منذ غزو العراق عام 2003 قضيت ما يقرب في مجموعه السنة من عمري أكتب عن الحرب هناك.
كنت شاهدا على كم مقلق من الموت والإصابات، وقضى العديد من أصدقائي هناك، فيما تحول غيرهم إلى لاجئين وطالبي لجوء سياسي.
لقد دامت الحرب مدة الحرب العالمية الثانية وتكلفت تكلفتها.
ولم يتحقق سوى هدف واحد من أهدافها الأصلية: الإطاحة بنظام صدام حسين.
أما الأهداف الأخرى: فواحد كان صعب المنال، لأنه لم يكن لدى العراق أسلحة دمار شامل حتى يتم تدميرها، والآخر ـ نقل الديمقراطية إلى الشرق الأوسط ـ فقد تم تأجيله إلى أجل غير مسمى.
ولاشيء جديد في هذا بالطبع، إذ طالما ردد المعلقون المعارضون للحرب ذلك مرارا وتكرارا، بينما يتحاشى المعلقون المؤيدون للحرب أي ذكر له تماما.
والأهم من ذلك هو أن الحرب قد أظهرت كم أن القدرات العسكرية الأمريكية محدودة. وواضح أنه ليس بإمكان الولايات المتحدة أن تخوض حربين صغيرتين في نفس الوقت.
فحربا العراق وأفغانستان قد استهلكتا إمكانيات القوات المسلحة الأمريكية حتى كادت تقضي عليها، والولايات المتحدة بعد غزو العراق ليست القوة العظمى التي كانت قبله.
غير أنه يبدو أن الثبات والقوة الإبداعية للولايات المتحدة قد استطاعت إدارة الدفة، على الأقل من ناحية عسكرية. فنبذت التكتيكات التي كانت تجعلهم يخسرون الحرب، لتحل محلها تكتيكات جديدة أكثر ذكاء.
فتحارب القوات الأمريكية الآن بأسلوب يجعلها تكسب الوقت حتى يتسنى لحكومتها اتخاذ قرارات على المدى الطويل حول الانسحاب أو أي شكل من أشكال استمرار الوجود هنا.
وسيعتبر البعض ـ وعلى سبيل المثال السناتور جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية ـ هذا العمل نجاحا. وقد يميل لأن يدعوها نصرا.
غير أنه من الصعب أن تصفه الآن بالنصر.
في يوم الإثنين وصل ديك تشيني إلى بغداد وتحدث عن "التطور المذهل في الأمن". في ذلك اليوم قتل أكثر من 60 عراقيا في هجمات بالقنابل.
وكان عليه أن يتنقل وسط حراسة غير مسبوقة من حيث عدد رجال الأمن المشاركين فيها، رغم أنه لم يغادر المنطقة الخضراء شديدة التحصين. وقد أصابت قذيفتا هاون المنطقة أثناء وجوده فيها.
وهذا بالتأكيد لا يشير إلى تطور مذهل في الوضع الأمني.
أخطاء بدائية
ومع ذلك، ومنذ بداية العام 2007 حين بدأ الجنرال دافيد بيترايوس إدخال تكتيكات جديدة جذرية، دخلت الحرب مرحلة جديدة.
فقد انقسمت العناصر المسلحة فيما بينها. تم إقناع جيش المهدي بأن يتوارى قليلا، واشتدت هجمات الجيشين الأمريكي والعراقي مما حرم عدوهما من فرصة التخندق والسيطرة على الأراضي.
فقبل تولي الجنرال باتريوس القيادة كانت التكتيكات العسكرية الأمريكية تتسم بالسلبية، وبدت في بعض الأحيان انهزامية.
وكان بإمكان المسلحين العمل وفق ما يحلو لهم في الشوارع الرئيسية في بغداد، وتمكنوا من السيطرة على ضواحي وبلدات بكاملها.
وفي نفس الوقت كان هناك سوء فهم مذهل للموقف السياسي.
ففي العام الأول بعد الغزو اعتبر السياسيون الأمريكيون بول بريمر حاكم العراق متعجرفا وسخيفا. وقد ارتكب عددا من الأخطاء الأساسية التي نجمت عنها أضرار دائمة.
أما في هذه الأيام وبالعكس تماما فإن وجه السياسة الأمريكية هنا هو السفير الأمريكي ريان كروكر. وهو يتحدث العربية بطلاقة، ويتفهم بتعاطف البلاد وأهلها.
وفي المحصلة فإن الوجود الأمريكي العسكري والدبلوماسي هنا الآن أكثر مهنية وجدية.
مخاطر على المدى الطويل
أصدقاء لي طالما كرهوا حقيقة وجود الأمريكيين هنا يثنون عليهم لطردهم المسلحين من الشوارع. هذا نجاح حقيقي.
لكنه صغير بالمقارنة بالأضرار التي ألحقتها الحرب بالسمعة الأمريكية. إذ تجد الخارجية الأمريكية هذه الأيام صعوبة أكبر في أن يتعامل معها الغير بقدر أكبر من الجدية، إذا ما وجهت الانتقادات إلى دول أخرى بسبب ممارستها التعذيب والاعتقال التعسفي.
فالناس في جميع أنحاء العالم أصيبوا بالاشمئزاز بسبب ما تم ارتكابه هنا: أمور ترتبط الآن بأسماء مثل أبو غريب وحديثة والفلوجة.
وفوق ذلك كله فقد رأينا مدى الصعوبة التي تواجه الأمريكيين في التعامل مع عدة آلاف من المتطوعين المسلحين بأسلحة خفيفة.
قال أوتو فون بسمارك المستشار الألماني الذي حكم إبان القرن التاسع عشر إن على القوى الكبرى أن تكون أكثر حرصا حين تضع قوتها العسكرية أمام امتحان. وما يعنيه هو ما لم تحقق هذه القوة النجاح الساحق فسيتولد هناك انطباع بأنها قد هزمت.
وبالرغم من النجاحات العديدة التي تحققت على الأرض يظل هذا هو الخطر الذي يواجه الولايات المتحدة على المدى الطويل.
http://www.youtube.com/watch?v=7vxky_1gEpE