اخي الكريم vodka انا احتفظ بالمقال كامل عندي لانه في مقالات ومواضيع تتغير روابطها على الشبكة وقد عانيت كثيرا من هذا الامر لهذا انسخها لدي في ملف ليسهل الرجوع اليها ..
وعلى كل حال سوف اورد لك الموضوع بالكامل هنا ان كانت رغبتك ان اردتم الحوار حوله افضل من ان انقل لك ملف الورد .
______________
(1)
تجدد الحديث في الفترة الأخيرة عن المحرقة النازية المعروفة بـ ( الهولوكست) في ظل وجود شخصيات أقزام وأشباه مثقفين حول العالم وبالأخص العرب والفارسي المجرم أحمدي نجاد يحاولون إنكارها و وصفها بالخرافة والأسطورة ......
لذلك أقدم هذا الموضوع المتكامل وبتفصيل تاريخي كبير لحقيقة الكارثة ( الهولوكست ) وصورة لما كانت تشهده أوروبا من أحداث سياسية وتاريخية مع صعود الحزب النازي ووصوله إلى حكم ألمانيا وإندلاع الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء و إندحارالنازية والقضاء نهائياً على الوحش النازي.
المحرقة النازية أو השואה (Hashoah ) الكارثة و هي الفظائع التي حلت بالشعب اليهودي إبان فترة حكم الوحش النازي في أوروبا في الفترة من 30 كانون الثاني عام 1933 عندما أصبح هتلر مستشاراً لألمانيا، وحتى 8 أيار عام 1945 (يوم النصر) عندما انتهت الحرب في أوروبا. خلال هذه الفترة من الزمن، تعرض اليهود في أوروبا إلى اضطهاد قاس ومتزايد، انتهى بإبادة 6,000,000 يهودي (بضمنهم 1,5 مليون طفل)، وبإبادة 5,000 جالية يهودية. ويمثل هذا العدد من القتلى ( ثلثي ) يهود أوروبا، و( ثلث ) يهود العالم. ولم يكن اليهود الذين لاقوا حتفهم ضحايا القتال الذي دمر أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، بل انهم كانوا ضحايا محاولة مقصودة ومبرمجة قامت بها ألمانيا لإبادة سكان أوروبا من اليهود تماماً، وهي الخطة التي أطلق عليها هتلر اسم "الحل النهائي" (Endlosung).
****************
بعد اندحار الألمان في الحرب العالمية الأولى ، أُهينت كرامة ألمانيا في معاهدة فرساي، حيث اقتطعت المعاهدة أجزاء من الأراضي التي كانت تابعة لها قبل الحرب، وقلّصت قواتها المسلحة بدرجة كبيرة وألزمتها بالاعتراف بأنها المذنبة في شن الحرب، كما فرضت عليها دفع التعويضات لدول الحلفاء. وبعد تحطيم الإمبراطورية الألمانية، تم تشكيل حكومة برلمانية سُمّيت ( جمهورية فايمر ) . وعانت هذه الجمهورية من انعدام الاستقرار الاقتصادي، الذي ازداد تفاقماً خلال فترة الهبوط الاقتصادي في العالم عامة، بعد انهيار البورصة في نيويورك عام 1929. ثم حدث تضخم مالي كبير ومطرد، أعقبته بطالة كبيرة جداً، فأخذت الخلافات الطبقية والسياسية تقوّض أسس الحكومة.
ونجح حزب العمال الألماني، وخاصةً زعيمه أدولف هتلر ، في استغلال هذا الوضع التعيس وما تسبب فيه من بطالة وشعور بالمهانة والضيق. وكان هتلر قد ولد عام 1889 في قرية صغيرة بالنمسا، وحاول في عام 1907 الالتحاق بالأكاديمية النمساوية ( للفنون الجميلة ) !!، ولكنه رُفض. شعر هتلر بأن لقب "الفاشل" يلصق به، فأمضى السنوات الخمس التالية في عيشة ذليلة في فيينا، وأغلب الظن أن كراهيته لليهود تبلورت في هذه السنوات. وإثر نشوب الحرب العالمية الأولى، انخرط في الجيش.
بعد هزيمة ألمانيا انضم إلى حزب العمال الألماني، حيث اكتشف مقدرته الكبيرة في إلقاء الخطب المثيرة. وسرعان ما أصبح زعيماً للحزب، فغير اسمه إلى "الحزب الاشتراكي الوطني" (نازي) . وفي عام 1923 حاول القيام بانقلاب في ميونخ ، ليسيطر بعد ذلك على ألمانيا بكاملها.
إلا أن الانقلاب قد فشل، وحكم على هتلر بالسجن . وفي السجن قام بكتابة كتابه المعروف بأفكاره الوحشية البشعة Mein Kampf (كفاحي) وفصّل فيه برنامجه السياسي. وسرعان ما أطلق سراحه ليستمر في نشاطه السياسي.
في الثلاثين من كانون الثاني قام الرئيس ( بول فون هندنبورغ ) بتعيين هتلر مستشاراً لألمانيا، بعد أن حصل الحزب النازي على نسبة هامة من الأصوات في انتخابات عام 1932. وقام النازيون بالتحريض على الصدامات مع الشيوعيين الذين كان الكثيرون يشكون في أنهم يعرقلون خطوات الحكومة، بواسطة المظاهرات ، كما أداروا حملة دعائية شريرة ضد الخصوم السياسيين للحزب النازي، وضد حكومة فايمر الضعيفة وضد اليهود الذين نسب إليهم التسبب في مشاكل ألمانيا المختلفة السياسية الاقتصادية .
كانت اللا سامية أو الكراهية والتعصب الأعمى ضد اليهود، موجودة في ألمانيا وفي دول أوروبية أخرى طوال مئات السنين ومنذ عهود سلطة البابا ومحاكم التفتيش ، إذ كانت هذه الكراهية تغذيها عقائد مسيحية أوروبية غير سليمة لدى البعض ، وتعززها نظريات اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة. إلا أن اللا سامية الجديدة التي تبناها هتلر كانت تستند إلى العرقية، وتؤكد أن اليهود يتوارثون " دماً شريراً". وكانت هذه اللا سامية العرقية أداة قوية في الدعاية السياسية لهتلر.
كانت الصحيفة الأسبوعية النازية "دير شتيرمر" (المهاجم) أداة رئيسية في خدمة الهجمة الدعائية النازية. ففي أسفل الصفحة الأولى من كل عدد كانت الصحيفة تعلن بأحرف كبيرة :
"اليهود هم حظنا السيء".
وكانت "دير شتيرمر" تنشر رسومات كاريكاتيرية يظهر فيها اليهود معقوفي الأنوف وشبيهين بالقرود. وكان تأثير هذه الصحيفة بعيد المدى: ففي عام 1938 كانت الصحيفة توزع نصف مليون نسخة أسبوعياً.
بعد أن أصبح هتلر مستشاراً لألمانيا، دعا فوراً لانتخابات جديدة، لغرض السيطرة التامة على البرلمان الألماني "الرايخستاج". وقام النازيون باستعمال الجهاز الحكومي لإرهاب الأحزاب الأخرى، فاعتقلوا قادة هذه الأحزاب ومنعوا اجتماعاتها السياسية. ثم، وفي خضم الحملة الانتخابية، أحرقت بناية الرايخستاج في 27 شباط عام 1933.
وتم اعتقال مواطن هولندي اسمه ( مارينوس فان ديرلوبيه ) بتهمة حرق البناية، وأقسم هذا بأنه تصرف لوحده. ورغم أن الكثيرين شكوا في أن النازيين كانوا مسؤولين عن العملية، فقد نجح النازيون في إلقاء اللوم على الشيوعيين، فحصلوا على المزيد من أصوات الناخبين.
كان الحريق إشارة واضحة إلى سقوط الديمقراطية الألمانية. ففي اليوم التالي قامت الحكومة تحت ستار الإدعاء بالسيطرة على الشيوعيين، بإلغاء الحريات الفردية، وفي مقدمتها حرية الصحافة وحرية الاجتماع وحرية التعبير عن الرأي، والحق في حياة خصوصية. وعندما أجريت الانتخابات في الخامس من آذار، حصل النازيون على 44% من الأصوات، وحين انضم إليهم المحافظون الذين حصلوا على 8% من الأصوات، ضمن النازيون لأنفسهم الأغلبية في الحكومة.
أسرع النازيون إلى تعزيز قوتهم وتحويلها إلى دكتاتورية. وتم لهم في 23 آذار سن القانون الخاص بذلك. وعزّز القانون جهود هتلر الدكتاتورية ومكّنه من مد سلطته إلى أبعد من ذلك. وقام النازيون بإدارة آلات دعايتهم المخيفة لإسكات منتقديهم، وقاموا أيضاً بتطوير جهاز عسكري وبوليسي قوي.
وساعدت قوات الصاعقة "إس.إي" وهي منظمة ذات قاعدة شعبية، بمساعدة هتلر في نسف الديمقراطية الألمانية. وبعد 28 شباط، حصل الجستابو (البوليس السري للدولة) وهو قوة تم تجنيدها من ضباط الشرطة الممتهنين، على حرية اعتقال أي شخص. أما الـ "إس.إس" (قوات الحماية) فكانت مكلفة بمهمة الحراسة الشخصية لهتلر، وفيما بعد بالسيطرة على معسكرات الاعتقال وعلى الجستابو، في حين أن "إس.دي." (خدمات الأمن الخاصة بالإس.إس.) كانت تعمل كجهاز استخبارات نازي، يقوم بالكشف عن الأعداء ومراقبتهم.
مع إتمام هذه البنية التحتية للبوليس، تم إرهاب المعارضين للنازيين، وضربهم أو إرسالهم إلى أحد معسكرات الاعتقال التي أقامها النازيون لسجن المعارضين. وكان معسكر داخاو، بالقرب من ميونخ، أول معسكر يقام للسجناء السياسيين. ثم تغير الغرض من داخاو، مع مرور الزمن، فأصبح أحد المعسكرات الوحشية التي خُصّصت لاعتقال وإبادة ليهود.
في نهاية عام 1934 كان هتلر قد أصبح الحاكم المطلق لألمانيا، وأصبحت حملته ضد اليهود تدار بكل قوة. وادعى النازيون أن اليهود أفسدوا الثقافة النازية النقية، بتأثيرهم "الأجنبي" و "المهجّن". وقام النازيون بتصوير اليهود كعنصر شرير وجبان، وبتصوير الألمان كشعب شجاع وشريف ومنصرف إلى العمل و رفع شعار ( إن العمل يحرر ) وهو الشعار الذي كان يرفع على المباني النازية وحتى على أبواب معسكرات الموت ، وادعى النازيون أن اليهود الذين كانوا واسعي النفوذ في ميادين المال والتجارة والصحافة والأدب والمسرح والفنون، يقومون بإضعاف الاقتصاد الألماني والثقافة الألمانية.
أصبح "الآريون" أي الألمان، يُعتبرون عنصراً عالياً. وكانت دراسة لغوية قد بدأت في القرن الثامن عشر قد قررت أن اللغة الإيندو- ألمانية (المعروفة أيضاً بالآرية) تتفوّق في مبناها وتنويعاتها ومفرداتها على اللغات السامية التي تطورت في الشرق الأوسط. وأدت هذه الفكرة إلى التشكيك في شخصية الشعوب الناطقة بهذه اللغات، وإلى النتيجة القائلة بأن الأقوام الآرية هي أرقى من الأقوام السامية.
وهكذا التزم النازيون بالمحافظة على "طهارة الدم الألماني". ففي بداية الحرب العالمية الثانية، بدأ النازيون بالقتل المبرمج للمقيمين في الملاجئ والمشافي العقلية. وبموجب البرنامج المعروف باسم ( T-4 ) تم قتل عشرات الألوف من المعاقين والمشوهين والمتخلفين والمرضى النفسيين ( الألمان ) في غرف الغاز .....
ولما كان برنامج ( T-4 ) قد سبق عمليات قتل اليهود، فمن المعقول الافتراض بأن البرنامج كان يعتبر نموذجاً لـ " الحل النهائي لموضوع اليهود" . صحيح أن النازيين اضطهدوا أقليات أخرى أيضاً مثل - شهود يهوه - الذين رفضوا إطاعة القوانين النازية، كما اضطهدوا مثليي الجنس الذين اعتبروا من"الشواذ اجتماعياً"، والغجر الذين اعتبروا منبوذين، وكان مصيرهم التعقيم والقتل الجماعي؛ وكذلك الجنس السلافي الذين اعتبر أبناؤه من الوضيعين عرقيا ً، وخصّصوا لخدمة "الجنس الآري" - الألمان. في حين أن المفكرين التشيك والروس تم قتلهم باعتبارهم عناصر غير ضرورية تنتمي إلى "عنصر العبيد". لكن اليهود اعتبروا " العدو الأول " للنازية وحكم عليهم بالتصفية وبالإبادة التامة.
قام النازيون بمزج نظرياتهم العنصرية بنظرية النشوء والارتقاء التي وضعها تشارلز داروين، وذلك لتبرير معاملتهم لليهود. فالألمان باعتبارهم الأقوى والأكثر ملائمة، كتب عليهم أن يحكموا، في حين أن الضعفاء والمشوهين عنصرياً كاليهود محكوم عليهم بالفناء. وبدأ هتلر بتطويق اليهود بالإرهاب وبالتشريعات، وحتم ذلك إحراق الكتب التي ألفها اليهود، وإزاحة اليهود عن مهنهم وعن المدارس العامة، ومصادرة أعمالهم وممتلكاتهم، وعزلهم عن النشاطات الشعبية. وكانت أسوأ التشريعات المعادية لليهود هي قوانين ( نيرنبرج ) التي سنت في 15 أيلول عام 1935 . وكوّنت هذه القوانين الأساس القانوني لعزل اليهود عن المجتمع الألماني، كما جاءت بسياسات المضايقة التي مورست ضد اليهود في تصاعد وتزايد.
حاول الكثير من اليهود الهرب من ألمانيا، ونجح الألوف في الهجرة إلى بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا. إلا أنه كان أصعب بكثير الخروج من أوروبا. إذ وقفت في وجه اليهود قوانين هجرة تضع القيود وتحدد "الكوتات"، أي الأعداد التي يسمح لها بالدخول، في أغلب دول العالم. وحتى عندما حصل البعض على الوثائق الضرورية، كان عليهم الانتظار شهوراً أو سنين قبل أن يتسنى لهم السفر. وبسبب اليأس قامت عائلات كثيرة بإرسال أولادها إلى الخارج أولاً. وفي تموز عام 1938 اجتمع مندوبون من اثنين وثلاثين دولة في مدينة إيفيان الفرنسية لمناقشة مشاكل الهجرة التي خلفها النازيون في ألمانيا. ولم يُتخذ أي قرار مهم أو عملي في مؤتمر إيفيان، في حين تبين لهتلر أن ( لا أحد يرغب في اليهود ) ، وأنه لن يلاقي أي مقاومة في تنفيذ سياساته. وفي خريف عام 1941 كانت أوروبا مغلقة عملياً، وكان اليهود قد وقعوا في الشرك.
في 9- 10 تشرين الثاني عام 1938، ازدادت الهجمات على اليهود وحشية. وقام صبي يهودي في السابعة عشرة من عمره، اسمه ( هرشل جرينشبان ) ، أصيب باليأس إثر طرد عائلته فقام بإطلاق النار على السكرتير الثالث في سفارة ألمانيا في باريس، ( أرنست فوم رات ) الذي توفي في التاسع من تشرين الثاني. واتخذ السفاحون النازيون هذا الحادث ذريعة للقيام بليلة من التدمير عُرفت بإسم"كريستالناخت" (أي ليلة البلور المهشّم)، فسرقوا ونهبوا ودمروا المساكن وأماكن العمل اليهودية، وأشعلوا النيران في الكنس. وضُرب الكثير من اليهود وقُتلوا، وتم اعتقال 30,000 يهودي وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال.
هاجمت ألمانيا بولندا في أيلول عام 1939 ، وبدأت بذلك الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك بقليل، في عام 1940، بدأ النازيون في عزل يهود بولندا في الجيتوهات . وكان أكثر من 10% من المواطنين البولنديين من اليهود، حيث بلغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين. وتم انتزاع اليهود من بيوتهم بالقوة وإسكانهم في الجيتوهات المزدحمة، تفصلهم عن بقية السكان الأسوار والأسلاك الشائكة. وسهّلت هذه الإجراءات على النازيين، فيما بعد، نقل اليهود إلى معسكرات الإبادة. كانت الجيتوهات تفتقر إلى الطعام والماء ومتّسع العيش والخدمات الصحية، التي يحتاج إليها عدد كبير من السكان الذين يعيشون في مساحة محدودة، فتوفي عشرات الألوف نتيجة العوز والجوع.....
-------------------------------
وإستمر الوضع كذلك حتى بدء تنفيذ الحل النهائي" لـ "المسألة اليهودية" :
في حزيران عام 1941، شنت ألمانيا هجوماً على الاتحاد السوفيتي، وبدأت بتنفيذ "الحل النهائي". وتم تشكيل أربع وحدات قتل تحمل اسم "آينزانتسجروبن": أ، ب، ج، د. وكانت كل وحدة تشمل عدداً من فصائل الكوماندو. وقامت الآينزانتسجروبن بتجميع اليهود في المدن، الواحدة بعد الأخرى، وسارت بهم إلى حفر هائلة تم إعدادها سلفاً، ثم أمرتهم بنزع ثيابهم، وبالوقوف في صفوف، وأطلقت عليهم النار من أسلحة أوتوماتيكية، فسقط القتلى في الحفر التي تحولت إلى قبور جماعية. وفي مذبحة ( بابي يار ) الرهيبة، بالقرب من كييف، قُتل خلال يومين ما بين 30,000 و 35,000 من اليهود. بالإضافة إلى العمليات التي نفذت في الاتحاد السوفيتي، قام الآينزانتسجروبن بإدارة عمليات قتل جماعي في شرق بولندا، وأستونيا وليتوانيا ولاتفيا. وتشير التقديرات إلى أن الآينزانتسجروبن قام، حتى نهاية عام 1942، بقتل أكثر من 1,3 مليون من اليهود.
وفي كانون الثاني عام 1942، اجتمع عدد من كبار المسؤولين في الحكومة الألمانية لتنسيق الفروع العسكرية والمدنية للآلة النازية، لغرض تنظيم عملية قتل جماعي لليهود. وكان هذا الاجتماع، الذي أطلق عليه اسم مؤتمر ( فانزيه ) بداية لعملية التصفية الكلية والشاملة (لليهود)، كما أنه وضع الأسس لتنظيم العملية التي بدأت فور انتهاء المؤتمر.
حسب التعبير المنمّق الذي استعمله النازيون، خُصّصت لليهود "معاملة خاصة" للموت . وكانت "المعاملة الخاصة" تعني أن اليهود رجالاً ونساءً وأطفالاً، ستجري تصفيتهم وإبادتهم بانتظام لكن بالغاز السام. وفي المستندات الدقيقة التي تم حفظها في معسكر الموت ( أوشفيتس )، استُعمل الحرفان( SB ) للإشارة إلى سبب موت اليهود الذين تم تسميمهم بالغاز. ويرمز هذان الحرفان إلى الاصطلاح الألماني "معاملة خاصة".
بين كانون الثاني عام 1942 وربيع تلك السنة قام النازيون بتأسيس ستة مراكز لإبادة اليهود في بولندا، وهي: شيلمنو، وبيلزيك، وسوبيبور، وتربيلينكا، ومايدانيك، وأوشفيتس.
وأقيمت كل هذه المعسكرات بالقرب من سكك الحديد، التي يتم نقل اليهود إليها بكل سهولة. وأقيمت شبكة من المعسكرات أطلق عليها أسم "Lagersystem" لتعضيد معسكرات الإبادة. وكانت لهذه الشبكة مهمات متنوعة: فبعضها كانت معسكرات عمل عبوديّ، وبعضها معسكرات انتقال، وبعضها معسكرات تجميع لها تقسيمات داخلية، وبعضها كانت معسكرات موت معروفة بفظاعتها. بعض هذه المعسكرات قامت بكل هذه العمليات معاً، وبعضها قامت بجزء من العمليات. إلا أن المشترك بينها جميعاً كان القسوة والوحشية إلى أقسى حد.
وكانت هناك عدة معسكرات كبيرة للتجميع، بينها: رافنسبروك، ونوينجامه وبيرجن- بيلزن، وزاكسنهاوزن وجروس- روزن وبوخنفالد وترينزينشتات وفلوسنبورج، وناتسفايلر-ستروتهوف، وداخاو، وماوتهاوزن وشتوتهوف، ودورا نوردهاوزن، وغيرها.
وفي غالبية الدول التي اجتاحها النازيون أُجبر اليهود على وضع علامة على ثيابهم تشير إلى يهوديتهم ، وتم تجميعهم في جيتوهات أو في معسكرات اعتقال، ومن ثم نقلهم إلى معسكرات الإبادة. وكانت معسكرات الإبادة هذه في الواقع معامل لقتل اليهود، حيث قام الألمان بنقل الآلاف من اليهود إليها كل يوم. وفي خلال ساعات قليلة من وصولهم، تم تجريدهم من كل ما يحملونه وما يمتلكونه من أموال وممتلكات شخصية وملابس ، ثم تم تسميمهم بالغاز وحرق أجسادهم في محارق خاصة صُمّمت لهذا الغرض. وتم في معسكرات الإبادة قتل حوالي 3,5 مليوناً من اليهود.
مع هذا، فإن الكثير من الشباب الأقوياء الأصحاء لم يُقتلوا على الفور. فقد تطلب المجهود الحربي، وكذلك "الحل النهائي"، الكثير من الطاقات البشرية. وهكذا قام الألمان بالاحتفاظ بطاقات عمل كثيرة للعمل الإجباري، ولم يدفعوا الجميع إلى المحارق في الحال. وأُجبر هؤلاء الناس، الذين كانوا مسجونين في معسكرات الاعتقال، على العمل في مصانع الذخيرة الألمانية، مثل معامل ( آي.جي فاربن ) ومعامل ( كروبس ) ، وحيثما احتاج النازيون إلى عمال. وسُخّروا للعمل من الفجر وحتى الظلام، ولم يوفر لهم سوى حد أدنى من الطعام والحماية من الظروف القاسية. ومات منهم الألوف، أو قضي عليهم نتيجة العمل الشاق تحت أوامر الألمان والمتعاونين معهم.
في أواخر أيام الرايخ تحت حكم هتلر، عندما تراجعت الجيوش الألمانية، قام النازيون بسوق السجناء الذين ظلوا على قيد الحياة في معسكرات الإعتقال إلى المناطق التي كانت لا تزال تحت السيطرة الألمانية. ومات غالبيتهم أو أطلق عليهم الرصاص وهم في الطريق. وهكذا قضي على نحو ربع مليون من اليهود نتيجة لمسيرات الموت.
يتبع ....