بقلم التجاني بولعوالي
شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا
رئيس تحرير مجلة الفوانيس الإلكترونية
www.tijaniboulaouali.nl
"كنت خائفا
بحثت عن رفيقي
سألت عنه شوقا
وكنت قد أراه...
هناك في الوطن
كصوت راحل
يودع القرى
ويركب القطار...
ويلبس الكفن"
*****
هكذا ردد بلبل وجدة قبل حوالي عقدين من الزمن، وهو ينتفض خوفا عن رفيقه، من الرحيل والكفن، لكنه لم يخف عن نفسه؛ كان دوما شاعرا جسورا، لا ترهبه العواصف، ولا ينثني لنوائب الدهر، لأن الغربة التي كان يحياها وهو في وطنه! لقنته أن يصمد في وجه تيارها الجارف، وهو يردد نشيد الغرباء، في مملكة الروح، مثل سنبلة ضعيفة القوام، لكنها قوية العزيمة، تتحدى تارة في صمت، وأخرى في عشق أزرق الرياح والسحاب، وهو تحد جميل وممتد يرى في الحياة، على قساوتها حدائق شعرية، تنضح رغم الأحزان بالشمس الدافئة والبحر المعطاء.
*****
قلت قبل أن أسمع خبر رحيل هذا البلبل، وهو طريح الفراش، بأنه يستحق الكثير، لأنه أعطى الكثير للشعر المغربي المعاصر، حيث به يكتمل ثالوث الشعر الإسلامي بشرق المغرب، المتمثل في (الأمراني، الرباوي وبنعمارة)، ثم إنه خير من قدم الموروث الصوفي الإسلامي إبداعا وتنظيرا، وغير ذلك من حسنات هذا الشاعر الهاديء البهي!
*****
والآن، ماذا يجدي مثل هذا الكلام بعد أن رحل عنا محمد بنعمارة إلى ربه، وقد أدى رسالته على أكمل وجه؛ فترك لنا إرثا أخلاقيا معتبرا، يحدثك عنه بتلقائية تامة كل شخص يعرفه، عن قريب أو عن بعيد، وهي نابعة من زهده في الحياة، ومن ميوله الصوفية التي تجعل منه شاعرا صوفيا بامتياز، لا يمارس التصوف كتابة فحسب، وإنما سلوكا ومعاملة، مما جعله يخلف الكثير من التلامذة الذين درسوا عنه بطريقة مباشرة في المدرسة، أو غير مباشرة عن طريق أشعاره وأفكاره، وها هم الآن هؤلاء التلامذة أصبحوا شعراء وكتابا، يشهدون على أريحية هذا الرجل، الذي
قلما نلتقي مثله في هذه الحياة!
*****
أجل، رحل بلبل وجدة، لكن شعره لم يرحل، بل سوف يظل صادحا، يسكن أعماقنا، ودفاترنا...
*****
هكذا، لا أملك إلا أن أدعو له الله تعالى بأن يتقبله عنده شهيدا، لأنه مات وهو يعاني المرض، وأن يغفر له... ويغسله بالثلج والماء والبرد، ويزيد في إحسانه، ويتجاوز عن سيئاته.. ويلهم ذويه الصبر والسلوان.
*****
كلماتي.. ليستْ خارجَ ذاتي
واللحظةُ في محراب الحرفِ
دخولٌ في الزمن العاتي
لا أكتب إلا بدمي
أو ما تلهمه صلواتي
لستُ الفارسَ
لكن الشِّعرَ حصانٌ
تركبه شطحاتي.
*****
إنا لله وإنا إليه راجعون