في شريط سابق للعزيز الرائع العلماني هنا :
http://www.nadyelfikr.net/index.php?showtopic=47341
اثار فكرة هامة جدا .. وعرضها على طريقة حوار مع شخص سماه ابو محمد ..
قرأت كلام العزيز العلماني وطربت له..
سرحت بذهني افكر ( والمشاركة الجيدة التي تحرضك دائما على التفكير ) .. كلام العزيز العلماني صحيح .. ولكن فرضية العلماني مبنية على ان محاوره هو من انصاف المثقفين، وبضاعته من العلم مجزاة .. ولكن .. ماذا لو كان المحاور أكثر حنكة ( ولا أقول اقوى حجة أو أبلغ منطقا !)؟؟ فكيف سيكون الحوار.. هل سيتغير شيء من سياق الحوار ومجراه ونتائجه ؟؟ .. حسنا دعونا نر :
العلماني: ولكن يا "أبو محمد"، أنت قلت بأن شعار "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" يستطيع أن يحل محل "الراسمالية والشيوعية"، فهلا شرحت لي كيف يكون ذلك. يعني، الراسمالية تعتمد على السوق الحر، والشيوعية تعتمد على ملكية الدولة لوسائل الانتاج، فعلى ماذا تعتمد سياسة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" الاقتصادية؟
ابو محمد : عليك ان تدرك أمرا هاما وهو ان الاسلام ليس مجرد دين يهتم بالروحانيات شأن النصرانية، بل هو نظام متكامل للحياة، له في كل نشاط انساني موقف وحكم .. ماذا عن الاقتصاد ؟ .. انت قلت ان الشيوعية مبنية على الملكية العامة لوسائل الانتاج، في حين ان الرأسمالية تعتمد على آليات السوق الحر وهنا مكن الخطأ في كل من النظامين، لأن كل واحد منهما يركز على جانب على حساب الآخر، والمطلوب نظام يحقق التوازن الواقعي بين الملكية العامة والملكية الخاصة، فلا ينتصر لأحداهما على حساب الاخرى .. وهذا ما يوفره النظام الاقتصادي الاسلامي، فهو ليس نظاما اشتراكيا بالكامل لأنه يعترف بالملكية الفردية ويصونها، كما أنه ليس نظاما رأسماليا صرفا لأنه يقدم المنفعة العامة على المنفعة الخاصة عند التعارض .. باختصار هو نظام وسط يحقق محاسن النظامين، ويتلافى سلبيات الاثنين ..
العلماني : ولكن .. من الذي قرر أسس النظرية الاقتصادية الاسلامية التي تتحدث عنها ؟ وهل هي محل اجماع المسلمين ؟ بعبارة اخرى : هل يمكن القول أن الاسلام يمتلك بالفعل نظرية اقتصادية خاصة به هي محل اجماع المسلمين ويمكن اعتبارها علميا نظرية اقتصادية متكاملة مقابلة للشيوعية والرأسمالية؟ ..
ابو محمد مبتسما وهو يفقش اقراص الفلافل على رغيف الخبز الممدود : أحكام الاسلام تُستمد من الكتاب والسنة، وبالطبع نحتاج الى اعمال الاجتهاد لاستنباط تفاصيل النظرية الاقتصادية الاسلامية من هذين المصدرين، واحتمال الاختلاف وتعدد الرأي وارد جدا، ولكنه يبقى محصورا في الجزئيات الصغيرة ولا يمس الاصل ..
العلماني: ولكن هناك من الاسلاميين من قدم اعمالا اعتبر فيها الاسلام نظاما اشتراكيا صرفا ، وهناك بالمقابل من اعتبر الاسلام دينا رأسماليا صرفا ، وأنت تقول انه مزيج بين هذا وذاك .. فما هي هوية النظام الاقتصادي الاسلامي اذن ؟؟ ..
ابو محمد : يا اخي كما اخبرتك سابقا .. التعددية الاجتهادية ظاهرة طبيعية في الفكر الاسلامي، بل هي مظهر غنى فكري، وتنوع الآراء الاجتهادية يوفر للاسلام مرونة لمواجهة المستجدات، فلا يجمد عند فكرة لا تتغير ، وعليه فان تعدد الآراء في تفسير النظرية الاقتصادية الاسلامية هو ظاهرة صحية ..
العلماني: لحظة .. فهمت منك في البداية أن الاسلام يمتلك نظرية اقتصادية متكاملة ومتميزة عن الرأسمالية والاشتراكية، ولكنك الآن تقر بأن الاسلام لا يمتلك اصول اسلامية ثابتة تشكل نظرية واضحة، بل نظريته هي من صنع الاجتهاد الذي يتغير ويتبدل ويتنوع بتعدد وتغير وتنوع افهام المجتهدين .. اذن كيف يمكن القول ان للاسلام نظرية ثابتة ومتميزة عن سواها من النظريات الاقتصادية ؟ ..
ابو محمد وقد بدا عليه الانفعال: قلت لك : اصول الاسلام الاقتصادية كما وردت في مصدري الاسلام ثابتة، ولكنها مجرد خطوط عامة، أما التفاصيل فيصنعها الاجتهاد، و دائرة الاجتهاد تتنوع وتعدد، وهي تتسع لعدد كبير من الاجتهادات التي تغني الفكر الاقتصادي الاسلامي..
العلماني: وهل دائرة الاجتهاد تتسع وتتنوع ليصبح الاسلام اشتراكيا تارة ورأسماليا تارة اخرى ؟ ..
ابو محمد وهو يلف السندويشة بعصبية واضحة : لا .. قلت لك سابقا الاسلام ليس رأسماليا ولا اشتراكيا، وهنا مكن الخطأ عندكم انتم العلمانيون، الاسلام هو اسلام وكفا .. ليس رأسمالية ولا اشتراكية ، هو يحترم الملكية الخاصة ويعترف بالملكية العامة .. وباب الاجتهاد فيه مفتوح ..
العلماني : ومن الذي قرر ان الاسلام ليس رأسماليا ولا اشتراكيا ؟ ..
ابو محمد : الاسلام نفسه قرر ذلك .. القرآن والسنة تقرر اسسس اقتصادية تختلف عن اسس الرأسمالية والاشتراكية ..
العلماني : هل لك أن تعرض لي بعض هذه النصوص القرآنية التي تعرض اسس النظرية الاقتصادية الاسلامية وتثبت لي كيف تختلف مع اسس الراسمالية والاشتراكية ؟ ..
ابو محمد متلعثما : ممم .. الحقيقة لا تحضرني الآن النصوص .. ولكنها مثبتة في دراسات الاقتصاديين الاسلاميين ..
العلماني : طيب انت الم تقرأ هذه الدراسات ؟؟ ..
ابو محمد : بالتأكيد قرأتها ..
العلماني : عظيم .. اذن هات اعرض لنا بعض هذه النصوص التي تؤسس وبشكل علمي منهجي نظرية اقتصادية اسلامية متميزة عن الرأسمالية والاشتراكية .. الست مسلما وتقرأ القرآن والسنة ؟ ..
ابو محمد : حسنا ... ممم .. ( يفكر ) .. مم .. طيب مثلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .. وهناك ايضا : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} .. وهناك ايضا نظام المواريث الذي يفتت الملكية الخاصة .. وهناك غيرها ولكني نسيتها الآن ..
العلماني : هل تعتقد حقا ان هذه النصوص العامة والفضفاضة وغيرها التي نسيتها تكفي لكي تؤسس ما تسميه انت نظرية اقتصادية متكاملة متميزة عن الرأسمالية والاشتراكية ؟ ..
ابو محمد بعصبية واضحة : قلت لك هناك دراسات .. دراسااااااااات .. ارجع واقرأ اذا اردت ان تفهم ..
العلماني وقد ادرك ان الحوار وصل الى طريق مسدود : حسنا حسنا .. ماشي .. دعنا نتجاوز هذه النقطة التنظيرية .. ساسلم معك بأن للاسلام نظرية اقتصادية متكاملة ويصح وصفها بأنها مختلفة علميا عن الراسمالية والاشتراكية فهل طُبق هذا النظام الاقتصادي الاسلامي عمليا ؟ متى واين ؟؟ .. هل لك ان تدلني على دولة تبنت هذه النظرية وطبقتها على ارض الواقع وانتجت بالتالي نظاما اقتصاديا متميزا عن الدول الرأسمالية والدول الاشتراكية؟ ..
ابو محمد وهو يناول السندويشة الى العلماني: اسمع يا عزيزي .. على مدى 14 قرنا طبقت هذه النظرية الاسلامية واعطت ثمارها ببناء مجتمع يحقق متطلبات الفرد والمجتمع، انظر مثلا الى تجربة الخلافة الاسلامية ايام عمر بن عبد العزيز .. هل تعرف ان عصر عمر شهد عدالة اجتماعية فردية لدرجة اغتنى فيها كل الناس واختفت طبقة الفقراء، حتى بات الغني يسير في الطرقات مناديا : الا من فقير اعطيه الصدقة فلا يجد !؟ .. هل تصدق هذا ؟؟ .. نعم .. لقد حدث هذا بفضل تطبيق شرع الله ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ..
العلماني: اين ذُكر هذا الكلام ؟ ..
ابو محمد مستغربا: اين ذكر ؟؟ في كتب التاريخ الاسلامي .. ام تراك لا تصدق التاريخ !! ..
العلماني: حسنا حسنا .. نعم ما تقوله موجود في كتب التاريخ ولكن .. سؤالي : هل تقبل بكتب التاريخ حكما بيني وبينك على تقييم تجربة الخلافة ؟ ..
ابو محمد وقد ابتسم بسخرية: تريد ان تكذب التاريخ ايضا !! ..
العلماني : طيب اسمع يا عزيزي : هل تعلم ان دولة عمر بن عبد العزيز التي تتحدث عنها لم تعمّر اكثر من سنة ونصف فقط ! .. فهل كل التجربة الاقتصادية الاسلامية تختزل بسنة ونصف فقط ؟ ..
ابو محمد : من قال ان تجربة الخلافة الاسلامية هي فقط دولة عمر بن عبد العزيز ؟ دولة الراشد الخامس عمر هي مجرد نموذج فقط لعصر الخلافة الزاهي الذي امتد 14 قرنا ..
العلماني : عظيم .. اذن فكل عصور التاريخ الاسلامي هي تطبيق لنظرية الاقتصاد الاسلامي التي تراها انت متميزة عن الراسمالية والاشتراكية والتي يؤدي تطبيقها الى ازالة الظلم وتحقيق الرفاه والعدالة ..
ابو محمد بثقة: نعم ..
العلماني : ممتاز .. فما قولك اذن لو عرفت ان دولة الخلافة التي تتحدث عنها عرفت ملكا عضوضا كسرويا قائما على ملكية البلاد والعباد للخليفة ظل الله على الأرض الذي كان ينفق اموال بيت مال المسلمين بلا رقيب أو حسيب .. فيأمر لشاعر منافق مدحه بقصيدة وزنه ذهبا !!، ويوزع الاعطيات على الحاشية والبطانة بلا حسيب، ويعيش في ترف يتنافى مع قيم الزهد والتقشف التي ينادي بها الاسلام .. هل تعرف ان الطعام الذي اعد في ولية زواج المأمون كان يكفي لاطعام أهل بغداد كلها على مدار شهر ؟ .. في الوقت الذي كانت مدنا بكاملها تعيش في فقر وعوز ؟ ..
ابو محمد : اين ذُكر كل هذا ؟ ..
العلماني : في نفس كتب التاريخ التي نقلت عنها زهد عمر وملائكية دولته ..
ابو محمد: اسمع يا صديقي .. نحن لا نسلم بكل ما ورد في كتب التاريخ، فلا عصمة عندنا الا للخبر قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، نحن المسلمين أهل منهج علمي في تلقي الاخبار، فلا نقبل الخبر الا بسند صحيح، وما ورد في كتب التاريخ لا يعني انه صحيح، فهي كتب تضم الغث والثمين، الصحيح والسقيم، والعبرة للسند ..
العلماني : لحظة لحظة .. قبل قليل كنت تنقل بثقة مفرطة تلك الاخبار التي تتحدث عن عدل عمر وملائكية عصره، وتعتبرها اخبارا موثوقة لمجرد أنها تقدم صورة مثالية للنموذج الذي تؤمن به، وقد اعتبرتها صحيحة دون ان تدقق في سندها وحال رواتها، أما تلك الاخبار التي تسود صورة الخلافة الاسلامية فتصبح فجأة مكذوبة لمجرد أنها تخالف الصورة الوردية لعصر الخلافة، وبالتالي تعتبرها كاذبة دون ان تدقق في سندها وحال رواتها .. فلماذا هذا التناقض ؟ لماذا لا تتبع منهجا واحدا في تقييم الاخبار التاريخية ؟ ..
ابو محمد : اسمع .. لقد تكفل الله في كتابه الكريم بتوريث الأرض للعباد الصالحين {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} وايماني بصحة اخبار عمر وبطلان اخبارك هو نتجية لايماني بصدق الوعد الالهي .. فكلام الله اصدق من حديث البشر ..
العلماني وهو يقضم سندويشة الفلافل: اذن فالقضية كلها هي تحكيم النص القرآني باعتباره الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدل او النقاش، وبما ان الله وعد عباده بوراثة الارض والعدل والرفاه ان طبقوا شرعه فهذا يعني بطلان الاخبار التاريخية التي تتناقض مع وعد الله ؟ ..
ابو محمد: القضية هي كما يلي: هناك وعد الهي بالتوفيق والرزق الوفير اذا طبقنا شرع الله، وايماني بصدق هذا الوعد يجعلني اثق باخبار عصر عمر بن عيد العزيز بما يغنيني عن التدقيق في سندها لأنها ببساطة مصداق الوعد الالهي، أما الاخبار المناقضة لهذا الوعد فهي تتطلب التدقيق اولا في سندها، لأننا اساسا لا نقبل أي خبر الا بسند صحيح، وعموما حتى لو صحت تلك الاخبار فلا اجد فيها تناقضا مع ما اقوله ..
العلماني : كيف ؟؟ ..
ابو محمد بثقة مفرطة: اسمع .. حتى لو صحت الروايات التاريخية التي تتحدث عن ظلم وقهر عصر الخلافة فهي ببساطة خطأ في التطبيق لا يمس مصداقية الفكرة نفسها، فالفكرة الاسلامية صحيحة بحد ذاتها لو احسن تطبيقها، ولكن من يطبقها بشر، ويمكن ان يخطؤوا ويمكن ان يصيبوا ..
العلماني: طيب .. دعنا نتجاوز التاريخ .. هل توجد نماذج معاصرة لتطبيق النظرية الاقتصادية الاسلامية تلك ؟ ..
ابو محمد مترددا : .. معاصرة !؟ .. مممممم ..
العلماني : نعم ..
ابو محمد : اسمع .. لقد ابتلينا نحن المسلمين في هذا العصر بالعلمانية وفكرها المخالف للاسلام، فحكامنا علمانيون، والصحافة الرسمية علمانية، وهناك جيوش جراراة من الكتاب العلمانيين المدعومين من القوى الغربية التي تحارب أي توجه اسلامي، وهذا أمر مفهوم، فالدول الغربية تخشى على مصالحها في المنقطة في حال نجاح النموذج الاسلامي، والحكام العرب الخونة يخشون على كراسيهم ..
العلماني : هل تقصد انه لا توجد تطبيقات معاصرة للنظرية الاقتصادية الاسلامية ؟ على مستوى الدول ؟ ..
ابو محمد : قلت لك : لا الحكام العرب، ولا الدول الغربية، ولا اذنابها من العلمانيين يسمحون بذلك ..
العلماني : مهلا .. ماذا عن السعودية وايران وافغانستان طالبان والسودان ؟ الا تشكل نماذج لاسلمة الدولة والاقتصاد ؟ ..
ابو محمد : اما بالنسبة للسعودية فهي نموذج اسلامي شكلا، ولكنها تتبنى فهما سلفيا يرفض العقل الاجتهادي الاصلاحي، فضلا عن تبعيتها السيساسية لامريكا، ولذلك فهي لا تمثل تطبيقا كاملا وصحيحا للاسلام .. اما ايران ( مبتسما بسخرية ! ) فلا ادري من قال لك انها دولة اسلامية ؟ انها دولة مجوسية رافضية .. اما افغانستان فلا تصلح كمثال على تطبيق الشريعة لأنها دولة مليشيات لا دولة مدنية حديثة، اما السودان فهي محاصرة سياسيا وعسكريا ومنهكة اقتصاديا، وهذا ما يمنع من قيام تجربة اسلامية حقيقية .. عليك ان تعرف حقيقة هامة وهي أن الغرب الاستعماري سيمنع وبكل قوة ظهور أي تجربة اسلامية حقيقية وكاملة .. الا تعرف ماذا حصل في الجزائر وتركيا يوم اختار الشعب النموذج الاسلامي ؟ ..
العلماني : هل تريد ان تقول انه طوال 14 قرن لم تظهر تجربة اسلامية الا في عصر عمر والتي لم تزد على سنة ونصف ! وفيما عدا ذلك فاخبار تاريخية كاذبة لبطلان سندها، او صحيحة ولكنها خطأ في التطبيق .. أما حديثا فلم ولن تظهر تجربة اسلامية نتيجة المؤامرات الدولية الغربية العلمانية ؟ ..
ابو محمد : قلت لك نحن نثق بالنموذج الاسلامي لأنه يمثل الحق والعدل المطلق، ونحن نسعى لتطبيقه بكل ما اؤتينا من قوة حتى ولو كره الكافرون ( يرمق العلماني بنظرة غريبة !! ) ، والتطبيق الفعلي لهذا النموذج حصل في عصر عمر بن عبد العزيز، وفي عصر الخلفاء الراشيدن قبله، وفي عصر محمد (ص) قبلهما، ثم في كافة مراحل التاريخ الاسلامي وان بدرجات متفاوتة، فالتطبيق يمكن ان يقترب من المثال الاسلامي الصحيح، ويمكن ان يبتعد، وكما قلت لك الخطأ في التطبيق لا يعني في عرف العقلاء خطأ النظرية ..
العلماني: ممتاز .. ساتفق معك على أن الخطا في التطبيق لا يعني في عرف العقلاء خطأ النظرية، فلماذا اذن لا نطبق هذا الفهم على التجربة الشيوعية ام الرأسمالية ونعتبر ان عيوبها هي ببساطة خطأ في التطبيق لا يعني في عرف العقلاء خطأ النظرية ذاتها ؟؟ لماذا تكون اخطاء التجربة العلمانية ( اشتراكية او رأسمالية ) دليلا واضحا على خطأ الفكرة نفسها وفشلها الواقعي، في حين ان تعثر التجربة الاسلامية طوال 14 قرنا ( على فرض تطبيقها طوال 14قرنا !! ) وتعثر تطبيقها اليوم هو ببساطة خطأ في التطبيق !!! خطأ في التطبيق يستمر 14 قرنا !! متى سيأتي موعد التطبيق الصحيح اذن ؟ وما قيمة فكرة ثبت فشل تطبيقها 14 قرنا ؟؟ الا توافقني الرأي على أن تعثر تطبيقها أو حتى الخطأ في تطبيقها وفق تعبيرك على مدى 14 قرنا هو مؤشر على عدم واقعية النظرية ذاتها ؟..
ابو محمد بتحد واضح لاااااااااااا ابدا !! .. نحن المسلمين نثق بصحة النظرية الاسلامية لأنها جزء من عقديتنا .. أما عن التجربة الغربية التي تتباهى بها وتقارنها بالنظام الاسلامي فليتك ترى بلاوي الغرب اليوم : احتلال العراق وفلسطين، قتل الاطفال والنساء، هدم المساجد، دمار البلاد .. انظر الى واقع الغربيين اليوم : جنس ودعارة ومخدرات وجريمة !! .. هل هذا هو النظام البديل عن الاسلام ؟ ..
العلماني : يا صديقي انا لم اسوّق أي مشروع بديل للمشروع الاسلامي ولم اتحدث حتى عن النموذج الغربي !! ، انا كنت اناقشك بمضمون مشروعك ومدى مصداقيته الواقعية والتاريخية .. اما عن التجربة الغربية التي تتحدث عنها فاهلها انفسهم يقرون بأخطائها، ولكن لاحظ انهم لا يعتبرها تجربة مقدسة لا يجوز مساسها او نقدها ! أو انها الوعد الالهي للمؤمنين بها !! بل يرونها تجربة بشرية مثقلة بكل جوانب الضعف البشري .. يا صديقي ان جرائم الدول الغربية بحق الشعوب المستضعفة هي لعبة المصالح السياسية ونتاج ادارات سياسية لا علاقة لها بديمقراطية او علمانية أو بطيخ مبسمر ! والا لجاز لنا ان نعتبر جرائم الخلفاء المسلمين بحق شعوبهم نتاج النموذج الاسلامي ( هل تذكر جريمة يوم الحرة عندما اجتاح جيش يزيد المدينة وقتل من قتل وسبى من سبى حتى حملت الف امرأة سفاحا ذاك اليوم ! هل تذكر جرئم العباسيين بحق الامويين والمجازر التي ارتبكت لقمع ثورات الخارجين على سلطان الدولة ؟ ) ..
يا صديقي انا احدثك عن قيم سياسية وحضارية في سياسية المواطنين وتنظيم حقوقهم وبناء دولتهم .. لكنك لا ترى في الغرب الا بوش وبلير !.. نعم هي جرائم نحاربها .. ولكن ما ينبغي أن نبخس قدر المجتمع الغربي في قيم الحرية والعدالة واحترام حقوق الانسان .. قارن دولنا العربية بالدول الغربية .. فهل تجدها سواء ؟ .. بل اسأل نفسك انت : لماذا تركت بلدك سورية واخترت بكامل ارادتك ان تعيش في بلد كافر مجرم ظالم يقتل شعبك وامتك المسلمة، وتسود مجتمع الاباحية والجريمة والجنس والمخدرات والجريمة على حد وصفك !؟ .. اتلعن الغرب وانت تعيش في حضنه ؟ ..
صمت ابو محمد .. قطب حاجبيه وهو يأخذ من العلماني ثمن السندويشة .. رمى النقود بعصبية وراح ينظر مليا الى العلماني وهو يغادر محله .. كان يفكر .. ولكن لا أحد يعرف بماذا يفكر ؟ ( هل يفكر بكلام العلماني ليختبر صدقه ؟ أم تراه يفتش عن مراجع تسعفه في افحام العلماني اذا قرر ان يستانف الحوار ؟ .. أم ..... لعله كان يقول : العلماني هذا كافر .. وما ينبغي لي ان اتعامل معه بعد اليوم .. فماله حرام .. ولا حلال فيه الا دمه ! ) ..
ما سبق ليس حوارا أخرس على طريقة ( حوار مع صديقي الملحد ! ) ولا استنطاق لمحار آخر وتقويله كلاما للوصول الى نتائج معينة .. لا .. ما سبق هو تكثيف واختصار لحوارات كثيرة جدة .. بعضها كان واقعي .. وأكثرها افتراضي عبر الانترنت .. حاولت فيها ان اكمل ما انتهى اليه الصديق العلماني ..
مع التحية ..
شهاب الدمشقي.