Array
علّمت نفسي أن أختبر نظرية التناقض العقيم (بتاعتك) في شتى المشاهد، السياسية منها والثقافية والدينية، وأراني أرى فيها الكثير من الصواب، رغم أنها تعمِّم كثيراً وأنا أخالف التعميم.
[/quote]
الزميل العزيز / ماجد الدومري (f)
أولا وجب علي الإعتذار لك و للفاضل / بهجت حيث لم أتمكن من الوفاء بوعدي في عدم التأخير في متابعة الموضوع.
بالنسبة لموضوع التعميم فأنت على حق. و كما قد نوهت مسبقا (
أنقر هنا) فالنظريات ذات المحتوى الإنساني حتى و إن كانت ذات خلفية علمية إلا أنها و للآن ذات مداخل و مناهج ليست علمية بوجه عام.
و إنه و إن كانت تلك النظريات ذات نبوءات يمكن التأكد من صحتها أو عدمه بتعريضها للواقع الخارجي و هذا مما يميزها عن الفكر الغث و الميتافيزيقا - و التي تتميز بعدم وجود صلة بالعالم الواقعي أو تنبؤات (نتائج) أو أي ما يمكن تجريبه من عدمه لإثبات أو نقض تلك الترهات - إلا أنه قد تنقصها عامل آخر شديد الأهمية لكي يمكن إعتبارها نظريات علمية تماما.
حيث تظل مشكلة القياس و التكميم سواء في النظرية ذاتها أو في نبوءاتها - أو بصيغة أخرى قياس نسب صحة العلاقات بين مقدمات النظرية و نتائجها - مثلا إلى أي حد من الدقة قد أدت مقدمات النظرية تلك إلى هذه النتائج؟
ففي مثال من الفيزياء يمكنك أن تقرر مطمئنا أنه بتعريض الجسم ذو الكتلة=كذا إلى قوة=كذا مع مراعاة عامل إحتكاك=كذا - إذا سيتحرك الجسم بعجلة تصاعدية=كذا.
و كما نلاحظ فكل عامل في العلوم الفيزيقية له وحدات قياس (تكميم) دقيقة يمكنك أن تعول عليها و تقيسها. و هو ما تفتقده العلوم الإنسانية عامة.
و هذا ناهيك عن إمكانية عزل العوامل الأخرى نهائيا (و التي لم تطرق لها النظرية)عن التداخل مع العوامل التي قد ركزت عليها النظرية لكي تشكل أخيرا النتيجة في الواقع.
و كمثال واضح على هذه المشكلة تجد نظريات التحليل النفسي قد ركزت كل منها على عامل ما لكي يسود بقية العوامل و كأنه لا يوجد غيره (مثل الجنس عند فرويد) و في النهاية فبرغم الصحة النسبية لكل منها على حده - إلا أنه قد يبدو من الأفضل تجميعها متراصة لتكوين وجهة نظر أكثر شمولية من إنفراد أحداها.
و بالتالي فنسبة دقة تلك النظريات الإجتماعية على مستوى علمي صارم هي نسبة قليلة و هذا مقارنة بالعلوم الفيزيقية المتطورة. و لذلك يمكن إطلاق لفظ "أشباه العلوم" على مجموعة العلوم الإنسانية بوجه عام أو العلوم الزائفة Pseudo science كما أطلق عليها كارل بوبر.
إلا أن الكثير من تلك العلوم قد بدأت تأخذ مداخل و مناهج أكثر علمية - و أكثر تكميما - مثل علوم النفس و التي نحت نحوا ماديا بتغيير المدخل من التحليل النفسي لعلوم كيمياء المخ و كهربة المخ بل و الجينوم ... إلخ و هي مداخل أكثر علمية و ذات وحدات قياس مادية و دقيقة. و كذا علوم الإجتماع بدرجات أقل.
و إن كان هذا التغيير في العلوم الإنسانية نحو درجات أكثر علمية و صرامة يحدث على نطاقات شديدة التخصص - و بالرغم من كونها في طريقها للتوسع و التكامل إلا أنها قد لا تتمكن في الوقت الحالي من إستيعاب نظرية إجتماعية أكثر عمومية لكي تفسر التاريخ أو تتنبأ بنتائج سياسية أو غيرها.
فالعلوم الفيزيقية و الصورية الأكثر نضجا قد توسعت و تكاملت بشكل كبير (مثل الفيزياء + الكيمياء + الميكانيكا + الفلك + الرياضيات ... إلخ) لكي تنتج في النهاية نظريات شديدة الضخامة و العمومية - شديدة الدقة في نفس الوقت مثل النسبية و نظرية الكم و نظرية الأوتار الفائقة - و التي على عموميتها الشديدة إلا أنها تتنبأ بنتائج يمكن قياسها و بدقة بواسطة أدوات قياس أي علم مما سبق و تقنياته.
و لهذا و في إنتظار ذلك التطور و التكامل ليس أمامنا سوى أن نكتفي و لحد ما بالنظريات الإنسانية على حالها و أن نرضى بميزة كونها ذات نتائج و تنبؤات يمكن إثباتها من عدمه - و التغاضي نسبيا عن عيوب التكميم و القياس مع التعويض عن ذلك القصور بتأكيدنا الدائم على أن كل نظرية هي وجهة نظر تلقي الضوء من ناحية واحدة على جسم مجهول في ظلام الجهل - قد تلقي أحدها مساحة واسعة من الضوء و قد تلقي الأخرى مساحة ضيقة - و لذلك فمن المفيد تجميع تلك الأضواء لكشف أكبر مساحة ممكنة من هذا المجهول.
فنتيجة تجميع نظريات التحليل النفسي بجانب نظريات علم النفس السلوكي هي نظرة عامة أكثر دقة و صحة ليس فقط من خطابات الميتافيزيقا و الأديان و كل ما قد خبره الإنسان قبلها - بل و أيضا أكثر صحة من كل منهم على حدة.
و لا ننسى أن علوم النفس و بخاصة التحليل النفسي و السلوكيات + النظريات الإقتصادية مثل الماركسية + النظريات الإجتماعية جنبا لجنب مع باقي العلوم و الفنون و الآداب قد غيرت وجه العالم و للأبد.
تقبل مني كل إحترام ,,,