ربما قد يستعصي على البعض استيعاب فكرة أن الدين كمنظومة فكرية مُقوْلـَبة هو مرحلة في إطار النمو الفكري الإنساني. و كأي شيء آخر في هذا العالم فإن عملية ’النمو‘ هذه تخضع لمبدأين أساسيين:
1. التطور evolution من خلال الانتخاب الطبيعي natural selection
في إطار طرح داروين و والاس، فإن مجتمعاً من الأفراد الذين يملكون التكاثر يكونون عرضة للانتخاب الطبيعي في حالة توافر ثلاثة عوامل:
أ. التنوُّع variation في الأداء التكاثري داخل منظومة أفراد المجتمع، بمعنى أن يكون هناك أكثر من طريقة و أكثر من أسلوب.
ب. التوارث heredity، بمعنى أن الفرد يلد من يشبهه، لكن يجب الانتباه إلى أن التوارث في سياق التطور المتمركز حول الجينات، أو الجين الأناني* يطرح ما هو أبعد من التشابه؛ فالجينات هي المحرك لتوجه عملية الانتخاب الطبيعي من أجل إعطاء الأفضلية للفرد الذي يحمل هذه الجينات، و من أجل أن يتم ذلك فإن الجينات تقوم بمنح الخواص التي تمكنها من البقاء ليس فقط للجيل الآتي بل أيضاً للأفراد الآخرين من أجل نشر نفسه. هو تطوير لفكرة البقاء للأصلح/الأقوى.
جـ. التنافس على الموارد اللازمة للتكاثر من شركاء التزاوج و غذاء و غيرها.
2. التفضيل/الانتخاب الجنسي sexual preference/selection
و هو بقاء الأفراد الحاملين لصفات جمالية معينة و حصولهم على الشريك الجنسي على حساب انقراض الأفراد الآخرين.
بتطبيق المبدأين على الفكر الإنساني (هناك فرع كامل من التطور مبني على وحدة أفكار بدلاً من الجينات اسمها الميمات memes) يمكن فهم شيئين:
1. انتشار أي الدين هو سبب بقائه.
2. الانتشار هنا مرتبط بانكشاف البيئة المحيطة به على العالم الخارجي، و هنا اللعبة كلها.
في الأزمان السابقة كان العالم تجمعات صغيرة نادراً ما تتجاوز القرية أو المدينة، و كل منها يسيطر عليه "جينات فكرية" بعينها هي ما يصنع المنظومة الفكرية و الأخلاقية للأفراد فيه. في حالة وجود فرد أو اثنين يحملان "طرقاً مغايرة للمألوف" من حيث انتشار و "تكاثر" الميمات الفكرية فإن الأثر يكون عنيفاً و يمنح الفرد أو الاثنين المؤسسين لهذا الأثر مرتبة عالية ربما طوطمية المنحى، و هو ما أصبح مستحيلاً في زمن المدارس الفكرية و الجامعات الذي نحياه؛ فكيف السبيل إلى ’طوطمة‘ خمسين عالماً يشكلون كيان مدرسة فكرية ما!
لا أملك الوقت للاستفاضة للأسف، لذا سأجمع ما أريد قوله في فقرتين.
سبب انتشار الإلحاد الآن هو اتساع حدود التجمعات البشرية نتيجة للمعلوماتية لتصبح وحدة واحدة، بكل ما يعنيه ذلك من اتساع للتأثر و التأثير و توريث الجينات عبر البحار. ليس ذلك فحسب، فالأرشفة التي تقدمها شبكة الويب جعلت التاريخ الإنساني مشاعاً للجميع لا حكراً على النخبة أو المختصين أو من يملكون القدرات المادية لطلبه في بلدانه، بالتالي أصحبت المقارنات أكثر زخماً بين المنظومات المختلفة.
الإيديولوجيا المعلّبة تفقد سلطتها خارج المجتمع المغلق، و من لا يشرب من التاريخ و المعرفة ليستخرج خارطة طريق الفكر البشري و يعرف الخطوة التالية على مرحلة التعليب سينتهي إما بقعة ظلام مثل الوهابية و الشيوعية، و إما طفيليات مثل الغيتوهات و التجمعات المهاجرة الرافضة للاندماج، و إما فيروسات مثل القاعدة.
ـ
* للمزيد عن الانتخاب الطبيعي المتمركز حول الجينات:
http://en.wikipedia.org/wiki/Gene-centre..._evolution
كفارة، بيوتيفول(f)