Array
أولاً...
أنا أرى في استخدام مثال لعبة الدومينو التي يسد فيها الطريق على اللاعبين والمطابقة بينه وبين الواقع الشرق أوسطي مجازفة كبيرة تضرب بعرض الحائط بعض المسلمات، ربما.
إن انسداد الطريق في لعبة الدومينو هو نتيجة احتمالية حتمية، لأنها نتاج تسلسل منطقي للحجارة واستخداماتها يخضع لقوانين منطقية بسيطة وواضحة. وبالتالي فالحكم في اللعبة سهل ومؤكد ولا يحتاج إلى معرفة تفوق حدود قوانين اللعبة.
بينما لا زلنا جميعاً – ومهما تدارسنا – نجهل قوانين التطور البشري الطبيعية أولاً، ونختلف فيما بيننا حتى في تعريف الأديان والوعي الاجتماعي وحدود الحرية الإنسانية، إلخ.[/quote]
بداية فإنه يجب التشديد على أن أي مثال للشرح كما في حالة إستخدام مثال الدومينو - أو غيره - لا يهدف للمطابقة الكلية أبدا. بل للمساعدة على توصيل الفكرة المراد شرحها بالتشابه معها في وجه واحد أو عدة أوجه. و هو في حالتنا حالة العقم و إنعدام إمكانية الحل لقضايا معلقة - و هذا في إطار مرجعياتنا ذاتها و بدون تغيير جذري بها.
Arrayو الفارق الوحيد أن لاعبي الدومينو المحترفين يعلمون متى قفل الدور و من ثم متى يهدمونه لبناء دور جديد - أما في مجتمعاتنا فعن عمد أو جهل أو تجاهل أو رفض للواقع - فالكل يضيع وقته في محاولات جديدة لرمي الأوراق ثم الفشل في دائرة لا منتهية. و لا يوجد من يصرح أو يريد أن يصرح بإنتهاء الدور و لا جدوى اللعب. و الكل يلعب بأوراق خاسرة و هو يعلم ذلك. كمسرح اللامعقول.[/quote]
و من الطبيعي أن تضرب المثال البسيط الواضح و هذا لشرح وتوصيل الفكرة الأكثر تعقيدا. و ليس لتبسيطها مطابقة للمثال. فنحن لسنا مضطرين تباعا لمطابقة باقي ظروف المثال و تفاصيله الدقيقة على موضوعنا.
كما أنه و نظرالأن العلوم الإجتماعية قد تبدو أكثر تعقيدا من العلوم الطبيعية. و بخاصة في محاولة تكميمها. فمن الضروري و نحن بصدد دراسة إجتماعية - و بالإضافة لما قد تفضلتم بذكره من تعقيدات - أن نتأكد أن أية نظرية في مجال العلوم الإجتماعية تتميز بحالة خاصة جدا بالإضافة لطبيعتها المعقدة:
Arrayو النظرية في حال تعلقها بالمجتمع الإنساني كموضوع لها - تعتبر حالة خاصة جدا كون موضوع النظرية هو كيان أو بنية واعية و قد تكون متأثرة بطرح تلك النظرية ذاتها و بحساسية خاصة للجزء الخاص بالتنبؤ بسلوك ذلك الموضوع. [/quote]
أي أن إنحراف الواقع عن نبوءات أية نظرية إجتماعية - قد يكون نتيجة طبيعية لنشر النظرية بشرط توافر قدرة المتلقي الواعي (موضوعها) على إستيعاب ذلك.
و يمكن الرجوع لكامل الموضوع في:
حول نظرية "صدام الحضارات"
لكننا لا يجب أبدا و تحت ضغط تلك التعقيدات أن نميل نحو نظريات اللايقين و النسبية الفوضوية. لأنها و ببساطة ذات نتائج غير مطابقة للواقع - المرجع الأخير لأي باحث - فواقع التطور الإجتماعي ليس عشوائيا. و تلك النظريات تمثل ناتج ثانوي للفكر الغربي لا يعتمد عليها حتى مبدعوها في حياتهم الشخصية. و تمثل خلطا معيبا و سوء فهم لنظريات في العلوم الطبيعية مثل النسبية و ميكانيكا الكم. مما قد لا يكون مجال حديثنا الحالي.
و كون العلوم الإجتماعية ليست بذات صرامة العلوم الطبيعية - فإن هذا لا يعني أبدا الإستغناء عن نسبة الصواب المحدودة لصالح النسبة صفر.
فليس من الحكمة أن يتقاعس شخص عن تغيير مسار سيره الذي ينتهي بحفرة عميقة - بحجة أنه لا يعلم ما في الغيب فقد تسقط رمالا من أية جهة لردم الحفرة - أو قد يراه آخر و يتبرع هو بتغيير مساره. و إن كان ما فكر فيه الشخص هذا غير مستحيل منطقيا أو عمليا إلا أن كامل المسألة تقاس بالإحتمالات - ليست المطلقة - بل ذات الصلة بالواقع و تكراره و قوانينه. و بالتالي لن يكون أبدا الإحتمال هو 1:1:1. و الخاسر الأول هو الشخص نفسه.
Arrayثانياً...
منطقياً، لحل معضلة الانغلاق في لعبة الدومينو كان لزاماً على اللاعبين هدم نسيج اللعبة وخلط الأوراق/الحجارة من جديد. أي – بعبارة واضحة - كان لزاماً عليهم إيجاد واقع جديد من خارج حدود المنطق المغلق للعبة كي يعيد بناء النموذج المستعصي على الحل، كي يحل المشكلة.
أما في الواقع الاجتماعي السياسي الثقافي العربي، فنحن قد وصلنا إلى هذا الحال ونحن نعيش جميع العوامل المؤثرة فيه بلا استثناء، بما فيها الاستعمار الغربي بجميع أشكاله وتحت جميع مسمياته (ومن ضمنها مسمى الفوضى البناءة). لذلك فلا يوجد أي عامل خارجي آخر يمكن أن يغير قواعد اللعبة كي يخرجنا مما نحن فيه.
وطالما أن الإنسان قد عاش لمئات ألوف السنين ولم يقرض نفسه بنفسه إلى اليوم، فهو حتماً مر بجميع مراحل الاستعصاء التي قد نعانيها اليوم وخرج منها بدون معجزة قادمة من خارج التاريخ.[/quote]
قد أختلف معك في هذا البند - فلم و لن يوجد ما هو خارج التاريخ - لأن التاريخ هو ما نصنعه. و الأمر لم يحتاج لمعجزات لخروج الغرب من ظلام الكنيسة - فالمعرفة الجديدة كانت كفيلة كما بتغيير كامل المرجعية المعرفية لهذا المجتمع و دخولهم عصر جديد يعتبر الحاضر إمتدادا له.
كما و قد لا تنطبق قوانين التاريخ لمئات آلاف السنين على الوضع منذ ذلك الإنقلاب المعرفي و للآن - فتلك كانت نقطة قطيعة تاريخية و على كافة المستويات. فحتى على مستوى العلوم الطبيعية - فالتطور الطبيعي حتى للكائنات الحية بما فيها الإنسان قد أصبح مادة للتدخل الإنساني بعلومه و لا يخضع لذات قوانين التطور الطبيعي ببطئها المعتاد.
و دخول هذا العصر مرهونا بتلك القطيعة المعرفية أو Point of revolution - و التي لم نبدأها بعد - و التي يمكن إعتبارها عاملا شرطيا متميزا بذلك عن كافة العوامل المساعدة أو المحفزة الأخرى.
و في حالتنا الراهنة فلا أعتقد بجدوى التدخل الغربي الإستعماري - بل أنه و لعدة أسباب قد يكون دافعا أكبر للطريق العكسي. أولا كونه سوف يكون شماعة و مبررا لردة قصوى لقرون مضت بقفزة واحدة و للفتك بأي مخالف أو محدث تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة - دار الإسلام في خطر .." و دافعا للفتك الدموي الإنتحاري الذاتي بين المجتمع و نفسه بطوائفه المختلفة - ثانيا كون الإستعمار هو إستعمار أولا و أخيرا - سوف يسعى لمصالحه بغض النظر عن أي إعتبارات - مرتكبا ما إرتكبه أي غزاه على مر التاريخ من فظائع. و أعتقد أن الغرب يعي ذلك إلى حد كبير.
و الطريق الوحيد للخروج مما نحن فيه هو في أنفسنا - أن نحل تلك المتناقضات أو نحاول - حتى لو كانت الفوضى هي الثمن.
Arrayثالثاً...
أظن أن الأخوين بهجت وفرعون مصر حاما حول حول منطقي لنظرية التناقض المسدود الطريق، واستطاعا بناء على محاكمات نظرية التناقض نفسها أن يفترضا نماذج لسيناريوهات ممكنة جداً قادرة على الخروج بالعالم العربي من خط الانفجار الذي تنتظره/ترجو/تتوقعه.
أما عن طلب تطبيقات على الواقع، فقد ذكر في الحوار القليل من الأمثلة الواقعية والفعالة، والتي تقف بشكل جلي في وجه النظرية الاستسلامية للانهيار، مثل عهد محمد علي في مصر، أو التجربة التركية المعاصرة.[/quote]
بادئ ذي بدء, يجب علينا أن نتفق على عدة نقاط:
* أن نحاول أن ننتزع من أذهاننا الصورة النمطية عن موضوع الفوضى - و التي ترافقها في وعينا الجمعي صور أمريكا و بوش و رايس و حوار الفوضى الخلاقة الأمريكي. و المؤامرات على العروبة أو الإسلام ..إلخ.
الفوضى ليست محددة بهذا السيناريو أبدا - و هو سيناريو محلي و ليس أمريكي بالمناسبة في أغلبه.
فما نعنيه تحديدا بالفوضى هو الوضع بين فقد مرجعيات المجتمع و تبنيه غيرها. و يجب التفريق بين معنى الفوضى و بين أعراضها و التي قد تكون خفيفة - كالفوضى الفكرية - أو من العيار الثقيل الدموي كما هو حال العراق.
الفوضى في جوهرها هي فقدان ما نعتبره هويه و فقدان طريق مسدود و بداية بحث عن آخر أكثر صوابا. تلك الحالة المؤقتة هي الفوضى - لا يجب أن ترتبط بالعنف و الدماء و إن كان لابد لها من خسائر إلا أنها من غير المستحيل أن تتم بأقل خسائر ممكنة نظريا. و الإنفجار قد يكون حقيقيا دمويا أو مجرد إنفجار أخلاقي ثقافي.
و واقع الأمر فالخطاب الغربي يعبر عن "محاولة توليد الفوضى بتسارع تحت ضغط التدخل الخارجي في الشرق الأوسط و إشعال - أو إتاحة الفرصة لإشعال - فتائل القنابل الموجودة مسبقا بالمنطقة للوصول إستقرار سريع". أي أنه يمثل إتجاها لري بذور الفوضى و رعايتها و ليس توليدها - و هذا لمصلحتين رئيسيتين للغرب. الأولى تأمين موارد الطاقة و الثانية تقليل الخطر الأصولي الدموي الذي يتناثر على العالم من فوهة بركان الكبت الشرق أوسطي و التي تمثل - و كما يحدث في الطبيعة - نوعا من تنفيس الضغط الداخلي بإتجاه الخارج كما في وجهة نظرهم.
* الفوضى - و حتى في السيناريو الأمريكي - ليست شئ يمكن توليده من عدم - أو فعل إرادي يمكن تبنيه أو الدعوة له في مجتمعاتنا أو أي مجتمع بل هي نتيجة لمرض مزمن عضال فيها. الفوضى إذا حتى لا تمثل علاجا - بل هي مرحلة قد تكون حتمية بعد العقم غير المستقر.
* كما أن الفوضى ليست فعل يمكن توليده - فمقاومتها هي ما نعيشه الآن من واقع العقم المؤقت حتما. و لكي لا نتوه بغابة من المصطلحات غير المحددة - فما قد تكون قصدته بالخروج من هذا الواقع دون إنفجار قد أعني به فوضى سلمية. فالفوضى ليست مساوية للإنفجار الدموي. لكن مجرد الخروج من الواقع الحالي هو حالة فوضى لأنه متعلق بفقد مرجعيات جزئيا أو كليا. و الوضع بين فقد مرجعيات المجتمع و تبنيه غيرها هو الفوضى.
* على المستوى العام و كما سبق فتباعا فالفوضى ليست فعلا قابل للتمني أو عدمه بل هي واقع يجب أن نتعامل معه بقدر من العقلانية محاولين قدر الإمكان فهمه أولا - ثم محاولة التعامل معه بأقل خسائر ممكنة ثانيا.
أما على المستوى الشخصي - فالفوضى تمثل لي كابوسا غير محتمل و على أي مستوى للدرجة التي أتمنى ألا تحدث أثناء حياتي. و بالرغم من هذا فهي واقع يجب التعامل معه.
Arrayرابعاً...
لنفرض جدلاً أننا لا نريد أن نخرج من بنية الواقع الشرق أوسطي التي ركبتها، والتي ينتهي فيها هذا الواقع إلى العقم، فإن هذه البنية نفسها تجني على نفسها، تماماً كالمنطق الديالكتيكي الذي يقول بزوال التراكيب بسبب صراع النقائض ويصر على استمرار التغير الذي يشمل كل فكر، متناسياً أن الديالكتيك بحد ذاته هو نظرية فكرية قد تتغير ويثبت بطلانها حسب قوانينها الذاتية.
إن هذا العقم الشامل في الواقع الشرق أوسطي، الذي يستحيل معه وضع أي نوع من أنواع الحلول غير الشاملة وغير الانفجارية وغير القابلة للرصد والتوقع، هو عقم يشمل نظرية العقم بحد ذاتها، وبالتالي فهي نفسها قد تكون مصابة بالعقم ويكون الواقع بريء منها تماماً، ويكون قابلاً للإصلاح.[/quote]
جميل جدا أن تثير هذا الموضوع ..
ما تثيره هو تقريبا Paradox كلاسيكي - و البارادوكس هو Bug في الفكر الفلسفي المثالي ناتج عن خلط عدة مستويات منطقية - و تسطيحها في مستوى واحد.
و البارادوكس وهم لا أساس واقعي له و هو مرتبط تباعا بالفلسفة و إستخدام خاطئ للمنطق الصوري. و لا وجود له في العلوم (العالم الواقعي).
و للرجوع لمناقشات حول هذا الموضوع:
حل لقضية شغلت كثيراٌ الفلاسفة والمفكرين - نبيل حاجي نائف
و حول الفلسفة عموما:
هل ماتت الفلسفة ؟؟
و بوجه عام فأي نظرية تصف العالم هي - و كما تفضلتم - بنية تم تركيبها في محاولة لتكميم هذا العالم في الطريق لفهمه.
و الفرق بين العلوم و الفلسفة هو أن تلك البنية في العلوم تبدأ من العالم الواقعي - تتنبأ بأحداث في العالم الواقعي - تنتهي عند العالم الواقعي لكي يثبت صحتها من عدمه.
أما في الفلسفات المثالية و الميتافيزيقا - فهي تبدأ أيضا من العالم الواقعي الذي لا نعرف غيره - ثم و بغض النظر عن تنبؤها بأحداث من عدمه فهي لا تنتهي أبدا عند العالم الواقعي لكي يحكم على تلك البنية / النظرية بالصواب أو الخطأ - فهي بنية فارغة من الواقع غير قابلة للإثبات أو النفي. و لا يجب إضاعة الوقت حتى في التفكير بها عامة - و بوجه خاص حين تقودنا تلك البنية لطريق البارادوكس.
و عود لمثالنا بأعلاه.
هل يوجد أي مبرر من واقع - فضلا عن دافع - لدمج كلا من حالة العقم مع الخطاب الذي يصفها في وعاء واحد ثم تطبيق العقم على كامل الوعاء لكي نستنتج أن وصف حالة العقم الموجودة في المجتمع عقيم تباعا؟
إن ذلك يشبه المثال حين يقول شخص كاذب - و بنية الكذب - أن "1+1=2"
واقع الأمر أن كذب الشخص من صدقه قضية منفصلة تماما عن القضية "1+1=2" و كذبها من صدقها.
و بالمثل فنظرية تصف حالة العقم هي قضية منفصلة تماما عمن قالها و إنتماؤه لذات المجتمع العقيم من عدمه.
Arrayسأتهمك بالتحبيط المتعمد أو العمل الإعلامي المشكوك النوايا لصالح نظرية الفوضى البناءة الأمريكية! :97_old:[/quote]
أستسمحك أن أستغل تلك المزحة في إستكمال حديثنا السابق عن الموضوعية و إنفصال القضية المطروحة عن نية صاحبها أو كذبه أو حتى حالته العقلية.
فسواء تمت إثارة هذه القضية / الخطاب بنية خبيثة أو طيبة أو حتى لهذيان - فستظل قضية لا يمكن الحكم عليها إلا بتقييمها هي و ليس صاحبها.
حيث لا يضير صحة القضية "الأرض كروية" أن يقولها مجنون أو كاذب - لكن يضيرها أن يتم قياس أبعادها ليثبت بعدها أنها إليبس أكثر منها كروية.
و في النهاية - فقد كان شيقا و ممتعا الحديث معك. و أتمنى أن تكثر مشاركاتك.
مع خالص الإحترام و التقدير ,,,
بحث
قائمة الأعضاء
التقويم
وثائق المساعدة
