب ينطلق باحثا عن حياة جديدة صوّرها له الكتاب .. ، باصاتٌ تقطع البرّ الأناضولي .. تربط مدنا حديثة بأخرى نائية مازالت تعيش في القرون الوسطى ..، محطّات لا تنتهي و أشخاص غامضون تجمعهم العزلة و الخوف ، شبه أحياء .. حوادث و اصطدامات على الطريق .. يقترب عثمان من الموت لدرجة النظر في عيونه .. و يخرج سالماُ بعد كل حادث ليستعيد منظر الإصطدام..و يعاود الإنطلاق من جديد ..
الرواية أشبه بقصّة تحري عن شخص غامض يكرّس حياته لقتل مؤلف الكتاب و كل من ينسخه .. ، و يستعين في هدفه هذا بشبكة من العملاء يعطيهم أسماء ساعات .. .
قصّة حبٍّ .. لا تكتمل ، بين عثمان و جَنَان .. ، جريمة قتل يرتكبها الراوي - عثمان - يقصد التخلّص من حبيب جَنَان ، و حين يعود عثمان الى اسطنبول بعد أن تتركه جَنان و تختفي للأبد .. يفهم أنّه لم يعد الشخص الذي كان أبداً .. و أنّ حياته لن تكون سوى بحث عن جَنان ..
أمّا من الكتاب و من المؤلف .. و ماهي الأفكار التي تختبئ في سطور الكتاب .. كلّ هذه الأسئلة تبقى مجاهيل ، يصطحب الراوي القارئ معه في رحلات على مدى عشر سنوات للبحث عن الإجابات الممكنة لهذه الأسئلة ..
يتبع
11-27-2006, 01:59 AM
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم
بين شجوٍ وحنين
المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
ألف شكر لك يا أخ سليم على هذه المواد القيمة عن أورهان باموك وفرحة تغمرني لدى دخولي الساحة وأجدك مشارك معنا وأتمنى أن نتعرف على عالم كتبك أكثر ونتعرف بك أكثر فأكثر.
في القلعة البيضاء .. يروي باموك عن حياة عالم إيطالي شاب في القرن السابع عشر ، يخرج في رحلة بحرية من البندقية باتجاه نابلس .. فيقع في قبضة القراصنة العثمانيين الذين يبيعونه في اسطنبول .. ليتنهي عند عالم تركي يحاول الإستفادة من علم الإيطالي و معرفته الواسعة ..
تتراوح العلاقة بينهما .. بين علاقة العبد و سيّده و بين التنافس و الشعور بالإستلاب عند الإيطالي .. و بعد أن تفشل محاولته للهرب من سيده .. تبدأ علاقة من الإنسجام بينهما.. ، و يتحول الإيطالي الى مستسلم بل و منغمس في حياته الجديدة ..
يقرّبهما السلطان منه بعد أن ينجح الإيطالي في إيجاد علاج للسل الذي انتشر بقوة في المدينة .. و يكلّفهما صنع آلة حربية .. يعملان على صنع مدفع كبير .. يجرّبه السلطان في احدى غزواته لتنتهي التجربة بالفشل .. تقف الحكاية بعد ذلك لتبدأ حكاية أخرى كانت تسير بالتوازي مع قصتنا هذه و لكن بشكل موارب ..
حيث أنّ الشبه في الملامح و الشكل ، و الذي كان قويا بين العبد و سيده ، يصبح أكثر مع الزمن ..(الشبه الشكلي بينهما يتكرر التأكيد عليه أكثر من مرّة في الرواية ..) .
طوال الفترة السابقة و بدون شعور .. بلا تعجّل .. كان التركي يُفرغ الإيطالي من كلّ ذكرياته .. سأله عن كل شيء .. حتى أقل التفاصيل اهميّة .. ، و في النهاية حين يقرر الأستاذ التركي الهرب خوفا من بطش السلطان بعد إخفاقه في صنع المدفع .. و بسبب ذلك التوق الشديد و الرغبة التي تعتمل في داخله لأن يستبدل حياته (فكرةٌ يقترب منها الكاتب غير مرّة).. ، يتبادلان الثياب بهدوء .. و ينطلق التركي محمّلاً بذاكرة عبده الإيطالي و قد عرف كل ما يجب ان يعرفه .. ليتابع حياة شخص آخر ، مع تلاشي تلك الحدود الثابته بين الأنا و الآخر .. و يبقى العبد الإيطالي يعيش حياة سيده التي كان قد اعتادها بالفعل .. و يترك لنا هذه المخطوطة التي استند عليها اورهان باموك في كتابة الرواية .
هذه الرواية و بحسب النقّاد الأتراك ، تلخّص لنا أزمة العلمانية في تركيا .. و مرحلة التجدد و تداعياتها الباعثة على السخرية .. ، في هذه الرواية نقرأ عن اسطنبول ..عن الباب العالي و العلاقة بالعرب .. عن حياة القصور و الدسائس .. في القرن السابع عشر .. مشكلات الهوية و العلاقة بين الشرق و الغرب .. كل هذا ضمن عناصر يمتزج فيها التاريخ و الفلسفة و الخيال
و الغموض ..