الموضوعية objectivity. بالتعريف : استقلالية الوجود وعدم اعتماده على العقل (الوعي). ومن ناحية أخرى عدم التأثر بالآراء والمشاعر الشخصية عند التفكير والتعامل مع الوقائع.
ما الشيء الذي نقول عنه حقيقي، موضوعي، وماذا نعني بالحقيقي الواقعي. لنفرض أننا نقف أمام صندوق ما، أول ما نقوم به هو تحديد هذا الصندوق بواسطة النظر فنحن نعتمد على حاسة النظر بالدرجة الأولى. فمن خلال النظر نحدد الشكل، إنه مكعب وليس شكل آخر. لقد قمنا بعملية قياس (مقارنة) بين أطوال أحرف الشكل فوجدناها متساوية بدقة معينة فصدر الحكم على الصندوق أنه مكعب. كما يمكننا تحديد لونه بالنظر، أو هل هناك علامات أخرى مميزة عليه.
من الممكن أن نشك في وجوده قد يكون صورة وهمية لمكعب آخر، فنقترب منه ونقوم بتحسسه باليد (حاسة اللمس) فتزداد ثقتنا بوجوده. هل هو ذو ملمس ناعم أم خشن؟ هل هو مصنوع من المعدن أم من الخشب أم من البلاستيك؟ هل هو حار أم بارد؟ يمكننا أيضاً استخدام حاسة الشم للتأكد فيما إذا كان للصندوق رائحة معينة (هذه الحاسة ليست قوية لدى الإنسان مقارنة مع كائنات أخرى). ويمكن أن نتذوقه مستخدمين حاسة الذوق، هل يمتلك الصندوق طعماً ما؟ ومن الممكن أيضاً استخدام حاسة السمع هل يصدر الصندوق أصواتاً معينة. أي أننا نقوم بتحديد صفات وخواص هذا الصندوق، كل هذه العمليات يقوم بها الدماغ، ونتخذ القرار : إذاً الصندوق حقيقي واقعي موجود خارجاً مستقل عنا، وهذا ما نألفه ويتفق عليه الجميع. إذن بالحواس التي نمتلكها نستطيع أن نحدد ما هو حقيقي. يستخدم البشر أدوات ووسائل علمية متطورة لرفع مستوى الحواس، لكشف المزيد من صفات وخصائص الأشياء قيد الدراسة.
لنفرض أن شخصاً يقف بجانب الصندوق ويخبرنا بقصة عن هذا الصندوق فيقول : يوجد داخل هذا الصندوق جني (عفريت). إذاً : أصبح لدينا الآن معلومات جديدة عن الصندوق، لقد تغير الصندوق ولم يعد الصندوق كما كنا نعرفه لقد تغيرت صفاته وخواصه، لكننا لا نرى الجني (العفريت) ولا نسمع صوته ولا نشم رائحته. إذاً هناك شك ظهر في آلية تفكيرنا فنحن نرفض أن نصدق هذه القصة ونشك بها، ونبدأ بتفحص الشخص الذي أخبرنا هذه القصة. يأتي شخص آخر ويخبرنا بالقصة ذاتها، يزداد ارتباكنا ولكننا مازلنا نصر على عدم صحة هذه القصة، ولكن الشك بدأ يؤثر فينا. يأتي شخص آخر وآخر وكل واحد يخبرنا بالقصة ذاتها، فيزداد الشك والارتباك. العقل يرفض حسب المعلومات التي ترده من الحواس، ولكن هناك معلومات أخرى تردنا ليس عن طريق الحواس، قد يذعن البعض لهذه المعلومات دون التصديق لها، والبعض قد يصدق ذلك لأنه لا يحب أن يخالف الآخرين، وهذا أمر معروف في علم النفس، ولكن مازال البعض لا يصدق هذه القصة. إذاً كيف نستطيع وضع حد لهذا الارتباك والتشويش؟ الطريقة الوحيدة هي فتح الصندوق ورؤية الجني. إذاً : بالتجربة المستندة على الحواس نستطيع فحص واختبار فرضياتنا والتأكد من صحة معلوماتنا.
لنفرض الآن أننا لم نستطيع فتح الصندوق أو كشف ما بداخله بأي طريقة. إذاً كيف يمكننا اختبار صحة هذه القصة (حقيقة وجود الجني داخل الصندوق). في هذه الحالة يجب إهمال هذه القصة واعتبارها غير ذي معنى وليس لها أية أهمية. إذاً : الفرضية التي لا يمكن اختبارها، والتي لا تعرض نفسها للتجربة، ليس لها معنى والعقل (الفكر) العلمي يرفض هذه الفرضية جملتاً وتفصيلاً.
إذاً نتيجة لذلك : لا يتحتم علينا القبول بقصة الجني داخل الصندوق، إذ لم نستطيع فتح هذا الصندوق أو الكشف عما بداخله والتأكد من وجود الجني، مهما كان عدد الأشخاص الذين يخبروننا بهذه القصة الغريبة بالأصل. فإذا قبلنا بها فإننا سنصبح على استعداد لقبول قصص أخرى، فقد يأتي أشخاص آخرون يخبروننا بقصة أخرى، على سبيل المثال : يوجد داخل الصندوق عقرب عملاق، فلكل من القصتين نفس درجة الصحة، إذاً القصتان متكافئتان.
فقبولنا بمثل هذه القصص نكون قد خلقنا عقلاً جديداً، عقل يميل إلى الاعتقاد بالخرافة والأكاذيب. وبالتالي يصبح بإمكان كل من يمتلك الخرافة أن يطلقها على أشياء لا يمكن اختبارها، وسيجد من يتقبلها ويتبناها.
إذاً نعني بالحقيقة reality الموضوعية : العالم الذي نحسه (العالم الذي يرد إلينا عبر حواسنا) هذا العالم الخارجي عنا المصنوع من أشياء يمكن أن نراها أو نلمسها أو نسمعها أو نتذوقها أو نشمها وهي الأشياء المحسوسة، الحقيقية، الراسخة في حياتنا اليومية. وإننا على ثقة بأن هذه الأشياء موجودة بشكلها المحسوس ذاته حتى لو لم نكن موجودين لرصدها، وأن رصدنا لها ليس إلا التأكد من حقيقة موجودة أصلاً.
فالقصص مثل : التلبس بالجن، والتقمص بالبشر أو الحيوان، والإصابة بالعين، كلها خرافات لا يمكن اختبارها. وبقبول مثل هذه الأمور عند البعض، نكون قد خلقنا عقلاً لا يحكمه المنطق، ولا العلم. عقل يقبل أي شيء ويرفض أي شيء دون تفكير أو محاكمة. وأحب أن أشير هنا إلى أن تركيب وبنية العقل العربي هي من هذا النوع عقل يميل إلى الخرافة ولا منطق.

Arrayإذاً نتيجة لذلك : لا يتحتم علينا القبول بقصة الجني داخل الصندوق، إذ لم نستطيع فتح هذا الصندوق أو الكشف عما بداخله والتأكد من وجود الجني، مهما كان عدد الأشخاص الذين يخبروننا بهذه القصة الغريبة بالأصل. فإذا قبلنا بها فإننا سنصبح على استعداد لقبول قصص أخرى، فقد يأتي أشخاص آخرون يخبروننا بقصة أخرى، على سبيل المثال : يوجد داخل الصندوق عقرب عملاق، فلكل من القصتين نفس درجة الصحة، إذاً القصتان متكافئتان.[/quote]
القصتان ليستا متكافئتين، فقصة العقرب أقرب إلى التصديق من قصة الجني، لأننا على الأقل نعرف بوجود هذا النوع من الكائنات.
لتصديق أو تكذيب أي ادعاء لا يكفي أن نعتمد على حواسنا الخمس فقط، فحتى هذه الحواس قابلة للشك. مثلاً يمكن أن أفتح الصندوق وأرى ما بداخله اليوم وأنسى ما رأيته بعد شهر أو سنة، أو قد يختلط الأمر مع حادثة أخرى مشابهة، أو قد أشك بأن ما رأيته كان حلماً أو وهماً بسبب تداخل الأمنيات مع الواقع.
في كثير من الأحيان نصدق ادعاءات معينة دون أن ندركها بحواسنا الخمس، لماذا؟ أولاً لأنها معقولة، وثانياً لأنها منقولة من مصادر موثوقة. ولا ضير من الاحتفاظ بهامش من الشك في جميع الأحوال.

يبدو أن هناك التباسا:
أعتقد ان مثال " العقرب العملاق" هو حول عقرب اكبر من الصندوق بمئات المرات مثلا

وبيت القصيد هنا انه حين ولسبب من الاسباب لا نستطيع اختبار ومعاينة القصة واختبارها حسيا او بواسطة اجهزة وادوات علمية على الاطلاق كأن يكون الصندوق في المجرة العاشرة عندئذ تهمل هذه القصة

اقتباس

"في كثير من الأحيان نصدق ادعاءات معينة دون أن ندركها بحواسنا الخمس، لماذا؟ أولاً لأنها معقولة، وثانياً لأنها منقولة من مصادر موثوقة. ولا ضير من الاحتفاظ بهامش من الشك في جميع الأحوال."

و أعتقد أن هذا ما عالجه الزميل في موضوع الاستقراء لذالك ارى اننا جميعا نبدوا "متفقين منطقيا"

تحياتي

كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم وصالا.
الكلام نفسه يقال عن الموضوعية، فكلنا يدعي وصلاً بالموضوعية أو يرى نفسه الأقرب إليها، ولكن أين هو منها؟

هل الموضوعية التي ننشدها نقطة واضحة يمكن الوصول إليها؟ أم هي مثل السماء التي نراها دون أن ندركها؟
إذا كانت آفة الموضوعية العواطف وما يلحقها من اعتبارات ذاتية هل يستطيع أحدنا التجرد تماماً من عواطفه عند التفكير في موضوع ما؟

هل يمكن أن نتحول إلى آلات مجردة تماماً من المشاعر؟ وهل يمكن وصف تلك الحالة بأنها قمة الموضوعية؟
دعونا نتخيل روبوتاً ذكياً يملك ما لدى أفلاطون ونيوتن وآينشتاين من قدرات عقلية مضافاً إليها قدرات أقوى كمبيوتر صنعه الإنسان حتى الآن، كيف سيجيب مثل هذا الروبوت على الأسئلة الجدلية التي شغلت الناس على مدى قرون ومازالت؟ وهل يستطيع الوصول إلى الموضوعية المطلقة؟ أم أنه سيتأثر بعواطف صانعيه؟

كل الرؤى و الاراء "ذاتية" لانها تخرج من ذوات انسانية و تبنى و تنطلق من فهم الذات و رؤيتها الخاصة المميزة للعالم .. هكذا قال الوجوديون.

و عندما يتلقى اينشتاين أو ماركس أو روسو ضربة مؤلمة فانه قبل ان يشرع في التفكير و التحليل "الموضوعي" يصرخ صرخة ألم انفعالية تتبدى فيها الذات أولا: أخخخخخ

Arrayهل يمكن أن نتحول إلى آلات مجردة تماماً من المشاعر؟ وهل يمكن وصف تلك الحالة بأنها قمة الموضوعية؟[/quote]

هذا dehumanization بشع!

(f)

Arrayهذا dehumanization بشع![/quote]
وما البشع في ذلك؟
حتى نكون أكثر موضوعية علينا أن نقلل من انحيازنا لإنسانيتنا.
هنا يأتي سؤال مهم:
هل من الحكمة التنكر لبعض صفاتنا الإنسانية مقابل التحلي بالموضوعية؟
إذا كان الأمر كذلك، فربما يقودنا هذا الاستنتاج إلى نموذج جديد من الإنسانية، وعندها قد نحتاج لإعادة النظر بمفهومنا لهذه الكلمة (الإنسانية).

Arrayهذا dehumanization بشع!

وما البشع في ذلك؟[/quote]

البشع في ذلك هو تحول الانسان الى رقم و أداة و تجريده من كل قيمة جمالية و اجتماعية لتنتهي كل العلاقات في هذا الكون تحت رحمة قلم و مسطرة و الة حاسبة و أنبوب اختبار .. ماذا تبقى من انسانيتنا ان أضعنا شكسبير و غاندي و المسيح و فان جوخ و فيروز و و و و و؟

اني من الساخطين على ما فعله ال industrialization و الماكدوناليزيشن في الانسان .. و كما قال "روسو" رضي الله عنه ان العلوم و التكنولوجيا أفسدت و أتعست الانسان و لم تفعل العكس كما يرى البعض.

بالمقابل لست أدعو للتخلف و نبذ منجزات العلوم و التكنولوجيا و لكني أخشى على الانسان منها و أطمح لأنسنتها لا الى استمرار تغولها و سحقها للانسان فينا.

Arrayهل من الحكمة التنكر لبعض صفاتنا الإنسانية مقابل التحلي بالموضوعية؟[/quote]

نعم و لا بد مما ليس منه بد "أحيانا" .. فليس هناك ما هو صح مطلق ولا شر مطلق .. السياق هو الذي يحكم.

(f)

اقتباس:البشع في ذلك هو تحول الانسان الى رقم و أداة و تجريده من كل قيمة جمالية و اجتماعية لتنتهي كل العلاقات في هذا الكون تحت رحمة قلم و مسطرة و الة حاسبة و أنبوب اختبار .. ماذا تبقى من انسانيتنا ان أضعنا شكسبير و غاندي و المسيح و فان جوخ و فيروز و و و و و؟

ولكن ما سبب الخوف من القلم والمسطرة والآلة الحاسبة وأنبوب الاختبار؟ لقد أصبحت هذه الأدوات جزءاً من تطورنا، وما رفضنا إياها إلا محاولة فاشلة لتجميد الزمن أو عكس مساره. حتى القيم الجمالية والاجتماعية التي تتكلمين عنها صارت تقاس بمثل هذه الأدوات. أما شكسبير وغاندي والمسيح وفان جوخ وفيروز فهؤلاء رموز للإنسانية التي عرفناها حتى الآن، ولكن مع تطورنا وتطور مفهومنا للإنسانية يمكن أن تظهر نماذج أخرى للإنسانية حسب مفهوم جديد يصعب علينا تخيله حالياً.

اقتباس:اني من الساخطين على ما فعله ال industrialization و الماكدوناليزيشن في الانسان .. و كما قال "روسو" رضي الله عنه ان العلوم و التكنولوجيا أفسدت و أتعست الانسان و لم تفعل العكس كما يرى البعض.

هذا الكلام غير دقيق، فالعلوم والتكنولوجيا لم تفسد حياة الإنسان وإلا لما سعى إليها وحرص على المزيد منها. المشكلة التي تضخمينها هنا هي الأضرار الجانبية المصاحبة للعلوم والتكنولوجيا، وهي من طبائع الأمور، فلا حلاوة بدون نار، كما أن هذه الأضرار تعالج أولاً بأول باستخدام أساليب علمية وتكنولوجية أيضاً. أي أن العلوم والتكنولوجيا يمكن النظر إليها كنظام متكامل يصلح نفسه بنفسه.

عزيزتي هالة،
بالعودة إلى صلب الموضوع، ألا تتفقين معي على أننا كلما ابتعدنا عن العواطف اقتربنا أكثر من الموضوعية؟
وبهذا المنطق، ألا يكون الروبوت (الخالي من العواطف) أكثر موضوعية من الإنسان (المليء بالعواطف)؟

Arrayالمشكلة التي تضخمينها هنا هي الأضرار الجانبية المصاحبة للعلوم والتكنولوجيا،[/quote]

أنا التي أضخم يا زميلي؟؟
ألا ترى معي أن الأقلية في هذا العالم بفضل تقدمها العلمي و التكنولوجي جعلت العالم مسرحا للحروب و الأسلحة و المجازر و المشردين و الفقراء؟

Arrayلقد أصبحت هذه الأدوات جزءاً من تطورنا، وما رفضنا إياها إلا محاولة فاشلة لتجميد الزمن [/quote]

لست أرفضها بل أرفض توحشها .. و هذا التطور ما كان ليكون لولا معادلة "التحدي و الاستجابة" التي التي تفرض نفسها كنوع من التكيف adaptation

Arrayبالعودة إلى صلب الموضوع، ألا تتفقين معي على أننا كلما ابتعدنا عن العواطف اقتربنا أكثر من الموضوعية؟
وبهذا المنطق، ألا يكون الروبوت (الخالي من العواطف) أكثر موضوعية من الإنسان (المليء بالعواطف)؟
[/quote]

هذا مؤكد .. لكنك تتكلم في المطلق و التجريد
ففي أي مجال سيستخدم الروبوت؟ و هل بامكان من يقف وراءه ان يكون موضوعيا؟ هل روبوت رامسفيلد مثل روبوت غاندي أو الام تيريزا؟ تلك هل المسألة
الاول مصمم لأغراض الهيمنة والأخر للدفاع عن الحياة .. بالتالي الروبوت نفسه ضحية و أداة أطراف متناحرة.
أي أنه غير معزول عن اللاموضوعية و لا عن الخريطة الاجتماعية التي يقع ضمنها و التي لا يمكننا اسقاطها من الحسبة.

(f)

Array
البشع في ذلك هو تحول الانسان الى رقم و أداة و تجريده من كل قيمة جمالية و اجتماعية لتنتهي كل العلاقات في هذا الكون تحت رحمة قلم و مسطرة و الة حاسبة و أنبوب اختبار .. ماذا تبقى من انسانيتنا ان أضعنا شكسبير و غاندي و المسيح و فان جوخ و فيروز و و و و و؟

اني من الساخطين على ما فعله ال industrialization و الماكدوناليزيشن في الانسان .. و كما قال "روسو" رضي الله عنه ان العلوم و التكنولوجيا أفسدت و أتعست الانسان و لم تفعل العكس كما يرى البعض.

بالمقابل لست أدعو للتخلف و نبذ منجزات العلوم و التكنولوجيا و لكني أخشى على الانسان منها و أطمح لأنسنتها لا الى استمرار تغولها و سحقها للانسان فينا.
نعم و لا بد مما ليس منه بد "أحيانا" .. فليس هناك ما هو صح مطلق ولا شر مطلق .. السياق هو الذي يحكم.

(f)
[/quote]

:thumbup:
:redrose: