كان من المفترض أن ينشغل المصريون في الأيام الأول من شهر رمضان بالحديث عن غلاء الأسعار وزحام الشوارع ومسلسلات رمضان وربما الاستعداد لكسوة العيد.
لكن هذه العادة تبخرت عندما ألقى النانب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود قرارا من نوع القنبلة في أول أيام الشهر الكريم، تمثل في توجيه الاتهام إلى واحد من أبرز رجال الأعمال والسياسيين في مصر هو هشام طلعت مصطفى بالتحريض على قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم في دبي في يوليو/تموز الماضي، فأصبح السؤال الرئيسي في شوارع القاهرة حاليا: هو "يعني إيه 2 مليون دولار؟".
هشام طلعت مصطفى كان على صلة وثيقة بنظام الحكم
إنه المبلغ الذي تفيد المعلومات الواردة في قرار الاتهام بأن هشام طلعت مصطفى ،الرئيس السابق لمجموعة طلعت مصطفى (تضم 21 شركة) ووكيل لجنة الإسكان في مجلس الشورى ( احد مجلسي البرلمان) وعضو لجنة السياسات في الحزب الوطني التي يترأسها جمال مبارك نجل الرئيس المصري، أعطاه إلى محسن السكري، الضابط الذي تقاعد من جهاز أمن الدولة المصري برتبة عقيد، والمتهم الأول في جريمة قتل سوزان تميم.
على إيقاع مقص الحلاقة في صالونه المتواضع بضاحية مصر الجديدة، كان الأسطى محسن الحلاق يجهد عينيه من وراء نظارته السميكة مدققا في المانشيت الرئيسي للصحيفة، ثم يتوجه إلى "الزبون" وهو ضابط متقاعد بالقوات المسلحة متسائلا: "دول كام بالمصري يا عادل بيه؟" فيرد الزبون باقتضاب : اكثر من عشر ملايين جنيه.
أما الحلاق الآخر في نفس المحل فيعلن سعادته "بالفقر" إذا كان الغنى سيؤدي إلى ذلك المصير.
في التاكسي أيضا، يفاجئك السائق بالحديث بعد أن يشكو سوء المعيشة "مش كنا أحنا أولى بالفلوس دي"، ويستطرد "بلاش إحنا طيب مستشفى الأطفال بتاع القصر العيني"، لكنه وبعد أن يلعن رجال الأعمال وحال البلد يستطرد، " بس يعني الريس (يقصد الرئيس ميارك) هيمشي ورا كل شخص بعصايه؟".
هي حالة من عدم التصديق، لا تنفي المبدأ القانوني ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته، لكن تداعيات القصة كما أبرزتها الصحف الرسمية والمستقلة والمعارضة، تكشف نوعا من التشفي، لدرجة أن صحيفة الأخبار شبه الرسمية تابعت القضية في مانشيتها الرئيسي، وكتب رئيس تحريرها محمد بركات افتتاحية على الصفحة الأولى محذرا من "الفارق الضئيل بين الشخصي والعام في حياة رجال الأعمال في مصر".
اعترافات المتهم الاول
وكان النائب العام المصري قد فرض حظرا على النشر في تداعيات القضية حتى فوجئ الجميع قبل يومين برفع الحظر وإحالة المتهمين الأول والثاني إلى الجنايات والتوصية بالإسراع بتحديد جلسة المحاكمة. وتعود وقائع القضية إلى الثامن والعشرين من يوليو الماضي اثر مقتل سوزان تميم(31 عاما) في شقتها بمنطقة دبي مارينا، وتحديد شرطة دبي شخصية المتهم الأول بعد تحقيقات مكثفة.
وقد أبلغت السلطات المصرية نتائج هذه التحقيقات فاعتقل محسن السكري، وخلال التحقيقات أفاد بأن رجل الأعمال والسياسي الشهير هو الذي استأجره لقتلها. وقد نشرت الصحف المصرية تسريبات من النيابة العامة عن تسجيلات لمكالمات هاتفية بين الرجلين، قال المتهم الأول فيها إنه احتفظ بها "عشان ماروحش فيها لوحدي" بمعنى ألا يتحمل بمفرده تبعات هذا العمل.
من بين ما تضمنته المكالمات الخمس، ترتيبات وأماكن تنفيذ الجريمة والمبالغ موضع الاتفاق، وفي إحدى المكالمات نصح رجل الأعمال الضابط المستأجر بقتل سوزان تميم أثناء وجودها في لندن "على طريقة وفاة سعاد حسني وأشرف مروان " ( سقط كل منهما من بلكونه شقته في عاصمة الضباب) أو دهسها بسيارة.
كما تضمن نص المكالمة الثانية - الذي نشرته صحف مصرية- قول هشام طلعت مصطفى لمحسن السكري "أنا خلصتلك كل حاجة والمبلغ المتفق عليه جاهز والسفر بكره وهي موجودة في لندن واتصرف أنت بأه .. ده أنت راجل أمن دولة عيب عليك".
سوزان تميم قتلت في شقتها بدبي
أما المكالمة الثالثة فتتحدث عن فشل تنفيذ الجريمة في لندن ونقلها إلى دبي، إلا أن المتهم الأول يقول إنه حاول التراجع عن الاتفاق ورد المبالغ إلى رجل الأعمال، وينفي قيامه بقتل المجني عليها رغم وجود الاتفاق.
"زواج السلطة والثروة"
لماذا كل هذا الاهتمام بالقضية في الشارع المصري، هل لأنها احتوت الثالوث المثير : المال والسياسة والجنس أم لسبب آخر؟
يقول الصحفي إبراهيم منصور، رئيس تحرير جريدة "الدستور" اليومية، "إن مصر تشهد زواجا بين المال والسلطة والإثارة ليست السبب الوحيد في متابعة الجماهير بل والصحافة والصحفيين للقضية.
فهشام طلعت مصطفى على صلة وثيقة بنظام الحكم ، بل وبرئيس الجمهورية ونجله وزوجته، وهو محل متابعة إعلامية ملحة بإعلاناته في الصحف والتلفزيون وبمدنه الجديدة التي يفتتحها رئيس الجمهورية في الوقت الذي يكتوي فيه المصريون بأسعار الغلاء وانعدام المسكن الشريف".
لكن إذا كان هذا الشخص على هذه الدرجة من الاهمية فلماذا قررت النيابة العامة توجيه الاتهام إليه؟ يقول منصور إن هذا هو المفاجأة التي لا يعرف أحد سببها، لكنه يضيف أن السلطات حاولت البحث عن مخرج ولم تجده فيما يبدو وإنها تعرضت لضغوط مباشرة من دولة الإمارت ومن حاكم دبي نظرا لوقوع الجريمة على أراضي الإمارات.
ويدلل على ذلك باستضافة هشام طلعت مصطفى (49 عاما)، في اثنين من البرامح الحوارية بالتلفزيون المصري يوم 10 أغسطس/ آب الماضي، ليتحدث خلالهما عن مشاريعه الخيرية ورغبته في تأسيس "بنك العفاف" لتزويج غير القادرين، دون أن يشير من قريب أو بعيد لتلك القضية.
لكن السلطات المصرية تؤكد أنها فرضت حظر النشر حرصا على عدم إفساد سير التحقيقات، كما تنوه الصحف المصرية في فقرات مكررة على أن الجميع أمام القانون سواء وإن التأني في التحقيقات كان حرصا على الاستثمار في مصر ومستقبل العاملين فيه.
وقد انتقلت رئاسة المجموعة العملاقة بعد حبس هشام طلعت مصطفى إلى شقيقه الأكبر ، طارق 55 عاما، وهو عضو مجلس الشعب (البرلمان) ورئيس لجنة الإسكان فيه.
ويفيد موقع مجموعة طلعت مصطفى على شبكة الإنترنت بأن شركات المجموعة بها حوالي عشرة آلاف عامل وأن إجمالي إيرادتها يناهز العشرين مليار جنيه مصري، وأن عددا من المستثمرين العرب أبرزهم الامير السعودي وليد بن طلال من كبار المستثمرين فيها.
ويتفق محمد رضوان، مدير تحرير صحيفة "المصري اليوم" على أن المتهم في هذه القضية ليس شخصا عاديا، فأعماله وأنشطته مرتبطة برموز الصف الأول في النظام لدرجة أن الرئيس مبارك حضر افتتاح "مدينة الرحاب" التي أنشأتها مجموعته وأن الكثير من قيادات الحزب الحاكم والشرطة لهم فيلات ووحدات بتلك المشروعات.
لكن رضوان يقول إنه لم يستغرب صدور قرار كهذا عن النائب العام الحالي المستشار عبد المجيد محمود، فهو في رأيه له قرارت شجاعة مماثلة في السابق.
ويشير رضوان إلى أن توجيه الاتهام في هذا القضية إلى شخصية من هذا الوزن جاء بفضل ضوء أخضر من الرئيس مبارك مباشرة، حيث سرت شائعات عن علاقة قرابة بين عائلة طلعت مصطفى وزوجة الرئيس، الأمر الذي نفته عائلة طلعت مصطفى مؤخرا.
كما تحدثت التقارير عن ضغوط مارستها دولة الإمارات ونائب رئيسها ، حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، لكي تتم التحقيقات بشفافية على الجانب المصري. يتفق الجميع على أن قضية بهذا الحجم جمعت كل عناصر القصة الصحفية التي ترشحها لتكون حديث الجماهير لرمضان وما بعده ،حتى تنطق المحكمة إدانة أو براءة.
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_eas...000/7599243.stm