Array
هذا ليس صحيحاً طبعاً، وليس ذنب قدماء العرب أن "ابراهيم" لم يقرأ ما كتبوه أو تغافل عمّا حبّروه. فالعرب القدماء، عندما كانوا يزرعون التقدم فينبت رقياً وحضارة، كتبوا في "الجنس" أيضاً رغم محاذيره في ثقافتهم. فهذا كتاب "نزهة الألباء" أو ما يسمونه "عودة الشيخ إلى صباه" يشهد بأن العرب عرفوا وألفوا في هذا المجال كتباً جنسية فيها تفكهة للنفوس من ناحية وفيها معلومات قدرّوا أنها مهمة من ناحية ثانية. بجانب هذا الكتاب، المهم في بابه، هناك الكتب الأخرى من مثل "كتاب الأيك في معرفة النيك" الذي يمتليء بالطرائف والأوضاع الجنسية التي تفيد "المريد"، في قضاء الوقت السعيد، بين الكواعب الغيد، الرقاق الأماليد.
قبل بضعة سنين (أعتقد سنة 2000) حقق كتاب "الجنس عند العرب" المطبوع في "دار الجمل" في "ألمانيا" رقماً قياسياً في المبيعات في "معرض القاهرة الدولي للكتاب". وهذا الكتاب عبارة عن شذرات مختلفة من "الكتابات الجنسية العربية القديمة" التي جمعها وقدم لها (على ما أذكر) الدكتور "صخر أبو فخر". هذه اكتابات تعنى "بالسريريات" وتختلف من ناحية الأهداف؛ فمنها الأدبي والتعليمي والطبي والفكاهي ... إلخ.
أجدادنا العرب القدماء إذاً، اعتنوا - حتى بهذه الأمور - وقدموا فيها ما يزيد المعرفة للمتأخرين عنهم، ولكن ماذا قدم "الغرب المسيحي" مثلاً بالنسبة لهذه الأمور طوال العصور الوسطى؟ .. لا أدري، وأغلب الظن أنه لم يقدم شيئاً، مع أن ورثة "أوفيد" الروماني كان لديهم تربة صالحة لمثل هذه الكتابات.
أخيراً، النظرة الدونية للمرأة لم تكن مقصورة على العرب وحدهم في ذلك العصر. فحال المرأة عند الغربيين - مثلاً - كان أدهى وأمر. ولهو من "العسف" بمكان أن ننتقد العصور العربية السالفة بمقاييس حضارتنا اليوم ونظرة إنسان القرن الواحد والعشرين إلى المرأة. فالنقد، كي يكون موضوعياً، عليه أن يتفهم بيئة كل زمان ومكان وينهض في إبراز السالب والإيجابي بمقاييس العصر الذي يتحدث عنه.
واسلموا لي
العلماني
[/quote]
عزيزي العلماني:
آسف جداً لم أرى مشاركتك إلا الآن. سامحني. لابد أنها مشاكل الحساسية التي أدمتني وأردتني طريح الدوخة وكأنها حالة كئيبة.. لم أتعمد أبداً العبور على مشاركتك ولكني بسبب الدوخة لم أر شيء. أسف جداً. اسمح لي بالتعليق على مشاركتك أعلاه.
صديقي، بصراحة لا أخفيك سراً أنه لم يخرج كتاب بالعربية في مجال الإيروتيكا إلا واشتريته وقرأته كلمة كلمة وحرف حرف تقريباً. أقصد إيروتيكا الأدب العربي الكلاسيكي. طبعا أفخر أن النفزاوي موجود في جميع لغات العالم وتجده مدرجاً ضمن النصوص المقدسة في موقع نصوص مقدسة هنا:
http://www.sacred-texts.com/sex/index.htm
وتخطر على بالي عدة أسئلة لك:
هل ترى فعلا كتاب النفزاوي على نفس المستوى لكتاب الكاما سوترا؟ شتان يا صديقي بين هذا وذاك. كتاب الكاما سوترا صار معمول به في كل بلاد العالم. كتاب النفزاوي بصراحة هو خواطر واحد مراهق.. وسامحني. ويتحدث يا صديقي العلماني عن الجنس من منظوره الذكوري الشبقي. ولكن هؤلاء الهنود البدائيين من الأزل كانوا في نظرتهم للجنس يرون الأمر "عاشق" و"معشوق" وليس هنا من مجال للتسلط أو "التبعل" لمجرد أنه "البعل" ولا يخفى عليك أن كلمة بعل تعني الرب والسيد في آن واحد.
ثم أن كتاب النفزاوي حتى في زمانه تلاقفته الأيدي خفية ولا يوجد مسلم يفتخر به مثلما يفتخر الهندي بالكاما سوترا. عقلية التحريم صرنا مشبعون بها كعرب ونظرتنا للجنس بسبب الأديان الإبراهيمية هي نظرة قذرة. اليهودي يجب أن يستحم بعد مضاجعة امرأته والمسلم أخذها عن اليهودي والمسيحي وخاصة من أبناء الطوائف التقليدية لا يجب أن يتناول القربان المقدس إلا بعد أن يتطهر ولكي يكون طاهر فحرام عليه تحريم مطلق أن يمس إمرأته. هل الهندي صاحب الكاما سوترا ينظر للجنس نظرة العربي ابن الثقافة الإسلامية/ المسيحية/ اليهودية إليه؟ الهنود يا عزيزي العلماني أدخلوا الجنس في عباداتهم وصار ركن ركين في قيام أديانهم ولذلك نسمع عن الـ tantra كمثال وغيرها وغيرها مما يسلب الفؤاد والبصر معاً. كتاب الكاما سوترا غزا العالم بأسره حتى إنك لو ذهبت للحصول على عدة سيمينارات في الجنس لكان الكاما سوترا جزء لا يتجزء من هذه الثقافة وتحصيلها. ما قيمة كتاب النفزاوي بالمقارنة لكتاب الكاما سوترا؟ ومن يعمل بكتاب النفزاوي؟ يمكن أن نفتح كتاب الكاما سوترا وسنرى صنوف وأفانين في ممارسة الحب مع معشوقتنا. لكن كتاب النفزاوي يضرم الشبق الذهني للعربي القاريء بأن يحدثه عن الأسماء المختلفة للفرج والفرق بين هذا الفرج أو ذاك.. يا دي النيلة! كأنه يبيع أصناف من الآيس كريم ولو أن هذا لا يعجبك فعليك بالصنف الآخر. ولكن في الكاما سوترا لا يهم شكل فرجها وبشكل أو بآخر ستحدث ممارسة الحب بشكل عشقي حميم وفي الصميم. كتب العرب في الجنس يا عزيزي العلماني تضرم شبق المراهق العربي الباحث عن أوصاف شتى لمؤخرات وفروج الناس ولكن من الناحية العملية لا تفيد. هات لي كتاب أيروسي واحد يا صديقي بالعربية وتقدر أن تقول لي إنه يمكن أن نذهب به لأي شركة من شركات إنتاج الأفلام وينتجوا لنا عمل يقابل الكاما سوترا... لن يحدث يا صديقي. لأنه كلام عربي وإنشا ولا يودي ولا يجيب. كتاب الكاما سوترا هذا، الكتاب الذي أراه وكأنه مصحف الرحمن الذي أنزله على أؤلئك القوم من الهنود، هو كتاب عالمي يخاطب جميع الأذواق ولا يوجد له نظير عربي لا من قبل ولا من بعد.
وطبعا لست من السذاجة بمكان حتى أزعم أن الغرب المسيحي تفوق على العرب في مسألة الحرية الجنسية هذا؛ فالثورة الجنسية لم تحدث سوى من وقت قريب جداً وقبلها تم تجريم أعمال بغباء في أميركا مثلا في حين أن ألف ليلة وليلة كانت موجودة في بلاد العرب.
وكون كتاب الجنس عند العرب قد حقق رقم قياسي فهذا سببه أننا نعيش في قمع فظيع. عندما تركت مصر وفي مطار باريس أول شيء بحثت عنه كان أي مجلة جنسية.. محرمات محرمات والمحرم يحيط بنا من كل ناحية. من الطبيعي أن يبحث العربي في تراثه القديم عن أي شيء إيروسي يستمني به. تصور لو أن هذه البلاد تبيح بيع ونشر مثل هذه الكتب لما وجدت كل هذا الإقبال الرهيب على الكتب الإيروسية العربية.
والقراءة الحضارية لنظرة العرب وبقية شعوب العالم للمرأة لا تعفي العرب من الجرم عزيزي العلماني.. وماذا تغير في العرب الآن؟ نحن الآن في القرن الواحد والعشرين.. واتصلت برجل قبطي أطلب منه الكلام مع بنته.. رد علي: ماذا تريد منها؟ ماذا تريد أن تسألها؟ شرحت له أني أريد مساعدة لضيف قبطي عندي مهندس وهي أكثر من يفيده. تصور، الرجل أصر بكل حقارة على أن يدس أنفه في ما لا يخصه. لماذا يا عزيزي العلماني؟ لأن العربي مهما طلع ومهما نزل يعتقد تمام الاعتقاد أنه المالك الأول والأخير للمرأة. نظرة التملك حاضرة وبشكل بغيض. لا تجد شعب من شعوب العالم يفعل هذا سوى العربي. أسأل نفسي: هل أنا أملك المرأة ؟ وأحيانا ألعن اليوم الذي ولدت فيه في قلب الثقافة العربية حيث أرى أمور انغرست في العقل الباطن وأمور أتوق لأن أنطلق وأنفلت منها لا لكي أصبح إنسان غربي لا سمح الله ولكن بس لمجرد أن أكون بني آدم والسلام، بني آدم لوجه الله وهذا يكفيني. عندما يتصرف ذكر عربي وكأنه مالك المرأة والمتحدث الرسمي بإسمها هو يخنق آدميته وآدميتها. وما يحدث في غرفة النوم هو صورة مصغرة جداً لنظرتنا الجندرية وما يعتورها في الزمن الحاضر.
ولي عودة واسلم لي :redrose: