العقل والإيمان نقيضان لا يتفقان؛ إذ لا يمكن عقلنة الإيمان مهما ادعى المدعون.
الغرض من هذا الشريط هو ليس نقد الإيمان بالغيب - كما في نقد الإيمان بوجود الله. فمثل هذه الأسئلة لا إجابة لها، ولا يمكن حسمها. الهدف من هذا الشريط هو نقد الإيمان بالخرافة وما تداول من خزعبلات ودروشات دينية لا يمكن لعاقل أن يخطؤها، ومن ثم معاينة تأثير هذه الممارسات على العقل. وسيلجأ الموضوع الى إعطاء أمثلة معاصرة مستوحاة من مذاهب عدة للدلالة على شيوع الظاهرة لدى كل الفرق الدينية بدون استثناء.
وكي لا يتم إساءة فهم المقصد من الطرح أكرر أن الغرض من الموضوع هو معالجة الخرافة في التدين الشعبي محاولا قدر المستطاع - مع صعوبة الأمر - تحاشى ما تأصل من معتقدات. فليس هدف الموضوع أن يعالج فكرة الله، أو البعث، أو حتى الجن والملائكة .. أو معجزات الأنبياء كشق موسى البحر، أو سير المسيح على الماء أن انشقاق القمر لمحمد. وليس الهدف منه التطرق الى معتقدات راسخة لدى بعض الفرق (كعصمة الأئمة أو الثالوث المقدس) ولو كان فيها خلاف.
الزخم الأكبر للموضوع سيكون، إذا اسعفني الحظ، في معاينة الخرافة الدينية التي تتناقلها الألسن بسند أو بدون سند، وتأثير هذه الخرافة على فكر الديني والفكر الشعبي بشكل عام.
الحالة الأولى التي أود عرضها هي قصة تتردد كثيرا في القصص الشعبي على النت وهي تهدف، لناقلها، الى إظهار سعة علم الإمام علي بن أبي طالب غير أنها في الواقع - ومن حيث لا يدري الناقل - تسيء الى علي (الإمام المعصوم) وتظهره بمظهر الجاهل بألف باء الطبيعة.
اقتباس:من علم الامام علي عليه السلام: هل هي شاة أم كلب؟
/6- الشيخ يوسف البحراني، روى شيخنا بهاء الملة والدين، أن أعرابياً سأل علياً (عليه السلام) فقال: اني رأيت كلباً وطأ شاة فأولدها ولداً فما حكم ذلك في الحمل؟ فقال (عليه السلام): اعتبره في الأكل فان أكل لحماً فهو كلب، وان رأيته يأكل علفاً فهو شاه. فقال الأعرابي رأيته يأكل هذا تارة ويأكل هذه تارة، فقال: اعتبره في الشراب فان كرع فهو شاة وان ولغ فهو كلب. فقال الأعرابي: وجدته يلغ مرة ويكرع اُخرى، فقال: اعتبره في المشي مع الماشية فان تأخر فهو كلب وان تقدم أو توسط فهو شاة، فقال: وجدته مرة هكذا ومرة هكذا، قال: اعتبره في الجلوس فان برك فهو شاة وان أقعا فهو كلب، فقال: انه يفعل هذا مرة وذاك اُخرى، فقال: اذبحه فان وجدت له كرشاً فهو شاة وإن وجدت له أمعاء فهو كلب. فبهت الأعرابي عند ذلك من علم أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
(4) - كشكول شيخ يوسف 3:111.
http://www.aqaed.com/shialib/books/01/05...ad-17.html
في سياق مناقشة الهدف من تناقل هذا الحديث، شرح أحد الأصدقاء قائلا ما خلاصته أن الأئمة كانت تجيب على هذه الأسئلة ولو كانت تعجيزية وسخيفة بهدف إقامة قواعد أصولية. فالقاعدة الأصولية المستنبطة من الحديث أعلاه أنه أذا حل المسلم في بلاد غريبة وصادف حيوانا لا يعرفه (كاللاما أو الكنغارو مثلا) فحكمه في حلال الأكل هو معاينة نوعية اكله أولا، وإلا فمعاينة الشرب دون االولوغ ثانيا، وإلا فمعاينة وجود الكرش الخاص بالمجتر.
وفي الحين ألذي أجد فيه وجهة نظر في إجابة صديقي، أتسائل في الوقت ذاته:
1. كم من مرددي هذه الحديث في جلسات الدروشة الدينية على وعي فعلا بهدف إقامة القاعدة الأصولية؟
2. وماذا عن البعد المباشر وهو أنه من المحال لكلب أن يلقح شاة؟ كيف نسمح بإسقاط العقل خدمة للفقه خصوصا أنه كان بالأمكان وضع القاعدة الفقهية بدون ربطها بمحال.
الأمر إذا، من وجهة نظري، هو قصة خرافية موضوعة وجدت من يؤصل لها ويجد لها مكانا (ومكانا مهما فوق ذلك) في الفقه. فتتجاوز الإساءة شخص عليّ بن أبي طالب وتمتدّ الى علم الفقه ذاته حيث تصبح الخرافة ركن من أركانه. وكيف لِمَ يرتكز على خرافة أن يكون عقلانيا؟
المشكلة هنا برأيي هي ليست فقط في تأصيل الإيمان بالخرافة، ولكن ما هو أهم، هو إدخالها في علوم يطالب البعض أن تكون مصدرا للتشريع! فلا يقتصرالأمر على قتل وإضعاف القدرة الفردية على النقد والتفكير الصحي السليم في ما يتعلق بالغيبيات، بل يتجاوزه ليصبح القانون الذي يحكم حياة الناس مرتكزا على خرافة.
ولي عودة قريبة ..