أكذوبة "حكومة الوحدة الوطنية" والترجمة الملبننة لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة
الوليّ الفقيه" الخامنئي أمر وقال رأيه في وضع لبنان وارتداد "حزب الله" الى الداخل بعد الـ1701 ليس مفاجئاً
في غضون نحو ثلاثة أسابيع، أدلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي بموقفين يعنيان لبنان. الأول كان لدى استقباله الرئيس نبيه بري قبيل انهيار طاولة التشاور الشهر الماضي، حين اعتبر أن لبنان هو "مكان" مناسب لهزيمة الولايات المتحدة. والثاني كان لدى استقباله قبل بضعة أيام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وأبلغه أن إيران منحازة الى "حزب الله" وأنه لا بد أن يكون للشيعة في لبنان موقع متناسب مع دورهم. وقبل هذين الموقفين الرسميين، كانت مصادر إيرانية عليا سرّبت عبر بعض وسائل الإعلام تأييدها رحيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، على أساس أنّ الفريق الذي يمثّل الأكثرية فيها انهزم مع إسرائيل في حرب تموز(!).
لا يحتاجُ الأمرُ إذاً الى عناء لاستنتاج أن ما ينفّذه "حزب الله" يتمّ بقرار إيراني، وأنه جزء من المشروع الإيراني الاقليمي. ذلك أن المرشد الخامنئي هو الولي الفقيه المطاع بالنسبة الى "حزب الله". ولم يعُد سرّاً أن هدف إيران هو السيطرة على لبنان، في سياق مشروعها التوسعي في المنطقة العربية لخطف القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي.
إيران قبل حرب تموز وبعدها: لبنان حدود إيرانية ـ إسرائيلية
كانت إيران، حتى حرب تموز، مكتفيةً بكون لبنان ـ بواسطة "حزب الله" ـ يمثل خط تماس لها مع إسرائيل. وبكلام آخر، كانت مكتفية بواقع أن "حزب الله" يجعل من الجنوب حدوداً إيرانية ـ إسرائيلية، طالما أن قرار الحرب والسلم خارج "الدولة" اللبنانية. غير أن النتيجة السياسية لحرب تموز، أي القرار 1701، غيّرت المعطيات استراتيجياً. فمع القرار 1701، زال خط التماس المباشر بين "حزب الله" وإسرائيل، أي زالت الحدود الإيرانية ـ الإسرائيلية. أما السبيل الى "استعادة" هذه الحدود، فإنه بالسيطرة على قرار الدولة اللبنانية، أي السيطرة على الدولة اللبنانية نفسها، بما يؤدي الى الانقلاب على القرار 1701 في وقت لاحق أو جعله كأنه لم يكن. وعلى أي حال، فإن المتتبّع لما يجري في فلسطين، لا يتأخر في اكتشاف المسار الموازي هناك لما يجري هنا في لبنان.
الارتداد الى الداخل بسبب الـ1701
طبعاً، ثمّة أسباب كثيرة يمكن التطرّق اليها تفسيراً لانتقال "حزب الله" مباشرةً بعد الحرب مع إسرائيل الى الصراع على السلطة في الداخل اللبناني. بيدَ أن السبب الرئيسيّ، هو بلا شك أن القرار 1701 يمثّل خسارة استراتيجية له ولإيران. فمع القرار 1701 لم يعد ثمة أساس موضوعي وعملي لـ"مقاومة" ذات وظيفة اقليمية. ومع القرار 1701، ترسّخ أساس استراتيجية دفاعية عن لبنان تقوم على ثنائية الجيش اللبناني والقوات الدولية.
وبما أن القرار 1701 نتجَ عن حرب، كانت من ضفّتها اللبنانية ـ الإيرانية، أي الحزب اللهية، حرباً استباقية في إطار المشروع الإيراني وصراعه مع المجتمع الدولي، وبما أن إيران لا تزال في قلب هذا الصراع وتعدُّ له "الأوراق"، فإن التسليم بـ"معنى" هذا القرار الدولي من جانب إيران ـ و"حزب الله" ـ لم يكن ممكناً.. ولم يكن متوقعاً.
ثمّة "دولة" بكل معنى الكلمة أسسها "حزب الله" في لبنان خلال أعوام طويلة. واللافت أن المرحلة الأهمّ من عملية تأسيس "دولة حزب الله" كانت بعد إنجاز التحرير في العام 2000، بالتزامن مع ذروة صعود النظام الأمني اللبناني ـ السوري. وثمّة "استثمار" إيراني في "دولة حزب الله" منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، هو "الاستثمار" الأهمّ لإيران خارج حدودها.
الانقلابُ على الـ1701 عسكرياً وفي المباشر ليس مطلوباً. الحل بالانقلاب على السلطة وإدخال دولة الحزب مكان الدولة، تحت عنوان "الدولة القويّة والقادرة".
خطابُ "حزب الله" رديء
لأنه لا يجرؤ على كشف مشروعه "النهائي"
غايةُ القول هنا إن مسارعة "حزب الله" الى الانتقال الى الصراع على السلطة في الداخل، ليست مفاجئة أو بالأحرى يجب ألا تكون مدعاة للتفاجؤ. أما الخطاب الرديء الذي يستخدمه الحزب في صراعه من أجل السلطة، فهو ناجمٌ عن عدّة اعتبارات. الأول هو أنه بحاجة الى ايجاد "عدوّ" يبرّر به الانقلاب. والثاني أنه بحاجة الى التجييش. والثالث، وهو الأهم، أن "المشروع السلطوي" الذي يؤسس "حزب الله" له غير قابل للشرح والتوضيح.. دفعة واحدة، لأنه لا يصبح قابلاً للشرح إلا بعد إقامته فعلاً.
لذلك، ينبغي النظر الى ما تسميه الأكثرية الانقلاب قيد التنفيذ، على أنه "مشروع دولة حزب الله"، في إطار اقليمي، أي في سياق المشروع الإيراني الاقليمي. وواقع الأمر أن "حزب الله" يُظهرُ من المشروع ما هو "ممكن" في لحظة معينة، ويستُر منه ما لا يراه مناسباً.. أي أنه يسير فيه بالتدريج وليس دفعة واحدة، ويمرّ بـ"محطات".
اكذوبة "الوحدة".. و"المرحلية" في الخطة
من هنا، فإن العنوان الذي اختاره الحزب لمشروعه "السلطوي"، أي عنوان "حكومة الوحدة الوطنية" هو اكذوبة في واقع الأمر. ذلك أنه إضافة الى أن لا وجود لما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" في اتفاق الطائف، فلا وجود لمسألة "الثلث المعطل" أيضاً. ومع ذلك، إذا أُخذ ما يقوله "حزب الله" بحرفيّته، فإن "حكومة الوحدة الوطنية" أي "حكومة الثلث المعطل"، ليست سوى مرحلة انتقالية في مشروع سلطويّ متكامل. وعلى أي حال، لم يخفِ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه أول من أمس "المرحلية" في مشروعه حتى وهو يخفي الأبعاد "النهائية" للمشروع. فهو تحدث عن "حكومة وحدة وطنية" وإن لم تحصل فحكومة انتقالية لانتخابات مبكرة "سوف تنتج بالتأكيد أكثرية مختلفة" كما قال، وبعد ذلك "نشكّل حكومتنا" كما قال قبل أن يُضيف "حكومة المعارضة الوطنية".
بكلام آخر، يعرف "حزب الله" أن حكومة بثلث معطل لن تقوم، وهو يطرح هذا العنوان لـ"يبرّر" الانتقال منه الى المحطات التالية في إطار "المرحلية" للاستيلاء على السلطة.
"جمهورية إسلامية" ما بترجمة لبنانية:
"حزب الله" الآمر الناهي
وينبغي أن يكون واضحاً أن "الدولة" التي يريد "حزب الله" الوصول اليها هي "جمهورية إسلامية" ما. فعلى الأرجح، لا بل المؤكد أن اللبنانيين لن يسمعوا من "حزب الله" أو من قائده شعار "الجمهورية الإسلامية". وسيبقى الحزب ـ للزوميّات "المشروع" واعتماداً للطريقة الإيرانية ـ يتغنّى بـ"الوحدة الوطنية". وسوف "يداري" النسيج اللبناني، وستكون لـ"الجمهورية الإسلامية" صيغة معينة: مركزها أو محرّكها شيعيّ حزب اللهي وبـ"ملحقات" من طوائف أخرى. سيحافظ ـ على الأقل في مرحلة معينة ـ على رئيس ماروني للجمهورية ورئيس سنّي للحكومة، لكن الرئيس سيكون من "موارنة حزب الله" ورئيس الحكومة من "سنّته".. وهو الآمر الناهي في الجمهورية. ففي ما يجري اليوم نموذجٌ واضح: نصرالله، باسم إيران ـ وسوريا ـ يقرّر والباقون يسيرون، خطابُه هو الخطاب، وكل من يعتبر نفسه شريكاً له واهم أو "مستهبل" لا يعرف الى أين يُقاد. وتوتّر السيد أول من أمس حول مشاركة لكل الطوائف في تحركه، لا يغيّر من الواقع شيئاً. فإذا رُبط كلام الخامنئي أمام أردوغان بالخطة قيد التنفيذ، فإن الواضح هو استهداف الصيغة اللبنانية الحالية.
ليسَ صدفةً أن "حزب الله" لم يطوِ ملف "الجمهورية الإسلامية" فكرياً بل طواها "عمليّاً" لفترة. وليس صدفةً أنه لا يتبنى اتفاق الطائف ولو قال عكس ذلك، بدليل أن تفسيراته للطائف ما أنزل الله بها من سلطان. وبهذا المعنى فإن "الجمهورية الإسلامية"، بـ"ترجمة لبنانية"، تراوح بين المحافظة على "شكليات" الطائف في إطار "دولة" يقودها "حزب الله" أي ملحقات سياسية لها من جهة وبين الضغط بـ"دولة حزب الله" لتغيير معادلات الطائف من جهة أخرى.
سيقول "حزب الله" في هذا التحليل إنه تحريض عليه.. هذا إذا كان مهتماً بما يقوله الآخرون، لأن ليس من عادة "الآلهة" أن يردوا على "الآدميين". لكن هذه هي الحقيقة. والتوتر الذي يُبديه الأمين العام للحزب ناجمٌ أساساً عن كون "مشروعه السلطوي" مكشوفاً وعن كونه "ملحوقاً"، أي أنه يعتبر أن الفترة الحالية هي الفترة المناسبة وإلا يضيع المشروع.
حتى الآن، كان الحديث عن "حزب الله" وإيران، عن العلاقة العضوية بين "حزب الله" وإيران، عن علاقته كطرف بإيران كمركز. لكن من البديهي التذكير بأن النظام السوري "جزء" من المشروع الإيراني الذي يقعُ ما ينفذه "حزب الله" في إطاره.
ليس مهماً معرفة من الذي أعطى "حزب الله" أمر التصعيد الإضافي، طهران أو دمشق، طالما أن طهران هي "المركز". لكن المهمّ أن هذا التصعيد وأن مزيداً منه، يؤشران الى ضغط الوقت على الحزب.
توتّر "حزب الله" وسياسة "الوقائع الافتراضية"
طبعاً، سيزداد توتّر "حزب الله" في الأيام المقبلة.
هو مفاجأ بأن الانقلاب لم ينجح حتى الآن. وهو مفاجأ بأن "الهيبة" فرطت، وبأن خطته استنفرت الآخرين. لا بل خدم خطاب نصرالله الاستنفار في المعسكر الآخر.
ومن الطبيعي أن يفاجأ. فكل الخطة مبنيّة على افتراضات. ويمكن القول إن هذه الخطة مبنيّة على وقائع افتراضية يعتبرها "فعليّة".
يفترض أنه والحلفاء يشكلون أكثرية حاسمة ويبني على ذلك. يفترض أنه هزم إسرائيل ويبني على ذلك. ويفترض أن أميركا مهزومة في العراق وغير العراق ويبني على ذلك. ويفترض أن العالم كله يرتجف ويبني على ذلك.
فمن الطبيعي والحالة هذه أن يتفاجأ لأن "منهجه" عبارة عن افتراضات وافتراضات، ويعتبر أن ما يقوله حقيقي.
سيزداد توتره في الأيام المقبلة، لأن الوقائع اللبنانية ستزيد استعصاء عليه، ولأن هجومه على العرب لا يغير في واقع أن الوضع العربي، الرسمي والشعبي لا يتقبل "مشروعه". سيزداد توتره لأن تغيير وجه لبنان مشروع مستحيل في نهاية المطاف.
التسوية المستحيلة
على أن ما يستحق الإشارة إضافة الى كل ما تقدم، هو أنه كلما ازداد توتراً، ازداد "قطعه" مع الآخرين وازدادت العزلة السياسية. وما يستحق الإشارة أيضاً، هو أن لا تسوية ممكنة مع "مشروع سلطوي" يغيّر صيغة لبنان، بدليل أن "حزب الله" رفض كل التسويات وبقي مصراً على الإمساك بالسلطة بأكذوبة "حكومة الوحدة الوطنية"، وبدليل أنه رفض النقاش في أي شيء في السياسة، في الاستراتيجيا، وقال: إما أن تسلموني السلطة وإما أخرب البلد فوق رؤوسكم. وعلى أي حال، انّ من يخاطب البلد على طريقة السيد نصر الله أول من أمس، لا يريد أن يكون للصلح مطرح.
هذا ما يجب قوله للبنانيين. كفى مساجلة معه على "الأرض" التي يحددها. لينتقل النقاش الى المكان الحقيقي: انه "مشروع سلطوي" كامل الأوصاف في إطار مشروع إيراني اقليمي ينقضّ على الطائف والصيغة اللبنانية، وعلى عروبة لبنان، مشروع "فتنويّ" بالتعريف. وإلا، لكان نصرالله قادراً على "الترغلة". وهو ليس كذلك، تماماً لأنه لا يقول ماذا يريد "فعلياً"، ولأنه يخفي أكثر مما يكشف. ولهذه الأسباب جميعاً، يترك "حزب الله" لحلفائه أن يعلنوا أنهم غير قادرين على التراجع، فالمشروع "أقصوي" في حد ذاته وسيمضي فيه الى "النهاية".. الى الجدار
نصير الأسعد
http://metransparent.net/texts/naseer_assa...enai_orders.htm